المقهى الدبلوماسي.. "البهرة"..؟

منذ أكثر من ثلاثين عاما.. وأنا في أخر سنوات دراستي الجامعية.. كنت أعيش في حي الحسين.. وتحديدا في شارع الخرنفش المتفرع من شارع المعز لدين الله الفاطمي.. فقد كنت.. ومازلت.. عاشقا لهذه المنطقة بكل تفاصيلها.. وفي ذلك الوقت تعرفت على أحد الرجال الصالحين..

كان الشيخ يملك دكانا بالمنطقة.. ووجدته ذات مرة يسألني.. تحب تشتغل.. وبالرغم أنني كنت أعمل وقتها صحفيا تحت التمرين بجريدة النبأ مع الأساتذة ممدوح مهران وعاطف غالي وعبد الله خاطر وغيرهم.. إلا أنني رحبت بفكرة الشغل.. لأن الصحافة وقتها لم تكن تجني مالا.. فوافقت.. فأخذني الشيخ وذهبنا لشخص أخر كان يملك محلا لبيع أدوات الصاغة.. كان مهندسا شابا في الثلاثينات.. وبدأت العمل معه.. كان ذكيا وعلى خلق ودين.. كنا نأكل معا.. ونصلي معا.. حتى بعد أن تركت العمل معه بعد سنة لدخولي الجيش.. ظلت علاقتي به ممتدة لسنوات.. حتى توفاه الله وهو في أواخر الثلاثينات.. يرحم الله شبير حكيم.. نعم هذا كان اسمه.. وهو من طائفة البهرة من الهند..

وبينما أنا مسترسل في هذه الذكريات.. وارتشف من قهوتي الفرنسية على مقهاي الدبلوماسي.. إذا بصديقي العزيز يبادرني بسؤال.. وكأنه كان معي في ذكرياتي.. إيه حكاية البهرة دول إللي ظهروا فجأة في مصر..

فابتسمت وأنا أقول له.. ما ظهروش فجأة ولا حاجة.. واخذت أخبره عنهم ما عرفت من خلال معاملتي وعشرتي لهم.. ولكنني عندما اطلعت على ما ذكره المؤرخون عنهم.. وجدت عجبا.. فما هي حقيقتهم..هل هم من تعاملت معهم وعرفتهم.. أم هم من يتحدث عنهم المؤرخون.. ثم بدأت أسرد له ما ذكره المؤرخون..والله أعلم بهم وبحقيقتهم..

تقول كتب التاريخ أنه بعد وفاة جعفر الصادق.. المنحدر من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب.. انقسمت الشيعة على نفسها، إذ تبعت جماعة موسى الكاظم بن جعفر وسميت بالإمامية الاثنى عشرية.. وصدقت أخرى ادعاءات أتباع إسماعيل بن جعفر وابنه محمد بحقهما في وراثة الإمامة عن جعفر، مع أن إسماعيل كان قد توفي قبل وفاة أبيه بخمس سنين سنة 143هــ.. وعرفت بالاسماعيلية..

ثم انقسمت الإسماعيلية إلى عدة فرق، منها: الإسماعيلية الخالصة: وهم الذين قالوا: إن الإمام بعد جعفر ابنُه إسماعيل بن جعفر.. والإسماعيلية المباركية أو الإسماعيلية الثانية.. وهم القائلون بأن الإمام بعد جعفر هو محمد بن إسماعيل بن جعفر..

ومن الإسماعيلية.. بشكل عام.. انبثق فرق متعددة ووجوه مختلفة وألقاب كثيرة، ذكر منها الغزالي عشرة ألقاب هي: الباطنية، والقرامطة، والقرمطية، والخرمية، والخرمدينية، والإسماعيلية، والسبعية، والبابكية، والمحمرة، والتعليمية

ومن طوائف الإسماعلية .. طائفة البهرة.. ويعرفون بالإسماعيلية المستعلية.. وهم يعترفون بالإمام " المستعلي " ، ومن بعده " الآمر " ، ثم ابنه " الطيب " ، ولذا يسمون بـ " الطيبية ".. وهؤلاء هم إسماعيلية الهند ، واليمن .. تركوا السياسة ، وعملوا بالتجارة ، فوصلوا إلى الهند ، واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا ، وعرفوا بـ " البهرة "

أصل كلمة البهرة أنها مأخوذة من فيوهار التي تعني التجارة في اللغة الكجراتية الهندية، فالبهرة هم التجار..

ومركزهم الحالي هو مدينة سورت في الهند، وتشير رواية البهرة أن أحمد المصري أول إسماعيلي وطئت قدماه أرض كهينبابت في الهند، بأمر من المستنصر بالله الفاطمي لنشر الدعوة الإسماعيلية في تلك الأرجاء.. ويعتبر البهرة بوضعهم الحالي ورثة الفاطميين المصريين وأمناء دعوتهم عقيدة وتشريعًا..

- انقسمت البهرة إلى فرقتين :
البهرة الداوودية : نسبة إلى قطب شاه داود : وينتشرون في الهند ، وباكستان ، منذ القرن العاشر الهجري ، وداعيتهم يقيم في " بومباي " .

البهرة السليمانية : نسبة إلى سليمان بن حسن ، وهؤلاء مركزهم في اليمن حتى اليوم .

هناك كلام عن صلاتهم وحجهم من حيث النية والتوجه بهما.. والله أعلم بهم..

وأما الغلو في إمامهم : فله صور متعددة ، من السجود له ، وتقبيل يده ورجله من الرجال والنساء ، وغير ذلك..

ونفي الأفعال والصفات والأسماء عن الله تعالى ثابت في جميع كتبهم، وهذا ما أجمع عليه دعاتهم، ولا يوجد مخالف في ذلك بينهم، ولذلك نجد الشهرستاني يخبر عنهم فيقول: "قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج.. فقالوا في الباري تعالى: إنا لا نقول: هو موجود، ولا لا موجود، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز… بل هو إله المتقابلين وخالق المتخاصمين، والحاكم بين المتضادين"..

وهذا هو مذهب المعتزلة وفلاسفة اليونان الذين يطلقون على الله "العقل الأول، والموجود الأول" الذي يتعلق به سائر الموجودات، ولكل شيء في الموجودات علة، والموجود الأول هو علة العلل..

وهذا بعض ما ذكره المؤرخون في طائفة البهرة.. حتى أن الأزهر كان قد أصدر فتوى بأن هذه الطائفة باطنية وليست ظاهرية، أي أن لها من العادات والعبادات الخاصة بها والتي تخرجها عن نطاق الممارسات الإسلامية الصحيحة.. هذا .. والله أعلم بهم..

وللحديث بقية..

لمزيد من المقالات

المقهى الدبلوماسي.. الهجرة النبوية.. وذو البجادين