سليمان سيسيه.. سفير السينما الأفريقية

احتفى مهرجان كان بالمخرج الأفريقى سليمان سيسيه ومنحه العربة الذهبية تكريما له لما قدمه من إسهامات فى السينما.

ويعتبر سليمان سيسيه رمزا للسينما الأفريقية فى كان، وقيل عن أفلامه إنها "ثورة ضد الظلم"، وحصل سيسيه على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان كان عام ١٩٧٨ ولفت الانتباه وقتها إلى هموم أفريقيا التى يتجاهلها العالم فخرجت بعض الموضوعات إلى النور بفضله وعبر أعماله المتميزة والمنغمسة فى عمق الواقع الأفريقى متمثلة فى الشعب المالى، وزاد اهتمام العالم بأفلامه ورؤيته المتفردة لمعاناة الأفارقة وهمومهم مع فيلم "الفتاة الصغيرة" الذى أنتج منذ أكثر من أربعين عاما وعرض الفيلم ضمن فعالية "نصف شهر المخرجين" فى مهرجان كان بمناسبة تكريمه.

فى كلمته أثناء التكريم قال سليمان سيسيه البالغ من العمر ٨٢ عاما: "كل أفلامى لها تيمة واحدة، ضد الظلم"، وهذا يلخص الأفكارالمتنوعة التى قدمها المخرج فى أعماله وربطها جميعا بفكرة واحدة، مقاومة الظلم ورفض الخضوع وهى فكرة سائدة ومتسلسلة بخيط رفيع فى أفلامه.

وأفاض سيسيه فى كلمته أمام الجمهور الذى تكدس أمام الشاشة لمشاهدة فيلمه الفتاة الصغيرة، وتحدث عن تجربته وتاريخه فى العمل السينمائى والمعوقات التى تعرض لها أثناء إخراجه لهذا الفيلم وتأثيره على ما بعده من أفلام.

ويعتبر سليمان سيسيه أيقونة من أيقونات الفن السابع فى مالى وأفريقيا كلها؛ استطاع أن يصنع اسما ويضعه بين صفوة المخرجين فى أفريقيا والعالم، رغم أنه عانى كثيرا من أجل أن يقدم أعماله للجمهور وتخرج رؤيته إلى النور فظروف العمل فى مالى ليست سهلة، وكثيرا ما كانت تقابل أعماله بالاعتراض من الجهات الرقابية والحكومية ولكنه لم ييأس.

اختيار المهرجان للمخرج المالى له ما يبرره على مستوى الإبداع فهو يملك أدوات الإبداع السينمائى التى ما زالت تبهر المشاهدين مثلما حدث فى عرض فيلمه "الفتاة الصغيرة" رغم مرور أربعين عاما على عرضه الأول إلا أن الفيلم الذى بنى على أيدى مبدعين لم يفقد رونقه.

أسلوب سيسيه فريد ويدرس للطلبة فى بعض معاهد السينما فأعماله لها روح خاصة التقطها وقدمها المخرج للمشاهد بهذا الأسلوب البسيط السهل؛ أسلوب يمزج فيه بين الشعر والسياسة والمتعة الفنية المرئية.

ولد سليمان سيسيه  بمقاطعة باماكو قبل أن ينتقل برفقة أسرته إلى داكار بالسنغال ثم عاد إلى مالى عام 1960، عشقه للسينما تولد فى داكار قبل أن ينتقل فى 1963 إلى موسكو لدراسة السينما على يد أحد كبار المخرجين السوفييت.

عاد من موسكو وهو مهتم بالإنسان واهتماماته وهمومه ولأنه ذو عزيمة نادرة التزم بتسليط الضوء على الحياة التى يعيشها مواطنوه، وتكريس نفسه للفن أكسبه استحسان النقاد فى جميع أرجاء العالم، ليحصد الكثير من الأوسمة والتكريمات من مؤسسات ثقافية وفنية عريقة مثل مهرجان كان السينمائي.

أهتم سيسيه بالحياة العادية وتصويرها وألبسها الصبغة العالمية لتصبح هموم كل إنسان فى كل مكان تناول الحياة التى يعيشها الناس العاديون والمواقف التى يتعرضون لها فى جميع أنحاء العالم، ولم تتمكن التيارات الثقافية المناهضة له ولا القوى السياسية والاجتماعية المحلية المتضررة من الصحوة الفكرية التى يقدمها من انتزاع الصبغة الإنسانية من أعماله السينمائية الذى كان أحد أهداف سيسيه الرئيسية منذ انطلق فى مسيرته المهنية، وهو أن يصنع أفلاماً تلقى الضوء على الحياة الأفريقية المعاصرة وعلى البنى المعقدة للثقافة والتقاليد والحب والدين والسياسة، التى تصوغ هذه الحياة.

 جوائز وتكريمات

الجوائز والتكريمات العالمية التى تلقاها على مر العقود، شهادة ساطعة على إنجازاته العظيمة التى تعكس تطلعه إلى تحقيق هذا الهدف بكل ما فى جعبته من نزاهة فنية وعبقرية بصرية، ولم تلقِ أعماله استحسان جمهوره وتقديره العميق فحسب، بل لفتت كذلك أنظار مؤسسات مثل "Malian Chevalier du Mérit National" عن فيلمه "ييلين" (1987) الذى حصل أيضاً على جائزة التحكيم من مهرجان كان فى العام نفسه، ومن الجوائز الأخرى المهمة التى تلقاها حصان ينينجا من المهرجان الأفريقى للسينما والتليفزيون فى واوجادو (فسباكو) عن فيلميه "بارا" (1978) و"فاينيى" (1982).

 "الفتاة الصغيرة"

يعالج فيلم"الفتاة الصغيرة" معاناة الفتيات المغتصبات وأسرهن خاصة لو نتج عن هذا الاغتصاب حمل.

يروى المخرج القصة فى قالب درامى مصاحب بالصور الشعرية التعبيرية والمقاطع الموسيقية المستوحاة من التراث الشعبى وما بين الطرب والشعر تظهر المعاناة وتكبر، يقول المخرج إنه استوحى القصة من ابنة أخيه التى تعرضت لوضع مأساوى مشابه ويمكن أن تتعرض له أى فتاة

  فى القارة السمراء.

أثناء ندوة التكريم التى سبقت الفيلم قال المخرج سليمان سيسيه: إنه واجه صعوبات فى إيجاد فتاة تقبل أن تقوم بدور البطلة واستغرق البحث ثلاثة أشهر ثم بعد ذلك  جاءت رحلة الحصول على ترخيص بتصوير الفيلم مرورا بجمعية زعمت أنها مولت الفيلم وهو ما ينفيه سيسيه إطلاقا، مؤكدا أنها لم تدفع ولو سنتا واحدا فى الفيلم.

وعلى خلفية هذا النزاع، وضع سيسيه رهن الاعتقال لمدة عام قبل أن يفرج عنه بقرار من رئيس البلاد وقتها موسى تراورى، فنال الفيلم شعبية كبيرة بعد أن كان ممنوعا لثلاث سنوات.

يحكى الفيلم قصة فتاة "تينان" من عائلة ثرية، قادتها ظروف إلى التعرف على شاب من أسرة فقيرة، كان يعمل فى مصنع والدها بوقت سابق، تتعرض الفتاة "تينان" إلى الاغتصاب وتصير فريسة بين يدى مغتصبها وتحمل منه.

هذا الحمل قلب أسرتها رأسا على عقب، انفجرت أمها غضبا فى وجهها قبل أن تنقل الخبر إلى زوجها الذى قرر أن يتخلص من هذا "العار" الذى ألحقته ابنته بأسرته، وحاول القيام بكل شيء لأجل ذلك، مستعينا بأفراد أسرته، لكن لم يجد دائما الدعم منهم، ورفض البعض مخططاته.

توفى الأب حسرة على هذا الوضع، وبقيت الأم فى صراع مع المغتصب أمام السلطات للاعتراف على الأقل بأبويته للجنين الموجود فى بطن ابنتها، لكنه ظل يرفض، ولم يغير رأيه إلا بضغط من السلطات، افترست الأحزان دواخل "الفتاة الصغيرة تينان"، التى فضل المخرج تقديمها صامتة.

وبشاعريته السينمائية، قدم المخرج معاناة هذه الفتاة فى صور عديدة رغم غياب الكلمات، بالإمكان أن تقرأ أشياء كثيرة على نظراتها وحركاتها، فبعد أن كانت تمرح كطفلة صغيرة فى رحاب بيت والديها الكبير وخارجه مع صديقاتها، تحولت إلى قنبلة على أبواب الانفجار فى أى لحظة، يتطاير لهب الغضب من نظراتها.

وهذا ما حصل فعلا، توجهت إلى بيت مغتصبها الذى كان على سريره مع فتاة أخرى، فاقتحمته وبصقت عليهما، فقام وأخرجها بعنف ولم تجد أمامها إلا الانتقام منه بإضرام النار فى فعل إجرامى، لم تكن يوما قادرة على القيام به، ينهى حياة من كان بداخل الكوخ قبل أن تضع حدا لحياتها متناولة علبة من الأدوية.

 جيل جديد

يمثل السينما الأفريقية فى المسابقة الرسمية للمهرجان مخرجتان تعتبران رأس حربة "الجيل الجديد من صناع السينما فى القارة"، التونسية كوثر بن هنية التى تشارك فى المسابقة الرسمية بـ "بنات ألفة"، ويحكى معاناة أم مع بناتها اللواتى انجذبن نحو التطرف، ثم السنغالية راماتا تولاى سى بفيلمها العاطفى "بنيل وأدما".

وهذا التواجد للسينما الأفريقية فى السباق الرسمى للعرس السينمائى الدولى يفسر بأنه اعتراف بالجهود التى تقدمها لتطوير نفسها ومنافسة نظيراتها فى المناسبات، رغم قلة الإمكانات علما بأنها لم تفز إلا بسعفة ذهبية واحدة فى 1975 بفضل فيلم "وقائع سنين الجمر" للمخرج الجزائرى محمد لخضر حمينة.

إضافة إلى المشاركة فى المسابقة الرسمية، القارة ممثلة أيضا فى المسابقات الموازية عبر عدد من الدول المغاربية: كالمغرب، السودان، الكاميرون، الجزائر، مصر، وتونس.

Katen Doe

أميمة فتح الباب

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

جو77

المزيد من فن

عرض "حمزة أطارد شبحًا يطاردني" و"القنبلة" في مهرجان حكايات فلسطين في سويسرا

يُعرض الفيلمين القصيرين حمزة أطارد شبحًا يطاردني للمخرج ورد كيّال والقنبلة من إخراج ديما حمدان،

ميرهان حسين تعود من الاعتزال

انضمت الفنانة ميرهان حسين إلى فريق عمل مسلسل «حق عرب»، والمقرر أن يُعرض فى السباق الرمضانى المقبل 2024.

«حسنى» يستعد لفيلم جديد مع «ربيع»

يستعد الفنان تامر حسنى للعمل على مشروع سينمائى جديد، خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد الإستقرار على كل التفاصيل.

خالد النبوى يبدأ تصوير «إمبراطورية ميم»

يواصل الفنان خالد النبوى عمل التحضيرات النهائية لمسلسله الجديد «إمبراطورية ميم»، والمقرر أن يخوض من خلاله السباق الرمضانى المقبل 2024.