إثيوبيا وتيجراي.. صراع يهدد القرن الإفريقي؟

كر وفر يغلب على المشهد في إثيوبيا و تأجج الوضع في تيجراي مجددا حيث شنت إثيوبيا وإريتريا جولة جديدة من الهجوم على تيجراي، بعد أيام من إبداء الجانبين استعدادهما للمشاركة

كر وفر يغلب على المشهد في إثيوبيا و تأجج الوضع في تيجراي مجددا حيث شنت إثيوبيا وإريتريا جولة جديدة من الهجوم على تيجراي، بعد أيام من إبداء الجانبين استعدادهما للمشاركة في محادثات سلام بوساطة الاتحاد الإفريقي.

الولايات المتحدة الأمريكية أعربت عن عميق قلقها من تصاعد العنف والاستهداف العشوائي للمدنيين، في منطقة تيجراي. ودعت الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية لوقف الهجوم فورا.

أزمة تيجراي تؤثر على الاستقرار في القرن الافريقي عامة حيث يمتد اثرها الى دول المنطقة حيث عبر آلاف اللاجئين الحدود إلى السودان فما هي ازمة تيجراي وكيف نشات وتطورت؟.

* أين يقع إقليم تيجراي؟

يقع الاقليم في شمال إثيوبيا ويحده من الشمال والشمال الشرقى إريتريا، ومن الغرب السودان بولايتي كسلا والقضارف، ومن الجنوب مناطق ولَّو الأمهرية وإقليم العفر، ومنطقة قُندَر الأمهرية التابعين لاثيوبيا.

تيجراي يبعد بنحو 600 كلم عن العاصمة الفيدرالية أديس أبابا وتقع عاصمته ميكيلي فى شرق الإقليم وكانت تضم قبل اندلاع النزاع نحو نصف مليون نسمة، أى أقل من 10% من مجموع سكان الإقليم.

يعيش في الاقليم نحو 7 ملايين نسمة ومعظم سكانه من أقلية التيجراي التي تمثل نحو 6% من مجموع الإثيوبيين البالغ عددهم 122 ملايين نسمة.

اقلية تيجراي تعد ثالث أكبر مجموعة عرقية في اثيوبيا بعد الأورومو والأمهرة.

وتنقسم إثيوبيا إلى 10 ولايات إقليمية على أسس عرقية تتمتع بالحكم الذاتي إلى حد كبير ولكن تحت مظلة مؤسسات مركزية.

* متى بدأت الأزمة ؟

بداية الازمة بين جبهة تحرير تيجراي وحكومة إثيوبيا تقترن بانتخاب آبي أحمد رئيسا للوزراء أبريل 2018 وظلت الجبهة قوة مؤثرة في السياسة الإثيوبية حتى عام 2019 حيث تصاعدت الخلافات بين الجبهة ورئيس الوزراء و اعتبرت الجبهة خطط رئيس الوزراء تستهدف النيل من رموزها.

كانت جبهة تحرير تجراي تقود المشهد السياسي فى إثيوبيا من 1991 إلى 2018، وقبل ذلك مثلت جبهة تحرير تيجراي جزءاً من التحالف الذي أطاح بالحكومة في عام 1991.

وارتفعت وتيرة الخلاف عندما أقدمت جبهة تحرير تيجراي، على إجراء انتخابات بشكل منفرد، رغم قرار الحكومة الفيدرالية بتأجيل الانتخابات العامة فى البلاد بسبب جائحة كورونا.

جبهة تحرير تيجراي اجرت انتخابات الإقليم مستندة إلى ما تقول إنها خطوة يكفلها لها الدستور.

الخلاف بين آبى أحمد والجبهة تطور بعد رفض الجبهة الانضمام إلى حزب الازدهار الذى شكله رئيس الوزراء الحالى مؤخرا، كائتلاف جديد بديلا للائتلاف السابق المسمى بـ"الجبهة الديمقراطية الثورية".

وبعد شهرين من ذلك شنت قوات الجبهة هجوماً على قاعدة محلية للجيش الإثيوبي وردا على ذلك شنت الحكومة الفيدرالية هجوماً عسكرياً كبيراً على تيجراي.

منطقة تيجراي عانت تاريخيا من الحكومة المركزية خلال فترة الحكم العسكري والحرب الأهلية، التي أعقبت خلع الإمبراطور الإثيوبي الأخير هيلا سيلاسي عام 1974.

وكانت تيجراي تعاني المجاعة بين عامي 1983 و 1985 التي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وأكثر من مليوني نازح.

وبعد عقود من الاستقرار النسبي اندلع القتال في نوفمبر 2020 مجددا مع قوات من حكومة إقليم تيجراي والحكومة الفيدرالية.

* مراوغة الحكومة وشروط تيجراي

دائما ما يعود الأمر في الصراع بين حكومة اثيوبيا وجبهة تحرير تيجراي الى نقطة البداية وهو ما يعود الي مراوغة النظام الإثيوبي من جانب واصرار الجبهة على فرض شروط مسبقة للتفاوض من جهة اخرى.

في يوليو 2022 .. اعلنت حكومة اثيوبيا استعدادها للتفاوض مع جبهة تحرير تيجراي بدون شروط مسبقة كما أعلنت تأسيس لجنة للتفاوض والتي قدمت مقترحًا للسلام تضمن إجراء حوار سياسي يؤدي إلى تسوية دائمة، بالإضافة إلى معالجة القضايا العالقة الأخرى من خلال الحوار الوطني ، الأمر الذي يشير في ظاهره إلى التزام النظام الحاكم بتسوية سلمية للصراع.

وفي الوقت ذاته .. دعمت الحكومة الإثيوبية قوات أمهرة في شن هجمات ضد إقليم تيجراي بهدف استنزاف قدراتها العسكرية، إلى جانب السماح للقوات الإريترية بقصف الاقليم، كماجددت الحكومة الإثيوبية دعوتها لحشد وتعبئة الشعب الإثيوبي للدفاع عن سيادة البلاد ووحدة أراضيها، وأعلنت استعداد قواتها لحماية البلاد الامر الذي ادى الىاستمرار الاشتباكات المسلحة بالرغم من الهدنة المعلنة وهو ما يفسر اتهام قادة جبهة تيجراي الحكومة الإثيوبية بالمسئولية عن تدهور الأوضاع في تيجراي.

والى الطرف الثاني للمعادلة.. تصر جبهة تحرير تيجراي على تنفيذ شروطها لإجراء المفاوضات وهي نقطة خلافية محورية في مسار الصراع الإثيوبي حيث تشترط انهاء الحصار المفروض على الاقليم قبل الحكومة الإثيوبية خاصة ما يخص الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والاتصالات والخدمات المصرفية والوقود إضافة إلى استعادة السيادة على غرب تيجراي الواقع تحت سيطرة أمهرة منذ اندلاع الصراع في نوفمبر 2020، فضلًا عن طرد القوات الإريترية من شمال إثيوبيا، قبل الجلوس على طاولة التفاوض.

الجبهة اعلنت مرارا استعدادها لصد هجوم القوات الحكومية، وتنفيذ هجوم مضاد لتحرير أراضي تيجراي في غرب الإقليم من أمهرة، وإعادة النازحين إليها.

الخلاف امتد كذلك الى جهود الوساطة حيث تتمسك حكومة اثيوبيا بفرض رؤيتها لمفاوضات السلام و تدعم اديس ابابا وساطة الاتحاد الأفريقي دون دخول وساطات دولية أو إقليمية أخرى وهو ما تتحفظ عليه الجبهة بسبب اتهامها للاتحاد الأفريقي بالتحيز لصالح حكومة آبي أحمد على حسابها وحتى مع قبول الجبهة وساطة الاتحاد الافريقي فان الامر لن يقود الى هدوء على الارض سوى لايام معدودة.

تشبث طرفي النزاع بقناعاتهما ادى الىفشل الجولات السرية للتفاوض وهو ما اقرت به الجبهة عبر اعلانها عقد جولتين من المحادثات المباشرة التي جرت مع مسئولين مدنيين وعسكريين في الحكومة الفيدرالية، والتي استضافتهما دولتا سيشل وجيبوتي الامر الذي يعني أن الطرفين قد فشلًا في تقريب وجهات النظر بخصوص بعض القضايا الخلافية بينهما من أجل البدء في مفاوضات للسلام.

* دعوة الاتحاد الأفريقي

من جانبه دعا الاتحاد الأفريقي  يدعو بقوة إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار واستئناف الخدمات الانسانية .

وأعرب رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فقي، عن قلقه إزاء "تقارير عن تصاعد القتال من قبل القوات الإثيوبية في إقليم تيجراي الواقع في شمال البلاد، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار.

وحث رئيس الاتحاد الطرفين على الالتزام مجددًا بالحوار وفقا لاتفاقهما على إجراء محادثات مباشرة في جنوب إفريقيا، ينظمها الاتحاد ويدعمها المجتمع الدولي.

* الأزمة الإنسانية في تيجراي

اقليم تيجراي يعاني مواجهات عسكرية وأزمة إنسانية وقد يكون للوضع هناك تداعيات خطيرة على مستقبل البلاد وقد يكون لذلك اثاراً خطيرة حتى على جيرانها.

برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة قال إن 5.2 ملايين شخص، أو 91% من سكان تيجراى يحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة، كما اتهمت الولايات المتحدة الحكومة الإثيوبية مجدداً بعرقلة وصول المساعدات إلى إقليم تيجراى.

والأمم المتحدة قالت إن أكثر من خمسة ملايين شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدات في المنطقة، بينما هناك نحو 350 ألف شخص على الأقل على حافة المجاعة.

وذكرت الأمم المتحدة إن الجوع يهدد حياة 30 ألف طفل في الاقليم.

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش من أن استقرار إثيوبيا مهم لمنطقة القرن الأفريقي بأكملها.

وأعرب جوتيرتش عن قلقه البالغ إزاء تصاعد القتال في إقليم تيجراي، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على المدنيين في ظل وضع إنساني مترد أصلا.

وجدد استعداد الأمم المتحدة لدعم الاستئناف العاجل للمحادثات من أجل التوصل إلى تسوية سياسية دائمة لهذا الصراع الكارثي.

كما أعرب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن جريفيث، الجمعة عن قلقه الشديد بشأن سلامة المدنيين والعاملين في المجال الإنساني في شاير، وهي بلدة تقع في شمال وسط تيجراي.

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: "نشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن زيادة العنف وفقدان الأرواح والاستهداف العشوائي للمدنيين والدمار في شمال إثيوبيا، لا سيما في منطقة شاير بمنطقة تيجراي".

* سيناريوهات مستقبل تيجراي

بعد انهيار الهدنة الهشة التي استمرت لنحو خمسة أشهر في إقليم تيجراي، واتهامات متبادلة و مناشدات دولية بوقف القتال فضلا عن تعثر عدد من مبادرات التسوية يطرح مراقبون عددا من السيناريوهات لمستقبل الصراع في تيجراي.

يرجح البعض تضييق الخناق على جبهة تيجراي عبر استمرار الحصار وشن الهجمات في مسعى لهزيمة الجبهة بالجبهة ما يمكن أديس أبابا من فرض شروطها في أي حوار سلام مقبل.

سيناريو آخر يطرح فكرة توسيع نطاق المواجهات بين الجانبين ويستند هذا الاتجاه إلى فرضية استمرار ضعف القدرات العسكرية الإثيوبية وعدم قدرتها على حسم المعركة بمفردها، وتمكن جبهة تيجراي من بناء قدراتها العسكرية وبالتالي، يمكن أن يتم توسيع نطاق المواجهات بين الجانبين.

من السيناريوهات المطروحة .. إخفاق القوات الإثيوبية في حسم الصراع عسكرياً، وهو ما يؤدي إلى إطالة أمد الحرب مع عودة التعبئة العامة مرة أخرى، وتفاقم حالة الاستقطاب الداخلي وانخراط العديد من الأطراف الداخلية في الصراع، وهو ما يؤدي في النهاية إلى حرب استنزاف تفضي في النهاية للتوصل مرة أخرى إلى وقف إطلاق للنار.

 

Katen Doe

ايمان صلاح

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave

المزيد من ملفات عرب وعالم

wave
الطريق إلى الناتو.. هل تتجاوز "الشقيقتان" عقبة تركيا ويكملان الرحلة معا؟ 

الطريق إلى الناتو ليس مفروشا بالورود.. فبعد أن قدمت "الشقيقتان" فنلندا والسويد طلبات الانضمام الى الحلف معا.. وتم تصديق 28...

زلزال تركيا وسوريا.. يحفر آثاره في ذاكرة البلاد والعباد

لم يكن السادس من فبراير صباحا عاديا.. فالساعات الأولى من هذا اليوم شهدت لحظات مرعبة لن تنسى.. عندما استيقظ سكان...

القمة 36 للاتحاد الإفريقى .. تحديات وآمال

  تحت شعار "تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية" .. ولبحث سبل تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وفقاً لأجندة الاتحاد لعام...

عام من حرب اوكرانيا .. حلم كييف الأوروبي أشعلها

حلم كييف فى عضوية الناتو أشعل شرارتها.. و الرئيس الروسي فشل في انهائها في غضون أيام.. والصمود الاوكراني بدعم اوروبي...