خلال الحرب السورية، غادر الكثير من الناس الأراضى السورية باتجاه البحار والصحراء إلى أراضى الله الواسعة، خوفًا من الموت،
باستثناء الجد يوسف ورفاقه.. ولكن بعدما طالت الحرب والميليشيات أحلام حفيده "زياد" وحبيبته "هاجر" الصبية ذات الـ ١٦ عاما، الذى حاول زعيم الميليشيات أخذها بالقوة ليتزوج منها، يقرر يوسف الرحيل وبصحبته حفيده وحبيبته وخالتها.. يقطعون جميعا الصحراء فى رحلة صعبة، تنتهى بهم فى أحد معسكرات اللاجئين، هذا المجتمع الصغير المشوه عديم الهوية والانتماء، لقد أفسدت الحرب كل شيء داخله حتى النفوس، ويضطر يوسف إلى الزواج من خالة هاجر حفاظا على تماسك العائلة..
لكن الحرب تنتقل إلى المخيم فى صورة أبشع منها فى سوريا، حيث يستغل القوى الضعيف، وحيث الاتجار فى البشر بات مباحا، والاعتداء الجنسى على الأطفال بات أسلوب انتقام..
ماذا يفعل الجد يوسف فى ظل الأوضاع المتدهورة داخل المخيم وتزايد المخاطر، خصوصا مع ظهور زعيم الميليشيا المسلحة التى هربت منها عائلة يوسف من جديد؟
أخيرا، يقبل الجد بسفر حفيده زياد للاحتراف كلاعب كرة قدم، وهى فرصة قدمتها له مخرجة شابة تصنع فيلما وثائقيا عن اللاجئين فى المخيم، بعدما اكتشفت موهبته الكروية، وهو ما فجر شعورا مخيفا عند الجد من فقد الحفيد للأبد، بعدما كرّس عمره لتربيته ليحارب تلك الفكرة بكل قوته.
ولكن فى ظل الأوضاع المتدهورة داخل المخيم وتزايد المخاطر، ووصول زعيم الميلشيات من جديد إلى المخيم، يسارع يوسف بتزويج حفيده من هاجر، لتصحبه فى رحلته خارج المخيم، لكن القدر لا يبتسم لهما فى النهاية، حيث تقتلهما الميلشيات، فيما يستعد يوسف لاستقبال مولوده الجديد .
هذا كان ملخص فيلم رحلة يوسف الذى عرض للمرة الأولى فى مهرجان القاهرة السينمائى الأخير .
على الرغم من أننى شاهدت الكثير من الأفلام التى تعرضت لأزمة اللاجئين السوريين أو العراقيين من قبلهم، إلا أن فيلم رحلة يوسف استطاع أن يمس شيئا خاصا فى نفسي، فالفيلم متسع لنوع مختلف من القصص لا يركز على رعب أزمة اللاجئين والحرب فى سوريا، بل يتناول الموضوع من زاوية مختلفة، حيث سلط المخرج السورى "جود سعيد" الضوء على حياة المواطن "المنسي" فى المخيمات والذى يدفع يوميا حياته ثمنا للحرب التى لم يخضها..
فقضية اللاجئين السوريين هى المحور الذى تتمفصل حوله المسألة السورية بصورة عامة، وهى قضية لا تمسّ عدة آلاف، بل تخص أكثر من عشرة ملايين سورى بصورة حيوية مباشرة، أجبروا عنوة بقوة سلاح النظام ومليشياته، وسلاح الجيوش الأجنبية والمليشيات التابعة بأسمائهما وشعاراتها المختلفة، على مغادرة مساكنهم ووطنهم حتى لا يموتوا ولا يجثوا على ركبتهم للميليشيات أو يلقوا بنسائهم لمرتزقه الحرب.
وفيلم "رحلة يوسف" لا يتخذ موقفا سياسيا مباشرا أو يحاول تقديم حل، كما أنه لا يركز على عدد الأشخاص الذين ماتوا فى الحرب أو عبروا البحر. فنحن نشاهد هذا كله طوال الوقت فى الأخبار، ولكنه أراد أن يقول ببساطة: إن الأشخاص المتورطين فى هذه الأزمة هم أناس عاديون.. إنهم آباء وأمهات وأطفال وأصدقاء يقومون بهذه الرحلة الصعبة، ويعيشون فى ظروف غير إنسانية، وهو جانب من أزمة اللاجئين يمكن لأى شخص أن يتعامل معه على مستوى شخصى للغاية، خاصه لشخص مثلى ذاق هذا الإحساس وعرفه وعاشه منذ نعومة أظفاره عندما اضطرت أسرتى للتهجير من بلدتنا بورسعيد والإقامة فى أحد المعسكرات بعد نكسة ١٩٦٧.
فالحرب هى الحرب مهما كانت أسبابها أو أهدافها يدفع ثمنها الجندى على خط النار، ويدفع ثمنها أيضا المواطن المنسى فى الملاجئ وعلى الحدود، وفى الملاجئ والمعسكرات، ،كما تظهر الحرب أيضا التكاتف بين الناس؛ هى أيضا تخرج أحيانا أسوأ ما فى البشر.
وعلى هذا النهج اختار المخرج للفيلم النهاية المأساوية بموت زياد وعروسه هاجر على أيدى الميليشيات، ورغم أنها تبدو للمشاهد حلا دراميا أسهل، إلا أن تلك النهاية تحمل الكثير من الدلالات، فمن جهة هى تدعو إلى ضرورة تغيير هذا الواقع أو تلك النهاية المأساوية التى يعيشها الشعب السورى كل يوم على مدى العشر سنوات الأخيرة على يد الإرهابيين، وفى ظل حرب اهلية طاحنة قضت على قرى بأكملها واضطر أهلها للرحيل والعيش فى ذل المخيمات وتحت قوانين عالمها المختلف، ومن جهة أخرى هى صرخة استغاثة تجاه المنسيين فى تلك المخيمات وعلى الحدود والذين يعيشون حياة صعبة ويدفعون ثمن حرب لم يشاركوا فيها.
إن فيلم رحلة يوسف من الأفلام التى يمكن أن تقرأ على عدة مستويات، فهو فيلم سورى عن الحرب الأهلية السورية وعن المواجهة بين الإرهابيين والشعب، وهو فيلم سياسى عن نتائج التدخل الأوروبى فى المنطقة العربية ومحاولة تقسيمها وتفريغها من أهلها، وهو فيلم إنسانى عن معاناة المواطن السورى فى الملاجئ والمخيمات ورحلته هروبا من الموت، والانهيار الذى أصاب النفس البشرية، حيث تتكامل كل تلك المستويات من قراءة المشاهد فى فيلم يترك فى النفس إحساسا عميقا بكراهية الحرب، فعلينا أن نتذكر أنه قبل سنوات قليلة من الحرب كان الشعب السورى يعيش فى ظل ظروف معيشية جيدة، فقد أظهرت أرقام أحد التقارير بشكل مباشر أن سورية، المصنفة حينها بين الدول الأكثر أمانا، كانت تخطو بثقة نحو تحقيق تنمية شاملة فى مختلف قطاعاتها، خصوصا الاقتصادية، قبل أن تبدأ الأحداث، وتحيل الاقتصاد السورى إلى مرحلة (الانهيار) كما تظهر الأرقام بشكل واضح لا يقبل أى تشكيك، بأن الدولة السورية كانت تسير باتجاه تعظيم نموها الاقتصادى والثقافى وحتى السياسى والاجتماعى ،وهذا بمجموعه أغضب القائمين على المشروع الأمريكى –الصهيوني، فهم لايريدون رؤية دول قوية ومقاومة تحيط بالكيان الصهيوني، هذه العوامل بمجموعها بالإضافة إلى مخطط تقسيم المنطقة العربية، هو ما أفرز بالمحصلة مؤامرة الحرب على سورية، ونتائجها التى من ضمنها مأساة اللاجئين السوريين داخل المخيمات حيث الحياة باتت كلها صفوفا وطوابير... صفوف للأكل، وأخرى للشرب، وأخرى لدخول المراحيض وهلع بين النساء المهددات بـ "اعتداءات جنسية"، أو "استغلال جنسى" مقابل الحصول على ما يكفلن به عائلاتهن فى المخيمات، وحوادث السرقة والقتل حيث كل شيء بات مباحا فى المخيمات على أيدى ناس غير معروف من أين يأتون.
نبضة مسافرة
إنهم يكرهون كلماتى لأنها تصف الانهيار التام الذى أصاب النفس البشرية ذاتها والقيم الإنسانية فى العالم كله
«كورزيو مالابارته »
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
اقتربت امتحانات الثانوية العامة وصارت على أبواب الأسر المصرية ولابد أن حالة طوارئ واحتشاد توجد الآن فى عدد هائل من...
للحوار الوطنى أهمية خاصة فى هذه المرحلة التى تشهد تحولات كبرى فى العالم كله، ومن الطبيعى أن يكون هناك آليات
فى الوقت الذى حققت فيه بعثة مصر للمصارعة فى بطولة أفريقيا بتونس إنجازات عظيمة، جاء شاب يدعى بغدودة
كنت طالبًا بكلية الإعلام وأتنقل بين مكاتب الصحافة العربية مثل عمال التراحيل.. هنا موضوعات سياسية وهناك