نهاية العالم أن يموت كل جميل .. أن نصحو ذات صباح ولا نجد الذين نحبهم .. نهاية العالم أن نفقد إنسانًا عزيزًا.. نهاية العالم أن تفارقنا روح عزيزة ولا تعود أبدا. بشير
نهاية العالم أن يموت كل جميل .. أن نصحو ذات صباح ولا نجد الذين نحبهم .. نهاية العالم أن نفقد إنسانًا عزيزًا.. نهاية العالم أن تفارقنا روح عزيزة ولا تعود أبدا.
بشير عياد صديق محب لأصدقائه ينصح دون تعالٍ..يقدم المعلومة لمن يعرفه ومن لا يعرفه، بسيطا متواضعا.. أنيقا حتى فى أيام الصيف يصر على ارتداء "البدلة" كاملة وعلى "سنجة" عشرة كما يقولون فصعب أن تكتب عن رحيل صديق لك باستخدام كلمة "كان" فبشير عياد ذلك الصديق الذى لم يتخل عن أخلاقه ومبادئه منذ عرفته مابين عامي 87- 90 هو نفسه بشير عياد الصحفى اللامع والموسوعة الغنائية والكاتب الساخر الذى لم يأخذ حقه بين أدعياء الثقافة ونجوم التوك شو.
لبست الكلمات ثوب الحزن ولم أجد فى حروف لغة الضاد أى حرف يفرح القلب، فاختنقت الروح، واسودت الدنيا ولم يعد القلب يعرف معنى السعادة أو طعم الأشياء، فقد ذهب من يجعل لها طعمًا وحلاوة، وترك لنا الآهات والعبرات نذرفها حين تمر صورته وهو يجلس بالجلابية بين أبنائه عقب صلاة العيد..رحل بشير عياد ..رحل رفيق الدرب ورحلة الكفاح التى تعود إلى عام 87 تقريبا حين تعرفت عليه فى مجلة الشباب بمؤسسة الأهرام، حين يأتي زائرا لزميلة صحفية فعرفته وكنت ثانى صديق له بعد رسام الكاريكاتير الراحل مصطفى حسين، بشير بشهادة نفسه فى لقاء جمعنى به والأستاذ مصطفى عبدالله، رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب السابق، وكنا فى إحدى الأمسيات الشعرية بالمجلس الأعلى للثقافة فذكر بشير أننى ثاني صديق له بعد مصطفى حسين. ومنذ أن عرفت بشير عياد وهناك شيء مشترك بيننا أو قل أشياء كثيرة مشتركة منها تحقيق الذات، وأن يكون لنا مكان تحت شمس القاهرة، فقد كنا ندرك أن الطريق طويل، وهناك من كان يقف فى طريقنا ويتساءل بينه وبين نفسه لقد جاءا لينافسانا، وقد كان فلم أعهد بشير سوى منافسا وخصما عنيدا فى الحق قوي الحجة والبرهان يمتلك من العلم والثقافة ما عجز عنه أبناء القاهرة ومدعيي الثقاف،ة وهو لم يكن خريج صحافة أو لغة عربية بل خريج الحقوق الذى حفر له مكانا بين الكبار ونافسهم وتفوق عليهم بلغته السلسلة البسيطة التى استطاع أن يبسطها بعد سنوات من عمله بالصحافة، وهذا ما وضح فى كتاباته فى ناطحات شعرية وجميل بثينة ومقالاته الصحفية فى مجلة كاريكاتير وجريدة فيتو وكان دائما يحثنا على الكتابة باللغة العربية الفصحى حين أكتب مقالا ساخرًا فأرسله له بعد النشر فيقول لى "ح أقراه وأرد الليلة..مش حأخره.. حاقوم آكل بس وآخد العلاج وأسكعك رد قبل ما تنام" لكنه تأخر فى الرد على غير عادته فى الالتزام لتعبه، فكتب معتذرا كده حسستني بالذنب، كان لازم تقول لي إنه حينشر علشان أرد بسرعة وبعد كده تكتب لي تفاصيل أكثر، مثل: دا للنشر، أو رأيك بسرعة وهكذا.. فكان الرد بعدة ملاحظات منها: أنت كاتب جيد والفكرة جيدة، عابها الكتابة بالعامية" يومها دعانى لحضور ندوة، وحيكون فيه ناس كتير حلوين المرة دي، الندوة عن تحفة الست "غلبت أصالح" في صالونه قائلا: أغنية مالهاش حل: ستكون شيئا بديعا.. لو فاتك حتعيط مش عايزك تعيط ب..س فقلت أنا كده كده ح أعيط .. فقال: عشان كده باقول ما تعيطش- حنشتغل فيها شغل كويس.. خلاص جاى فاشترط أن تكون هدير ابنتى معى التى يحبها كابنتيه- هى جواز المرور..مش ح اعرف آجى من غيرها.. فرد حيكون معايا نوران وسلوان ومهم يشوفوها.. قلت: حاضر.. فرد "متشكرين ياض" "أوعى النمل يكعبلك"، وبعد الندوة كنت أتحدث معه على الفيس بوك قال لى: "أنا مبسوط اليومين دول الحالة الصحية مش مظبوطة.. ورحت للدكتور بالليل طمني ع الكبد.. لكن خايف ـ الدكتور ـ يكون فيه مشاكل في الدم بسبب الكبد وطول العلاج .. لكن الحمد لله.. وأبدى سعادته بفرح أولاده لنجاح ابنتى هدير: الولاد مبسوطين هنا وقالوا هدير نجحت بمجموع كويس ألف مبروك.. فرحانين بجد.. ودا أسعدني أنهم مش بينسوها.. هدير أختهم رد فعلهم هايل.. أنا لسه داخل من بره من ساعة يا دوب أكلت وأخدت العلاج ..أول حاجة قالوها لي خبر نجاح هدير..
ماذا أكتب عن بشير عياد؟ الشاعر الكبير.. الصحفى؟ .. المؤرخ؟ .. الكاتب الساخر؟ أم بشير الإنسان؟.. إذا تحدثت عن أى منهم فالإنسان قاسم مشترك، فبشير حين يكتب لا يتخلى عن إنسانيته حتى حين يهاجم خصما، فهو شريف فى الخصومة، لا يتطرق لأشياء شخصية لا يشوه صورة إنسان، بشير شغله البحث عن الحقيقة عن أى شيئ آخر يختلف معك لكنه لا يشوهك أمام الآخرين ولا يذمك ولا يحقر من شأنك أمامهم.. هذا هو بشير عياد الذي يبتسم وهو فى قمة الألم ملأ الدنيا كلمات وحضورا ورحل في غمضة عين ..
يقول المتل.. رب أخ لم تلده أمك.. مثل ينطبق تمامًا على بشير عياد صديق الجميع.. الذي يجمع من يعرفه أنه الأقرب له فيفاجأ أن الجميع أصدقاء عياد يعاملهم بنفس الحب والقرب.. كان بشير يحب فى الله ويبغض فى الله.
وعن ذلك كتب يومًا.. أعظم ما في الوجود أن تجد مَن يحبّك "لله في لله"، والأعظم أن تجد مَن يخاف عليك ويشعر بالقلق من أي خاطر تجاهك، وقد أكرمني الله ورزقني بعشرات القلوب النقية، ومن أعظم مكاسبي في تجربتي مع مجلة " كاريكاتير " التي خرجت منها بخسائر لا تُقدّر بثمن خصوصا فيمن عرفتهم وأدركت أنهم لم يكونوا يستحقون ثانية واحدة من الاهتمام (وأعني الكتاب والرسامين ولا أعني أصدقائي القراء)، أقول إن من أعظم مكاسبي على الإطلاق هذا الكيان الراقي الممتلئ حبّا ونقاء وشموخا وعفّة وأستاذية، أستاذي العظيم محمد العزبي، الذي استلمني مع الفنان مصطفى حسين وعلّماني كل فنون الصحافة من ألفها إلى يائها، كان الفنان مصطفى حسين يدافع عني علنا بشراسة وإصرار، بينما كان المعلّم العظيم محمد العزبي يعلّمني في صمت وهدوء يصل إلى الهمس، وكم تلقّى من الضربات ممن لا يساوون غطاء قلمه، لكنه كان يبتسم ويقول لي: دعهم، وبالفعل انتصرنا في النهاية وطهرنا المجلة، غير أن أجيال الأنجاس تتكاثر بالانقسام، ولم نفرغ من مجموعة إلا لنجابه أخرى، حتى انتهت أجمل تجربة في عمري كله وليس عمري الأدبي أو الإعلامي .
لقد أبدع بشير عياد على صفحات مجلة كاريكاتير فى أحلي فتراتها ووصل به الأمر إلى حد كتابة نصف المجلة.. وعندما تولى مصطفى حسين رئاسة التحرير بمفرده استعان به الأستاذ كمدير لتحرير المجلة وتقريبا كل شئ بها فى تلك الفترة أحبه البعض واختلف معه البعض وتلك طبيعة البشر... قال عن هذه التجربة تجربتي مع مجلة "كاريكاتير" التي خرجت منها بخسائر لا تُقدّر بثمن حيث اعترف لى بشير فى لقاء بيننا أنه كان يدفع من جيبه الخاص ويسدد شيكات وكان ..تقريبا الكل فى الكل.
بشير والأستاذ وأنا
كان الفنان الراحل مصطفى حسين معجبا بريشتى وأنا اشق أولى خطواتى فى عالم الصحافة من باب الكاريكاتير منذ أكثر من 25 عاما حين كنت أبدأ أولى وبأسلوب الأستاذ والمعلم كان يشجعنى عن طريق صديقنا المشترك الشاعر بشير عياد الذى عمل فى جمرك الإسكندرية موظفا راسل الفنان مصطفى حسين بأفكار كاريكاتير لتنشر بالصفحة ويوقع باسم ( فكرة بشير عياد ـ جمارك الإسكندرية ) الذى كان محبًا للرسم أيضا لكن الأستاذ مصطفى حسين رأى فيه كاتب ساخر فنصحه بالكتابة الساخرة ..التى برع فيها بشير.. ربما أراد بشير أن يرى في نفسه كرسام كاريكاتير فكان يحثنى دائما على الرسم ورسم بورتريهات وأنه مستعد أنه يسلمها بنفسه لمصطفى حسين المعجب برسمي وخاصة رسم كنت نشرته فى صفحة آخر الأسبوع للملحن محمد الموجى في وقت فتح فيه مصطفى حسين الباب لهواة ليشاركوه فى نشر إبداعهم فأصبحوا نجوما فى الصحافة والإعلام.. بشير كان فرحا بصورة الموجي التى رسمتها لدرجة أن يحيى الموجى أعطى بشير صورته لأرسمها أنا له مثل مثل الموجي الكبير لكننى كنت مشغولا بالصحافة وتركت أو تجاهلت الرسم والكاريكاتير..
بشير عياد ابن كفر الدوار المعتز ببلده البحيرة العاشق للكتابة والشعر الحافظ للتراث الفنى الذي يجيد كتابة الزجل بقدر إبداعه للشعر كاتب ساخر يسخر من أى شيء وإن لم يجد يسخر من نفسه.. بشير لم يتلون يوما أو يتغير أو يتخلى عن مبادئه أو ما تربى عليه.. آخر لقاء جمعني بالراحل بشير عياد فى صالونه ببورصة الكتب يوم 28 مايو الماضى الذى كان يلتزم بمواعيده بالثانية كما هو معروف عنه .. وفى لحظة التقط لى صورة تبدو الدموع فى عيني وكأننى أودعه وأقول له إن هذه آخر مرة أراك فيها.. أفتقدك يا صديقى ..أفتقد الوفاء فى زمن ضن أن تجد من يقف بجانبك إلا لمصلحة أو هدف.. أفتقد سخريتنا معا ونحن نتذكر الأيامى التى مرت علينا.. ومحادثتك واهتمامك بابنتى هدير كأنها نوران أو سلوان أو محمد أبناؤك الذين كنت أرى فيهم بشير عياد بحبه بأدبه الجم بأخلاقه بالتزامه باحترامه للآخرين بثقافته حيث كان بشير الذي يسكن القلوب يتحدث بألف لسان.. وقد كتب عن ذلك هذه الأغنية تغني بها الفنان العالمي (النوبي الأصل حمزة علاء الدين) رحمة الله . وكان ذلك في أواخر التسعينات.
ماليش عنوان
أنا عصفور .. بقلب أبيض.. و ألف لسان
أطير على الكون .. أغني للسلام، للحب، للإنسان ... في كل مكان
أطير فرحان ...في أي مكان
عناويني سطور منقوشة بالأحلام
قلوب بتدق يجمعها أمل بسام
في ناس تتمنى خير للناس مدى الأيام
أغني .. أبتسم .. وأبكي.. دموعي تغسل الأحزان
في أي مكان.. تغسل الأحزان
خطاوينا مراكب شوق تدور بينا
تشرق يوم تغرب يوم .. ترسينا
ولما الموج يعاندنا و يرمينا
صدى صوتك في نص الليل
يكون مرسى و بر أمان
في أي مكان .. ده بر أمان
ودنيتنا يوم ما نضم إيد على إيد
جنينة ورد هتفتح في ليلة عيد
تسعنا بالأمل و الحب والأغاريد
أنا العصفور على الأغصان
أنام وأحلم وأطير فرحان
في كل مكان
أطير فرحان .. في أي مكان
أنا عصفور بقلب أبيض و ألف لسان
أطير على الكون .. أغني للسلام، للحب، للإنسان ...
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
نهاية العالم أن يموت كل جميل .. أن نصحو ذات صباح ولا نجد الذين نحبهم .. نهاية العالم أن نفقد...
أحد أهم أعلام النقد الأدبي في مصر، وهب حياته للنقد والأدب والبلاغة، وأصدر العديد والعديد من الكتب في الشعر والسرد...
لاشك أن شعر العاميه المصرية هو الرافد الشعري الأقرب إلى الوجدان الشعبي , فبرغم مروره بمراحل تطور مختلفة منذ ظهوره...
هو الذي كتب على الطين فشهق الحرف نورا و حضارة هو المولود من رحم نخلة على ضفاف الفراتين هو الباحث...