بالأرقام ومن واقع «إعلام الوراثة» .. ثروة و«تركة» الست

كل ما تركته: حصتها عن بيع أغانيها فى شركة صوت القاهرة و 35 فدانا
بدأت أم كلثوم رحلتها الطويلة مع الغناء وهى فى نحو الخامسة من عمرها، مجرد طفلة ترافق والدها المنشد الدينى الشيخ إبراهيم البلتاجى وشقيقها الشيخ خالد فى إحياء المناسبات والأفراح، ولم يكن أجرها فى البداية يزيد على "طبق مهلبية"، ألذ متعة لها فى الحياة يومها، وتتقاضى الطبق مكافأة لها من والدها بعد ساعات من الغناء والعناء.
وبعد سنوات أخرى تلت من الغناء والعناء وصل أجرها فى العام 1915 إلى 150 قرشا، وهو ما أعتبره والدها ـ مدير أعمالها ـ أنه نقلة فى حياة الأسرة وبشارة على أنها وصلت لحد الثراء، وهو ما تجلى فى الحمار الذى اشتراه لتركبه أم كلثوم بدلا من المشى لساعات طويلة على الأقدام للوصول إلى القرية التى سيغنون فيها، وبعدها بسنة ومع توالى الحفلات أمكن للشيخ إبراهيم أن يشترى حمارين، فأصبح الثلاثة من ركاب الحمير!
قبل سنوات المجد عاشت أم كلثوم سنوات من الشقاء، فقبل الثراء واقتناء الحمير كان الأمر يتطلب منها أن تسير أحيانا لعشرات كيلو مترات على أقدامها، ويضطرها إلى أن تقضى 12 ساعة على رصيف محطة السكة الحديد فى انتظار القطار القادم، ويستبد بها التعب أحيانا فتنام على الرصيف.. ولما ذاع صيتها فى قرى محافظة الدقهلية كان ناظر المحطة يفتح لها ولمرافقيها استراحة المحطة مقابل أن تغنى له ما يطلبه من أغنيات.
وظلت أم كلثوم تدخر من أجرها ومصروفها سنوات الشقاء الطويلة حتى وصلت مدخراتها إلى 15 جنيها، كانوا بالنسبة لها تحويشة العمر، ووضعت تلك الثروة فى منديل احتفظت به فى ملابسها بحرص عندما جاءت لأول مرة لتغنى فى القاهرة، ولكن نشالين القاهرة كانوا أكثر دهاء ويسرقون الكحلة من العين فما بالك بقروية ساذجة.. وكانت أكبر صدمة فى حياتها!
أصابتها السرقة بعقدة من القاهرة، حتى انفكت على يد الشيخ أبو العلا محمد، الذى قابلها صدفة على محطة للقطار، فتعلقت به وكانت تعرف قدر موهبته، وتعلق هو كذلك بها بعدما سمع صوتها وأدرك أنه أمام كنز مطمور فى طين الدلتا، وأقنع والدها أن مكان ابنته فى القاهرة وليس فى طماى الزهايرة..
وابتداء من العام 1926 اتفقت أم كلثوم على إحياء حفل شهرى، واختارت له الخميس الأول من كل شهر، وهو الحفل الذى ظلت حريصة عليه لما يقرب من خمسين عاما، حيث كان حفلها الأخير فى 7 ديسمبر 1972، وهو الحفل الذى غنت فيه رائعة عبد الوهاب ورامى "ليلة حب".
(1)
ومع إنشاء الإذاعة، ومع حفلاتها المذاعة عبر أثير الراديو، ابتداء من حفلها بدار الأوبرا المصرية فى 7 يناير 1937، وهى الحفلات التى نقلت صوتها ومجدها إلى كل مصر ثم كل العالم العربى، أصبحت أم كلثوم هى كوكب الشرق وأغلى مطربة مصرية وعربية.. وتدفقت عليها الأموال من عائد حفلاتها، وعائد بيع اسطواناتها، وعائد أفلامها السينمائية التى صورتها لحساب ستديو مصر..
فكم بلغت ثروة سيدة الغناء العربى عند رحيلها فى 3 فبراير 1975؟
أفضل وأدق من يجيب عن هذا السؤال هو إعلام الوراثة الموثق الذى سجل كل تركة أم كلثوم وحدد ورثتها الشرعيين.
فماذا قال إعلام الوراثة عن تركة سيدة الغناء العربى؟
فى يوم 9 فبراير 1975، أى بعد ستة أيام فقط من رحيل سيدة الغناء العربى، ذهبت شقيقتها السيدة / "سيدة" لاستخراج إعلام وراثة من محكمة عابدين للأحوال الشخصية للولاية على النفس، وصدر الإعلام فى يوم الأحد الموافق 9/ 2/ 1975 بناء على الطلب المقدم للمحكمة من شقيقة أم كلثوم والوريثة الشرعية لها، وقُيد برقم 64 / 1975 "وارثات" ويقول نصه:
"وبعد الاطلاع على الطلب وسماع شهادة الشاهدين المذكورين بالمحضر وبمطابقة شهادتهما تحقق لدينا نحن فاروق عوض قاضى المحكمة وفاة المرحومة أم كلثوم إبراهيم السيد البلتاجى بتاريخ 3/2/1975 وانحصار إرثها الشرعى فى زوجها الدكتور حسن سيد الحفناوى ويستحق نصف تركتها فرضا، وفى شقيقتها سيدة إبراهيم السيد البلتاجى (الطالبة) وتستحق نصف تركتها فرضا، فقط بغير شريك ولا وارث ولا مستحق لوصية واجبة. قُيد برقم 71 ج1 متتابعة 1975".
وبعدها بخمسة شهور جرى حصر التركة وتوزيعها على الورثة الشرعيين طبقا لمحضر الشهر العقارى الذى نورده بنصه:
"قائمة إشهار حق إرث وعقد هبة.. إنه فى يوم الأربعاء الموافق العاشر من شهر سبتمبر سنة ألف وتسعمائة وخمسة وسبعون، حيث انتقلنا إلى فيللا أم كلثوم بالزمالك بفرع توثيق شمال القاهرة، وأمامنا نحن حسنين عبد العظيم الموثق بالفرع المذكور حضر كل من:
أولا: السيدة / سيدة إبراهيم السيد البلتاجى سن 80 مصرية الجنسية ومسلمة الديانة ومقيمة بالمنزل 5 بشارع أبو الفدا بالزمالك قسم شرطة قصر النيل بالقاهرة طرف أول.
ثانيا: السيدة/ سعدية الدسوقى إبراهيم سن 58، والسيد/ الدسوقى الدسوقى إبراهيم سن 56، السيد/ محمد الدسوقى إبراهيم سن 54، السيد/عبد المنعم الدسوقى إبراهيم سن 52، السيدة/ سكينة الدسوقى إبراهيم سن 50، السيد/ ممدوح الدسوقى إبراهيم سن 48، السيد/ رفعت الدسوقى إبراهيم سن 45( أبناء سيدة).
والجميع مصريو الجنسية ومسلمو الديانة ومقيمون بالمنزل 18 بشارع حسن صبرى بالزمالك قسم قصر النيل بالقاهرة.. طرف ثان.
وقد أقر الطرفان على أهليتهما للتصرف واتفقا على ما يأتى:
أولا: يشهر الطرف الأول تركة مورثتهما المرحومة أم كلثوم إبراهيم السيد البلتاجى المتوفاة بتاريخ 3/2/ 1975 وانحصر إرثها الشرعى فى زوجها الدكتور حسن سيد الحفناوى ويستحق نصف تركتها فرضا، وفى شقيقتها السيدة/ سيدة إبراهيم السيد البلتاجى وتستحق نصف تركتها فرضا، فقط بغير شريك ولا وارث ولا مستحق لوصية واجبة، وذلك حسب الإعلام الشرعى المستخرج من محكمة عابدين للأحوال الشخصية بتاريخ 9/2/1975، وتركت الأطيان الزراعية الكائنة بزمام ناحية طماى الزهايرة مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية الآتى بيانها".
وقبل أن نورد بيان الأطيان التى تركتها أم كلثوم لابد أن نشير إلى أن شقيقها الشيخ خالد كان قد توفى قبلها بسنوات، وبالتالى لم يعد له ولا لورثته أى حقوق شرعية فى ميراث شقيقته التى لم تنجب ولم تترك أولادا، لا ولد ولا بنت.
لكن خالد سمير خالد حفيد الشيخ خالد، وبالتبعية يكون حفيدا لأم كلثوم بحكم عادات أهل الريف التى تجعل من شقيقة الجد جدة، يكشف عن مفاجآت جديدة، لعل على رأسها أن أم كلثوم تركت وصية، تمنح فيها بعض إرثها لأولاد شقيقها خالد الذين خرجوا من الإرث الشرعى، وكذلك للحاجة بثينة، وكانت ابنة عم لأم كلثوم وعاشت معها فى فيللتها وكانت ترافقها فى سفرياتها الأخيرة، وتكفلت بتربية ابنها عادل، وكانت تعامله كابنها ويقيم فى فيللتها، وهو الآن موظف بالجهاز المركزى للمحاسبات بالمنصورة، وكان عنده 12 عاما عندما ماتت أم كلثوم.
ولما اشتد المرض على أم كلثوم فى أيامها الأخيرة بمضاعفات آلام الكلى أُصيبت بانفجار فى شرايين المخ، وفقدت النطق والحركة، وجاءها كونسولتو من الأطباء أجمعوا على ضرورة نقلها إلى المستشفى فورا، لكنها رفضت قرارهم وكانت تشير بأصابعها بما يعنى أنها تريد أن تبقى فى بيتها، ولكن أمام تدهور حالتها لم يكن هناك بد من نقلها إلى المستشفى فى 21 يناير وماتت به فى 3 فبراير.
وكما يحكى لى خالد الحفيد فإنها كانت تنوى تسجيل الوصيتين المخصصتين لأولاد الشيخ خالد ولابنة عمها لكن القدر لم يمهلها، واختفت الوصيتان بقدرة قادر من خزنتها!
وأما عن تركة أم كلثوم فكانت كالآتى:
- حصتها فى شركة صوت القاهرة (ووزعت بالتساوى بين زوجها وشقيقتها).
- كانت تمتلك 110 أفدنة فى قريتها طماى الزهايرة، اشترت 100 منها بفلوسها وورثت عشرة عن والدها، وفى حياتها باعت أو قل تنازلت عن 60 فدانا لثلاثة من أولاد شقيقتها سيدة، فكان إجمالى المتبقى عند وفاتها حوالى 35 فدانا، وزعت بين ورثتها مناصفة، ثم قام د. حسن الحفناوى بالتنازل عن نصيبه فى الأرض الزراعية لشقيقتها مقابل أن تتنازل له عن قطعة أرض تملكها فى المقطم.
وأسأل خالد الحفيد عن خريطة ورثة أم كلثوم فيشرح بالتفصيل:
"أنجب جدنا إبراهيم البلتاجى ثلاثة: سيدة وكانت تكبر أم كلثوم بتسع سنوات، ثم جدى خالد وكان يكبر أم كلثوم بعامين، ثم أم كلثوم التى تقول شهادة ميلادها أنها من مواليد 4 مايو 1904، وأما عمتى سيدة فقد تزوجت من الدسوقى إبراهيم وأنجبت منه سبعة: 5 صبيان (الدسوقى ، محمد، رفعت، عبد المنعم، ممدوح) وابنتين (سعدية وسكينة).. وأما جدى خالد فأنجب تسعة: 5 بنات ( بثينة وشجون ووداد وفاطمة وسعاد) و 4 صبيان (سمير ( أبويا) وعدلى وإبراهيم وصلاح). وأما الست أم كلثوم فتزوجت من د. حسن الحفناوى سنة 1954 أى كان عمرها 50 سنة ولم تنجب.. ومن أولاد عمتى سيدة لم يبق على قيد الحياة إلا سكينة.. ومن عماتى لم يبق إلا بثينة ووداد وشجون.. والباقى فى ذمة الله.. لذلك لا أعرف من أين جاء الأستاذ محفوظ عبد الرحمن قبل رحيله بحكاية أبناء أم كلثوم السريين؟!.. وهل يعقل أن يكون لها أبناء من صلبها ولا يرثون فيها وتذهب كل تركتها لزوجها وشقيقتها؟!..إعلام الوراثة موجود، وفيه كل الورثة الشرعيين للست، وأنا أنشره على الملأ لنفى ما أدعاه الأستاذ محفوظ من جهة، ومن جهة أخرى أرد على الذين ادعوا من قبل أن أولاد الشيخ خالد دخلوا فى الورث وحصلوا على نصيب من تركتها وأضاعوه.. عندك فى الورق الرسمى ما يثبت أن أم كلثوم لم تنجب وأننا ذرية الشيخ خالد لم نحصل على مليم من تركتها.. ثم إن هذه ليست الأزمة الأولى بيننا وبين الأستاذ محفوظ رحمه الله، فهناك قضية رفعناها ضده نحن ورثة الشيخ خالد لأنه أورد حياته بتفاصيلها فى المسلسل دون الرجوع إلينا، فى حين أنه حذف كل المشاهد الخاصة بأسمهان عندما رفض ورثتها وهددوا بإيقاف تصوير المسلسل.. والقضية ما زالت منظورة أمام محكمة شمال القاهرة.. ثم فوجئنا بما يدعيه عن وجود أبناء للست أم كلثوم".
(2)
المؤكد أن الذين يقرأون الآن مفردات تركة وثروة أم كلثوم سوف يشعرون بدهشة تصل لحد الذهول، فكل ما تركته سيدة الغناء بعد كل هذا التاريخ والمجد وبعد خمسين عاما متصلة على عرش الغناء، عبارة عن عدة أفدنة وفيللا، وهى ثروة لا تصل إلى ما يكسبه بعض مطربات هذه الأيام فى حفلة أو صفقة، وربما هدية!
والمؤكد أن الورثة وحدهم الذين استمتعوا بتلك الثروة، وغالبا تبددت بعد نصف قرن على رحيل أم كلثوم.. فيللتها الشهيرة جرى بيعها بثمن بخس بعد سنوات قليلة من رحيلها وما زال هدمها يمثل غصة فى نفس عشاقها.. أطيانها التى اشترتها بقريتها طماى الزهايرة تبخرت بالبيع ولم تعد موجودة.. حتى مجوهراتها الشخصية تفرقت بين متحفها وبين الأثرياء الذين اشتروها من الورثة.
رغم كل ذلك فما زالت أم كلثوم هى أغنى مطربة فى التاريخ.. فما تركته من ثروة فنية لا يقدر بثمن.. وما تركته من مكانة وتاريخ وسيرة يجعلها ملكة متوجة.. حتى لو لم تملك سوى اسمها!
أخبار ذات صلة
المزيد من فن
«يوم الكرامة».. الثأر للشهيد «عونى عازر» بإغراق المدمرة «إيـــلات»
«يوم الكرامة» عمل سينمائى عسكرى يرصد فترة مهمة وحساسة للغاية من تاريخ مصر، وهى الفترة التى أعقبت حرب يونيو 1967،
«حائط البطولات» تجسيد حقيقى لأهم محطة فى تاريخنا الحديث
فخر إنتاجات التليفزيون المصرى
مطلوب إنتاج فيلم مصرى عــالمى عـن حرب أكتوبر
حققت مصر نصرًا مبينًا فى حرب أكتوبر، تفوقًا مستحقًا لا تخطئه العين ولا يستطيع أحد تكذيبه مهما كانت محاولات الالتفاف...
المواطن المصرى كرم النجار 1- 2 رحلة مع أقنعة الدراما بعيداً عن السياسة
ينتمى كرم النجار «22 مايو 1941 - 16 أكتوبر 2021»، بحكم مولده وبداية عمله الاحترافى بالمسرح نهاية الستينات من القرن...