تحت شعار "التعاون في عالم منقسم" .. منتدى "دافوس" يبدأ أعماله

تحت شعار "التعاون في عالم منقسم" .. وبعد غياب عامين .. تلتقي النخب السياسية والاقتصادية العالمية في الدورة السنوية الثالثة والخمسين لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي، خلال الفترة من 16 إلى 20 من شهر يناير.

في وقت يواجه العالم فيه تحديات وأزمات غير مسبوقة كالحرب الروسية الأوكرانية، وجائحة كورونا " كوفيد"، والآثار المترتبة عليها حول العالم، فضلاً عن التوترات المتزايدة بين الصين والغرب، إلى جانب الفقر ونقص الغذاء في عدد من الدول، و أيضاً حالة الفوضى التي تعم التجارة الدولية.

أزمة مزدوجة

يعقد منتدى دافوس 2023، وسط أزمة مزدوجة ضربت الاقتصاد العالمي بدأت بجائحة كورونا في 2020، ومازالت تبعاتها مستمرة حتى الآن، ثم حرب أوكرانيا وروسيا في 2022، والتي ما تزال تضيق الخناق على إمكانية تعافي الاقتصاد العالمي وعودته لما كان عليه قبل جائحة كورونا.

و أعلن رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورجه بريندي أن القمة التي تجري في منتجع الألب السويسرية تنعقد هذا العام "في ظل وضع جيوسياسي وجيواقتصادي هو الأكثر تعقيداً منذ عقود".

وساهم تفشي وباء كوفيد-19 والخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والهجوم الروسي على أوكرانيا في السنوات الأخيرة في تزايد الشقاقات الجيوسياسية وتصاعد السياسات الحمائية.

وحمل هذا الوضع البعض على التساؤل حول مستقبل العولمة التي تشكل منذ نصف قرن محور منتدى دافوس.

ورأى مؤسس المنتدى كلاوس شواب أن "أحد الأسباب الرئيسية لهذا الانقسام هو نقص في التعاون" ما يؤدي إلى اعتماد "سياسات قصيرة الأمد وأنانية" منددا في الوقت نفسه بما وصفه بأنه "حلقة مفرغة".

ويمتاز منتدى دافوس 2023، هذا العام بوجود تمثيل أكبر لقارتي أفريقيا وآسيا، على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا بالإضافة إلى تمثيل عربي كبير.

وفي ظل حالة الضعف وعدم اليقين التي يمر بها العالم، تبدو المهمة صعبة أمام كل من رؤساء الدول والحكومات، والرؤساء التنفيذيين للشركات، ومراكز الأبحاث وممثلي المجتمع المدني، وأعضاء وسائل الإعلام الدولية، وقادة شباب من إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية.

* توقعات صندوق النقد الدولي

وفي هذا الإطار، جاءت توقعات صندوق النقد الدولي باحتمال غرق ثلث الاقتصاد العالمي في حالة من الركود خلال العام 2023، وأن هذا العام سيكون أشد وطأة من العام الذي سبقه، حيث لا تزال العديد من الدول تدفع حتى اليوم فاتورة عامين من الإغلاق بسبب جائحة "كوفيد-19"، فضلاً عن نقص الغذاء، وأزمة تكلفة المعيشة التي تؤدي إلى الاحتجاجات العنيفة وعدم الاستقرار السياسي.

التغيرات المناخية وعواقبها الوخيمة، أيضاً تلقي بظلالها على فاعليات المنتدى، خاصة وأان كوارث المناخ تسببت بخسائر فادحة، ففي باكستان وحدها بلغت خسائر الفيضانات المدمرة 30 مليار دولار، بجانب تشريد نحو 33 مليون شخص، توفي منهم 1730 شخص، وتدمير أكثر من مليون منزل، بينما تسببت موجة الحر في أوروبا في حرائق هائلة، بجانب 15 ألف حالة وفاة .. وتجاوزت خسائر الولايات المتحدة الأمريكية 165 مليار دولار، ووفاة ما لا يقل عن 474 شخصا.

* أولويات أعمال منتدى دافوس الاقتصادي

تتصدر أجندة أعمال منتدى"دافوس" أولويات عدة لمناقشتها خلال فاعلياته، من بينها سبل خدمة المتضررين من الأزمات الاقتصادية حول العالم، خاصة في ضوء استمرار تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" وأزمة المناخ والتصدع الجيوسياسي والركود الاقتصادي.

وعن أهم أولويات للنسخة الحالية من دافوس، يرى خبراء اقتصاد أن السعي لتحقيق العدالة في مواجهة الأزمات المتفاقمة، يتصدر هذه الأولويات حيث تتجلى أهمية السعي وراء المساواة العرقية والمناخية والرقمية، ليس بالضرورة بطريقة منعزلة.

ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال لا تزال عائلات أصحاب البشرة السوداء تكسب حوالي 13 سنتًا مقابل كل دولار تملكه العائلات البيضاء، وعندما يتعلق الأمر بالدخل والصحة وجودة التعليم والسجن، لم يشهد الأمريكيون أصحاب البشرة السمراء سوى تحسنًا بنسبة 0.1٪ منذ عام 2020.

* خطوة إيجابية

يرى الخبراء أن الإعلان عن تدشين صندوق جديد للخسائر والأضرار خلال فعاليات مؤتمر الأطراف السابع والعشرين للمشاركين في اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ، والذي استضافته مصر في شهر نوفمبر الماضي، يعد خطوة إيجابية إلى الأمام فيما يخص جبهة المناخ، ولكن من دون اتخاذ إجراءات متضافرة للتخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري وإنهاء استخدامه، لن تتمكن العدالة المناخية من المضى قدمًا في جهودها لحماية الضعفاء، قائلين إن أكثر من 46٪ من سكان العالم يفتقرون إلى إمكانية الوصول الموثوق به والميسور التكلفة إلى الإنترنت.

ومن التعليم إلى الصحة إلى التمويل، يعد الوصول إلى الإنترنت جزءًا أساسيًا من الحياة المدنية، وبدون ذلك، تتخلف المجتمعات المهمشة أكثر، وتترسخ أوجه عدم المساواة العرقية أو القائمة على الهوية ويتم إعاقة القدرة على التكيف مع المناخ.

و جاءت ضرورة تعزيز جهود حماية مستقبل اقتصادي هادف للجميع، من بين أهم أولويات المنتدى، حيث إن ما يقرب من 70٪ من الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة وافقوا على أن المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) تعمل على تحسين الأداء المالي.

ومع ذلك، وبسبب استمرار التضخم والركود، يخطط 59٪ من الرؤساء التنفيذيين إما للتوقف مؤقتًا أو إعادة النظر في التزاماتهم المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بينما يخطط 51٪ لتسريح الموظفين، إضافة إلى أن الركود المرتقب في عام 2023 يختبر التزام القطاع الخاص بالمسئولية الاجتماعية، فيما يواصل المجتمع المدني ومجموعات المستهلكين الضغط من أجل تدابير حماية تتمحور تعزيز جهود إيجاد حلول لأزمة الطاقة.

* حضور محدود

بعد قيام المنتدى بتجميد العلاقات مع المنظمات الروسية على خلفية الحرب على أوكرانيا، لم توجه دعوة لممثلي روسيا هذا العام.

ويعد المستشار الألماني أولاف شولتس هو الزعيم الوحيد من قادة مجموعة السبع الذي من المقرر أن يحضر اجتماعات المنتدى، فيما يتغيب الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اجتماع هذا العام.

وسيتغيب أيضا عن المنتدى قادة آخرون كبار من خارج مجموعة السبع، أبرزهم الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي تعهد بإعادة بلاده إلى الساحة العالمية بعد سنوات العزلة التي فرضها الرئيس اليميني المتطرف جاير بولسونارو.

كما سيغيب أصحاب المليارات من روسيا والصين، عن أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي.

وعلى الرغم من التواجد الأساسي للمليارديرات الروس خلال السنوات الماضية، إلا أن الحرب في أوكرانيا قضت باستبعادهم عن قائمة الحضور، والذي يتضمن نحو 116 مليارديراً من حول العالم مدعوين وأكدوا حضورهم في المؤتمر.

وبالإضافة إلى الروس الغائبين، أظهرت القائمة غياب تام أيضاً للمليارديرات من الصين هذا العام، إذ لا تزال الدولة تحت وطأة ارتفاع الإصابات بكوفيد، فضلاً عن سوق الأسهم المترنحة التي محت 224 مليار دولار من ثروات مليارديرات الصين خلال 2022.

وذكرت تقارير أن قائمة الضيوف من المليارديرات هذا العام تختلف بشكل لافت عن قوائم السنوات السابقة، مما يعكس الاضطرابات العالمية التي أعادت تشكيل الثروات، وغيرت مراكز القوى وسط النزاعات والوباء وارتفاع التضخم.

ورغم اقتراب موقع المؤتمر والذي يقام في منتج "دافوس" بالقرب من أماكن التزلج على الجليد، من مليارديرات أوروبا، إلا أن قائمة الحضور لم تضم سوى 18 مليارديراً أوروبياً فقط، وبالتأكيد شكل المليارديرات من أمريكا الجزء الأكبر بنحو 33 مليارديراً.

فضلاً عن حضور قوي لعمالقة وول ستريت، بقيادة جيمي دايمون، من جي بي مورجان، ولاري فينك من "بلاك روك" وستيف شوارزمان من بلاكستون إنك.

ووفقاً لـ "بلومبرج"، فقد ساهم في سد الفراغ ارتفاع أعداد المليارديرات من دول الخليج، والتي شهدت انتعاشاً معاكسا لمعظم اقتصادات العالم، بفضل ارتفاع أسعار النفط وسمعة الخليج بأنه واحة استقرار في منطقة تتعدد فيها المشكلات".

كما سيشهد المؤتمر حضور، 13 مليارديرا من الهند، ومن بينهم غواتام أداني، قطب الفحم الذي نمت ثروته 44 مليار دولار العام الماضي، ويعد أداني حاليا رابع أغنى شخص في العالم، وفقا لمؤشر "بلومبرج للمليارديرات".

وحتى بالنسبة للمليارديرات البريطانيين، فإن الحضور متوقف فقط على مليارديرات من أصول هندية.

وبالإضافة لكل هذا فإن تراجع تقييمات الشركات بصورة حادة، حول البعض من كونهم مليارديرات إلى ما هو دون هذا المستوى بكثير، إذ فقدت بعض الشركات أكثر من 90% من قيمتها خلال أزمة الأسواق الحالية.

وكانت السفارة الروسية في سويسرا أكدت في وقت سابق من هذا الشهر أن الوفد الروسي لن يشارك في فعاليات منتدى دافوس.

* عام من الحرب

وبعد حوالى عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، من المتوقع أن يحتل النزاع وانعكاساته على السياسات العالمية في مجالي الطاقة والدفاع، حيزا كبيرا في مناقشات دافوس.

وإن كانت روسيا ستتغيب عن المنتدى للسنة الثانية على التوالي، فإن أوكرانيا سترسل وفدا، كما أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي يعتزم إلقاء كلمة عبر الفيديو للمؤتمر.

وسيشكل المنتدى مناسبة للمسؤولين الأوكرانيين للتوجه إلى مئات الشخصيات السياسية الكبرى مثل المستشار الألماني أولاف شولتس والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش والأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرج، إضافة إلى حوالى 600 رئيس شركة والعديد من وسائل الإعلام وممثلين عن المجتمع المدني من منظمات غير حكومية وباحثين وحتى نجوم بينهم الممثل إدريس إلبا ومغنية السوبرانو رينيه فليمينج.

* بداية منتدى دافوس

عقد الاجتماع الأول للمنتدى الاقتصادي العالمي في عام 1971 في المدينة السويسرية بجبال الألب لمناقشة التحديات التي تواجه العالم.

لماذا يقام المنتدى في دافوس؟

على ارتفاع 1560 مترًا، وعبر الشوارع المكسوة بالجليد وفي ظل رحلة طويلة بالقطار إلى أقرب مطار، لا يمكن اعتبار دافوس المكان الأمثل لعقد مؤتمر دولي كبير، لكن مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، البروفيسور كلاوس شواب، اختار دافوس في الأصل كمكان هادئ بعيدًا عن التحديات اليومية لإدارة الأعمال التجارية.

ويتوجه إلى دافوس قادة من قطاع الأعمال والحكومات والمجتمع المدني والجماعات الدينية ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية. يجتمعون سويا في أسبوع من الاجتماعات تتناول كل شيء بدءا من تغير المناخ إلى العملات المشفرة.

وتضم قائمة الدعوات حوالي 2000 إلى 3000 شخصية، لكن رغبة الكثيرين في حضور الفعاليات التي تقام على هامش المنتدى، يؤدى إلى زيادة عدد المشاركين إلى حوالي 10000 شخص.

وعقب انتهاء دافوس، يعمل موظفو المنتدى على مدار العام على مشاريع تشمل تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي، الذي يحدد حجم العقبات التي تواجهها النساء في جميع أنحاء العالم، ومنهج العمل المناخي، الذي يهدف إلى إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.

ويشمل المنتدى مجموعة من حلقات النقاش وتجمعات وفعاليات غير رسمية على مدى أسبوع تحت شعار "التعاون في عالم منقسم"، حيث أكد كلاوس شواب مؤسس المنتدى ورئيسه التنفيذي أنه "ينبغي أن يساعد دافوس في تغيير هذه العقلية".

ومن المقرر أن تركز المناقشات على التحديات القصيرة المدى مثل كيفية تجنب مخاطر حدوث ركود عالمي في عام 2023 وكيفية ضمان عدم تراجع الجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ بسبب أزمة الطاقة التي تفاقمت بسبب حرب أوكرانيا والعقوبات على روسيا.

 

Katen Doe

سلوى مصطفى

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave

المزيد من تقارير اقتصاد

wave
سقف أسعار المواد الغذائية..سلاح جديد لمكافحة التضخم في بريطانيا

في ضوء الارتفاعات القياسية لأسعار الغذاء تسعي حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك للتوصل إلى اتفاق مع محال البيع بالتجزئة...

الإفلاس.. مصير شركات أمريكية مع تشديد قيود الائتمان

بعد أزمة مصرفية خرجت من الولايات المتحدة، يتزايد عدد الشركات الأمريكية المتقدمة بطلبات إفلاس نتيجة لتشديد قيود الائتمان مع ارتفاع...

ألمانيا.. الاقتصاد الأوروبي الأكبر في مواجهة الركود

اقتصاد ألمانيا الأكبر في أوروبا يسبق الاقتصادات المتقدمة كافة على طريق الركود، فماذا يعني ركود الاقتصاد وماذا ينتظر الاقتصاد الصناعي...

نشاط ولقاءات مع شركاء التنمية للمشاط ضمن فعاليات اجتماعات البنك الإفريقي

في إطار لقاءاتها الثنائية مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، ضمن فعاليات الدورة 58 من الاجتماعات السنوية للبنك الإفريقي للتنمية...