السفير جمال بيومي: الجبهة الداخلية «وقفت فى ظهر» رجال الشرطة

المصريون ضربوا أروع مثال في تحمل الأعباء الاقتصادية لتوفير احتياجات المعركة

مثلت حرب اكتوبر انتصارا عظيما وحياة جديدة، كما رفعت ايضا رأس العروبة عاليا، وبدأت بعدها كافة اشكال الحياة تتغير بعد الاستقلال وتستعيد مصر مكانتها بين اشقائها وعلى مستوى العالم اجمع الذى انبهر بخطط الخداع الإستراتيجى وذكاء ومهارة الجيش المصرى، رغم ضعف الإمكانيات ونقص الموارد والأسلحة والوقود.

وقال السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق، إنه كان يعمل في السفارة المصرية في البرازيل أثناء اندلاع حرب أكتوبر 1973، مشيرا إلى أنه رغم أن وزارة الخارجية منعت الدبلوماسيين من التعامل مع الإعلام، إلا أنه تحدث مع التليفزيون البرازيلي حتى لا يترك المجال للدول الأجنبية للحديث عن الحرب أو بث معلومات غير دقيقة.

وأضاف في حوار لـ الإذاعة والتليفزيون، أن الدول العربية ساندت مصر في حرب أكتوبر، موضحا أن امير الكويت منح مصر 30 مليون دولار فورًا لتسوية الديون مع أمريكا، كما أن الملك فيصل ساند مصر بـ 45 مليون جنيه استرلينى رغم ان وزراءه نصحوه بـ15 مليونًا فقط.

 كيف عاصرت حرب أكتوبر المجيدة؟

الحقيقة اننى كنت فى البرازيل وقت اندلاع الحرب وقد شعرت بحلاوة الانتصار على بعد 7 آلاف كم كما تذوقت ايضا مرارة الهزيمة فى 1967، وبالتالى فقد رأيت الهزيمة والنصر فى عيون العالم لأن الإعلام المصرى آنذاك كان لا يصل بقوة الى البرازيل، واصبح رأيى مأخوذا من رؤية العالم اجمع وما يقال عن عظمة الجيش المصرى والتكتيك المتبع فى الحرب، واذكر هنا اننى رأيت الفرحة الشديدة على وجوه البرازيليين بصفة خاصة والعالم اجمع بصفة عامة وايضا الجالية العربية المكونة من جميع الدول العربية مثل سوريا واليمن وغيرهما، والمدهش هنا ان الجميع بدون استثناء كان يبحث عن المعلومة ويتابع عن كثب اخبار الحرب، وخاصة ان الجرائد المصرية كانت تصل الينا مرة واحدة فقط فى الشهر والإذاعة الوحيدة التى نستطيع التقاط شبكتها بصعوبة كانت صوت العرب من خلال الصعود فوق الجبل فى تمام الساعه السادسة عصرا وكان هو التوقيت الوحيد لذلك ، ولكنى لا انسى ابدا العم احمد النوبي المصرى الجنسية الذى كان لا ينام طوال الليل حتى يستطيع التقاط شبكة البي بي سي ويستمع الى الأخبار من خلالها، وايضا كانت هناك سيدة هولندية تدعى "إيتا" زوجة مهندس مصرى قبطى كان جارا لنا وهى التى كانت تبحث عن اخبار الحرب ايضا بشغف شديد، ولكن أول من ابلغتى بخبر اندلاع الحرب كانت سيدة تعمل سكرتيرة فى السفارة المصرية فى تمام الساعة السابعة صباحا والتى كانت توازى تقريبا الساعة الثانية ظهرا فى مصر لحظة بداية الحرب وقالت لى "اصحى شوف بلدك بتعمل انتصار كبير جدا" وكان ذلك هو أول انطباع لي عن الحرب، ثم توالت الأنباء وطلب منى التليفزيون البرازيلى اجراء لقاء معى وفى ذلك الوقت كانت هناك أوامر صريحة من مصر لى كدبلوماسى بعدم الإدلاء بأي تصريحات صحفية لأنه ممنوع.

 ولكنى وجدت الإعلام البرازيلى شديد الشغف بإذاعة الأخبار من شدة عشقه لمصر وخشيت ان اترك المجال للدول الأجنبية للإدلاء بالأحاديث عن الحرب المصرية ووجدت انه من غير المعقول الا اتحدث فى هذه اللحظة وخاصة ان البرازيل كان بها العديد من النوادى اللبنانية والسورية والذين اقاموا بالفعل حفلات واحتفالات بمناسبة الانتصار وهنا كان الجميع يشعر ان مصر لم تأخذ ثأرها فقط و انما هى رفعت رأس العروبة عاليا، وكان الجميع ينظر الينا على اننا مصر الشقيقة الكبرى التي حققت انتصارا عظيما.

وبالنسبة للمادة الفيلمية التى كنا نحتاج لعرضها فقد قام احد المصريين الأكفاء بالذهاب الى هيئة الاستعلامات وحصل على فيلم مدته نصف ساعة تقريبا عن الحرب والاستعدادات التى كانت قبلها، وبدأ فور ارساله للفيلم بعمل جلسات ومناقشات عديدة وتم عرضه فى التليفزيونات العربية والسفارة المصرية.

 كيف واجهت مصر ازماتها الاقتصادية استعدادا لحرب اكتوبر؟

حماس المصريين فى ذلك الوقت تجاه بلدهم كان يفوق الوصف، حيث كانوا على استعداد ان يضحوا بالكثير من اجل مصر، ومن عاش في مصر في السبعينات يذكر جيدا اننا كنا نقف طوابير حتى نستطيع شراء فرخة ب 55 قرشا او صابونة واحدة فقط لكل فرد، واتذكر هنا انه بعد عودتى لمصر واستقرارى بمسكن جديد كنت احتاج الى 10 لمبات لإنارته، ولكنى لم استطع الحصول إلا على لمبتين فقط فى اليوم، وكان ذلك يمثل اروع صور الترشيد والإدخار الداخلي، والقدرة على تحمل المشقة، والإيمان بأن ما تحتاجه مصر يحرم على بيوتنا.

وايضا هناك دور عظيم لا يمكن انكاره للدول العربية، فضلا عن دول شرق اوروبا والاتحاد السوفيتي، والتي قامت بتقسيط وتأجيل الأقساط الخاصة بالسلاح حتى نستطيع أن نغطي احتياجاتنا في تلك الحرب اولا.

 لماذا استعان الرئيس السادات بالدكتور عزيز صدقي لإدارة البلاد اثناء الحرب؟

لانه من ابناء الوطنية المصرية حيث كان الدكتور عزيز صدقي وزيرا للصناعة  وكان مهندسا ويطلق عليه "ابو الصناعة المصرية" لانه كان يعرف جيدا اسرار الصناعة وتفاصيل كل ماكينة فى كل مصنع، وربما كان ذلك هو احد اسباب استعانة الرئيس السادات به في هذه الفترة الصعبة التى كانت تمر بها مصر لأن استمرار عملية الإنتاج كان ضرورة حتى نستطيع ان نواصل دعم المسيرة وننتج ونصدر بهدف تطبيق خطة اقتصادية تهدف إلى تمويل الاحتياجات الأساسية للشعب المصرى وفى نفس الوقت ترشيد الإنفاق الحكومى فى المقام الاول لتدبير الأموال اللازمة لصالح القوات المسلحة.

 كيف كانت خطة د.عزيز صدقى لتأمين الاحتياجات من السلع خلال فترة الحرب؟

استطاع د. عزيز صدقى تحقيق ذلك من خلال خطوتين.. مساعدات الدول الصديقة والتى قدمت ذلك بكل ترحاب، وايضا كان للشعب المصرى دور كبير فى تحمل العبء حيث كان يعلم جيدا ان الحرية لها ثمن، كما كان لدول شرق اوروبا تصريحات دائمة بأنهم لن يتخلوا عن مصر ابدا.

 ماذا عن الدور الذي لعبته تبرعات المصريين للمجهود الحربي؟

 بلاشك فإن جميع المصريين يعشقون وطنهم ولكن كل شخص يفعل ذلك بطريقته وفقا لما يملك تقديمه، ومن اهم الادوار التى اذكرها  الدور الوطنى للفنانين، وعلى سبيل المثال كوكب الشرق المطربة ام كلثوم التى كانت تبث روح الحماس في المصريين بأغانيها الوطنية، وما قامت به من جمع التبرعات من خلال حملة "الفن من أجل المجهود الحربى" وقررت احياء حفلين شهريا وتخصيص ايراداتهما لدعم الجيش لمواجهة العدوان الإسرائيلى، كما قامت بعمل حملات لجمع التبرعات من المشاهير والشخصيات العامة.

واذكر ايضا ان لعبدالحليم حافظ دورا كبيرا في دعم الوطن حيث قام بالتبرع بأجر جميع حفلاته للجيش المصري، وغيرهما العشرات من فنانى مصر ابرزهم تحية كاريوكا، فاتن حمامة، فريد شوقي وغيرهم من المشاركين في حملات التبرعات والتى كانت حصيلتها يتم تسليمها للرئيس جمال عبد الناصر.

وبالتالى فإن نصر اكتوبر العظيم لم يتحقق بقوة السلاح فقط وانما تحقق من خلال منظومة متكاملة وقفت فى ظهر رجال الجيش كجبهة داخلية ساندت تحقيق الانتصار فى ميادين القتال.

 كيف كانت خطة الخداع الإستراتيجى وكيف تغلبت مصر على نقص الوقود؟

اذكر هنا موقف يدل على ان الرئيس السادات كان سياسيا مخضرما، حيث صرح بذكاء انه لن يحارب ولا يستطيع ان يحارب في عام الحرب التي كانت بين الصين والهند والتي اثارت الكثير من الضباب، وكان له تصريح شهير انه لن يحارب في "عام الضباب"، بينما كان ذلك نوعا من التمويه، كما انه قبل الحرب بأيام قليلة اصدر تعليمات لبعض الوحدات التي تقف على خط القناة ان تتراجع الى الداخل بالنهار ثم تعود الى قواعدها ليلا، وبالتالى العدو كان يرصد تراجعها، اما فيما يخص التغلب على نقص الوقود وخاصة اللازم للطائرات فقد قام د.محمود سعادة وهو احد العلماء العظماء المصريين، والذى كان يعمل في المركز القومي للبحوث باستبدال الوقود الذى كنا نأخذه من روسيا بوقود مصري اقاموا عليه بعض التعديلات حتى يصل الى تركيبة الوقود الخاص بالطائرات، وبالفعل طارت طائراتنا بوقود صنع في مصر.

 ما أبرز المكاسب الاقتصادية التى حققتها الحرب؟

نستطيع القول ان حرب اكتوبر كانت بمثابة عمل ابداعى متكامل فى التخطيط والإدارة، ومن ابرز المكاسب الاقتصادية التى نتجت عن الانتصار العظيم هو حصول مصر على عائدات البترول وايراداته، زيادة اعداد السياحة بعد انتهاء الحرب، استرداد الموانئ البحرية وبالتالى انتعاش حركة التجارة الداخلية والخارجية، وإعاده افتتاح قناة السويس للملاحة الدولية والاستفادة بإيراداتها، وايضا فتح الفرص لبناء المجتمعات العمرانية الجديدة وتنمية البلاد.

 ما الخسائر التى احدثها الجيش المصري ضد العدو الإسرائيلى؟

القوات الإسرائيلية تكبدت خسائر كبيرة خلال الحرب وفقا للإحصائيات الرسمية لهم، حيث تهتم فى المقام الأول بعدم خسارة الأفراد اكثر من اهتمامها بخسارة السلاح، وقد اصدر بعض الصحفيين الإسرائيليين كتابا يسمى المحدال بمعنى "التقصير" تم ترجمته إلى العديد من اللغات ومنها اللغة العربية، وقامت بنشره العديد من الصحف، وقد سرد انهم لم يعجبهم اداء الجيش الاسرائيلي الذى كان مقصرا جدا خلال الحرب، وأن مصر نجحت بشدة في خطه الخداع، لدرجه انه حتى آخر نصف ساعة قبل الحرب لم تكن اسرائيل تتوقع الحرب، وكان عنصر المفاجأة من اخطر ما يمكن، اما من ناحية الجنود الإسرائيليين فمن المعروف ان اسرائيل تعتبر الأقل عددا في جيوش العالم، لأنها لا تستطيع تعبئة الجيش وإلا سوف يتعطل حوالى 3/4 القوى العاملة لديها، وبالتالي فهى تعمل بنظام الاستدعاء للأفراد الذين يعلمون انهم على قوة الجيش وقت الطلب، وهو ما كان سببا ايضا فى هزيمتهم لأن الجنود تأخروا فى الحضور لمعسكراتهم والاستعداد للدخول في الحرب.

وقد نشرت مجلة "تايم مجازين" ان الخسائر البشرية التي حدثت في الجيش الاسرائيلي كبيرة وهى ما يعادل فقدان الجيش الامريكى لحوالى 200 الف قتيل، وبالتالي نستطيع من ذلك فهم ان كم الخسائر البشرية لديهم كان يفوق الوصف.

Katen Doe

وفاء نجم

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

حسن
العوضب

المزيد من حوارات

عواطف أبوالسعود: «الترند» عمره ثوانى.. وما يشغلنى هو المحتوى

قدمت حفلات أكتوبـر من أمام متحف الحضارات.. وتقدم «السهرة» كل خميس / الساحة تستوعب الجميع.. رغم «زحمة» القنوات والمنصات /...

المذيعة شيرين عفت: العمل الإخبارى حبى الأول

تعلمت أصول المهنة فى مدرسة «ماسبيرو» / أعتز بتجربة «السفيرة عزيزة» لأننى أثبت قدراتى كمقدمة برامج متنوعة / «عبّارة السلام»...

النائب عبد الخالق عياد: استهلاكنا للغاز الطبيعى زاد بنسبة18%عن العام الماضي

الاستقرار السياسى والأمنى والاقتصادى يسهـم فى جذب الشركات العالمية بقطاع البترول/ نستورد 10 ملايين طن بترول سنويا ومليار قدم مكعب...

النائب وحيد قرقر : انخفاض حوادث الطرق بنسبة 50 % بسبب التطوير والتوسعة

الاستثمار فى مجال الطرق والكبارى والمحاور لم يحدث منذ أكثـر مـن 100 عـام / مشروع العاصمة الإدارية تأخر كثيرا وأنشئ...