عقلية التكفير

لن نفاجأ كثيرا – نتيجة ما نعرفه عن بنية النظام العربى القمعى على مدى عصوره وأشكاله المختلفة – إذا علمنا هذا العدد الكبير من الشعراء والكتاب الذين قتلوا بتهمة

لن نفاجأ كثيرا – نتيجة ما نعرفه عن بنية النظام العربى   

القمعى على مدى عصوره وأشكاله المختلفة – إذا علمنا

هذا العدد الكبير من الشعراء والكتاب الذين قتلوا بتهمة

الزندقة والتجديف فى الذات الالهية والخروج على الدين

أو لأسباب سياسية مباشرة اومتسترة بدعاوى دينية

وهو ماينفى – مبدئيا – مركزية الشاعر فى الثقافة العربية

ومركزية الثقافة العربية فى بنية الدولة الاسلامية

وفى أغلب الاحوال كان السياسى يتذرع بالدينى فقد قتل

بشاربن برد بتهمة الزندقة لكن السبب الحقيقى – الذى كان

معروفا للجميع – هو دعوته المسلمين ان يلتمسوا " خليفة

الله بين الزق والراح" فأرسل له وزيرالمهدى من يضربه

بالسوط حتى مات وهكذا كان أمر الحلاج والسهروردى

وغيرهما ولم ينج بعض الكتاب من هذه المصائر وان كان

بدرجة أقل نتيجة ابتعادهم عن بلاط الخلافة ولاشك ان

اشهر مثال على ذلك ماحدث مع ابن المقفع فقد قطعت

أطرافه – وهو حى- وألقى بها – امام عينيه – فى

تنورمشتعل وأشاعوا كذبا انه زنديق

هناك اذن سلطة سياسية طاغية "يخدمها" الشاعر

فإن لم يفعل فمصيره النفى والتهميش واخيرا

القتل اذا ماحاول ان ينال من هذه السلطة المطلقة

يثور الخليفة لحقه – او لحق الله لافرق باعتباره

ظل الله على الارض – فيقتل لأدنى الملابسات والشبهات

والوشايات والتأويل الخاطىء لعبارة او كلمة

ولايجدى فى هذه الحالة ان نستحضر بعض الاقوال التى تجعل

الدين بمعزل عن الشعر لأننا لو حكمنا الرؤية الدينية – كمايقول

عبدالعزيزالجرجانى – لأسقطنا معظم شعر الجاهلية وشعر ابى

نواس والمتنبى وبشار وغيرهم ولانفتح الباب واسعا للتأويلات

الشاذة الصى لم تردعلى ذهن الشاعر فقد كفر الواحدى المتنبى لقوله "أى

محل أرتقى/أى عظيم أتقى – وكل ماخلق الله /ومالم يخلق – محتقرفى همتى/كشعرة فى مفرقى " وسبب التكفير هو تحقير خلق الله .ومن غريب ماسمعت بنفسى من عدة سنوات تكفير أحد أساتذة الشريعة للشاعر السودانى جورج غرداق لقوله " صدفة أهدت الوجودإلينا "معللا ذلك ان الشاعر يؤمن بوجود الكون "صدفة " دون خالق وهو كلام شاذغريب يتجاهل موضوع القصيدة ومعنى البيت الذى يتحدث عن لقاء الشاعر وحبيبته "صدفة " فشعر بالوجود وجمال الحياة من حوله ان تحكيم

هذه التفسيرات ضيقة الافق والتى تجهل طبيعة الشعر ورمزيته سوف

تؤدى لبى تكفير الجميع وقضية الشاعرالفلسطينى الشاب اشرف فياض الذى صدرضده حكم بالاعدام داخل المملكة السعودية يصدق عليها كل ماسبق فقد أصدر الشاعر ديوانا بعنوان "التعليمات فى الداخل " عام 2008وفى عام 2013أعتقل بسبب وشاية شخص سعودى له علاقة بهيئة الامر بالمعروف "الشرطة الدينية " وتم الافراج عنه لعدم توفر الادلة .الامر اذن – حتى الان – بعيد عن الشعر ويبدو ان فكرة التفتيش فى ديوانه قد وردت على ذهن المتربصين به بعد براءته من الوشاية وهكذا تم ترتيب القضية على هذه الصورة : تأويل خاطىء لأحد السطورالشعرية مع شاهد

اثبات يقول انه قدسمعه " يسب الله والرسول والسعودية " أما السطرالشعرى الذى استندوا عليه لاتهامه بالتشكيك فى الذات الالهية فهو " الشمس ترقد فى الفراش لأن حرارتها مرتفعة " فقيل ان ذلك سخرية من الشمس وهى اية من ايات الله وهذه سذاجة منقطعة النظير فى التعامل مع الشعر فالشمس هنا ليست هى الشمس الحقيقية التى خلقها الله لان الشمس لاترقد ولاتمرض وليس لها فراش والصورة كلها تقوم على الاستعارة البسيطة التى يدرمها كل من له ادنى علاقة بالشعر فقد تكون الشمس – فى خيال الشاعر – حبيبته او امه او حتى امنية بعيدة يرجوها الشاعر وبهذا يكون قد حذف المشبه وصرح بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية كما يعرف تلاميذ المرحلة الاعدادية ومما يزيدالامربلاء انه قد تم فرض الحظر على زيارته او عمل توكيل لمحامى دفاع عنه .لكن دعونا نتعامل بمنطق هذه الرؤية التى تتمسح بالدين ولنقل ان الشاعر يقصد الشمس حقيقة ويصف غروبها حين يقول "انها ترقدفى الفراش " واذا كان الامر هكذا فأين السخرية فى ذلك ؟ان تعاطف الشاعر مع الشمس هو الاكثر حضورا فالشاعر يتألم لغياب الشمس .ومن منا لايتألم لغياب الشمس العربية الان ؟ وهذه الصورة لها مرجعياتها الشعرية فهى تذكرنا بقول ايليا ابى ماضى "السحب تركض فى الفضاء الرحب ركض الخائفين / والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين " ان الشاعر – خاصة الرومانسى – يرى العالم من خلال تجربته الذاتية ويتخذ من الطبيعة رموزا ومعادلات موضوعية يعبر عن نفسه من خلالها وهو امر شائع فى كل العصور .

الفترات الاستثنائية التى أتيحت فيها بعض مظاهر الحرية هى التى صنعت مانعتز به فى الحضارة العربية فقد كان ابن الراوندى يجهر بإلحاده دون ان يتعرض له احد وكان احدهم يقول " حياة ثم موت ثم بعث /حديث خرافة ياأم عمرو " والقرآن نفسه جادل الملحدين ومنكرى البعث وأهل الكتاب بالحسنى والحجة وليس اكثر من ان الله – جلت قدرته- قد سمح للشيطان ان يطرح حجته عندما رفض السجود لآدم بل وسمح له ان يتحداه بإغوائه عباده الصالحين ومع ذلك أنظره الى يوم يبعثون .

وقد قيل كلام كثير عن حدالردة وماأراه ويراه كثيرون اكثر تفقها أن القرآن الكريم لم ترد به اشارة الى قتل المرتد بل ان الكثير من اياته ضد هذا مثل قوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه " وقوله تعالى " كيف يهدى الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول هو الحق " وقوله "لاإكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى " .القائلون بحدالردة يستندون الى حديثين هما " من بدل دينه فاقتلوه " و" لايحل دم امرىء مسلم الامن ثلاث : كفر بعد ايمان وزنا بعداحصان وقتل نفس بغير نفس " ومعلوم ان الحديث الذى لايوافق ماورد فى القران يعد غير صحيح ومخالفى الحديثين واضحة وهما من احاديث الاحاد الظنية وحكم الردة يتعلق بحياة انسان ولاينبغى الاستناد فى ذلك الا على ماهو قطعى التبوت والدلالة .واذا كان هذا يصدق على المرتد الذى ثبتت ردته فكيف نحكم بالاعدام على من نظن انه يشكك فى الذات الالهية استنادا على سطر شعرى مبنى على المجاز لا الحقيقة كما أوضحنا .

 

 


Katen Doe

محمد السيد اسماعيل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave
العزلة في الشعر العالمي
خارج السرب .. اتحاد المهاترات
شريف رزق وأسئلتُهُ الجديدَةُ القديمَةُ حولَ قصيدَةِ النَّثر
التهكم الممزوج بالمرارة في ديوان (موسيقي وحيد)
رحلة العائلة المقدسة في الشعر العالمي

المزيد من تحقيقات

wave
العزلة في الشعر العالمي

أُغنيةٌ للغروب فريدريك جيورج سكوت ثمةَ بقعةٌ وحيدةٌ في روحِ رجلٍ وحيدةٌ أكثر من بحرٍ بلا قمرٍ وخليجٍ, ما من...

خارج السرب .. اتحاد المهاترات

بوسع الجمعية العمومية القادمة فى اتحاد الكتاب أن تعدل الوضع المائل لو أرادت، وأن تقفل باب المهاترات المفتوح على مصراعيه،...

شريف رزق وأسئلتُهُ الجديدَةُ القديمَةُ حولَ قصيدَةِ النَّثر

سأبدأ منْ حيثُ انتهى الشَّاعر والنَّاقد شريف رزق ، أقصدُ منْ حيثُ اكتشافه مُعْضِلاتِ المَرَضِ ؛ فكِتَابُ :" قصيدة النَّثر"...

التهكم الممزوج بالمرارة في ديوان (موسيقي وحيد)

الشاعر / جندي وحيد: هو مؤجج بالمفردات في وجه الطغاة يحارب في كل أركان الحياة من اجل من هم في...