"يحيى حقي" واحد من أهم أدباء مصر، حيث حمل على عاتقه عبء التجديد فى أشكال الكتابة، واستطاع أن ينقل القصة القصيرة
نقلة مهمة جعلته واحدا من روادها، فأطلق عليه النقاد "جواهرجى اللغة" لأن أسلوبه بسيط دقيق سليم فصيح وجميل، فكتب الرواية والقصة القصيرة والنقد والسيرة والمقال الأدبى، كما ترجم العديد من القصص والمسرحيات، وتشهد له كتبه أنه استقى أغلب قصصه من حياة الناس.
ولد "يحيى حقي" فى 7 يناير عام 1905 بحارة "الميضة" فى حى السيدة زينب، وهو من أسرة تنتمى لأصول تركية، فجده "إبراهيم حقي" جاء إلى مصر وعين فى خدمة الحكومة المصرية ثم ترقى حتى وصل إلى مدير مصلحة فى البحيرة، ووالده "محمد" درس بالأزهر والتحق بوظيفة فى وزارة الأوقاف، وكان محبا للقراءة والاطلاع، ووالدته السيدة "زينب هانم حسين" من أصل تركي، وكانت شديدة التدين ومغرمة فى الوقت نفسه بالقراءة والكتابة، وكانت لشدة تربيتها فى محبة الدين اختارت أسماء أولادها من القرآن الكريم، وهم "إبراهيم، إسماعيل، أسماء، يحيى، زكريا، موسى، فاطمة، حمزة، صالح، مريم".
إذن كان يحيى الطفل الثالث بين أشقائه، ونشأ فى جو مشحون بالعلم والثقافة والدين، حيث كانت والدته تقرأ على أطفالها الصغار كتب البخارى والغزالي، وكان الأب أيضاً مفتونا بالمتنبى ويحفظ الكثير من أشعاره، فأحب الطفل يحيى العلم لأنه نشأ فى بيت مغرم بالقراءة، وكذلك كان شقيقه الكبير "إبراهيم" الذى شارك فى تحرير جريدة "السفور" التى تبنت آراء قاسم أمين فى ذلك الوقت.
بدأ يحيى تعلمه فى كتاب السيدة زينب ثم التحق بمدرسة "والدة عباس" وظل بها خمس سنوات ابتدائى، وهى المدرسة التى تخرج فيها الزعيم مصطفى كامل وحصل على الابتدائية عام 1917، وحصل على البكالوريا عام 1921 ثم التحق بمدرسة الحقوق العليا وفيها أحب دراسة القانون وأقبل على كتبه يقرأها بنهم شديد، وبعد التخرج قضى فترة تمرين بنيابة الخليفة ثم عمل محاميا بالأسكندرية ودمنهور لفترة قصيرة، ثم عين بعد ذلك معاونا للإدارة بمركز منفلوط عام 1927، حيث قضى بها عامين أتيح له خلالهما أن يصادف فيهم حبه الأول.
بدأ يحيى حقى الكتابة فى سن مبكرة، فى السادسة عشر من عمره تقريباً، وبدأ يكتب القصة القصيرة وهو طالب بمدرسة الحقوق، واستمر فى الكتابة بعد التخرج، ونشر أوائل قصصه فى صحيفة "الفجر" التى كانت تصدرها المدرسة الحديثة برئاسة "أحمد خيرى سعيد"، ومنها قصة "إدجار ألن بو" وقصة "فلة ومشمش ولولو" وهى قصة أبطالها من الحيوانات، وكانت أول قصة ينشرها فى جريدة السياسة هى "قهوة ديمتري".
وفى يوم قرأ فى صحيفة يومية إعلانا لوزارة الخارجية بأنها ستعقد مسابقة تعيين الفائزين فيها بوظائف أمناء المحفوظات فى القنصليات والمفوضيات، وبالفعل نجح فى الاختبار وعين أمينا للمحفوظات بالقنصلية المصرية فى "جدة" عام 1929، وفى تلك الفترة قرأ فى المكتبة تاريخ الجبرتى وتعلق به كثيرا، الأمر الذى جعله يوقع فى عدد من مقالاته الأولى باسم "عبدالرحمن بن حسن" وهم اسم الجبرتي، ثم انتقل عام 1930 إلى استنابول، وبعد أن قضى هناك أربع سنوات انتقل إلى روما، وهناك غرق فى عصر النهضة فى أوروبا ثم عام إلى مصر 1939، وتزوج من ابنة عمه عام 1942 السيدة "نبيلة" وبعد ثلاثة أشهر أصيبت زوجته بمرض خطير، وبعد فترة قصيرة توفيت بعد أن أنجبت له ابنته الوحيدة "نهى"، وعام 1949 نقل إلى باريس سكرتيرا أول للسفارة المصرية ثم التقى بزوجته الثانية "جان ميرى جيهور" وتزوجها عام 1954.
فى عام 1955 أنشئت مصلحة الفنون بوزارة الإرشاد القومي، وتولى يحيى حقى إدارتها، فكان أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت فى عام 1958، فنقل مستشارا لدار الكتب فى عام 1962 قبل أن يعين رئيسا لتحرير مجلة المجلة، وظل يتولى مسئولية المجلة حتى 1970، وفى عام 1969 منح جائزة الدولة التقديرية فى الآداب، وحصل على جائزة عن قصة فيلم البوسطجى عام 1968، وفاز بجائزة الملك فيصل فى الأدب العربى 1989، وفى 8 ديسمبر عام 1992 قضى أياما فى المستشفى.
"الإذاعة والتليفزيون" تتذكر يحيى حقى بمناسبة مرور 118 عاماً على ميلاده، وتنشر له حوارا مختلفا عمره 66 أجرته معه الفنانة لبنى عبدالعزيز؛ كان الحوار بمثابة استجواب، ونشر على صفحات المجلة فى عددها رقم 1153 الصادر بتاريخ 20 أبريل 1957، تحت عنوان "يحى حقى فى قفص الاتهام"، وحررته الزميلة زينب محمد حسين.. وإلى نص الحديث:
كان ضيف البرنامج الأوروبى هذا الأسبوع الفنان الأديب الأستاذ يحيى حقى، فقد قدمته الزميلة لبنى عبد العزيز لمستمعى البرنامج لا كمدير لمصلحة الفنون وحسب، وإنما كأديب فنان، له أثر بارز فى دنيا الفن، ورسالة واضحة فى عالم الأدب.. وكان يحيى حقى كعهده صريحا كل الصراحة.. لا يدخر وسعا فى أن يقول ما له وما عليه.
رسالة مصلحة الفنون
بدأت لبنى أسئلتها لمدير مصلحة الفنون قائلة بالإنجليزية: ما هو الغرض من إنشاء مصلحة الفنون الجميلة؟
وابتسم يحيى حقى، ثم أجاب فى هدوء وطلاقة باللغة الإنجليزية أيضا التى دار بها الحديث كله:
أولا أنا أعترض على هذه التسمية.. ولا أدرى لماذا يطيب للبعض أن يضيف صفة «الجميلة» لمصلحة الفنون.. وأحب أن أشير هنا إلى أن الفنون الجميلة تنقسم قسمين.. فنون تشكيلية، وهى التى تجمع بين النحت والتصوير والعمارة.. وفنون سماعية صوتية، وتشمل المسرح والسينما والموسيقى والرقص والأدب الشعبى والأخيرة هى تتولى مصلحة الفنون الإشراف عليها وتطويرها إلى ما يجب أن تكون عليه من كمال فنى، أما الغرض من إنشاء هذه المصلحة، فقد كانت الفنون فيما مضى موزعة بين مختلف الوزارات حتى قررت وزارة الإرشاد القومى أن تنشيء لها مصلحة مستقلة فى نوفمبر سنة ١٩٥٥، وأسندت إليها مهمة الإشراف عليها بدلا من مصلحة الاستعلامات، وأصبح عملها متصلا بشئون المسارح والسينما والموسيقى. ثم أضاف ضاحكا: وأتعشم ألا يحول اسم المصلحة فى أحد الأيام إلى مصلحة التسلية والترفيه..
ما هى أهم الأعمال التى قامت بها المصلحة حتى الآن؟
- الحقيقة أن أعمال المصلحة كبيرة ومتشعبة، فمن جهة المسرح مثلا حاولنا تحسين مستواه وتطويره الى الناحية الشعبية، التى تعالج مشاكل الشعب، ويقبل عليها أفراده، ويجدون فيها ما يجذبهم إليها بأثمان مخفضة، لا تزيد كثيرا على ما يدفعه الواحد منهم من قروش فى السينما.. وقد استطعنا أن نجند لذلك مجموعة من أشهر كتاب القصة المتخصصين فى التأليف المسرحى، وكانت مسرحية ايزيس التى قدمتها الفرقة المصرية على مسرح الأوبرا- وهى من تأليف الأستاذ توفيق الحكيم المسرحيات الضخمة التى لقيت نجاحا كبيرا، وقد أكد لى هذا النجاح أيضا، نفر من أصدقائى الأجانب الذين يتكلمون العربية بطلاقة، فأعجبوا بها إعجابا تاما بعد أن دعوتهم لمشاهدتها.
"يا ليل ياعين"
وسكت يحيى حقى قليلا، ثم عاد يقول فى أسلوبه الهادئ المرتب: ولن أتحدث هنا عن "يا ليل يا عين" التى مازالت تقدم صورها الشعبية الغنائية الراقصة على مسرح الأوبرا، والتى قوبلت من جميع طبقات الشعب بالإعجاب الشديد، وإنما أقول إن هذا التوفيق سوف يدفعنا إلى تنمية التجربة، والمضى بها قدما فى سبيل الكمال الفنى المنشود.
«هذا من ناحية المسرح، أما من ناحية السينما، فالمصلحة قد قامت بإعداد كثير من أفلام الدعاية التى عرفتها جميع دور السينما، ومعظمها من الأفلام الملونة التى بلغت حد الإجادة والإتقان، بحيث استطعنا عن طريقها أن نظهر عدة نواح كان لا بد لها أن تظهر من مصر العزيزة..کما تقدم المصلحة حفلات موسيقية فى دار الأوبرا من حين إلى آخر، وتقوم المصلحة أيضا بمساعدة الفنانين من أبناء الشعب على إظهار فنهم وتجويده، کصانعی عرایس المولد، وتنسيق الموالد، وإظهارها فى صورة شعبية راقية.تتفق مع حضارتنا وقوميتنا، كما تشجع كتاب الأدب الشعبى، وفنانى الشعب.. والحقيقة أن مسئولية مصلحة الفنون ضخمة ومتشعبة النواحي، وأرجو أن ندع لأعمالنا وحدها أن تتحدث عن رسالتنا..
نحن والمعاهد الفنية
ما هى العلاقة بين الفنون والمعاهد الفنية والكليات ودار الأوبرا؟
تنحصر رسالة المصلحة فيما ذكرت من فنون، أما كليات الفنون فهى خاصة بالفن التشكيلى كالنحت والتصوير والعمارة، والصلة بيننا تنحصر فى الاستعانة بخريجى هذه المعاهد والكليات فيما تقدمه من فنوننا الشعبية، وبأساتذتها المعروفين وقت الحاجة، وقد كانت دار الأوبرا فيما مضى تابعة للفنون الجميلة، التى تتبع بدورها وزارة التربية والتعليم، أما بعد أن أصبحت تابعة لوزارة الإرشاد فقد اقتضى هذا أن تشرف عليها مصلحة الفنون.
ما هى مشروعاتكم القادمة؟
كل مشروعاتنا تنحصر فى رفع مستوى الفنون الشعبية، والعمل على ازدهار المسرح المصرى والسينما المصرية والموسيقى، وكل ما له علاقة بفننا القومى المصرى.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
"مـحـمـد أمــين مـحـمـد" الشـهـيـر "بمحـمـد الموجى" اسم يعرفه كل المصريين، فقد ارتبط اسمه بعالم الموسيقى والطرب؛
يعتبر الحقن المجهري من أهم التقنيات الطبية الحديثة، حيث يعكس العديد من التطورات التكنولوجية في عالم الأجنة، ويحدث من خلال...
ولد الفنان "فاخر محمد فاخر" عام 1912 فى قرية الدوير مركز صدفا بمحافظة أسيوط، وهو ممثل من العيار الثقيل؛
تاريخنا الموسيقي حافل بالرواد الذين شكلوا بفنهم وجدان الشعب المصري، وذلك مع الاحتفاظ بموروثتنا الموسيقية الشرقية،