العزلة في الشعر العالمي

أُغنيةٌ للغروب فريدريك جيورج سكوت ثمةَ بقعةٌ وحيدةٌ في روحِ رجلٍ وحيدةٌ أكثر من بحرٍ بلا قمرٍ وخليجٍ, ما من جسرٍ بينه وبين

أُغنيةٌ للغروب

                               فريدريك جيورج سكوت

 

ثمةَ بقعةٌ وحيدةٌ في روحِ رجلٍ

وحيدةٌ أكثر من بحرٍ بلا قمرٍ

وخليجٍ, ما من جسرٍ بينه وبين شئ

والشفاه التي نُقَبِلُها

والعيونُ التي نحبُها

والشَعرُ الذهبي المجيد

ذابَ كما النجوم

التي ذابتْ في الضبابِ

وما من ضوءٍ يشرقُ هناك

ثمةَ صوتٌ حزينٌ بروحِ رجل

يصرخُ أن يكون نفسَه

 

مثلما صوتُ العالمِ حين بَدأ

أو كنحيبِ الريحِ قُربَ البحرِ

وليس سوى أوراقِ الخريفِ الذابلةِ

وتَنَهُدِ الليل للأشجار

يُطلِقُ زفرةَ الأحزان من الروحِ الكئيبِ

والأسى الذي

لا يراه أحد

 

وحيدًا

                إدجار ألان بو

منذ طفولتي الأُولى

لم أكنْ مثلما كانوا

ما رأيتُ مثلما رأوا

ولا كما شعروا شعرتُ

ليَّ نبعُ حزني

ما أبهجَ قلبي ما يُبهِجُهم

كل ما أحبَبتُه

أحبَبتُه وحدي

في طفولتي

في فجرِ حياتي العاصفةِ

انتُزعتُ من ذكرياتي

حلوها ومرِّها

وفي طفولتي

في فجرِ الحياةِ العاصفِ

نُحِّيت عن عَميق الخيرِ

وعن عَميقِ الشرِ

عن الغموضِ الذي يُلزِمُني الهدوءَ

عن السيلِ, أو الينبوعِ

عن المنحدرِ الجبلي الأحمرِ

عن الشمسِ التي تلفني

بلونها الخريفي الذهبي

عن البرقِ في السماءِ

حين يطيرُ مارًّا بي

عن الرعدِ والعاصفةِ

والغيمةِ التي تَتَشَكَلُ روحًا شريرةً أمامي

"حين كانت زرقاءَ, بقيةُ السماءِ"

 

اضحك, يضحك معك العالم

                                       إيلا ويلر ويلوكس

ابكِ

فستبكي وحدك

لأن على الأرضِ الحزينةِ القديمةِ

أن تستعيرَ بَهجَتَها

إن لديها من المتاعبِ ما يكفي

غنِّ, وسوف تُجِيبُك التلالُ

تَنَهَدْ, ستضيعُ في الهواءِ زفرتُك

وحدها الأصداءُ تُدوي لصوت الفَرَحِ

لكنها تنأى عن الأحزانِ

 

ابتهجْ, وسَيبحثُ الناسُ عنك

احزن, فسوف ينأونْ

يريدون منك بهجتَك

وليسوا بحاجةٍ لمحنَتِك

ابتهج, يَكثُر أصدقاؤك

احزن, وسوف تفقدهم جميعًا

ما منهم من  يأبى نبيذَك المُعتَّق

ووحدك تحتسي مرارةَ الحياةِ

 

أوْلِمْ, ساحاتُك تزدحم

صُمّ, سيغادِرُكَ العالمُ

انجح وامنح, سيساعدُك على العيشِ

ما من أحدٍ ليساعدَك على الموتِ

ثمَّ متسعٌ للبهجةِ في الساحاتِ

لقافلةِ السيدِ الطويلةِ

لكننا فردًا فردًا سنموتْ

عَبْرَ دَربِ الألَمِ الضَيقِ

 

إيهِ أيتها العزلة                                  

                                               جون كيتس

إيهٍ أيتها العزلة

لو قُدِّرَ لي أن أُقيمَ معكِ

لِيَكُنْ بعيدًا عن الأبنيةِ المعتمةِ

تَسَلَقي معي المُنحَدَرِ

ذاك الذي يرصدُ الطبيعةَ

حيث الوادي الصغيرُ

ومُنحَدَراتُه المُزهِرةُ

وضفافُ النَهر البللورية

تبدو جسرًا

دعيني على حراسَتِك

بين الأغصانِ

حيث الزهورُ البريةُ

وحيثُ بِخِفَةٍ يَقفزُ الغَزَالُ

ويَفزَعُ النَحلُ البَريُ

من زَهرَةِ قُفَّازِ الثَعلَبِ

بيد أني

سعيدًا سأتبع هذي المشاهدَ

أتبَعُها مَعَكِ

فالحديثُ العَذبُ للعَقلِ البَرئِ

ذاك الذي كلماتُه

صورٌ وأفكار نقية

مِنَ المُؤَكَّدِ

أن بَهجَةَ روحي هي

فالنشوةُ البالغةُ

أن أكون مع الله

مُوغلًا في الطبيعةِ

ناءٍ عن البشرِ.

في زمن معتم

                                          ثيودور رويثك]

في زمنٍ مُعتمٍ

تَشرُعُ أن تَرى

في الظِلِّ العَمِيقِ, ألتقي ظِلِّي

أسمَعُ صَداي

في صَدى الغَاباتِ

سيدُ الغَاباتِ يَنوحُ لشجرةٍ

ما بَينَ مَالِك الحَزِينِ أحيا

وطائِرِ النَمنَمة[6]

حيوانات التلالِ

وأفاعي الأوكارِ

ما جنونُ روحٍ وما نُبلُها

حين لا يوائِمُها البشرُ

الأيامُ غاضبةٌ

عَرَفتُ اليأسَ الخالصَ

ظِلِّي يَخترقُ جِدارًا

أكهفٌ ذاك الذي بين الصخورِ,

أمْ مُنعَطَف؟

إنّي على الحافّةِ

 

عاصفةٌ من الرسائلِ مُنتَظِمَةٌ

لَيّلٌ يَتَدَفقُ طَيرًا

قَمَرٌ رَثٌّ

وفي وَضحِ النَهَارِ يأتي الليلُ ثَانيةً

بعيدًا يُوغِلُ المَرءُ

في أعماقِ أعمَاقِه

ليَعرِفَ مَن يكون

كَمْ صَعبًا أن تكون أمينًا مع ذاتِك

ليلةٌ باردةٌ

زائفةٌ أضواءُ الأشياء

 

معتمٌ, معتمٌ ضوئي

وأكثر عَتمَةً رغبتي

كذبابةٍ صَيفيةٍ.

مَسعورةً روحي

عند نافذتي تطنُّ

من أنا؟

رجلٌ ساقطٌ أتسلق خوفي

يدخل العقلُ ذاتَه

لا يصدقُ ما يَجِدُ

ويبقى المَرءُ نفسَه

حرًا في الرِيحِ العَاتِيَةِ

 

رحلةٌ إلى الدَاخِلِ

ثيودور رويثك

في الرِحلَةِ الطَوِيلَةِ خَارِجَ النَفسِ

كَثِيرٌ مِن المًنعَطَفاتِ تَعِنُّ

حِينَ تتوارى شَظَايا الأشياءُ

ويَعِنُّ القَلِيلُ

حيث تَنزَلِقُ الأحجارُ

على نَحوٍ خَطِرٍ

لَدى المُنعَطَفِ المُفَاجِئ

في لَحظَةِ التَحَوِّلِ

أجدَرُ أن تتشَبَثَ

احذرْ الحَصى

والأحجارَ الهَاوِيَةَ.

ونهرٌ جافٌ يَشُقُّ الطَرِيقَ

هي الرِيحُ تَجلِدُ الوادي العَمِيقِ

يَتَضَخَّمُ الجَدوَلُ الصَغِيرُ

مُنتَصَفَ الصيفِ

إثْرَ ذاكَ الوَهَجِ

الذي يزأرُ

في الوادي الضَيِّقِ

أعوادُ القَصَبِ

أوْدَتْ بها الرِيحُ والأمطارُ

وبفعلِ الشتاء الطويل

رماديةً أضحت

واحترقتْ في لَهَبِ الصَيفِ

يَمضي المُنعَطَفُ الضَيِّقُ

أعلى نَحو الجَدوَلِ

بِصخُورٍ جَارِحَةٍ

بَعضُ الأشجارِ

بالكادِ تحيا

في المُستَنقَعِ

في الرِمالِ المُتَحَرِكَةِ.

سُرعَانَ ما تُغلِقُ الطَريِقَ

شُجيرةُ تَنوبٍ,

أكَمةٌ معتمة,

ووادٍ كَئيبٍ


عزلة

                             ماثيو أرنولد

                                        "إلى مارجريت"

وافترقنا,

يومًا بَعْدَ يَومٍ, ألزمتُ قلبي بالثباتِ

ألزَمتُه البُعْدَ عن العالمِ

أن يَلزَمَ بَيتَه من أجلكِ

ولم يَخشَ شيئًا في الحياةِ سوى هواكِ

ذاك الذي يَكبُر يَومًا إثرَ يَومٍ

مثلما حبي لكِ

 

كان خطأً فادِحًا

أدركتُه متأخرًا

على ذاتِه يَتَقَوقَعُ الآن قلبي

وقد لا يَرجِعُ الإيمان

ما بين مَدٍ وجَزرٍ هي الآن مَشَاعِرُنا

ولم يَعُدْ حُبُنا

وداعًا وداعًا!

 

وداعًا- وها أنتَ وحيدٌ قلبُك

دونما نَدَمٍ تُغَادِرُ

من مُقامِكَ البَعِيدِ تأوي لمَملَكَةِ الهوى

وتعودُ ثَانِيَةً وَحيدًا

 

عائدًا! بنشوةٍ خَجلى

في تِلكِ الَليلَةِ الصَيفيةِ, أحَسَّها القَمَرُ

وأومضَ عَبْرَ إطارِهِ الأبَدي

حين هَجَرَ سَمَاءَه

تِلكَ المُرَصَعَةَ بالنجومِ

ليَرقُبَ نَومَ الراعي إنديمون

على كُرومِ مُنحَدَرِ لاتميان

 

ومع ذلك, لا تَعي المَلِيكةُ الطاهِرَةُ

كم مُمِيتٌ هو الحُبُّ

سُدىً

لكنْ ها أنتَ ذا بَعد لأيٍ تَجِدُ مَكانًا

هذي الحقيقة لطالما كنتَ..ووحيدًا تَظَلْ

 

 

إنْ لَمْ تَكُ وحيدًا تمامًا

فثمة أشياء نَلمَسُها معًا

المحيط والغيوم

الليل والنهار

فصول الخريف الوحيدة

والربيع المبهجة

الحياة والبهجة

الحياة والألم

والحب, إذا ما كان للسعداء

 

إذا ما حَلُمَ السُعَداء بقلبينِ ائتلفا

تحررا مُخلِصَين

من العُزلَةِ للأبد

لأمدٍ بعيد

ولا من قَبْل عَرَفوا العُزلَة

مثلما عرفتُ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




Katen Doe

الحسين خضيري

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave
خارج السرب .. اتحاد المهاترات
شريف رزق وأسئلتُهُ الجديدَةُ القديمَةُ حولَ قصيدَةِ النَّثر
التهكم الممزوج بالمرارة في ديوان (موسيقي وحيد)
عقلية التكفير
رحلة العائلة المقدسة في الشعر العالمي

المزيد من تحقيقات

wave
العزلة في الشعر العالمي

أُغنيةٌ للغروب فريدريك جيورج سكوت ثمةَ بقعةٌ وحيدةٌ في روحِ رجلٍ وحيدةٌ أكثر من بحرٍ بلا قمرٍ وخليجٍ, ما من...

خارج السرب .. اتحاد المهاترات

بوسع الجمعية العمومية القادمة فى اتحاد الكتاب أن تعدل الوضع المائل لو أرادت، وأن تقفل باب المهاترات المفتوح على مصراعيه،...

شريف رزق وأسئلتُهُ الجديدَةُ القديمَةُ حولَ قصيدَةِ النَّثر

سأبدأ منْ حيثُ انتهى الشَّاعر والنَّاقد شريف رزق ، أقصدُ منْ حيثُ اكتشافه مُعْضِلاتِ المَرَضِ ؛ فكِتَابُ :" قصيدة النَّثر"...

التهكم الممزوج بالمرارة في ديوان (موسيقي وحيد)

الشاعر / جندي وحيد: هو مؤجج بالمفردات في وجه الطغاة يحارب في كل أركان الحياة من اجل من هم في...