زوجة شهيد أحداث كرداسة :قتلوه ومثلوا بجثته وأفطروه وهو صائم

بمشاعر مختلفة بعض الشيء لمشهدين مختلفين تماما ما بين وصف إحساسها أثناء وجود الزوج الظهر والسند فى حياتها روحا وجسدا ومشهد آخر وهى أرملة شهيد بطل وتعول طفلين وتواجه بهما المجتمع أبا وأما فى ظل غياب الزوج بالجسد ضمن أحداث كرداسة الشهيرة التى تم فيها التمثيل بجثته وتشويهه بمياه النار،
ولكنه باق بروحه الطاهرة.. قررت "نجلاء سامي" زوجة نائب مأمور قسم كرداسة العميد "عامر عبد المقصود" شهيد أحداث كرداسه أن تفرغ ما فى صدرها لأول مرة على صفحات مجلة الإذاعة والتليفزيون فكتبت:
"قد يعجز القلم عن كتابة ما يشعر به القلب فحديثى هذا عن قصة حب عمرى وشهيدى الغالى العميد "عامر عبد المقصود" الذى عرفه قلبى قبل أن تراه عينى فهو حب الطفولة ابن خالتى الغالى الفارس الهمام الذى حملنى على ظهر حصانه الأبيض، بعد أن عشت وتربيت على يديه وعشقه قلبى قبل أن تعجب به عيني؛ لأنه كان محل إعجاب كل المحيطين حوله فقد كان واحدًا من أسود وأبطال وزارة الداخلية مصنع رجال الشرطة المصرية..
رحل جسدا تاركا لنا أجمل ذكريات نعيش عليها، فارق الحياة شهيدا ناقشا اسمه بحروف من نور لتظل وساما على صدر أبنائه..
البداية كانت حينما كنت بالمرحلة الثانوية العامة وعامر تخرج فى كلية الشرطة ملازما أول و توجت قصة حب الطفولة التى جمعتنا بزواج تم فى 13/8/1992 دام 25 عاما، يشهد الله أننى كنت أسعد زوجة لأننى خطفت قلب الدونجوان كما كان يلقبه من يعرفه الجان عامر عبد المقصود جميل الشكل والروح والخلق؛ لقد عشت معه فى بيت الأسرة بالدقى وكبرت على سيرته العطرة كان يملكنى روحا وكيانا وكنت أمتلكه قلبه وعقله، لم أتصور ولو للحظة واحدة أن حياتى معه وسعادتى عمرها 25 سنة فقط، كنت أظن منذ أن ارتبط اسمى باسمه بأنه رباط المحبة الأبدية فقد وصلنا من صدق مشاعرنا الفياضة بأن كلا منا يفهم ما يدور بخاطر الآخر قبل أن يتحدث، فقط كنت أفهمه من نظرة عينيه لأننا كنا بمثابة روح واحدة فى جسدين، ولم أتركه لحظة فقد كنت رفيقته فى كل مكان يذهب إليه وراءه تماما كالجندى المجهول هو بدوره يحتوينى أكثر من كونى زوجته وحبيبته وأحيانا طفلته المدللة وكان هو لى الهواء الذى أتنفسه، لم يشعرنى يوما بأن سعادتى معه لن تدوم أو أن لها عمرًا محددًا..
بعد مرور عام من زواجنا رزقنا الله بابننا الأكبر "أحمد" ولأول مرة منذ زواجنا بعد أربعة سنوات تتغير رتبه عامر وقتها ليصبح نقيبًا، ويتطلب عمله السفر إلى المعتقل السياسى فى محافظة الوادى الجديد، لكننى وقتها لم أتقبل فكرة بعده عنى وعن ابننا وقررت أن تسبق قدمى قدمه، وكأن القدر يمهلنى وقتا أطول لكى أجلس معه مدة أطول وأشبع منه أكثر، كنت شريكته فى كل بطولاته والمعارك التى خاضها، وبالرغم من أنه كان دائمًا ما يرفض تواجدنا معه حتى لا نكون عرضة للمخاطر، إلا أننى كنت أصر على اللحاق به فى أى مكان يذهب إليه، وبعد حوالى سنة ونصف السنة بمحافظة الوادى الجديد كنت ما بين القاهرة والوادى أسافر معه خاصة فى شهر رمضان، لكى أجهز له كل ما لذ وطاب، لأننى لم أكن أستطيع تذوق طعم الطعام إلا وأنا معه إلى أن انتقلت خدمته للحراسات الخاصة فى مجلس الوزراء الذى مكث فيها حوالى ثمانية أعوام متواصلة، لم أكن أراه وقتها إلا أوقاتًا قليلة بل لحظات معدودة، وكان شهيدى محبوبًا من كل قياداته من وزارة الداخلية، والكل يشهد له بالكفاءة والنزاهة وكنت سعيدة بأننى زوجة هذا الرجل العظيم، ولن يكتفى شهيدى فقط بعمله كضابط شرطة لكنه فى الوقت نفسه كان واحدًا من أهم لاعبى نادى الترسانة لكرة القدم وملقب بالجزار الشرس لأنه كان أفضل خط دفاع ليس له مثيل وكنت أشجعه وقت مبارياته بكل قوتي، وعلى الرغم من أننى أهلاوية صميمة لكن حبى لشهيدى جعلنى أشجعه فى الفريق الذى ينتمى إليه، وكنت بجواره فى كل مباراة يلعبها وبعد الـ8 سنوات خدمة بالحراسات الخاصة تم نقله لمدينة الفيوم التى كانت مكتظة بأخطر عناصر إرهابية، لكنه بطل لا يقهره أى عدو خائن، ومكث فيها حوالى عشر سنوات، ووقتها رزقنا الله بمولودنا الثانى علاء الدين وهو يشبه والده فى كل شيء حتى أنه لاعب كرة قدم مثله بنادى الترسانة الرياضي، وخلال أول سنة فى الفيوم كانت خدمته فى مديرية أمن الفيوم، ثم قضى 7 سنين فى مركز سنورس، وكنت أسافر له أنا والأولاد فى شهر رمضان، وبعدها أقمنا فترات طويلة تخطت السنوات حتى كبر الأولاد، ورفضوا العيش بالفيوم؛ حيث أنهم عاشوا من قبل بالهرم بالجيزة، ورفضوا الإقامة فى الفيوم رغم أننا لم نكن نعيش معه بالاستراحات هناك، بل كان دائمًا يكرمنا ونعيش فى أجمل الأماكن، فقد كنا نقيم بأحد الفنادق الأكثر شهرة بالفيوم، ولمسنا هناك محبة الناس للشهيد عامر ومدى حبه للخير ودعاءهم له، وكنت أشعر بمدى خوفى عليه كلما لاحظت الناس تدعو له دعوات يستجاب لها ملك السموات والأرض، ولاحظت ذات مرة أثناء تواجد زوجى فى عمله كنائب مأمور مركز سنورس بسيدة مسنة طلبت منه طلبًا غريبًا أن تقبله وتطلب منه أنها باعت ما تملك من أرض حتى تسافر إلى الأراضى الحجازية، وكانت تبكى وتقول له يا عامر بيه بقالى سنين أتقدم لقرعة الحج، ولكن لم يحالفنى الحظ، وما تبقى من سنين عمرى قليل، فضحك ضحكة كلها حب وشفافية، وقال لها حاضر يا حاجة أنا بنفسى هكتب الطلب ونعمل اللى علينا، والباقى على الله، وبعد فترة أثناء وجودى عنده بالقسم قبل نزولنا القاهرة لاحظت مشهدًا أبكاني، ولن أنساه فقد كانت نفس السيدة تبكى بكاء شديدًا وهى تتعلق بعنق زوجي، وتقول له عامر بيه اطلب أى حاجة يا ابنى أقدر أقدمهالك أنا الحمد لله فزت بالقرعة، والفضل بعد ربنا ليك يا باشا، نزلت دموعى لهذا المشهد الذى امتزجت فيه زغاريد السيدة من الفرحة بدموع؛ ولم يفعل وقتها عامر أى شيء سوى أنه قبل يديها وقال لها ادعى لى يا أمى هناك، وطلبت أن تقبلنى أنا أيضًا حينما علمت أننى زوجته ودعت لنا.. وبعدها بيومين أتى زوجى إلى منزلنا فى الهرم، وكنا فى شهر رمضان أيضًا، ونزل بعد الإفطار ليسلم على والدته؛ حيث إنه الابن الأكبر لـ6 أخوات هو سابعهم، وكان يحب أسرته بشدة ولا يبخل عليهم بأمواله، حيث ربى وكبر وعلم وزوج أخواته الستة 5 صبيان وبنت، وكان يحبهم أكثر من نفسه، ويحب كل أهلنا بالدقى مسقط رأسه ولا عمره تعالى على مخلوق، وكان محبًا للخير وخدمة كل من يطرق بابه، ثم انتقل مرة أخرى إلى مركز أبشواى بالفيوم لمدة سنة ثم مركز طامية، وكانت وقتها سنة 2011 ثورة 25 يناير؛ حيث تعرض لمحاولة اغتيال فى هذه اللحظات العصيبة التى مرت بها مصر الغالية، وكنت أشعر بمدى خوفى ورعبى من مصير محتوم ينتظرني، حيث إن الفيوم معقل للإخوان والجماعات الإرهابية وفى يوم جمعة الغضب كنت معه بمفردنا بدون أولادنا، كنت أشعر بأننى سوف أفقده فى السنوات القادمة، كان يراودنى كابوس يجول بخاطرى بأننى سوف أكون أرملة السنوات القادمة لا أعلم لماذا ؟!؛ وكيف فكرت بهذا التفكير لأننى كنت ألاحظ زوجات شهداء فقدن أزواجهن، وشعرت أننى من الممكن أن أكون واحدة منهن!!، وفى اليوم نفسه جمعة الغضب كنت بالاستراحة معه بطامية، وتم الهجوم على مركز طامية، وأخذوا كل الأسلحة من جميع أقسام مصر فى كل مكان، لكنه رحمه الله كان يملك سرعة بديهة لا يملكها إلا القلائل غيره، وهرب جميع الأسلحة فى أماكن يثق بها، وطلب من أحد الضباط أن يطلع يأمن نزولى من الاستراحة بسرعة قبل الهجوم على استراحات الضباط، ولكن رفضت النزول للقاهرة وأن أتركه بمفرده، وكنت أبكى وأقول له نحن تعاهدنا على أننا نكون مع بعض ليوم الدين؛ لماذا أخليت بوعدك لى ؟!، لن أتركك، قال لي: اطمنى يا نجلا لن أكون بمفردي؛ فإن الله يحميني، ولن أترك مكاني، وعامر كان معظم وقته يحفظ القرآن الكريم بتلاوة وتجويد؛ لأنه اعتمر أكثر من ثمانٍ عمرات وحج مرة واحدة؛ وبعدها قضى يومًا كاملًا فى طريق كله فى الصحراء التى كانت ملتهبة بالنيران، ثم جاءت اللحظة الحاسمة واختياره لقسم شرطة كرداسة، وكنت أعلم بأنها أكثر من الفيوم التهابًا بأخطر عناصر إرهابية، كان زوجى محبوبًا أيضًا لكل سكان كرداسة، وكانوا يعشقون البطل عامر عبد المقصود، لكن قلبى كان يخفق للحظات ولحظات رعبًا فقد تذكرت وقتها مشهدًا حلمت به قبل سنتين؛ رأيت شهيدًا فى لحظاته الأخيرة من عمره قبل استشهاده، شيء بشع كنت أشاهد أشباح سوداء تقطع بسيوف فى شخص لم تتضح ملامح وجهه، ولكن أسمع صوت شهيدى يستغيث بي، وأيدى لم تطل يده، هذا صوت عامر الذى ينادي، وهو يستغيث بي، وكنت أستيقظ على صراخ، وأفيق مفزوعة يوميًا، لكنه كان يهدئنى ويقول لى لا تخافى عمر الشقى بقي، ومضى فى كرداسة عامين ونصف العام تقريبًا، وجاء يقول لى لازم امشى من كرداسة لأننى على قائمة اغتيالاتهم، وكنت أشعر بحزن شديد، وأقوله قدم استقالتك أنا وأولادك فى أشد الاحتياج لك، وكان يطمئننى يكتب على صفحته بالفيس بوك يوميا وعرفت بعدها أنه قد طلب من ابننا أحمد أن يعمل له هذه الصفحة، ويضع له صوره وهو لاعب كرة، وصوره وهو مع وزراء فى كل البلاد التى تواجد فيها، وكان يستقل الصفوف الأولى لحمايتهم، وكان أيضًا محبوبًا منهم وكانوا يطلبونه بالاسم لنزاهته وجمال لسانه، وأتذكر جيدًا أنه كتب يوم الثلاثاء الموافق 13/8/2013، وهذا يوافق عيد زواجنا الـ 21 لسه مستنى دورى وقال لى زوجك الأيام القادمة هيكون حديث الجماهير، كنت أضحك وأقول له لو مكنش عامر باشا عبد المقصود حديث الجماهير هيكون مين ؟!؛ ولم أشعر بأن ميعاده قد اقترب فقد أصر قبل الحادث أن يشترى لنا شاليهًا بالساحل الشمالي، وفرشه أجمل فرش، وكنت أشعر بأننى عروس من أول وجديد، وعندما أتى يوم 1/6/2013 ذهب بنا إلى الساحل وكنت أسأله لماذا وجودنا من بدرى ؟!، يقول لى: عشان أمان كنت أخاف عليه أكثر من روحي، وكان يأتى لنا كل خميس متأخرًا بعد عمله، ويقضى الجمعة فى حفظ القرآن الكريم، ثم ينزل على عمله بالقاهرة إلى أن جاء يوم 30/6 يوم عزل محمد مرسي، وتم حصار القسم بأكمله من الجماعات الإرهابية، ورمى المولوتوف على القسم، وكان شهيدى يقف أسدًا لا يهاب الموت، ثم ازداد خوفى أكثر وأكثر عليه؛ لأنه كان مهددًا بالقتل وأنا وأولادى أيضًا، ولكنه لم يكن يهاب أى شيء، ثم أتت لحظة لم أتوقعها فقد قررت الاحتفال به فى يوم عيد زواجنا، وانتظرته لكى نحتفل سويا، وإذ بمكالمة يخبرنى بها أن أجهز للخروج خارج المنزل، واستأذن وقتها المأمور بأنه سيترك القسم فى تمام الساعة الحادية عشرة، ليقضى معى أجمل عيد زواج لم أكن أعلم بأنه الأخير فى عمره، وأثناء توجهه إلى المنزل طلبنى قال لى خليكى لابسة هروح أسلم على الحاجة؛ لأنها طلبت أنها تشوفني، وعندما قال لها اليوم عيد زواجنا وأنا ونجلا هنحتفل؛ إلا أنها أصرت وبإلحاح غريب أن يعتذر لي، وقال لى بالحرف هشوفها بسرعة وآجي، ولكنه مكث معها أكثر من ساعتين، ثم قال لها وقتك انتهى سوف أذهب لنجلا عشان هنخرج نحتفل بعيد زواجنا، وكلمنا جاهزة يا نجلا، قولت له من أيام يا باشا مصر، وبينما هو فى الطريق إليّ إذ كلمه المأمور يستغيث به قائلًا عامر لازم تيجى فورًا لدينا تعليمات بالطوارئ، وللمرة الثانية اعتذر لى بكلمات كلها تحمل مشاعر حب وغزل غريبة، وقال لى انتظرينى غدًا سوف أعمل لك مفاجئة من العيار الثقيل تهز كيانك، استغربت من هذه الكلمات الغريبة؛ وكل ثانية بمكالمة للاطمئنان علينا وفى فجر يوم الأربعاء 14/8/2013 طلب منى أن أدعى له فى صلاتي، وكتب كلمات تهز المشاعر يا رب وان نامت أجزائى تحت التراب وكنت ناسيا منسيا هب من يدعو لى دون ملل، ولم يغفل لى عين منذ هذه اللحظة الأخيرة، وتم الهجوم على قسم كرداسة، وأنا أتابع فى التليفزيون لحظات عصيبة، وضرب القسم بالآربى جى، ورفض تسليم القسم، وأصبحوا محاصرين هو وسبع ضباط آخرين، وسبعة أفراد ومجندين، وكان صايم الست أيام البيض، ووصى أخى وليد عليا، وعلى أولادنا أحمد وعلاء وقال له نجلا عمرها ما خرجت للدنيا، وكلم أحمد وعلاء وقال لهم خلوا بالكم من مامي، ومن نفسكم، بكيت بكاءً مريرًا وفى هذه اللحظة شعرت بالكابوس الذى حلمت به منذ عامين، وهو أيضًا كان قد رأى رؤية أنه داخل الجنة، وكل ما يدخل جنة يلاقى جنة أكبر من اللى قبلها، إلى أن وصل لباب الجنة السابع، وفيها شاف ربنا قال له أيرضيك يا عبدي، قال يرضينى يا رب كل الرضا، قال له ربنا تمنى عليا يا عبدي، أما سألته أتمنيت إيه وقتها رد وقال تمنيت الشهادة.. وها قد نالها بكل شرف وعزة ورفعة، استشهد بطلًا من أبطال الشرطة المصرية متمثلًا بجسده الطاهر؛ وهم يسقونه مياه نار، وراح منى حب عمرى بجسده فداء لمصر، وتذكرت حينما كنت أتابعه وقت احتدام الأحداث، وكنت أقول له كيف أطمئن عليه، قالى أنا مش هسيب القسم اللى أنا بحميه يترفع عليه علم القاعدة، خليكى قاعدة أمام شاشة التليفزيون، لو صورتى نزلت أمامك اعرفى أن جوزك نال الشهادة بشرف وأمانة، بكيت وكأنى بودعه الوداع الأخير، ورغم تمهيده بكل هذا الكلام إلا أننى حينما شاهدت ما حدث له صدمتى كانت تفوق قدرة البشر، لدرجة أننى أصبت بجلطة أفقدتنى النطق والحركة، وكنت أتمنى وقتها لو أننى كنت أحضنه، وأقبله وأودعه الوداع الأخير قبل أن يتركنى أرملة أواجه المجتمع أبًا و أمًا لأولادنا أحمد 20 سنة كان بالصف الثانى كلية بيزنس، وعلاء 14 سنة شباب فى عمر الزهور، وكانت المسئولية صعبة جدًا، فجأة وجدت نفسى من ربة منزل إلى عاملة لكى أوفى احتياجات أبنائي، حيث التحاقى بالعمل فى وزارة الداخلية، وكنت حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال، لكن حزنى قتلنى على حب عمري، ولم يستطع عقلى الباطن أن يصدق فراق حبيبى الذى تربيت على يديه، وكنت أموت يوميًا، وتعاهدت ألا أدخل غرفة نومنا، وأن جسمى لن يلمس سريرنا بعد فراق الحبيب، ومنذ 12 سنة وقت فراقنا جسدًا أنام فى ريسبشن منزلى الحزين على فراق صاحبه، وأصيبت 4 غضاريف، وكنت لفترات طويلة أستسلم لحالات الحزن حتى قررت أنتفض من هذه الحالة من أجل أولادي، وكان لازم أخرج من حالتى بالعلم، ودرست فى كلية الإعلام، وتفوقت دراسيًا وسبقت دفعتي، وجعلوا لى مادة أتخرج فيها مع زملائي، ولم أكتفى بهذا التفوق، مُنحت منحة من الأكاديمية البحرية لدراسة الماجستير ثم الدكتوراه، وخرجت من حالتى النفسية، كما حصلت على منحة من عند الله فهو نادانى لكى يستريح قلبي، واحصل على حج وعمرة من قبل وزارة الداخلية، ثم منحة من الملك سلمان بالحج فى عام 2017، حيث إننى فقدت أبى بعد زوجى بأربع سنوات، وكُسر ضهرى مرة أخري، وحزنت حزنًا أكثر من حزني، لكن عزائى الوحيد فى الدنيا وجود أولادى الذين كافحت من أجلهم، لكى تكتمل مسيرة البطل، وتخرج احمد فى جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بتقدير جيد جدًا، وأصبح من أنجح رجال الأعمال، ثم كبر علاء وأصبح لاعب كرة قدم مثل أبيه ودرس بيزنس، ولكنه كان حزينًا لأنه لم يلتحق بأكاديمية الشرطة، وكنت أخفف عنه، وأقول له رب الخير لا يأتى إلا بالخير، وتخرج علاء ثم التحق بكلية الضباط المتخصصين بأكاديمية الشرطة، لكن ربنا كريم وأصبح علاء من أنبل ضباط الشرطة برتبة ملازم أول متخصص، ليكون خلفًا لوالده صلبًا وعملًا، وأنا مكملة مسيرة أولادي، ومنذ شهرين تم زفاف أحمد، وكانت الفرحة الأولى التى دخلت قلبى بعد كم سنوات الحزن الماضية، ولكن ما افتقدناه أثناء الفرح هو وجود الأب، عندما دخلت الفيلا المقام فيها الفرح وجدتهم يبروزون صورة للشهيد، وكأنه حاضر معنا، ولكن هناك مشهدًا آخر هزنى عندما جاء وقت عقد القران ابنى بكى لفراق أبيه وهو يحتضن أخاه ثم يحتضننى ونبكى سويا على فراق أغلى الناس.. هذه قصة بطلى الذى هو واحد من أبطال الشرطة المصرية، جزء من وزارة الداخلية العريقة، وأخيرا.. كل التحية للرئيس عبد الفتاح السيسى الداعم الدائم لأسر أبطال الشرطة المصرية والقوات المسلحة.. وللأب الوزير الذى يحتوى كل أسر الشهداء وأبنائهم وأختتم حديثى بكلمة حب ممتزجة بحنين وحب ومشاعر لشهيدى الغالى ابن وزارة الداخلية عامر عبد المقصود، وأقول له وحشتنى ووحشنى كلامك ولمتنا الحلوة، وانتظارى لقائك بعد ما أطمأن على علاء.. سلام يا أغلى ناسي، يا شهيدى وأنا على العهد يا حبيب العمر".

كرمها الرئيس السيسى فى يوم الشهيد واحتفلت بها الكاتدرائية كأم مثالية فى عيد الأم
إن الله يختار جنوده على الأرض ليؤدوا رسالة معينه ثم يصطفيهم، وهؤلاء الجنود لا يكون عليهم أية ملاحظات فقط تشعر معهم كأنهم ملائكة وليسوا بشرا مثلنا، كما أنهم يعلمون جيدًا بأنهم شهداء، متى سيرحلون.. هكذا قالت "أحلام محمد أحمد علي" والدة شهيد الشرطة النقيب "محمود أحمد أبو العز" ضابط قسم مصر القديمة الذى استشهد أثناء مطاردته لإحدى العصابات الإجرامية حينما كانوا يهددون حارس مركز ثابت بالقتل بدافع سرقة أجهزة الكمبيوتر واللاب توب، ودخل محمود المركز بعدما سمع استغاثة الحارس، وذلك بالصدفة أثناء عبوره بالقرب من المركز فى عودته من تأمين أحد البنوك التى أبلغت القسم عن وجود سطو مسلح يحاول اختراق البنك، ووقتها ذهب وواجههم بمفرده بكل شجاعة وبطولة فى 5 مارس 2013 –
وكان ذلك أثناء الفوضى والاضطرابات التى كانت موجودة فى ذلك الوقت.. وحينما دخل مركز ثابت ليتحقق من الأمر كان بصحبته أمين شرطة يقود سيارة القسم، وبالتعامل مع المجرمين للتحقق من هويتهم وإنقاذ حارس المركز من موت محقق، واكتشف سرقتهم لعربيات أدوية من إحدى شركات الأدوية لكى يضعوا داخلها المسروقات، وحينما كان يتحقق من البطاقات والرخص ضربوا النار من أسلحتهم فى اتجاه أمين الشرطة، فتصدى لهم محمود، وتقدم على أمين الشرطة فأصابته الطلقات؛ واستشهد فى الحال.. وأضافت أم البطل إلى كلامها وفتحت قلبها لمجلة الإذاعة والتليفزيون وتذكرت طفولة شهيدها بداية من ميلاده فى 4 سبتمبر عام 1990، وأنه كان طفلًا مثاليًا ذا طباع هادئة، وكان متفوقًا دراسيًا، توفى والده وهو فى عمر الـ 8 سنوات، وكان أصغر أشقائه الثلاثة، وهو رابعهم تدرج بالمراحل التعليمية حتى التحق بكلية الشرطة رغبة منه لحبه الشديد لهذا المجال، خاصة أن والده كان ضابطًا بالقوات المسلحة، وأحد الأبطال الذين شاركوا فى حرب أكتوبر 1973 وأصيب خلالها، وحينما كان يتلقى العلاج كان حزينًا حزناً شديدًا أنه لم يكن من شهداء الحرب، وأنه عاد مصابًا لأنه كان يتمنى الشهادة مثل باقى زملائه الذين استشهدوا فى الحرب، كان محمود وقتها فى بداية السنة الدراسية للصف الأول الابتدائى حينما توفى والده..
أثناء عمله بالقسم لم يتذكر أحد أنه قد قام بعمل محضر لأحد، بل كان يبحث وراء المشكلة ويصلحها ويعمل على حلها، والذى عرفته بعد استشهاده أنه كان ينصح الكثير من الشباب العاطلين أو المتعاطين للمواد المخدرة بأنواعها، وكان يخصص أجرًا شهريًا لبعض المحتاجين بدائرة القسم، ولأنه كان طيبًا وحنونا جدًا كان يعطف على الكثيرين من حوله، ويساعدهم بأى شيء سواء خدمة أو أموال، وكان يطلب منى أن أقوم بعمل أكل ليأخذه معه للقسم للمساجين الاحتياطى المتواجدين داخل القسم عنده، وحينما أقول له دول مذنبين يقول وجودهم داخل القسم لا يحق لنا أن نحكم عليهم، فالحكم يكون للقضاء، أما وضعهم فى الحبس الاحتياطى لا يدينهم أبدًا فمن الممكن أن يكونوا مجرمين، ومن الممكن أيضًا أن يتم الإفراج عنهم ويخلى سبيلهم، فكان يحضر لهم الطعام ويكرمهم حتى لا يتحمل ذنبهم، وكان حينما يسير فى الشارع ويرى أى سيدة كبيرة فى السن تقف فى الشباك أو بلكونة ينادى لها بماما، ويسألها إذا كانت تحتاج أى شيء يقوم بشرائه لها، أيضًا أتذكر وقت أزمة الأنابيب كان ينتظر فى الصف الذى ينتظر حصوله على أنبوبة، وحينما يلمح رجلًا مسنًا أو سيدة مسنة يسرع لمساعدتهم، يكفى أنهم يعرفونه فى وزارة الداخلية بالضابط المؤدب، لم يكن شتامًا ولا لعانًا على الإطلاق، ولم يسب أحدًا طيلة حياته، ولذلك رغم مرور 12 سنة على استشهاده إلا أن سيرته العطرة ستظل تلاحقه، وسيظل اسمه مرتبطًا بجميع التكريمات التى حصلت عليها، وما زلت أحصل عليها، فقد تم تكريمى من الرئيس عبد الفتاح السيسى ضمن أمهات شهداء الشرطة فى عام 2017، كما تم تكريمى مرتين كأم مثالية من الكاتدرائية بالعباسية، وكذلك المركز الكاثوليكى فى يوم العطاء الخامس، وأكبر باقة ورد فى عزاء محمود كان بابا الكنائس وقام بعمل عزاء خاص لمحمود فى جامع عمرو بن العاص، وكان أول من حضر العزاء، وآخر من رحل منه لأن محمود كان محبوبًا والجميع يشهد بأخلاقه وأدبه وحب مساعدة الغير، وضميره فى عمله، وهذا ليس بغريب عنا كأسرة محبة للبلد، ونعمل بضمير وجد وإخلاص، ولا نتهاون فى أى شيء، ولا نقصر فى شيء بفضل الله، فمثلًا أنا عن نفسى كنت مديرة مدرسة ثانوى تجريبي، وراعيت ضميرى وحصلت على وسام المدرسة المثالية والرائدة المثالية وكانت المدرسة مشهودًا لها بالكفاءة، وبالتالى حينما شاهد الوزير ما أقوم به فى هذه المدرسة تم انتدابى لمدرسة زين العابدين بنات، وكانت هذه المدرسة مهملة تمامًا ارتقيت بها، وصعدت بها للعشرة الأوائل؛ ولأن جميع أبنائى نفس الأخلاق والصفات، فشقيقه الأكبر "محمد أبو العز" رئيس مباحث سرقة السيارات بمديرية أمن الجيزة استطاع خلال شهر واحد فقط إعادة 58 سيارة مسروقة، وتمكن من القبض على 15 من التشكيل العصابى المتخصص فى سرقة السيارات، وشقيقه الأوسط "مصطفى أبو العز" الذى تخرج أيضًا من كلية الشرطة بتفوق، وعمل بها أستاذًا مساعدًا بالكلية لفترات، وهو يعمل حاليًا بقسم المشروعات بكل ضمير، ومشهودًا له بالكفاءة.. يوم الاستشهاد لم نشعر بمفاجأة، وكأن الله أخبر محمود بموعد اللقاء، فقد كان فى هذا اليوم يقوم بعمل كل شيء يدل على أنه راحل؛ فقد أخبر بعض أصدقائه من الجيران قبل ثلاث ساعات من الحادث بأنه سوف يُستشهد، وسوف يُطلق على الشارع اسمه تخليدًا لذكراه، وتكريمًا له، كما أنه فى اليوم نفسه أرسل أحد المجندين من القسم لإحضار أحد الأشخاص من منطقة عين الصيرة، قد سبق أن حقق معه فى أحد المواقف حينما أصلح بين هذا الشخص وغريمه أثناء شجار دار بينهما، وقد جاء به بهذا الشكل ليعتذر له، ويطلب منه أن يسامحه لأنه سبق أن تحامل عليه بعض الشيء ليتم الصلح بين الطرفين، ومن وقتها وهو يشعر تجاهه بالذنب، لذا أرسل إليه يطلب منه العفو والسماح .. هذه هى أخلاق الشهداء الذين يصطفيهم الله ليظلوا أحياءً عنده، ويرحلون فقط بأجسادهم، وتظل أرواحهم حولنا فى كل مكان؛ وتظل سيرتهم أطول من أعمارهم.
أخبار ذات صلة
المزيد من سياسة
الدكتور بد عبد العاطي: مصر وغزة.. حين يُستهدف من يقف مع الحق
في مقال له بجريدة الأهرام فند الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية وشؤون المصريين بالخارج أهداف الحملة الممنهجة على سفارات...
من التنظيم الدولى إلى ترامب: كان غيـرك أشطـر!
الجماعة تحولت إلى قوة وظيفية تستخدمها واشنطن فى صراعاتها بأفغانستان وباكستان ودول الخليج لتطويع المجتمعات تجاه السياسات الأمريكية إبراهيم منير...
رفض عربى وإسلامى لتصريحات نتنياهو حول «إسرائيل الكبرى»
الجامعة العربية: التصريحات تهديد خطير للأمن القومى العربى الجماعى وتحدٍّ سافر للقانون الدولى
«إسرائيل الكبرى».. سلاح حكومة الحرب لتخدير اليهود وتخويفهم
الدكتور أيمن الرقب: تعداد اليهود لا يسمح بالتوسع الجغرافى والموضوع مجرد فكرة سياسية الدكتور سعيد عكاشة: مجرد تصريحات استفزاية لصرف...