الشيخ "مصطفى إسماعيل" واحد من أهم المقرئين الذين عرفتهم دولة التلاوة بمصر والعالم الإسلامى، فهو صاحب أسلوب فريد
من نوعه استطاع به المزج بين أحكام التلاوة وعلم المقامات الموسيقية مزجا لم يسبق له مثيل، فكان ينتقل بسامعيه إلى عالم تسوده الأجواء الروحانية. قرأ "مصطفى إسماعيل" القرآن بأكثر من 19 مقاما موسيقيا بصوت عذب وأداء قوى، وقد عرف عنه أنه صاحب نَفَس طويل فى القراءة التجويدية؛ سجَّل بصوته تلاوة القرآن الكريم كاملا، وترك وراءه 1300 تلاوة لا تزال تبث عبر إذاعات القرآن الكريم.
كان "مصطفى إسماعيل" أول قارئ يسجل فى الإذاعة المصرية دون أن يؤدى فيها اختبارات القبول، واختاره الملك فاروق قارئا للقصر الملكى، ثم كرمه الرئيس عبدالناصر، وذهب مع الرئيس السادات فى زيارته للقدس. "الإذاعة والتليفزيون" دخلت إلى عالم الشيخ "مصطفى إسماعيل" الثرى من خلال نجله "عاطف مصطفى إسماعيل" الذى كشف أسرارا لم تنشر من قبل عن والده، كما ننشر للشيخ الراحل حوارا نادرا عمره 63 عاما أجرته معه المجلة فى عددها رقم 1303 الصادر بتاريخ 5 مارس 1960.
قلت لـ«عاطف»: وجد والدك طريقه إلى الإذاعة بالصدفة فحدثنا عن ذلك؟
الشيخ أخذ نصيبه من الشهرة فى محافظتى الغربية والشرقية، وكان لديه سيارة رقمها 2 فى مصر، وفى يوم تعطلت فذهب لإصلاحها فى القاهرة، وفى القاهرة قرأ لافتة مكتوبا عليها "رابطة تضامن القراء" فدخل إلى مقر الرابطة وتعرف على المقرئين الموجودين، وبمجرد أن ذكر اسمه لقى حفاوة شديدة منهم، وكان من بينهم الشيخ "محمد الصيفى" القارئ بالإذاعة، وعرض عليه قراءة القرآن فى الإذاعة يوم الجمعة الساعة 10 مساء من نفس اليوم، وكان ذلك عام 1944، وهكذا التحق والدى بالإذاعة بدون أن يمر على لجنة اختبار أو أى امتحانات، وكانت الإذاعة بالفعل نقطة انطلاقه وسبب شهرته الحقيقية فى مصر والعالم الإسلامى، حيث أصبح يستمع إليه الملايين فى فترة قصيرة، وذلك بعدما ظلت شهرته لسنوات مقصورة على القرى والنجوع والكفور.
ويقال إن أولاد القصبى باشا كانوا سببا فى شهرة والدك كذلك.. ما صحة ذلك؟
توفى عضو مجلس النواب المصرى "القصبى باشا" فى اسطنبول ونقل جثمانه إلى الإسكندرية، واستمرت مراسم المأتم 3 أيام، وفى اليوم الأول قرأ الشيخ "محمد رفعت" والشيخ "حسن صبح"، أما والدى فقد كان حاضرا العزاء على اعتبار أنه مستمع لهما، وكان عمره وقتها 17 عاما، لكن أولاد القصبى باشا كانوا يعرفون والدى لذلك ضغطوا عليه لكى يقرأ إحدى السور، وبالفعل قام بذلك، وغضب الشيخ "حسن صبح" فقال له أهالى المتوفى إن والدى مجرد مدعو، وقد قال لى والدى عن هذا اليوم: "قرأت 5 دقائق ووجدت نفسى بعد ذلك أقرأ مثل المدفع والناس تستمع لى بإعجاب"، وبمجرد أن جاء الشيخ "محمد رفعت" إلى العزاء قرر والدى التوقف عن التلاوة، لكنه التقى الشيخ "محمد رفعت" بعد ذلك وقد مدح صوته وأمره بتعلم وإتقان مخارج الحروف عند أحد الشيوخ بالمعهد الأحمدى بطنطا وبشره بأنه سيكون أحد أعظم المقرئين فى مصر، ومن هنا كانت كلمات الشيخ محمد رفعت قوة دافعة كبيرة لوالدى نحو الاستمرار والتجويد.
ولماذا ابتعد عن الإذاعة لفترة من الزمن؟
من أسباب ابتعاده عن الإذاعة أنه كان يحب التلاوة لساعات طويلة، ولم يكن يرضيه نصف الساعة التى أتاحتها له الإذاعة أسبوعيا، لذلك انقطع عن الإذاعة وعاد إليها مرة أخرى بسبب الضغط من القصر الملكى ومن كثرة الرسائل التى انهالت من المستمعين.
كيف أصبح والدك مقرئ القصر الملكى فى عهد الملك فاروق؟
كان من ضمن مستمعيه "مراد محسن باشا" ناظر الخاصة الملكية حينذاك، وهو الذى كان قد سمعه فى الإذاعة ثم أرسل فى طلبه من قريته عن طريق البوليس، كان أبى يشرف على جنى محصول القطن فى الحقل، ولما عاد إلى المنزل أخذه الضابط فى سيارة البوليس-«البوكس بتاع الأيام دى»- قائلا: نحن نبحث عنك منذ 3 أيام، ومن طنطا شقت السيارة طريقها إلى قصر عابدين وأدخل على الفور إلى مكتب مراد محسن باشا ناظر الخاصة الذى قال له: "لقد استمعت إلى قراءتك فى الإذاعة وأرجو أن تقرأ لنا الآن، وأثناء تلاوته دخل عليهما محمد حيدر باشا القائد العام للقوات المسلحة، وانتهت المقابلة بين الشيخ مصطفى إسماعيل ورجال الملك فى القصر الملكى، لكن المفاجأة أن مراد محسن باشا وهو يودعه على باب مكتبه قال: نريدك فى احتفال الذكرى السنوية للمرحوم الملك فؤاد فى 28 أبريل سنة 1943، وسيحضر الملك فاروق بالطبع، وسيذاع الحفل فى الراديو، وبالفعل حضر هذا الاحتفال وقرأ فيه وزادت شهرته، حتى أنه صار واحدا من كبار القراء، وبعدها تم الاتفاق معه على أن يقرأ طوال شهر رمضان فى قصر رأس التين، وكانت جميع ليالى هذا الشهر مذاعة فى الإذاعة، وكان معه الشيخ أبوالعينين شعيشع، وقد استمرت حفلات شهر رمضان منذ عام 1943 حتى عام 1952، وكان يتقاضى 150 جنيها عن مجمل هذا الشهر، وهذا المبلغ البسيط أغضب الشيخ "أبوالعينين شعيشع" فاعترض عليه وترك القراءة فى القصر الملكى، وهناك واقعة ظريفة جدا حدثت ليلة القدر 27 رمضان، حيث كان الملك فاروق يفطر مع الحاشية ثم يجلس لبعض الوقت معهم، وعقب تلاوة أبى جاء له الملك وقال: "صوتك جميل جدا يا شيخ مصطفى" فقال له والدى: "متشكر يا بيه".. فضحك الملك فاروق.
وماذا عن استقباله نبأ الثورة.. وكيف أصبح مقرئ رئاسة الجمهورية بعد ذلك؟
بالطبع كان سعيدا بالثورة، إذ كان يشعر بالضيق من وجود نساء على جوار الملك فاروق وهو يقوم بالتلاوة، لكنه فى العموم كان يتعامل كمقرئ للقرآن ولا علاقة له بالأمور السياسية، ومن ثم فقد افتتح حفلات الرئيس محمد نجيب ومن بعده الرئيس جمال عبدالناصر الذى كان يحبه كثيرا وذهب إلى بيته مرات عدة كلما أصابه ضيق، وكانت علاقته بالرئيس السادات جيدة للغاية، لدرجة أنه اصطحبه معه لإسرائيل فى زيارته التاريخية للقراءة فى المسجد الأقصى، وتزامن موعد الزيارة مع عيد الأضحى المبارك، كما منح والدى وسام الاستحقاق فى عهد عبد الناصر، وكان أول مقرئ يحصل على الوسام، خاصة فى ظل عباقرة التلاوة، أمثال الشعشاعى والفشنى والبهتيمى والمنشاوى وعبد الباسط عبد الصمد؛ لكن مشاركة الرئيس السادات فى زيارته إلى إسرائيل، أغضبت بعض الدول العربية من والدى، حتى إنها منعت تسجيلاته من البث فى إذاعاتها، وكان رأى والدى فى ذلك أنه قارئ قرآن وليس سياسيا، وإذا جاءت له فرصة أن يقرأ القرآن فى المسجد الأقصى ولم يفعل ذلك سيكون مجنونا.
لكن يقال إن الشيخ "الطبلاوى" هو الوحيد الذى رافق الرئيس السادات فى رحلته إلى القدس؟
والدى هو الذى رافق الرئيس السادات وتلا القرآن فى المسجد الأقصى.
ما هى وصية والدك التى نفذت بقرار جمهورى بعد رحيله؟
فى يوم ما كنت أسير مع والدى فى مسقط رأسه، ووجدته وقف فجأة وقال لى: "إيه رأيك لو دُفنت هنا فى البيت؟ فقلت بدهشة: معقول؟! فقال: "سوف يحدث" وكانت وصيته أن يدفن فى منزله بقرية "ميت غزال" مع إقامة مسجد بجوار قبره، ثم علم المحافظ بهذه الوصية ووالدى على فراش الموت، لكنه رفض قائلا: "هذا يحتاج إلى إذن من رئيس الجمهورية"، لذلك ذهب أحد أقاربنا إلى الرئيس السادات فى "ميت أبو الكوم" ونقل له وصية والدى، فأمر الرئيس أن تنفذ الوصية.
هل تشعر أن الشيخ مصطفى إسماعيل نال حقه من التكريم؟
بالطبع نال حقه أثناء حياته، لكن اليوم يتم تجاهله وتقديمه دون إبراز مكانته المستحقة، فوالدى كان له لونا خاصا فى التلاوة.
هل طلبت دولة الإمارات العربية المتحدة شراء مقتنيات والدك لوضعها فى متحف؟
نعم أرسلوا لى خطابا يطلبون فيه مقتنيات الشيخ لوضعها فى متحف باسمه فى مجمع القرآن الكريم بالإمارات، وأعطيتهم ساعة الشيخ الخاصة و"حذاء وجِبّة وقفطان" وبعضا من السبح وبعضا من الأشياء الأخرى الخاصة بوالدى. وإلى نص حوار الشيخ مصطفى إسماعيل الذى نشرته المجلة فى عددها رقم 1303 الصادر بتاريخ 5 مارس 1960.
كان أول أجرى "شلن" أخذته عام ١٩٥٩
لا حديث له إلا عن القرآن الكريم.. كما أنه لا يستمع إلى شىء سواه.. ولا يمانع أبدا فى أن تقرأ المرأة القرآن.
كانت أول مرة قرأ فيها الشيخ "مصطفى إسماعیل" القرآن.. فى مأتم جده، وهو صغير.. ويومها دعا له أبوه، بأن يصبح ذات يوم من خير من يقرأ كلام الله واستجاب الله لدعاء الأب.. وأصبح ابنه من أشهر وأعظم المقرئين، ولكن الطريق لم يكن أمامه سهلا.. فقد ابتدأ بإجادة التلاوة على يد فقهاء قريته الصغيرة "ميت غزال".. ثم انتقل إلى المسجد الأحمدى فى «طنطا» وفى الثانية عشرة من عمره.. أحيى مع بعض الفقهاء المحترفين حفلا دينيا كبيرا.. وكاد يتفوق عليهم جميعا.. وتعود منذ ذلك الوقت حتى الآن.. أن يقرأ خمسة أجزاء يوميا من كتاب الله ولا يتخلف عن ذلك أبدا سواء وهو فى الطريق. فى عربته "الكاديلاك".. أو جالسا جلسته المميزة فى «سميراميس» حيث الهدوء الذى يحبه!
سألته وأنا أبتسم.. هل تقود السيارة بنفسك؟
لا.. للبعد عن المسئولية.
ما هو أول أجر أخذته؟
- لذلك قصة.. ففى عام ١٩٢٦ دعانى صديق لإحياء مأتم فى بلدة مجاورة وذهبت إلى هناك، وبعد انتهاء الليلة نمت هناك.. وفى الصباح قال لى زميلى إن أجرى عن هذه السهرة.. خمسة قروش لا غير ولكنه لم يعطها لى لأنه كان محتاجا إليها.. ومرت السنوات حتى كان عام ١٩٥٩.. وقابلت زمیلى الذى لم أره منذ سنوات.. وفوجئت به يمد يده فى جيبه.. ليعطينى خمسة قروش وهو يعتذر بأنه لم يف بدينه حتى الآن!
ما رأيك فى نصيب القرآن اليوم.. من ناحية تلاوته.. هل هو أكثر حظوة الآن.. أم العكس صحيح؟
بل إنه الآن أكثر حظوة.. والجماهير أكثر احتفالا بسماعه.
وذلك لأن هذا العصر حافل بإمكانيات الإذاعة، والميكروفونات.. أما قراء الأمس فقد كانوا متمكنين، ممتازین، ولكن الظروف والإمكانيات لم تساعدهم المساعدة الكافية.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
"رتيبة الحفنى" أسطورة الغناء الأوبرالى والسوبرانو، حيث حققت فى هذا الفن الغربى ما لم تحققه فنانة عربية من جيلها أو...
قبل 50 عاماً صدر عدد مجلة الإذاعة والتليفزيون فى مطلع أكتوبر دون أى إشارة للمعركة المحتملة، رغم تواصل أبنائها الدائم...
سر نجاحى فى كلمتين «التواضع» و«عدم الغرور»/ «كمال سليم» أستاذى فى السينما.. و«عزيز عيد» فى المسرح/ راتبى بعد الضرائب «42...
وقف الطفل "كمال الشناوى" يؤدى أول أدواره السينمائية فى مدرسة المنصور الابتدائية، وكان فى العاشرة من عمره، لتمر السنوات ويشاهد...