رجلٌ خائنٌ كَقِطٍ برّي

في آخر العالم على أطراف صحراء نائية وبخيمة وحيدة وطارئة أتمدد عاريا أتهجى نعيق غراب حائر يحمل رسالة لعواصم ترتاب في روحي وبلاد حملت بيوتها في هجرة غير شرعية لسماء

في آخر العالم
على أطراف صحراء نائية
وبخيمة وحيدة وطارئة
أتمدد عاريا
أتهجى نعيق غراب حائر
يحمل رسالة لعواصم ترتاب في روحي
وبلاد حملت بيوتها في هجرة غير شرعية لسماء مجهولة
أقرأ وجوه أهلها بعينين ذابلتين
وجسد شاحب استسلم لمناجاة نجمة عليلة
بآخر ما تبقى له من دم 
وثمالة من رمق الحياة
ومحبة دفينة لراعٍ عجوز وبسيط يشبه أبي
أبسط من نبع تحت قمر حزين
أرقب عربة إسعاف تضيئ ليلا
تقطع بلاد العالم بسرينة مذعورة بحثا عني
تحمل امرأة - توشك على الموت - في حاجة لنقل دم طازج
لفصيلة نادرة تسري في عروقي
تأخذ ما تبقى لي من دم شحيح فيضيء قلبها
و تهبني آخر ما تبقّى من ونس عينيها 
فأطير بعيدا
أهوي كنورس حزين برصاصة طائشة
يطلقها نصٌّ قديم لم أكتبه
أسقط على سطح منزل بعيد 
لامرأة حزينة
كانت الفتاة الوحيدة
التي أحببتها في غابر حياتي  .

 

(2)

 

في ولاء تام
يُصِرُّ كل عضو من أعضائي
أن يؤدي دوره حتى النهاية
يتشبث رغم مرارة الألم بما كُلّف به
كل يوم أودّع عضوا سقط في ساحة الرهان
كما يسقط الجواد العليل تحت سيور العربة
في طفولتي البعيدة ودّعت إحدى عينيّ
وبالأمس القريب ودعت رئتي
وأنا اليوم أعدُّ نفسي لتشييع كليتي اليمنى
ولا أعلم ؛ الحزن أم الوهن
هو ما يهدم الآن كوّة القلب
أسقط كل يوم في غرفتي بائسا كشجرة عجفاء 
لا تعرف كيف تتنفس
بشرتي شاحبة
وقدماي قاربان مثقوبان يخوضان بحرا
بلا رفاق
بلا حبيبة
وبلا أعضاء تأخذ بيدي نحو النافذة
تحملني إلى سريري
تناولني كوب الماء
أصغي لأصوات بعيدة خلف الجبل
لبشرٍ كانوا هنا من ألف عام
يرددون قصيدة 
كنت أنوي في الليلة الماضية
أن أكتبها . 

 

(3)

 

تائها في المجرّة
يأرن جسدكِ الحرون
يأتيني من وراء الكثبان
شجرَ لوزٍ وتينٍ أخضر
يهلُّ خلف الروابي 
شمساً بلا كحلٍ أو حنّاء
يراهن الغصون على بريق مشمشه 
نهدا صبوحاً
يقامر العنب السكران ألا يذوب
والنار
على وضاءة اللهب المستعر
يعبر غابة الوحشة
صقرا رمّاحاً
جدولا فتيّاً تغازله الأزهار 
يثِبُ على جسدي المرضوض بالمواجع
فهداً يقبض غزالا ..
من ألهمه
إن لم يغتنم زمنه الشَرُود
كل الفرائس
تصير ترابا

أي عناء نحتمله هذه الرحلة !
المسافة التي قطعت بين جسدينا
لن ترد إلينا صهوة الروح  .


(4)

 

كلما ضاقت بنا الأرض .. 
وقفنا على هذه المحطة
تنقلنا القطارات إلى بلاد مجهولة
وراء المدن والمواني
ينمو خلفنا الصبار الكفيف .. بغير كلفة
يقطع طريق العودة
لثرثرة الزوجات في الأفنية
وجلبة أطفالنا حولهن
وطواحين الشعير التي يهدر صداها
نحمل فوانيس نسياننا ونمضي
آملين أن ينسى الأحياء
 -  مع الوقت  -
ملامحنا الباهتة
وأن نظفر بشحوب جليل 
يليق بموتانا .

 
(5)

 

يدي .. وقلبي
وفي الكأس .. شتاء منفي
الخمر
امرأة مغتصبة 
في كوخ الفكرة .. الطافية كتمساح نافق
وبين الشفتين 
حقيقة ضائعة لرجل مصلوب
الوهم قناص العرائس .. من قلب الهوادج
وصانع التاريخ
على سندان الوجيعة
والحضارات الحزينة
نهد دري
يحتضن رصاصة
ويموت كاليمام .. مهاجرا وظلوما
هذه غواية الريح للمراكب .. صديقة الأرامل
وذلك قاع البحر المتشبث بفكرة الصياد
عن زوجته الخائنة
قبل أن يغادر شطيه .. كثور أعمى
يرقص في الحانة 
مع هيكل عظمي لامرأة مقتولة
تبكي .. وتدهن سرتها 
بشمع الحكايات .


(6)

 

كنت أسير في طرق ضائعة 
بفسق الإبل الضالة حين تموت
بآلام تدحرج نحو القاع
بجثث الأسماك الميتة
ولا تطفو على الماء
ما وراء غرائزي
بحرا كان
والأشجار بنبيذ الغرقى 
سكارى
والناس أعشاش دمرتها الريح
النار تدبر جريمة لعابر سبيل
كامرأة عارية تشعل حريقا في النبع
والرمل قُبّرة تقتحم ندهة الروح
بأي هذيان مفترض
يمكن أن أكمل الرحلة
بقصة حب زائفة 
بالإيمان بديانة خرافية
بعيون القراصنة المالحة بالضباب
مشتبها بألم أو قذيفة
بوطن يحتاج لنهدين رحيمين
وعيون مواسية لسفن تلفظ أنفاسها الأحيرة
أنا خائن كقطٍ برّي
قرر أن يلقي نفسه من أعلى الجبل
ليعانق غواية الريح .


Katen Doe

أشرف الجمال

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

نصوص

أمنيات عارية

أمنيات عارية
إلى صديقي .. بائع الخبز الذي مضى
(أمنية لأسماك القرش ) .. نص جديد للشاعر السوري رباح سليمان
نصوص

أحبكِ حتى تسيل الدماء

أحبكِ حتى تسيل الدماء
العزلة في الشعر العالمي - وحيدًا كسحابة تجولتُ
قصيدتان للشاعر السوري رباح سـليمان
ضوء فى العلية وقصائد أخرى  لشيل سيلفرستاين
هندسة جسديه يبلورها الانفجار

المزيد من نصوص

أمنيات عارية

- تغيّرتَ كثيراً .. قالت بغصة - كيف ؟ .. قلْت - كنتَ تكتبُ لي قصيدة مع أول كلّ سنة...

إلى صديقي .. بائع الخبز الذي مضى

ها هنا .. كان يقفْ يبيع الخبز للسعداءِ المسرعين إلى حكايا ليس يعرفها ولا يريدْ لم يكن يبيع حزن عينيه...

(أمنية لأسماك القرش ) .. نص جديد للشاعر السوري رباح سليمان

جلس إلى جانبي في المقعد الوحيد الفارغ فانطلق السائق بعصبية أثارت حنق الجميع ربما لخلوّ "السرفيس " من النساء ....

رجلٌ خائنٌ كَقِطٍ برّي

في آخر العالم على أطراف صحراء نائية وبخيمة وحيدة وطارئة أتمدد عاريا أتهجى نعيق غراب حائر يحمل رسالة لعواصم ترتاب...