ومن أعمالهم سلط عليهم ..عندما قتلت إسرائيل أسراها فى حرب أكتوبر !

كان ضمن خطط الخداع الاستراتيجي المجهولة ، تلك الإدارة التى استحدثت فى جهاز المخابرات المصري ، وكان هدفها العمل من أجل السلام ،

وهو ما فوجئ به ماهر عبد الحميد صاحب كتاب " المفاجأة " الذى نعرض له خلال هذه السطور ، حيث كان يعمل بتلك الإدارة التى قيل له عنها إنها تعمل من أجل السلام فعلا ، وأن العدو أقوى من أن نتصدى له فى الميدان القتال ، وكانت جهودنا تهدف إلى التأثير فى نفوس الإسرائيليين لكي يتخلوا عن الرغبة فى إراقة الدماء ، وكان معنى ذلك ببساطة أننا أيضا لا نرغب فى الحرب.

واقتضت التعليمات التى تلقاها  الجاسوس المصري سابقا  ماهر عبد الحميد ، وضع لوحة دينية خلف مكتبه تدعو إلى " السلم " بخط بارز ، ويعترف الرجل أنه نفسه لم يكن يدرك حقيقة ما يجري من حوله فى ذلك الوقت ، فقد اتضح له فيما بعد أن أنباء " الإدارة 44 " ومهمتها الوديعة قد وصلت إلى إسرائيل ، ولا شك أن عددا من العملاء المزدوجين قد نقلوا إلى الجانب الآخر ما أتيح لهم من معلومات عن هذا العمل ، ولا شك أيضا أن المخابرات الإسرائيلية اقتنعت بهذه المعلومات المهمة القادمة من قلب المخابرات المصرية ، ومن مصادر متعددة ، ولكن الحقيقة التى لم تدركها المخابرات الإسرائيلية أن " الإدارة 44 " كانت خدعة هائلة لم يفطن لزيفها أحد ، وفى السادس من أكتوبر اتضحت الحقيقة التى غابت عن أعين الجاسوسية فى تل أبيب ، ففي صباح يوم الحرب ألغى ضابط من ضباط المخابرات الاستراتيجية فى القاهرة - يدعى خالد – " الإدارة 44 " من الوجود ، والتي شهدت كفاحا سريا لخداع العدو لمدة ثلاث سنوات .

القنابل فوق رؤوسهم

لقد فاجأت الحرب ما يقرب من ستة آلاف جندي إسرائيلي ، هم مجموع القوة الإسرائيلية فى جبهة القناة ، وكانوا طبقا لأقوال الأسرى ، فى حالة استرخاء كاملة وقت الهجوم ، تمثلت فى خروج عربات الأجازات فى نفس الموعد الذى لم يتغير طيلة ست سنوات ، الثانية بعد الظهر ، وفى انتهاز بعض الجنود فرصة الحرارة الناجمة عن ارتفاع قرص الشمس فى جو خال من الغيوم ، وراحوا يغسلون ثيابهم ، كذلك كانوا جميعا بغير أحذية الميدان الثقيلة .

كانت المفاجأة رهيبة كوقع الصاعقة ، ولم يتمكن عدد كبير من هؤلاء الجنود منكودي الطالع من مجرد التقاط أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم خلال الثلاث ساعات الأولى ، واستسلم منهم تسعمائة وأربعون جنديا ، وثلاثة وستون ضابطا ، وأذاعت مصر أن الأسرى الإسرائيليون يستسلمون بالمئات ، ثم عاد المتحدث العسكري المصري  - ذلك اللواء الممتلئ بالثقة والاعتزاز بالنفس - عز الدين مختار ، فأعلن أن عدد الأسري خمسة وسبعين أسيرا ، ولقد ترددت شائعة قوية عن " مذبحة الأسري " ، وقد حدثت هذه المذبحة بالفعل ، ولكن بأسلوب مختلف تماما .

فما أن بدأ القتال ، حتى توالت بلاغات الوحدات الصغرى عن سقوط أعداد كبيرة من الأسرى فى قبضتها .

ورأت القيادة أن الحكمة تستوجب تجميع هؤلاء الأسرى فى الجانب الشرقي من القناة ، بدلا من السماح لكل وحدة بإعادة أسراها إلى النقطة المواجهة لها على الضفة الغربية ، إذ أن هؤلاء الأسري سوف يعودون حتما – طبقا لتقاليد الجيوش – إلى إسرائيل ، ولم يكن من الصواب أن يجوسوا خلال مواقعنا على الضفة الغربية .

وفى الساعة السابعة صباح يوم 7 أكتوبر ، تم تجميع الأسرى فى نقطة سهلية أمام المحور الأوسط ، وصدرت الأوامر للجنود بالوقوف على هيئة طابور ، بينما أمر الضباط بالوقوف بعيدا دون أن تقيد أيديهم ، وصدرت الأوامر بحلاقة شعر بعض الجنود الذين كانوا يتميزون برؤوس متسخة ، خوفا من انتشار الأوبئة .

وفى السابعة والنصف وصل إلى المكان مصورو الجيش لالتقاط بعض الصور التذكارية ، بينما انهمك الكتبة العسكريون فى تسجيل البيانات بحماس ، وفى نفس الوقت وصلت إلى المنطقة قافلة مكونة من سبع وعشرين عربة نقل ، وانتظمت إلى جوار بعضها تحت تبة رملية .

واكتشف أحد جنود الشرطة العسكرية أن ضابطا إسرائيليا قد خلع علامات الرتب واندس بين الجنود ، فأمره بأن يكشف عن ملابسه ، وفى تلك اللحظة ظهرت الطائرات الإسرائيلية فى السماء ، ولما كانت السماء فى ذلك الوقت قطعة من الجحيم مخصصة لذوى الذنوب الجسيمة ، ألقى الطيارون الإسرائيليون حمولتهم بسرعة فوق صف عربات النقل ، وغمروا الطابور الواقف فى العراء بسيل من النابلم ، ولما كانت براعتهم فى تمييز الأهداف لا تقل عن براعتهم فى التصويب ، سقطت القنابل فوق رؤوس الأسري ، ولم تدمر عربة واحدة ، وهكذا احترق التعساء وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم ، ولم يتمكن من النجاة سوى أقرب الأسرى إلى عربات النقل ..

وهكذا انتقمت عدالة السماء لأسرانا الذين ذبحهم الإسرائيليون فى عدون يونيو 1967 دون مراعاة لقواعد سماوية أو أرضية ، فبأيديهم قتلوا أسراهم ، وحقا " إن ربك لبالمرصاد " .

 

   

  

 

   

Katen Doe

إبراهيم عبد العزيز

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

المزيد من ثقافة

قصور الثقافة تناقش «الفعل الثقافى» فى زمن العولمة والتحولات التقنية

المؤتمر حمل اسم الروائى الراحل حمدى أبو جليل وكرّم 7 أدباء/ توصيات برفض التطبيع والوقوف مع الدولة فى حفظ الأمن...

نبارك له إصداره الحديث.. حكاية المتدرب الجديد إبراهيم عبد العزيز

حوار إبراهيم عبد العزيز مع الحكيم أنقذه من الأستغناء عنه

سيدات النهضة المصرية «45» أبلة فضيلة.. غنوة وحدوتة وأمومة صادقة دامت 50عاما

تدربت فى مكتب محاماة وكانت تنصح المتخاصمين بالتصالح فإقترح عليها الباشا العمل فى الإذاعة

«فنجان قهوة قبل النوم ».. حكاية الرواية اللغز فى حياة صبرى موسى

أوراق ساحر الكتابة «20» / توفى والده فجأة فقرر عدم استكمال كتابتها/ ماذا كتب فى أوراقه عن نكسة 67 وانتصار...