من الفكرة إلى التنفيذ .. المركبة الفضائية "راشد" تنطلق نحو القمر‎‎

في رحلة من المقرر لها أن تستغرق 5 أشهر في مهمة هي الرابعة عالمياً و الأولى عربياً، انطلق اليوم الأحد المستكشف الفضائي الإماراتي "راشد" نحو القمر، من قاعدة كيب كانافيرال الفضائية الأمريكية المطلة على ساحل الأطلنطي، والتي شهدت إطلاق المستكشف "راشد" في أول مهمة عربية إلى القمر، حيث من المقرر أن يهبط المستكشف الفضائي "راشد" على سطح القمر في أبريل 2023.

وكان مركز محمد بن راشد للفضاء، قد أعلن أن موعد إطلاق مشروع الإمارات لاستكشاف القمر، هو في 28 من شهر نوفمبر، قبل أن يتم التأجيل، مما سمح لشركة "سبيس إكس" بإجراء بعض الفحوصات الإضافية قبل إطلاق المركبة.

وترجع أهمية المستكشف "راشد" إلى كونه إحدى الخطوات التمهيدية لإرسال البشر مرة أخرى إلى القمر، إذ سيوفر البيانات العلمية والتي سيتم تبادلها مع الجامعات ووكالات الفضاء الدولية، للاستعداد بشكل مثالي لعودة البشر مرة أخرى إلى القمر، بالتزامن مع برنامج آرتميس لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، بإرسال البشر إلى القمر في غضون العامين المقبلين.

ويحمل المستكشف "راشد"، مركبة الهبوط اليابانية "هاكوتو- آر" على متن صاروخ الإطلاق "سبيس إكس فالكون 9".

وتبلغ مدة المهمة العلمية يوماً قمريا واحد، أي ما يعادل 14 يوماً من مثيلاتها على كوكب الأرض، وستأخذ المركبة الفضائية طريقاً منخفض الطاقة إلى القمر، وذلك بدلاً من الاقتراب المباشر.

وسيكون موقع هبوط المستكشف راشد في فوهة أطلس الواقعة عند 47.5 درجة شمالا، و44.4 درجة شرقاً على الحافة الخارجية الجنوبية الشرقية لمنطقة ماري فريجوريس، أو ما يعرف بـ"بحر البرد"، الواقعة أقصى شمال القمر، وتم اختيار تلك المنطقة، "حفاظاً على المرونة أثناء إنجاز عمليات المهمة"، مع الأخذ بعين الاعتبار لحالات الطوارئ المتعددة والتي يمكن استخدامها اعتمادا على المتغيرات التي تحدث أثناء النقل، حيث يتحلى الموقع بالمواصفات الفنية والأهداف العلمية لمشروع الإمارات لاستكشاف القمر.

ماذا سيفعل المستكشف "راشد" فور هبوطه؟

المستكشف راشد سيقوم بمجرد هبوطه، بدراسة خصائص التربة على سطح القمر وصخور وجيولوجيا القمر، كما سيدرك كذلك حركة الغبار والبلازما والغلاف الكهروضوئي، التي تعد جميعها اكتشافات جديدة حول هذه المنطقة من القمر.

وتعد فوهة أطلس موقعاً لم يسبق استكشافه من قبل أي من المركبات الفضائية، أو حتى المهمات المأهولة السابقة، مما يجعل مشروع الإمارات لاستكشاف القمر "واحدة من أهم المهمات المترقبة".

وتكمن أهمية المستكشف "راشد" في أنه أول مهمة إماراتية تهبط على سطح القمر بأيدٍ إماراتية وتصميم إماراتي بالكامل، وهو ما يعد طفرة في نقل المعرفة وبناء القدرات الإماراتية في مجال الفضاء والتي تحققت خلال الـ20 سنة الماضية، ضمن الأهداف الاستراتيجية للإمارات العربية المتحدة، ولكنه مشروع إماراتي ذو طابع دولي يعزز الشراكة العالمية لاستكشاف الفضاء، حيث تتولى شركة Space X الأمريكية عملية الإطلاق، كما تتولى الشركة اليابانية آي سبيس ISpace عملية هبوط المركبة "راشد"، كما تمت الاستعانة بمعدات علمية من فرنسا، ومن جامعات من هولندا وبلجيكا، وكلها أمور تصب في النهاية في صالح برنامج آرتميس وعودة البشر إلى القمر.

وقد وصل إلى ولاية فلوريدا، الفريق الإماراتي لاستكشاف القمر لمتابعة عملية الإطلاق التاريخية، وأكد سالم المري، مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء أن مهمة المستكشف "راشد" تشمل إجراء تجارب علمية وتصوير ورصد حراري، لدراسة سطح القمر والتربة القمرية، مشيرا إلى أنه سيتم استغلال مهمة "المركبة راشد" في الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات والبيانات حول سطح القمر.

المدينة الإماراتية .. واكتشاف المريخ

وعن مدى ارتباط برنامج استكشاف القمر ببرنامج استكشاف المريخ، وأهمية المستكشف راشد، قال مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء: صحيح أن المستكشف راشد هو ضمن برنامج استكشاف القمر، لكنه في النهاية يمهد الطريق للخطوات الإماراتية في استكشاف المريخ، حيث تعد خطوتنا الصغيرة على القمر بداية لخطوتنا الكبيرة على المريخ.

وأضاف: "دعنا لا ننسى أن برنامج استكشاف القمر واستكشاف المريخ هما برنامجان مرتبطان ارتباطا وثيقا، حيث ترى بعض النظريات أن رحلة البشر الأولى إلى المريخ ستكون صعبة للغاية بدون بناء وجود دائم للبشر على القمر، ولذلك يتم العمل على بناء المحطة الأرضية على القمر في الوقت الراهن، كما تستمر خطط إرسال المعدات والمستكشفات إلى القمر والمريخ معا".

وتابع المري أن رحلة المريخ ستكون صعبة للغاية على البشر فالرحلة سوف تستغرق ما بين 7 و9 أشهر ذهابا فقط، ومثلها في رحلة العودة، كما أن الخطة تقتضي المكوث سنة على الأقل على سطح الكوكب الأحمر، وهذا أمر ليس يسيرا، ولذلك فإن رحلة المريخ ستحتاج إلى موارد ومعدات ضخمة للحفاظ على حياة رواد الفضاء لمدة تتجاوز العامين ولذلك فإن الحفاظ على وجود بشري دائم على القمر هو مرحلة للوصول إلى المريخ.

وعن آخر التطورات في مشروع المدينة الإماراتية على المريخ بحلول 2117، أجاب المري : مدينة المريخ جار العمل عليها في الوقت الراهن، حيث سوف يتم بناء نموذج منها في الإمارات خلال الفترة المقبلة لدراسة كيفية الحياة على سطح المريخ، وإجراء التجارب المختلفة سواء متعلقة بالطاقة أو التغذية أو حتى مصادر المياه وكل البحوث العلمية الأخرى، لافتا إلى أنها مدينة معقدة للغاية، وهي تحت الإنشاء في الوقت الراهن.

وأكد المري: "هناك بعد آخر لأهمية برامج استكشاف الفضاء، ألا وهو استكشاف محيطنا، حيث إن رحلة البشر منذ فجر التاريخ قائمة على استكشاف المحيط والترحل واستكشاف مناطق جديدة غير مأهولة، فالطموح البشري للاستكشاف لا يتوقف، ولذلك فإن الفضاء هو مجال الاستكشاف الطبيعي التالي للبشر، للتعرف على محيطنا الفضائي وعالمنا الكوني، لكننا قبل الذهاب بعيدا إلى أعماق الفضاء يجب أن نضع خطواتنا بثبات على القمر وهنا تأتي أهمية المستكشف راشد".

لحظة رائعة ومثيرة

كان المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "آي سبيس" وشركة استكشاف القمر التي ستحمل المستكشف راشد الإماراتي على مركبة الهبوط تاكيشي هاكامادا قد أكد في وقت سابق أنه "واثق جدا" من نجاح المهمة، ومع اقتراب المهمة من الإقلاع، قال تاكيشي : "ستكون لحظة رائعة ومثيرة".

وتم دمج مركبة الهبوط "هاكوتو-آر"، التي تم بناؤها بواسطة "آي سبيس"، في صاروخ "فالكون 9" التابع لشركة "سبيس إكس" الأمريكية، لإطلاقه في الأول من ديسمبر من محطة كيب كانافيرال للقوة الفضائية في فلوريدا.

ويوجد على متن مركبة الهبوط المركبة الجوالة الصغيرة "راشد"، التي طورها مهندسون في مركز محمد بن راشد للفضاء، وتهدف إلى قضاء 14 يوما في دراسة منطقة غير مستكشفة على القمر.

وبمجرد تسليم صاروخ "سبيس إكس" للمركبة إلى مدارها المقصود في الفضاء يوم الخميس، ستبدأ رحلتها الفردية إلى القمر، مع توقع الهبوط في نهاية أبريل.

وقال هاكامادا: "لقد بدأنا هذه الشركة منذ 12 عاما وقطعنا شوطًا طويلاً، لكننا حققنا الكثير بالفعل وأنا أقدر حقا جميع الأشخاص الذين دعموا هذه المهمة".

وأضاف: "أثق جدا بهذه المهمة الأولى، لأن مهندسينا بذلوا قصارى جهدهم لنضج تقنيتنا ودمجنا المعرفة الخارجية أيضا".

وإذا تمكنت "آي سبيس" من تحقيق هبوط على سطح القمر فسيساعد ذلك الإمارات العربية المتحدة على وضع أول مركبة متجولة في العالم العربي على سطح القمر، كما أنه سيجعل الشركة أول من يهبط بمهمة يقودها القطاع الخاص على القمر.

مميزات المستكشف راشد

يتميز المستكشف راشد بعدد من المزايا والمواصفات التقنية العالية الجودة والكفاءة، حيث تم تزويده بـ6 أجهزة منها جهاز كاميرا ذات دقة عالية لالتقاط الصور، وكاميرا ميكروسكوبية وكاميرا للتصوير الحراري وجهاز استشعار لانجموير لقياس درجة حرارة الإلكترونيات وكثافتها وجهد تأين البلازما بالإضافة إلى وحدة قياس عزم القصور الذاتي لتتبع حركة المستكشف وكاميرا ثلاثية الأبعاد.

وسيعمل المستكشف بالاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية، وتوفر كاميرا التصوير الحراري التي زود بها المستكشف صورة تساعد في معرفة خصائص تربة سطح القمر وأحجام حبيباتها، وغيرها من المعلومات الجديدة.

وسيتنقل المستكشف راشد في مواقع جديدة لم يسبق دراستها من قبل، لدراسة البلازما على سطح القمر، حيث يقوم بجمع بيانات والتقاط صور نادرة، تصل إلى نحو 10 جيجابايت، ومن ثم إرسالها إلى محطة التحكم الأرضية في مركز محمد بن راشد للفضاء بدبي.

ويعد القمر منصة مثالية لاختبار التقنيات والمعدات الجديدة، التي سيتم استخدامها مستقبلاً في بعثات استكشاف الفضاء الخارجي، ومنها المريخ، حيث يتيح الهبوط على سطح القمر اختبار تعرض أجهزة الاستشعار وغيرها من التقنيات لبيئة الفضاء لفترات طويلة.

وسيختبر المستكشف تقنيات جديدة على سطح القمر، كونه البيئة الأمثل لمثل هذه الاختبارات، كما أنه أقرب إلى الأرض، ما سيساعد على اختبار قدرات الإمارات قبل الانطلاق في مهمات استكشافية مأهولة إلى المريخ.

وستسهم الاختبارات العلمية التي يجريها المستكشف راشد خلال مهمته على سطح القمر في إحداث تطورات نوعية في مجالات العلوم والتكنولوجيا وتقنيات الاتصال والروبوتات، فيما لا يقتصر التأثير الإيجابي لهذه التطورات على قطاع استكشاف الفضاء فقط، بل يمتد أثره إلى العديد من القطاعات الأخرى كقطاع الصناعات التكنولوجية وقطاع الاتصالات وغيرها من القطاعات ذات الصلة.

ويعتبر القمر خامس أكبر قمر في النظام الشمسي، ويبعد عن الأرض 385 ألف كلم، ويمتلك طبقة رقيقة من الغلاف الجوي تسمّى "إكسوسفير"، وأبرز العناصر المكونة لسطحه هي السيلكون، والألمنيوم، والحديد، والأوكسجين، والكالسيوم، والتيتانيوم، والمغنيسيو

 

 

 

Katen Doe

سلوى مصطفى

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave

المزيد من تقارير منوعة

wave
العودة إلى "حياة الغابة".. نتيجة محتملة للذكاء الاصطناعي

بشكل سريع، تتوالى التحذيرات الجدية في العالم من التأثيرات "المدمرة" لبرامج الذكاء الاصطناعي إن لم تضبط بتشريعات، حيث قد تسبب...

في الذكرى الـ50 لليوم العالمى للبيئة .. "لا للبلاستيك"

تحديات بيئية ملحة فرضت نفسها في عصرنا الحاضر تؤثر سلبا على البشرية ووجودها بل وعلى الحياة على كوكب الأرض عامة.....

في اليوم العالمي للدراجة الهوائية .. رياضة وتوفير

متعة ورياضة وتوفير .. فوائد اقتصادية وصحية .. وسيلة نقل مستدامة ونظيفة ومناسبة للبيئة تحسن مستوى لياقة الجسم بشكل عام...

جولة عبر التاريخ .. في اليوم العالمي للمتاحف

تحوي بين جدرانها الموروثات الثقافية والتاريخية للحضارات الإنسانية على مر التاريخ .. تقوم بدور هام ومؤثر في حفظ الكنوز التاريخية...