محمد خان.. روائى كتب عشرين فيلما من حياة النـاس

ليس فى العنوان خطأ، نعم أنا قصدت القول إن المخرج "محمد خان" روائى، يكتب بالصورة، وصوره أقوى من الأقلام المحترفة،

 لأنه محب للناس، والروائى ـ كما أعرفه ـ هو القادر على التقاط ما هو جوهرى فى حياة الشخصية وما هو أساسى، والقادر على دخول عالمها، وهنا يختلف الروائيون، منهم من يرى نفسه طوال الوقت، ويرى شخصياته بعينه فيحاصر القارئ ويلزمه برؤيته الخاصة، ومنهم "الديمقراطى" الذى يمنح شخوصه حق الكلام والتعبير، فيحصل القارئ على حق الحكم على الشخصية بعيداعن هيمنة الكاتب، و"محمد خان" روائى، يعشق التفاصيل الدالة، والمشاهد الذكى هو من يفهم لغة "محمد خان"، مثلا، فى فيلمه الأول "ضربة شمس" قال إن "التيارالإخوانى" سيطر على ثقافة وحياة الطبقات الشعبية فى المدن الكبرى، بصورة وحيدة، امرأة سمينة ترتدى الخمار وتقف فى شرفة مطار القاهرة، وهكذا، يعطى صورة للمشاهد، ضمن مجموعة علاقات، ويجعله يقيم علاقة مع الشخصيات، ويفهم الصور بالطريقة التى يستطيع بها تكوين المعانى، ومن لقاء تليفزيونى له مع المذيعة "منى سلمان" على قناة النيل الثقافية، قالت له "منى" ما معناه إنه يحب "المهمشين" فاعترض بشدة، لأنه لا يؤمن بهذا المصطلح،هو يعترف بمصطلح "الناس والحياة"، والحياة هى ما يتناولها فى أفلامه، وأبطاله هم الابطال فى الحياة، ليسوا مهمشين، هكذا اعترض "محمد خان" على المصطلح المخادع، وحقيقة مصطلح المهمشين أنه كان من أداة الميوعة والتمييع المقصود من جانب عملاء "العولمة الثقافية الأمريكية" فى بلدان العالم الثالث، فبدلا عن القول "فقراء وأغنياء" جرى القول "المهمشون"، واعتبروا هذا المصطلح يشمل الفقراء الذين لا يجدون القوت الضرورى، والجماعات الثقافية الصغيرة، والقصد من جمع المحرومين فى مصطلح واحد "المهمشون" إعفاء النظام الاقتصادى والسياسى من المسئولية، وتخفيف عقدة الذنب التى تلحق أحيانا بالطيبين من أبناء الطبقات الغنية فى المجتمعات التى تعانى من التفاوت بين الطبقات، وهو التفاوت الناتج عن خلل مقصود فى توزيع الثروات والخدمات، وهنا يظهر وعى "محمد خان"، وعى المثقف المؤمن بجوهر الإنسان واعتباره "مركز الحياة"، لا "الهامش" الذى يروج له المثقفون الموظفون فى آلة الدعاية "الليبرالية الجديدة، الليبرالية المتوحشة" التى تحكم الكوكب منذ تسعينيات القرن الماضى، وتسببت فى التغيرات المناخية، ونشوء أزمات الغذاء، وانهيار اقتصادات الدول الفقيرة، وفى العشرين فيلما التى أخرجها "محمد خان" كان وفيا لصناع الحياة الحقيقيين، فى شوارع "فيصل" و"إمبابة" ودار السلام، وطره البلد، ووسط البلد..

ضربـة شمـس.. الحنين إلى بساطـة القـرن الماضى!

فى حديث تليفزيونى، قال "محمد خان" إن فيلمه "ضربة شمس"، كان من الممكن أن يكون أفضل من الصيغة التى عرفه بها الناس، وإنه عبر من خلال "ضربة شمس ـ أول أفلام خان" عن قدراته الحرفية وآرائه، وإن القصة كان من الممكن أن تكون أعمق من القصة التى عرفها جمهور "ضربة شمس"، وهذا كلام حقيقى طبعا، لأن الفنان الكبير المواهب، يرى أخطاء البدايات وينقد نفسه بسهولة، ويرى أنه يمكنه أن يطمح إلى الأرقى والأفضل، ولكن ـ العبد لله ـ يرى فى "ضربة شمس" قصة خاصة، لم يكتبها لى "محمد خان"، ولم يصورها خصيصا لجيلى، المولود فى نهايات ستينيات القرن الماضى، قرن التصدى للاستعمار، قرن الصراع بين الغرب والشرق، بالصحافة الورقية والإذاعة، قرن الطبقات الشعبية، فى الكوكب كله، أما فى حياتى الشخصية، فهو فيلم يروى طفولتى، التى عشتها، فالفيلم من إنتاج العام "1978"، وهو العام الذى حصلت فيه على المركز الأول فى ترتيب الناجحين فى "رابعة ابتدائى"، الحلقة الأولى من "الشهادة الابتدائية"، وفيه اكتشفت "على خليل وحسن شحاتة والخطيب وشطة وزيزو ومصطفى عبده وفاروق جعفر"، والأهلى بطل الدورى، فاز على الزمالك بأربعة أهداف، مقابل هدفين، وهو العام الذى اكتشفت فيه مجلة "آخر ساعة" و"روز اليوسف"، وفيه عرفت أن "مظاهرات يناير 1977" كانت تسعى لتخريب البلاد "فيما بعد عرفت الحقيقة كاملة"، وعرفت "الراديو" الصينى، وفرحت بفوز العمدة الذى كان جدى لوالدى يدعمه فى "كوم العرب"، والفيلم لم يكن يحكى عن الصعيد، كان يحكى عن مصور صحفى يعمل فى قسم الحوادث، ويستطيع اكتشاف عصابة تهرب الآثار الفرعونية، واسمه "شمس"، أو "رمز الإله رع عند المصريين القدماء، واهب الحياة الذى عبده أخناتون"، وكان الفيلم يحكى عن "مصر للمصريين" وهى عبارة محفورة على سورعمارة فى "حلوان" التقطتها عين المخرج "محمد خان" فكانت تعبيرا عن عودة هذه العبارة لتكون المقدمة لخروج مصر من الصف العربى والتخلى عن القومية العربية بدعوى "عاوزين نبنى بلدنا والعرب بيحاربوا بينا، مش بيحاربوا معانا" فتصبح "مصر للمصريين" حسب ما روجت له الدعاية "الساداتية"، والفيلم يروى سيرة "قطار حلوان"، وكنت أسمع عنه من أقاربنا المقيمين فى "عزبة الوالدة" بجوار حلوان، والفيلم كان تصويره كله فى شوارع القاهرة، وفى سنوات لاحقة ما سجله الفيلم من معالم القاهرة، رأيت كوبرى التحرير، وكوبرى باب اللوق، ورأيت تمثال ميدان التحرير والكعكة الحجرية التى تكلم عنها أمل دنقل فى قصيدته المشهورة التى قال فيها لمناضلى اعتصام 1972 فى الميدان "أيها الواقفون على حافة المذبحة، اشهروا الأسلحة"، وجلست فى النادى الذى جلس فيه حسين الشربينى ونور الشريف يلعبان الشطرنج، وجلست فى محل "اكسلسيور" وهو نفسه المحل الذى احترق فى حريق القاهرة "26 يناير 1952"، ومازال فيلم "ضربة شمس" يمثل متعة خاصة للعبد لله ولكثيرين من عشاق أفلام محمد خان، التى سجلت بساطة قرن مضى، ومازالت قادرة على تفجير الذكريات الحلوة فى نفوس المشاهدين.

فتاة المصنع.. قراءة لعالم عشوائيات القاهرة الكبرى

فيلم "فتاة المصنع" بطولة "ياسمين رئيس وهانى عادل وسلوى محمد على وسلوى خطاب" من تأليف "وسام سليمان" زوجة محمد خان مخرج الفيلم، هو النظرة الأخيرة التى ألقاها ـ خان ـ على عشوائيات القاهرة الكبرى، وهى قصة الخلل فى توزيع الثروة الذى أدى إلى هروب المحرومين من الخدمات وفرص الحياة والعمل من الدلتا والصعيد وحواف الصحراء إلى "القاهرة والجيزة والقليوبية" وهى المحافظات التى تحمل اسم "إقليم القاهرة الكبرى"، ولم يكن "محمد خان" أول مخرج يتناول حيوات الناس فى هذه العشوائيات، هناك مخرجون تناولوا حيوات سكان المقابر، وحيوات العشوائيات الأولى، قبل استفحال الأمر واتخاذه أبعادا أخرى، وتحول هذه المناطق إلى حاضنات للجماعات السلفية والوهابية التى استغلت فقر السكان ونقص الخدمات وقدمتها لهم وقدمت نفسها فى هيئة "الدولة البديلة"، فكان الأهالى فى هذه المناطق خاضعين لرؤى وفتاوى الإخوان والسلفيين، وكانوا يحصلون منهم على اللحوم والأقمشة والخدمة الطبية والمعونة فى وقت الحزن ووقت الفرح، وفى كل المناسبات، ولكن فيلم "فتاة المصنع" رصد حياة "سيدات العشوائيات"، فى المرحلة التى أعقبت بيع شركات ومصانع القطاع العام، فى زمن "المخلوع مبارك"، فالسيدات خرجن للعمل فى مصانع الملابس وجلسن فى الشوارع يبعن الفجل والجرجير، وخرجن لبيع "الهدوم" بالتقسيط لجاراتهن، واخترعن جميع السبل التى تجعل الحياة مستمرة فى البيوت الضيقة التى فيها شباب تخرجوا فى المدارس والجامعات ولم يستوعبهم سوق العمل، فكان على "المرأة" الخروج لتدبير "اللقمة" للزوج العاطل والابن الطفل، وهذه هى "اللقطة الخاصة" التى تجعل فيلم "فتاة المصنع" جديدا، لأنه لم يكتف برصد الفقر، بل قدم "معركة المرأة الشعبية" فى مواجهة سياسات "الخصخصة" والليبرالية المتوحشة، وقدم لنا "ياسمين رئيس" الفتاة التى تعمل وتدفع ثمن انتمائها إلى عائلة فقيرة تعيش فى واحدة من عشوائيات القاهرة الكبرى، ونجحت "ياسمين" فى التجربة، وكذلك "سلوى محمد على" و"سلوى خطاب" و"هانى عادل"، نجحوا فى رسم اللوحة وإزالة الفارق بين "الشاشة" و"الشارع" فأصبحت الشاشة هى الشارع والعكس صحيح.

Katen Doe

خالد إسماعيل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave

المزيد من فن

wave
إله الحب يخرج من أسطورته ويقول: «الجواز مسئولية مش لعبة»

كيوبيد.. هذا الاسم الذى ارتبط لدى الشعوب عبر التاريخ بالحب والغرام وجسدته الأشعار والأغانى

دروس «يحيى حقى» للشباب فى برنامج سهرة مـع فنان

المذيعة الرائدة الراحلة «أمانى ناشد» رحلت عن الدنيا فى سن صغيرة «42 سنة» بمرض مفاجئ فى القلب، وكانت ـ رحمها...

سليمان سيسيه.. سفير السينما الأفريقية

احتفى مهرجان كان بالمخرج الأفريقى سليمان سيسيه ومنحه العربة الذهبية تكريما له لما قدمه من إسهامات فى السينما.

«رمسيس باريس» .. فانتازيا «خفيفة» سريعة الإيقاع

تميز موسم سينما عيد الفطر السينمائي الأخير بأنه موسم بلا نجوم، فلم يكن هناك أفلام يقوم ببطولتها نجوم الصف الأول،