وبينما انا في طريقي للمقهى الدبلوماسي .. كنت اسمع هذه الأغنية للفنانة شريفة فاضل..تم البدر بدري.. والأيام بتجري.. والله لسه بدري والله يا شهر الصيام.. حيث أبدع في تأليفها عبد الفتاح مصطفى وقام بتلحينها الفنان الرائع عبد العظيم محمد.. فثارت شجوني.. وكادت دموعي تغلبني ألما لفراق الشهر الكريم.. الذي تسلل من بين أيدينا ونحن نلهث وراءه حتى لا يفوتنا الخير العظيم والثواب الكبير..
وما إن وصلت للمقهى.. حتى التف حولي الأحبة والأصدقاء وبدأنا نتبادل الحديث.. وكان أبرز ما قيل من كلمات وامنيات على ألسنة أغلب الحاضرين.. اللهم بلغنا ليلة القدر يارب..
وكالعادة.. سأل صديقي العزيز.. هي ليلة القدر ليه اسمها ليلة القدر..وامتى بالظبط.. كام رمضان يعني..
فقلت له.. سميت ليلة القدر بالاسم ده لأن الله تعالى يقدّر فيها الأرزاق والآجال وحوادث العالم كلها.. فيكتب فيها الأحياء والأموات.. والناجون والهالكون.. والسعداء والأشقياء.. وكل ما أراده الله تعالى في السنة دي.. ثم يدفع ذلك إلى الملائكة لتتمثله، كما قال تعالى في سورة الدخان: "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ"..
أما عن موعدها.. فقد روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين (أي تنازعا وتخاصما) فقال: “خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت (أي من قلبي فنسيت تعيينها) وعسى أن يكون خيرًا لكم”.
وفي حديث البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاوز في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" ..
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج إليهم صبيحة عشرين فخطبهم، وقال: "إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها – أو نسيتها – فالتمسوها في العشر الأواخر، في الوتر"..
يعني .. ليلة القدر هي واحدة من الليالي الوترية في اخر عشرة أيام من رمضان.. مش بس كده.. فيه حديث رواه احمد عن ابن عمر – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين".. إيه رأيك كده.. نشد حيلنا بقى في اللي فاضل من رمضان وربنا يتقبل من الجميع..
ولإن فضلها عظيم وثوابها كبير بنفتكر مع بعض حديث السيدة عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله؛ أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني. أخرجه الترمذي.. وكمان الحديث اللي اخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" .. ربنا يغفر لنا ذنوبنا جميعا يارب..
وهنا يسأل صديق اخر .. هي مش ليلة القدر دي برضه هي اللي انزل فيها القرأن.. سورة القدر بتقول كده..
" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزُّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ".. طيب ازاي القرأن كان بينزل متفرق على النبي عليه الصلاة والسلام..
فأجبته.. وردت في القرآن الكريم آيات تدلّ على أنّ القرآن نزل جملة واحدة، كقوله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ).. وآيات أخرى يُفهَم منها أنّ القرآن نزل مُتفرّقاً على سنوات، ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا)..
والعلماء قالوا في المسألة دي.. إن نزول القرآن تم على ثلاث مراحل ..
المرحلة الأولى ذُكِرت في قوله -تعالى-: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ)..ودي المقصود بيها نزول القرآن الكريم إلى اللوح المحفوظ؛ حيث يجمع هذا اللوح كلّ ما كان، وكلّ ما هو كائن من أقدار المخلوقات..
وبعدين النزول الثاني.. وده اللي ربنا قال فيه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).. فبعد أن نزل القرآن إلى اللوح المحفوظ.. أنزله الله إلى بيت العزّة في السماء الدُّنيا، وكان ذلك في ليلة القدر كما ذكرت الآية..
وبعدين نيجي لمرحلة التنزيل المتفرق على سيدنا محمد..وامتدّت المرحلة دي على طول سنوات دعوة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم.. فكان بينزل القرآن على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مُفرَّقاً، فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، قال -تعالى-: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ)..
فنزل في مكة ثلثي القرآن وعلى مدار 13 سنة.. وفي المدينة أنزل ثلثه.. علشان يتمكن الرسول من حفظه وتحفيظه للصحابة رضوان الله عليهم..
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد.. اللهم بلغنا ليلة القدر اجمعين.. وللحديث بقية..
لمزيد من المقالات..
المقهى الدبلوماسي.. رمضان وحديث الجن والملائكة
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
بينما كنت أرتشف قهوتي الفرنسية على مائدتي بالمقهى الدبلوماسي.. إذ جاءني صديقي العزيز يسألني.. انت كنت مختفي فين بقالك يومين.....
ما إن ينتهي الشهر الكريم.. حتى يغلبنا الشوق إليه.. ونبدأ في انتظار عودته.. ونشعر بذلك ونحن نودع شهر شوال أيضا.....
لا أدري ما الذي جعل هذه المأثورة للإمام الحسن البصري تقفز أمام عيني.. وكانها تحدث أمامي الأن.. ربما لأهمية الرسائل...
ومثلما جاء رمضان ..انقضى.. وجاء العيد وانتهى.. وعادت الأيام لرتابتها المعتادة.. فما أن يأتي الصباح.. فنتمنى قدوم الليل.. حتى ينقضي...