جاءت إلى «القاهرة» وعملت فى «مستشفى كتشنر» وتولت مهام «الطبيبة المقيمة»
قصة هذه الرائدة، هى قصة المرأة المصرية، وكفاحها فى سبيل انتزاع اعتراف المجتمع بقدراتها التى لاتقل عن قدرات الرجل، فى مطلع القرن الماضى، وهو القرن الذى شهد موت فكر قديم رجعى إقطاعى يفرق بين الناس على أساس العرق والدين والنوع، ومولد فكر ثورى جديد، يحترم الإنسان وقدراته ورغباته، وكانت ثورة 1919 هى "النهضة" التى دفع المصريون ثمنها ليتمكنوا من دخول العصر، ويلحقوا بالحضارة، بعد قرون من الوقوع فى قبضة التخلف "التركى العثمانى"، بدأت فى القرن السادس عشر بهزيمة "المماليك" وسقوط مصر فى قبضة "آل عثمان"، الذين سرقوا كل شىء وسجنوا المرأة فى "قفص الحريم".
كان القرن الماضى قرن صراع بين العلم والجهل، والعقل والسحر والعفاريت، والمرأة الراغبة فى التعبير عن ذاتها والمشاركة فى بناء الوطن، والرجل المتشدد الديكتاتور المدعوم بفتاوى شيوخ السلطان العثمانى، واستطاع الجديد أن يهزم القديم، بعد معارك سياسية وثقافية وقانونية، ومواجهات بين "السلطة الرجعية" وقوى الحداثة "التقدمية"، وكان وجود الاحتلال البريطانى يمثل عبئا جديدا على قوى التقدم والنهضة المصرية، فعلى سبيل المثال، كانت ناظرة مدرسة السنية للبنات، وهى إنجليزية، تطلب من الفتيات وضع "اليشمك" التركى على وجوههن، وتعارض حصول البنات على الشهادة الثانوية واللحاق بالجامعة، وكان "كرومر" المعتمد البريطانى، يرى أن تعليم المصريين تعليما حقيقيا يجعلهم أمة ثائرة رافضة لوجود الاحتلال، وعمل بكل قوته على تخريج "كتبة صغار" يؤدون الوظائف الصغيرة فى الجهاز الإدارى، ولكن القوى التقدمية المصرية استطاعت الاكتتاب وإنشاء الجامعة المصرية، وفتحت الأبواب أمام الفتيات للحاق بكلياتها، والحصول على درجات الماجستير والدكتوراه، وكانت ثورة 1919 بداية لحاق المرأة المصرية بالعمل الوطنى والمشاركة فى القضية الوطنية، وكسر الطوق الرجعى الذى كان يحول دون مشاركتها فى النضال واللحاق بالوظائف والمجالات التى كانت حكرا على الرجل، والبداية كانت من "لجنة سيدات الوفد"، وسوف يجد القارئ أن "لجنة سيدات الوفد" يرد ذكرها كثيرا عند التأريخ للرائدات المصريات فى كافة المجالات، لأن تلك "اللجنة" كانت وطنية، تضم القبطيات والمسلمات، والثريات ومتوسطات الثراء، وهى لجنة عملت فى مجال تقديم الخدمات للسيدات فى الأحياء الفقيرة فى القاهرة، وهى الأحياء التى كانت تسمى "الأحياء الوطنية"، وفى هذه السطور التى نتناول فيها حياة أولى طبيبات النساء والتوليد فى مصر، دكتورة "هيلانة سيداروس"، نقول إنها مولودة فى العام "1904" وشاركت فى ثورة 1919، واستمعت خطب "هدى شعراوى" وسيدات "لجنة الوفد" النسائية، وشاركت فى المظاهرات، وفى الوقت ذاته هى تنتمى لمدينة "طنطا" مسقط رأس الزعيم الوطنى "مصطفى النحاس" وتنتمى لعائلة قبطية أرثوذوكسية، ولسنا نـــريد تصنيفهــا تصنيفا دينيا، ولكن "المذهب الأرثــوذوكســـى" كان يخوض معـــركة دينية سياسية فرضها عليه الاحتلال البريطـــانى، فكـــــانت البعــــثات التبشيرية التابعـــــة للمـــذهب الإنجيلى تزحف نحو مصر، وتستــــــــهدف تحويـل "الأرثوذوكس" المصريين إلى إنجيليين، وشهدت مصر معركة بين "البابا كيرلس الخامس" و"بطرس غالى" رئيس الحكومة القبطى، وكانت فى الظاهر معركة بين العلمانيين والإكليروس "كهنة الكنيسة ورجال الدين" لكنها كانت فى الحقيقة تستهدف القضاء على "الكنيسة الوطنية" الأرثوذكسية ودمجها فى كنائس أخرى أوربية وروسية، ولكن انتصر "البابا كيرلس الخامس" وحمى الكنيسة المصرية من التدخل الأجنبى، وتوسع أثرياء القبط فى تقديم المال اللازم للكنيسة لتستطيع مقاومة البعثات الإنجيلية والكاثوليكية التبشيرية، وكان "المستشفى القبطى" أول مستشفى مصرى أنشئ بأموال القبط الأثرياء، وفى هذا المستشفى ظهر نبوغ "هيلانه سيداروس" أولى طبيبات النساء والتوليد، تحت رعاية "دكتور نجيب محفوظ " مؤسس "طب النساء" فى مصر، وكانت "هيلانه" تحلم باللحاق بكلية الطب، منذ طفولتها، رغم عدم وجود طريق قانونى يسمح للفتيات باللحاق بهذه الكلية، لكن "الحلم" تحقق، بسبب ظروف تخص الاحتلال البريطانى الذى كانت مصر خاضعة له، ورغم أن "هيلانه" ولدت فى ظل ظروف تعارض تعليم الفتيات ولحاقهن بالشهادات الابتدائية والثانوية، التحقت بالمدرسة السنية، وكلية المعلمات، وفى العام 1922 وقع الاختيار عليها لتكون ضمن بعثة لدراسة "الرياضيات" فى إنجلترا، وهناك فى العاصمة الإنجليزية، اكتشفت "هيلانة" أن دراستها لن تمنحها سوى شهادة متوسطة، تعادل "البكالوريا" المصرية، فاحتجت برسالة أرسلتها للمستشار الثقافى بالسفارة المصرية، وطلبت إعادتها إلى مصر، وجاء المستشار للقائها فى مقر إقامتها، وعرض عليها دراسة "الطب"، من خلال منحة إنجليزية تشرف عليها جمعية "كتشنر"، ووافقت "هيلانه" والتحقت معها فتيات مصريات أخريات، وكانت "جمعية كتشنر" تهدف إلى تأسيس مستشفى لأمراض النساء والتوليد فى مصر، على أن تتولى طبيبات مصريات إدارته، وكانت الفتيات المصريات الخمس "هيلانه وأربع زميلات لها" النواة الأولى لهذا المستشفى المزمع بناؤه، ودرست "هيلانه سيداروس" الطب، ومما يروى عنها أنها كانت تجد صعوبة فى "المشرحة" وكانت دروس التشريح ترهقها نفسيا وبدنيا، لكنها تغلبت على كل الصعوبات ونجحت نجاحا مبهرا، ولما أقبل العام 1930 كانت "هيلانة" طبيبة متخصصة فى أمراض النساء والتوليد، ومعها شهادة معتمدة من "الكلية الملكية البريطانية"، وجاءت إلى "القاهرة" وعملت فى "مستشفى كتشنر" وتولت مهام "الطبيبة المقيمة" بدلا عن الطبيبة الإنجليزية التى كانت تقوم بالمهام قبل وصول "هيلانة" ولحاقها بالمستشفى، وبذلك تكون "جمعية التوفيق القبطية" قد نجحت فى إنجاز الخطوة التى سعت إليها قبل سنوات، ففى "23 أكتوبر 1909" عقدت الجمعية اجتماعا حضره الأقباط الأثرياء، وتقرر فى الاجتماع إنشاء كلية للبنات، لتسهم فى تخريج فتيات قبطيات متمتعات بالتعليم والتربية الراقية التى تسمح لهن بالوقوف على قدم المساواة مع الفتيات الأوروبيات، والتصدى للبعثات التبشيرية التى كانت تستهدف تحويل "الأرثوذوكس" إلى "المذهب الإنجيلى" و"المذهب الكاثوليكى"، وكانت "هيلانة" من خريجات تلك الكلية، واستطاعت بعد العودة من بريطانيا ومعها شهادة فى الطب، أن تلفت نظر "دكتور نجيب محفوظ" رائد طب النساء فى مصر، ودكتور "على بك فؤاد" الذى ساعدها فى العام 1935 على افتتاح عيادة خاصة بها فى "باب اللوق ـ القاهرة"، وشاركته فى برامج طبية استهدفت رعاية الأمومة والطفولة، ويروى عن دكتورة "هيلانة سيداروس" أنها كانت تذهب لتوليد النساء فى الأحياء القاهرية، وهى تقود سيارتها، وكان الناس يندهشون، لأن قيادة السيارة كانت من الأعمال الذكورية، ورغم أنها "طبيبة النساء" الأولى فى تاريخنا المعاصر، إلا أن الفضل ينسب للرائد "دكتور نجيب محفوظ" الذى حمل الكاتب الكبير الراحل "نجيب محفوظ" اسمه، لأنه هو الذى استقبله فى عيادته، وكانت ولادته صعبة على والدته، ولما وضعته قرر والده أن يسميه "نجيب محفوظ" تكريما للطبيب الذى ساعد "أم نجيب" على تخطى مصاعب الولادة، وكان الرائد "دكتور نجيب باشا محفوظ" استطاع أن يحطم التقاليد البالية فى مجتمعنا، ويجعل الفتيات المصريات يعملن فى مهنة التمريض، ولكن الظروف آنذاك لم تكن تسمح بقبول الفتيات فى مدرسة الطب "قصر العينى"، وهى المدرسة التى أسسها "محمد على" لخدمة "الجيش"، ولولا ظروف "جمعية كتشنر" البريطانية ووجود "هيلانة "وزميلاتها فى "لندن" ما أصبح لدينا طبيبات مصريات، وفى قصة حياة "دكتورة سهير القلماوى" ما يؤيد هذا القول، فهى ابنة طبيب، وكانت ترغب فى اللحاق بقصر العينى، ورفض طلبها لأنها "فتاة "، والتحقت بكلية الآداب، وقضت "هيلانة سيداروس" سنوات طويلة تعمل فى طب أمراض النساء والتوليد، ولما بلغت السبعين من عمرها، توقفت عن ممارسة عملها الطبى، وانضمت إلى جمعية التوفيق القبطية الخيرية التى أنشأت "المستشفى القبطى"، وظلت تقوم بدور اجتماعى لخدمة الناس، حتى فاضت روحها إلى بارئها فى "15 أكتوبر 1998"، وبقيت منجزاتها حاضرة فى حيوات السيدات المصريات، فهى "الرائدة" التى فتحت الباب أمام الفتاة المصرية لتعمل فى تخصص دقيق هو "طب أمراض النساء" فى ظل ظروف قاسية، كانت تنظر للفتاة على أنها مجرد "ماعون" يحتوى "الجنين" بعد الزواج من رجل، تكون "خادمة" له، تلبى رغباته راضية طائعة قانعة، وقدمت "هيلانة سيداروس" النموذج للمواطنة المصرية المخلصة لشعبها ووطنها، فهى بعد أن ضعفت أعصابها ونالت الشيخوخة منها، لم تقنع بالجلوس فى البيت وطلب الراحة، بل انضمت للجمعية الخيرية التى كان لها الفضل فى مساعدتها فى سنوات تعليمها الأولى، وظلت تقدم خدماتها للناس حتى اليوم الأخير من حياتها المديدة "من مواليد 1904ـ توفيت لرحمة الله 1998".
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
غام الطريق، واشتد الصقيع، وشعر السائق أنه بحاجة لالتماس قدرٍ من الدفء بالتوقف عن الحركة التى توقظ صقيع رياح الشتاء
يأتى شهر رمضان حاملا معه الفرحة للجميع، صغارا وكبارا، ولكل منا ذكرياته المرتبطة بهذا الشهر، إلى جانب بعض طقوسه الخاصة،
السيدة خديجة بنت خويلد، أولى زوجات النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأول امرأة تصلى خلفه، وتدعمه فى اليوم الأول...
فى نهايات الستينيات، كتب رجاء النقاش رئيس تحرير مجلة "الكواكب" مقالا ينتقد فيه المطربة الكبيرة فايزة أحمد، ويعتب عليها لرفضها