في العام 1898 وُلد فيديريكو جارثيا لوركا؛ لعائلة من مُلاك الأراضي الزراعية في وادي غرناطة. لكن العائلة كلها، وبعد أحد عشر عامًا من مولده، انتقلت إلى غرناطة ذاتها حيث
في العام 1898 وُلد فيديريكو جارثيا لوركا؛ لعائلة من مُلاك الأراضي الزراعية في وادي غرناطة. لكن العائلة كلها، وبعد أحد عشر عامًا من مولده، انتقلت إلى غرناطة ذاتها حيث أخذت الروابط الفنية والفكرية للوركا تأخذ طورها في التشكل.
تعتبر الظروف التي أحاطت بإعدام لوركا، وكذا مكان دفنه من أكثر القضايا غموضًا في تاريخ إسبانيا الحديث. حتى الآن يُقال إن الشاعر لوركا المولود في غرناطة قد تم إعدامه مع ثلاثة آخرين رميًا بالرصاص على يد فرقة إعدام يمينية. في ستينيات القرن الماضي تقدمت الكاتبة الفرنسية مارسيل أوكلير باستجواب حول موت لوركا. ووقع طلبها للمعلومات بين عدد من الوزراء الحكوميين، تقاذفوا مسئولية الرد فيما بينهم. حينئذ تم توجيه طلب إلى شرطة غرناطة كي تقوم بإعداد تقرير حول موته بعد مرور ما يقرب من 29 عامًا على وفاته. أشارت الوثائق إلى أن لوركا قد وقع تحت وطأة الاضطهاد والتعسف جراء معتقداته، التي وصف على أثرها بأنه ماسوني شيوعي، ترددت الشائعات عن ممارساته الغريبة وشذوذه الجنسي. وبعد أن قامت الشرطة بحملتين للتحريات حول بيته في غرناطة، فر إلى منزل أحد أصدقائه خائفًا من الإجراءات الأمنية التي بدأت تقلق حياته وتصيبها بالاضطراب.
في أغسطس من العام 1936، بعد شهر واحد من اندلاع الحرب الأهلية، حاصرت الشرطة المنزل الذي كان يختبئ فيه لوركا، وحاول عدد من أصدقائه التدخل لأجل الدفاع عنه.
تم القبض على لوركا، ونقل في سيارة إلى مكان معروف باسم فيونتي جراندي Fuente Grande، مع عدد آخر من المعتقلين؛ وتم تنفيذ حكم الإعدام على الفور، ودُفِن في نفس الموقع بدعوى أنه اعترف بارتكاب التهم الموجهة إليه. لم ترد أية تفاصيل عن محتوى اعترافاته أو حتى الاتهامات التي تم توجيهها إليه.
منذ العام 2009 بذلت جهودٌ عديدة في محاولة معرفة قبر لوركا، أو حتى المكان الذي يفترض أنه دفن فيه غير أن هذه المحاولات لم تصب الكثير من النجاح.
مؤخرًا صرح المؤرخ الإسباني ميجويل كاباليرو بيريز Miguel Caballero Perez، بأنه أمضى قرابة الثلاثة أعوام بين ملفات الأرشيف الشرطي والعسكري محاولاً أن يحدد ملامح الثلاثة عشر ساعة الأخيرة في حياة لوركا. فقد أعلن بيريز أنه استطاع أن يحدد هوية ستة من رجال الشرطة والمتطوعين ممن شكلوا فرقة الإعدام التي أطلقت النار على لوركا وثلاثة مسجونين آخرين، وكذلك استطاع تحديد موقع تنفيذ حكم الإعدام رميًا بالرصاص. وقد أفاد المؤرخ الإسباني بأن إعدام لوركا كان جراء خصومة سياسية واقتصادية طويلة بين بعض أثرياء غرناطة.
القصائد[1]
أغنية خريفية
نوفمبر 1918
في قلبي اليوم
خفقانٌ غامض للنجوم،
لكنني ضللت الطريق
في مغبة الضباب.
النور يرخي جناحي.
أوجاع حزني
تبلل الذاكرة
في بئر التأمل.
كل الأزهار بيضاء
بيضاء مثل وجعي،
بيضاء فقط عندما
تسّاقط عليها الثلوج.
فيما مضى، كانت ترتدي قوس قزح.
الثلوج أيضًا تسّاقط على الروح.
ثلوج الروح تقبلها
رقائق ومشاهد
تلاشت من قبل في الظل
أو في نور الشخص المتأمل.
الثلوج تساقط من الأزهار،
لكنها تعلق في الروح
ومنها
تصنع إبرة العام الغليظة
كفنا.
هل ستذوب الثلوج
حين يستدعينا الموت؟
أم ستكون هناك ثلوج أكثر
وأزهار أكثر اكتمالا؟
هل سندرك السلام
كما وعدنا المسيح؟
أم أنه لن يدركنا أبدا؟
وماذا لو أن الحب خدعة؟
بمن سوف تستغيث حياتنا
لو أن العتمة المتخثرة دفنتنا
في يقيننا بالخير،
الذي ربما لا يكون حقيقيًا،
وبالشر الذي يخفق على مقربةٍ؟
ماذا لو مات الأمل
ونهضت بابل؟
أي نور سوف يضيء
دروب الأرض؟
لو أن الزقة حلم
ماذا ـ إذن ـ تكون البراءة؟
ما الذي ينتظر القلب
لو لم يحمل الحب أسهما؟
لو أن الموت هو الموت،
فما الذي لا يذكره أحدٌ
من الشعراء والأشياء السابتة؟
شمس آمالنا!
المياة الصافية! القمر الجديد!
أفئدة الأطفال!
الأرواح الفظة للأحجار!
ارتجافة غامضة للنجوم
وكل الأزهار
بيضاء مثل ألمي.
أغنية صغيرة
ديسمبر 1918
قطرات الندى
على أجنحة العندليب،
قطيرات صافية من القمر
صاغها الوهم.
على مرمر النافورة
قبلةٌ من ميزاب المياة،
حلمٌ بنجوم ضئيلة.
الفتيات في الحدائق
جميعهن يودعنني
حين أمر. الأجراس أيضًا
تودعني.
والأشجار تقبلني في الضوء الشحيح.
أمضي على امتداد الشارع أبكي،
غريبًا، لا إجابات،
حزينًا مثل كيرانو
حزينًا مثل دونكيخوته،
أستعيد
المُطْلَقَات المستحيلة
مع دقات ساعات الحائط.
أرى القزحيات جافة
حين ألمسها بصوتي
حين يضمخها الدم بالضوء،
وفي قصيدتي الغنائية
أرتدي بدلة مهرج ملطخة بالشحوم.
الحب الهائل الجميل
يختفي تحت عنكبوت.
الشمس مثل عنكبوت آخر تخفيني
تحت ساقيها الذهبيتين.
لن أجد السعادة
لأنني مثل الحب
سهامه من دموع
وارتعاشته القلب.
سأمنح الآخرين كل شئ
وأبكي عاطفتي
مثل الطفل المنبوذ
في قصةٍ محذوفةٍ.
أغنية حزينة
قصيدة صغيرة
أبريل 1918
قلبي فراشةٌ،
يا أطفال الحقل الطيبين،
اصطادها عنكبوت الوقت الرمادي،
وانتفخت بلقاح الخيبة المميت.
عندما كنت طفلاً
كنت مثلكم أغني،
أطلقت العنان لطائري
بمخالبه القططية الأربعة المخيفة.
مررت عبر حديقة كارتاجينا
مستعطفًا الفيربينا
وقد فقدت خاتم حظي الجميل
عندما عبرت النهير الجديد.
كنت خَيَّالاً أيضًا
ذات ظهيرة منعشةٍ في آيار
وقتئذٍ كانت هي أحجيتي،
نجمةٌ زرقاء على صدري النقي.
ببطءٍ ركبت حصاني باتجاه السموات.
في ذلك الأحد في نبات السينفوين
رأيت يديها تقطف الليلك
ليست ورودًا وقرنفلا.
دائمًا كنت قلقا،
فتاة الرومانسية استغرقتني
في أحلامٍ صافية:
من سيقطف أزهار آيار
وقرنفلاته؟
لماذا سيراها فقط الأطفال الذين يركبون بيجاسوس،
هي، التي تحوم هنا بالحزن،
نسميها نجمة، ونستعطفها أن تأتي
وترقص حول الحقل؟...
في نيسان طفولتي غنيت
لأنثى الرومانسية الحصينة،
حيث رحل بيجاسوس.
حين الليل أخبرت الأسى
عن حبي اليقيني ـ
وعن الابتسامة التي رسمها القمر القمري
على شفتيها!
من سوف يقطف أزهار آيار
وتلك البنت الصغيرة الرقيقة،
التي أجبرتها أمها على الزواج،
في أي بقعة بالمقبرة المعتمة
سوف يضعون جثتها؟
أنا وحدي مع غرامي الغامض،
بلا قلب، ولا دموع،
باتجاه سطح السموات المستحيلة
ومعي شمسٌ هائلة تواسيني.
هذا الأسى الفادح يلقي بظلاله عليَّ!
يالحلاوة ذكريات القلب
عن الأيام التي مضت مسرعة...
مرثية
(غرناطة)
مثل مجمرةٍ تكتظ بالرغبات،
تمرين في المساء الصافي،
بجسم قاتمٍيشبه عطر ناردين مُسْتَنْفَد؛
ووجهك غواية عذرية.
على فمك، أسىً لحياء بائدٍ؛
في كأس زهرة رحمك الديونيسي[2]
ينسج العنكبوت غشاءً عقيمًا
كيما يخفي جسمًا ترفضه الزهرات الوارفة بالحياة،
فاكهة القبل.
في يديك البيضاوين
التواءة الأوهام المهدرة،
وأعلى روحك عاطفة جائعة لقبلات الحريق،
وحلم حنان الأم صورٌ بعيدةٌ
لتهويدات النوم في أمكنة هادئة،
شفاهٌ تغزل همهمات لازوردية.
مثل سيريس[3] ستمنحين قمحًا ذهبيًا
لينعم جسمك بمسة حبٍ ناعسة؛
كي تحصلي على طريق لبني آخر
يهمي من نهديك العذراوين.
ستذبلين مثل أزهار الماجنوليا.
ليس ثم من قُبَلٍ مُتَحَرِقةٍ على فخذيك،
لا أصابع تمر في شعرك،
تداعبه كأنما عزفٌ على قيثار.
امرأةٌ تحصنت بالأبنوس والناردين،
نسمتها ليلكية البياض،
فينوس مزدانة بشال مانيلا
بنبيذ مالافا وجيتاراتها!
البجعة السوداء على بحيرة من بحيرات سايتا
لوتسات، أمواج من البرتقالي
ورذاذ من القرنفلات الحمراء
تعطر الأعشاش الذابلة تحت جناحيها.
شهيدةٌ أندلسية، تُركَتعارية.
لابد وأن قبلاتك كانت تحت كرمةٍ،
متخمة بسكون الليل،
بالإيقاع الغائم للمياة الراكدة.
لكن تحت عينيك دوائر تبدأ
وشعرك الأسود يستحيل فضيا
نهداك يرتخيان، وينشران فوحهما
وتبدأ كتفاك الرائعتان في الانثناء.
امرأة ممشوقة، منذورةٌ للأمومة، تحترق!
عذراء الأسى واللوعة؛
قلب بائس للأبد
تمسمره كل نجمةٍ في السماء الغائرة.
أنت مرآة أندلسٍ ما
تكابدين وتكظمين صبابات هائلة،
صبابات تراوح صوب المحبين
والغلالات على حناجرَ
ترتجف بالدم، بالثلوج،
وعليها آثار سحجات حمراء تركتها العيون المحدقة.
مثل إنيس، وسيشيليا، والجميلة كلارا[4]،
تمرين عبر الغيوم الخريفية، عذراء،
قديسة من مريدات باخوس[5]
رقصت وهي ترتدي أكاليل من نبتات خضراء، وشجيرات كرم.
الأسى الفادح يطفو في عينيك
يخبرنا عن حياتك المنكسرة المهشمة،
رتابة عالمك العاري،
أمام نافذتك وأنت تشاهدين الناس يمرون،
وتسمعين المطر ينهمر على مرارة
الشوارع الريفية القديمة؛
وبعيدًا، قعقعة أجراس مضطربةٍ.
لكنك بلا جدوى كنت تسترقين السمع لنبرات الهواء.
وقطُ، لم يصلك عزف السريناد الجميل.
خلف نافذتك ما زلت تنظرين وتشتاقين.
الأسى الذي سيكتسح روحك
عندما يكتشف ثديك الضامر
عاطفة فتاة جديدةٍ على الغرام.
سيدفن جسدك
دون أن تمسسه أحاسيس.
أنشودة فجرٍ سوف تنتشر
بعرض الأرض المعتمة.
قرنفلتان دمويتا الحمرة ستطفران من عينيك،
ومن نهديك، وردات ثلجية البياض.
لكن أساك الفادح سيلتحم بالنجوم،
نجمةٌ جديدةٌ ستجترح السموات
وتمنحها الألق.
هواء ليليّ
1919
أنا متحجرٌ
جراء الأوراق الميتة،
جراء المروج
التي داهمتها الثلوج.
سأنام.
لو لم توقظني،
فلسوف أترك إلى جوارك
قلبي البارد.
"ما هذا الصوت
البعيد؟"
"حبيبي.
الرياح على زجاج النوافذ،
يا حبيبي!"
طوقت رقبتك
بنفائس الفجر.
لماذا تتركينني
على الطريق
حين تمضين إلى البعيد
تبكي طيوري،
[1] القصائد مترجمة عن الإنجليزية من كتاب قصائد مختارة من أشعار فيديريكو جارثيا لوركا SelectedPoems ترجمها عن الإسبانية Martine Sorrell، الصادر عن Oxford University Press، العام 2007.
[2]ديونيسي Dionysian، في اليونان القديمة، كان ديونيسيوس Dionysus، إلى الخضرة، والخصوبة، والخمر، وحتى الموسيقى والدراما. كانت تعبده النساء في طقوس الطبيعة الماجنة، التي كانت تتضمن تمزيق حيوان إلى أشلاء.
[3]سيريس Ceres، إلهة الأرض الرومانية القديمة. كانت تتولي حماية خصوبة الغلال والموتى.
[4]إينس Inès، الشهيدة والعذراء المسيحية ذات المذهب الذي كان شائعًا في روما. دائمًا ما يُرمز لها بحَمَل، إشارة إلى عفتها وطهارتها.
[5]إله الزراعة والخمر عند الرومان وهو نسخة من ديونيسوس اليوناني. (المترجم)
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
نهاية العالم أن يموت كل جميل .. أن نصحو ذات صباح ولا نجد الذين نحبهم .. نهاية العالم أن نفقد...
أحد أهم أعلام النقد الأدبي في مصر، وهب حياته للنقد والأدب والبلاغة، وأصدر العديد والعديد من الكتب في الشعر والسرد...
لاشك أن شعر العاميه المصرية هو الرافد الشعري الأقرب إلى الوجدان الشعبي , فبرغم مروره بمراحل تطور مختلفة منذ ظهوره...
هو الذي كتب على الطين فشهق الحرف نورا و حضارة هو المولود من رحم نخلة على ضفاف الفراتين هو الباحث...