"عجبت للمصريين، كيف يمرضون وعندهم البصل، والليمون؟".. هكذا قال المؤرخ "هيرودوت" متعجبًا من أهمية البصل
الذى راجت زراعته بمصر، لذلك أحبه المصريون وصاروا يأكلونه فى كل وجبة.
وللحق، البصل له مكانة ترتقى إلى حد التقديس عند المصرى القديم، فقد خلد اسمه على جدران المعابد وفى أوراق البردى، ووضعه فى توابيت الموتى مع الجثامين المحنطة لاعتقاده أنه يساعد الموتى على التنفس عندما يعودون للحياة؛ والبصل كذلك كان فى قوائم الأغذية المقوية التى كانت توزع على العمال فى مصر القديمة، كما تم استخدامه كعملة لدفع الأجور لهم عندما شاركوا فى بناء الأهرامات.
وللبصل كذلك نصيب من أساطير المصرى القديم، ونحن بدورنا - ورغم مرور آلاف السنين - توارثنا بعضا من هذه الأساطير التى تحولت لدينا بحكم العادة إلى تراث مصرى أصيل، فالأسطورة التى تم نقلها من "منف" القديمة قالت: "إن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل محبوب من الشعب، لكنه أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة، ولم يستطع الكهنة أو الأطباء علاجه، مما جعله طريح الفراش لسنوات، حتى تدخل الكاهن الأكبر لمعبد آمون الذى أمر بوضع حبات البصل تحت رأس الطفل وفى فراشه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها التعاويذ، وفى الصباح قام الكاهن بشق البصلة ووضعها فوق أنف الطفل ليستنشق عصيرها، وطلب من الخدم فى القصر تعليق حزم من البصل الجاف فوق سرير الطفل وعلى أبواب وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة، وعندما شفى الطفل احتفل الشعب بمشاركة الملك بتعليق حزم البصل الجافة على بيوتهم لطرد الأرواح الشريرة، وتوارث المصريون هذه العادة بتخزين البصل عن طريق تعليقه فى البيوت حتى ثبت أنها أصح طريقة للتخزين والحفظ طوال السنة".
مايو الجارى هو شهر حصاد محصول البصل فى العالم، ولكن ظهرت هذه الأيام أزمة عالمية عرفت بأزمة "البصل"، أزمة لم يعرفها جيلنا الذى سمع وتربى على أمثال مثل "ما يسواش بصلة" وكأن هذا النبات ووجوده بكميات كبيرة جعل سعره مثارا للسخرية والتندر، فما أزهد من سعر البصلة؟!.
"أزمة البصل" أزمة عالمية عابرة للحدود، تداخلت فى أسبابها عدة عوامل، مثل تغيرات المناخ وكوارث الطبيعة من الزلازل التى وقعت فى عدة مناطق، ومنها تركيا، فضلا عن الحرب الروسية الأوكرانية التى أصبح شبحها حاضرا فى كل الأزمات الغذائية التى تواجه العالم، حتى ارتفع سعر كيلو البصل فى بعض الدول عن سعر كيلو اللحم.
فى باكستان، الدولة المصدرة للبصل، دمرت الفيضانات المحصول، واضطرت الدولة المصدرة إلى الاستيراد من إيران، وفى المغرب خرج البصل عن السيطرة، ولم يصبح فى متناول المواطن العادي، وفى الهند، وهى واحدة من أكبر الدول المستهلكة للبصل فى العالم صار سعر البصل يتحكم فى نتيجة انتخابات الحكومة، حيث أصدرت منصة "ذا ميزبرال" الهندية بيانا ذكرت فيه أن أسعار البصل ستكون حديث الناس فى جميع أنحاء العالم.
الكاتب أنيس منصور له مقولة فى غاية العمق: "الحياة مثل البصل، قشرة تحت قشرة، ولا شىء فى النهاية إلا الدموع".
للبصل مكانة كبرى فى كتب الطب القديم التى جعلته العامل الأول للوقاية والعلاج فى أغلب الأمراض، فقد قال عنه "داوود الأنطاكى" فى تذكرته: "يقطع الأخلاط اللزجة، ويفتح السداد، ويقوى الشهوة، خصوصا المطبوخ باللحم منه، ويدر البول، والحيض، ويفتت الحصى ، ويقطع الكحة، وأوصى بغسله بالماء والملح ونقعه فى الخل لتحقيق كل ذلك"؛ وقال عنه ابن سينا فى كتابه "القانون" إن بذره يذهب البهاق، ويدلك به حول موضع داء الثعلبة.
حضور البصل الطاغى فى أكلات المصريين الشعبية جعله يرتبط ارتباطا شرطيا بها، حيث لا يكتمل عرس اللمة إلا بوجوده على الطبلية، والمصرى يفضل "دشه" بقبضة يده عن تقطيعه بالسكين، ويجد فى ذلك حالة من المتعة، كما يمثل البصل الزينة فى عربات الفول بالشوارع بعروقه الخضراء ورأسه الأبيض، حتى أن الباعة يروجون لأكل الفول على عرباتهم بجملة ساخرة وهي: "كل بصل وانسى اللى حصل".
أما فى محلات الكشري، وهى الأكلة الشعبية الثانية فى مصر بعد الفول، فيطلق عليه الطهاة "الورد"، ويعتبر المحل الذى يزيد منه فى أطباقه من المحلات المفضلة لدى الزبائن، ولا تخلو التوصية عند طلب طبق الكشرى من عبارة "كتر الورد"، لكن رغم كل هذه الحفاوة من الذائقة الشعبية المصرية بمذاق ثمرة البصل، إلا أنهم لم ينصفوه أو يرفعوه إلى مكانته التى يستحقها، فدائما ما تحط الأمثال من شأنه، ومنها هذا المثل الذى يعد نوعا من السباب فى الثقافة المصرية: "أمك البصل وأبوك التوم، تجيلك الريحة الحلوة منين يا مشئوم"، أو المثل الآخر القائل: "يا داخل بين البصلة وقشرتها، ما ينوبك إلا ريحتها" أو "صام صام وفطر على بصلة" أو "ما يسواش بصلة" أو "كبر البصل وادور ونسى زمانه الأول" أو "بصلة المحب خروف" أو "خد من راسه وازرع بصل".
الإحصاءات الزراعية فى مصر تؤكد أنها الدولة الرابعة بالعالم فى زراعة وإنتاج البصل، والزيادة التى حدثت فى سعره هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة هى حدث طبيعى للأزمة الاقتصادية والزراعية التى يمر بها العالم بسبب الكوارث الطبيعية التى جاءت بالدمار على بعض المحاصيل الاستراتيجية الهامة. يعد البصل من المحاصيل الاستراتيجية، حيث تعتمد عليه كل البيوت المصرية طوال العام، وأغلب المصريين يفضلون تخزينه خلال شهرى مايو ویونيو، وهما شهرا حصاده.
كان سعر البصل يتراوح بين جنيهين إلى ثلاثة جنيهات خلال السنوات الماضية، لكنه ارتفع إلى 10 جنيهات فى شهرى مارس وأبريل الماضيين، وهما الشهران السابقان لحصاده، والسبب تلك الأزمة العالمية التى ألقت بظلالها على سعر البصل فى مصر وجعلته يصل إلى سعر لم يصل إليه منذ زراعته بمصر، حيث وصل سعر الكيلو إلى 20 جنيها، وهو رقم لم يسمع به المصريون من قبل، لذلك صار حديث الساعة فى مصر.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
بين الخريف والشتاء تزداد معدلات الإصابة بالأمراض التنفسية نتيجة التقلبات الجوية، حيث ينتشر فى هذا الوقت من العام
أظهرت الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بإنشاء وتطوير الجامعات ووضعها فى مراكز متقدمة عالميًا؛ وارتفع إجمالى عدد الجامعات فى مصر
يولى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اهتمامًا واضحًا بتطوير قطاع التعليم، لإيمانه بأن الأمم تبنى بالتعليم الجيد، ومن أجل تخريج كوادر...
النائب أمين مسعود عضو مجلس النواب: الدولة حققت حلم الكثير من المصريين بتوفير سكن ملائم للجميع