«الاستمطار الصناعي».. سلاح جديد لمكافحة أزمات المناخ وتعزيز التنمية

تقرير لمركز دعم واتخاذ القرار..

يقال إن القائد نابليون بونابرت أراد استدرار الأمطار فى غير أوانها، فراح يطلق قذائف مدافعه فى السماء أملاً فى ملء السحب بالغيوم حتى تمطر.. لكن التجربة لم تنجح..

وأياً كان نصيب هذه الرواية التاريخية من الدقة، فقد تعاقبت المحاولات العلمية على مدى قرنين من الزمان حتى تم تتويجها قبل عقود بما يسمى بـ الاستمطار الصناعي.

وبمثل هذه التجارب العلمية، يسعى العالم جاهداً للقضاء على شبح الجفاف والفقر باستزراع الصحارى الشاسعة بمياه الأمطار الصناعية.. وفى هذا الإطار صدر تقرير أخير عن مركز دعم واتخاذ القرار يحاول أن يسلط الضوء على مزايا الاستمطار الصناعي..

يشير التقرير فى بدايته إلى أن العالم يشهد فى الوقت الراهن العديد من الأزمات الناجمة عن التغير المناخي، والتى تسببت فى حدوث الفيضانات فى العديد من دول العالم، فيما تعانى دول أخرى من الجفاف ، إلى جانب الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة، لذا تحاول دول العالم جاهدة التغلب على الآثار السلبية الناتجة عن التغير المناخي.

وفى هذا الإطار، لجأت دول عديدة إلى استخدام تقنيات حديثة كمحاولة لاستدرار السحب بغرض هطول الأمطار وتعويض نقص المياه، وهو ما يسهم فى تحقيق الأمن المائى والغذائي، وبالتالى التنمية المستدامة، ومن هذه التقنيات: الاستمطار الصناعي. 

وهو عبارة عن "عملية تغيير متعمدة فى أحوال الطقس بغرض زيادة كثافة السحب، وبالتالى زيادة إدرار السحب للمياه، من خلال زرعها بمحفزات لسقوط الأمطار باستخدام مواد كيميائية متعددة، منها: الثلج الجاف، وثانى أكسيد الكربون الصلب، ويوديد الفضة، ويوديد البوتاسيوم، والبروبان السائل، وكلوريد الصوديوم، وهو ما يجعل بلورات الثلج الموجودة بالسحب تتجمد، ثم تتساقط بفعل ثقلها نحو الأرض".

وبدأت فكرة الاستمطار بعد قيام نابليون بونابرت -القائد الفرنسي- بإطلاق قذائف نحو السحب لسقوط الأمطار. وعلى الرغم من أن هذه المحاولة باءت بالفشل فإنها كانت البداية، وقد تبعها العديد من المحاولات الأخرى، ففى عام 1891، قام "لويس جاثمان" بإطلاق غاز ثانى أكسيد الكربون السائل فى السحب المطيرة، مما أدى إلى هطول الأمطار. وقد تابعه الدكتور "فينسنت جيه شايفر" فى عام 1946، والذى بدأ التجارب العملية فى تقنية البذر السحابى (الاستمطار الصناعي). وفى عام 1963، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الاستمطار الصناعى فى أثناء حربها بفيتنام، وذلك بهدف إطالة فترة الأمطار حتى تعوق المقاتلين الفيتناميين فى أثناء الحرب.

وخلال الفترة من 1983 إلى 1994، عانت الهند من الجفاف الشديد، فلجأت إلى الاستمطار الصناعي، وذلك بالتعاون مع المؤسسة الجوية الأمريكية، ومنذ ذلك الحين والهند مستمرة فى تنفيذ العمليات الخاصة بالاستمطار الصناعي.

ووفقاً للتقرير، فقد لجأ الجيش السوفيتى عام 1986، إلى استخدام الاستمطار الصناعى بعد كارثة مفاعل تشيرنوبل لمنع وصول الجسيمات المشعة، والتى قد تكون عالقة بالسحب إلى موسكو.

 وخلال الفترة من 1999 إلى 2006، أجرت إدارة الأرصاد الجوية الصينية تجارب على البذر السحابي، وتمكنت الصين من خلق 250 مليار طن من الأمطار.

وهناك العديد من الاستخدامات للاستمطار الصناعى منها: زيادة هطول الأمطار، وخاصة فى المناطق التى تشهد جفافاً، وتبريد الهواء. واللحد من العواصف والأعاصير الناتجة عن الهطول المبكر للأمطار. وتخفيض حرارة الشمس من خلال زيادة كتلة السحب.

وبحسب التقرير، يحقق الاستمطار الصناعى العديد من المزايا الاقتصادية كتحقيق الأمن الغذائى واستدامته، حيث يُسهم الاستمطار الصناعى فى مساعدة بعض الدول على زراعة أراضٍ كانت تعانى من ندرة المياه أو الجفاف الشديد. وتحسين الأوضاع الاقتصادية، من خلال الحد من التصحر، وزيادة المساحات الخضراء، وتأمين مصادر مياه جديدة، حيث يساعد الاستمطار الصناعى على زيادة مخزون المياه الذى يستخدم فى العديد من الأغراض مثل: الزراعة، وملء السدود، وزيادة مخزون المياه الجوفية، يضاف إلى ذلك الحد من تأثير التغيرات المناخية، حيث يساعد الاستمطار الصناعى فى الحد من حدوث الأعاصير، وتحسين الأحوال الجوية، وزيادة عملية البناء الضوئي.

فى المقابل ينتج عن التدخل البشرى العديد من الآثار السلبية المقابلة للآثار الإيجابية، نذكر منها: النزاعات السياسية، فقد لا تصل مياه الأمطار إلى الدول البعيدة عن المناطق الساحلية، وذلك فى حالة إجراء عمليات الاستمطار بالقرب من المناطق الساحلية، وهو ما قد يسبب صراعات بين الدول. وإلحاق الضرر بالبيئة خاصة صحة النباتات والحيوانات، وذلك فى حالة استخدام المواد الكيماوية لاستمطار السحب، وتقليل تركيز بخار الماء فى الغلاف الجوى فوق الأرض، وبالتالى انتقاله من المحيطات إلى الأراضى الصحراوية، وهو ما يزيد من تبخر مياه المحيطات. إضافة إلى ارتفاع تكلفة الاستمطار الصناعي، وعدم توافر القدرة الاقتصادية لدى الدول النامية لإجرائه، حيث تبلغ تكلفة تلقيح نحو 24 سحابة متوسطة الحجم نحو 5 آلاف دولار.

هناك دول عديدة تستخدم عمليات الاستمطار الصناعي، ويأتى فى مقدمتها كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية والهند وكندا، وبعض دول أمريكا اللاتينية، وعدد من دول الشرق الأوسط، وإندونيسيا، وروسيا، وبعض دول الاتحاد الأوروبي.

وتعد الصين من الدول الرائدة، حيث تمتلك أكبر برنامج لاستمطار السحب، والجدير بالذكر أن الصين قامت فى يونيو 2021 باستخدام الاستمطار الصناعى بغرض تصفية المناخ من الغيوم؛ وذلك من أجل الاحتفال بمئوية تأسيس الحزب الشيوعى بها.

كما تعد الولايات المتحدة الأمريكية والهند من ضمن الدول الرائدة فى استخدام تقنية الاستمطار الصناعي؛ حيث تستخدمان أدوات غاية فى التطور، وذلك بغرض مواجهة الجفاف.

اتجهت عدة دول عربية إلى استخدام تكنولوجيا الاستمطار الصناعي، وذلك كمحاولة للتغلب على نقص هطول الأمطار ومعالجة الجفاف، وتُعد كل من الإمارات والسعودية وعمان والأردن من الدول العربية الرائدة فى هذا المجال.

Katen Doe

هبة السيد

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

المزيد من اقتصاد

استئجار سيارة مقابل التاكسي والمواصلات العامة: ما الخيار الأفضل؟

عند زيارة دبي أو الإقامة فيها، غالبًا ما يتساءل الأفراد، سواء الزوار أو المقيمون، عن خيار التنقّل الأفضل في الإمارة:...

تفاصيل استكمال صرف الدفعة الأولى من الـ 50 % المقررة للمصدّرين

أكد أحمد كجوك وزير المالية، أنه تم استكمال صرف الدفعة الأولى من الـ 50 ٪ المحددة نقدًا بالآلية الجديدة المقررة...

تطورات مهمة نحو التحول الرقمى الشامل

شهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى مصر خلال الفترة الأخيرة مجموعة من التطورات المهمة التى تعكس توجه الدولة نحو التحول...

آثار خفض الفائدة الأمريكية على الاقتصاد المصرى

مصطفى بدرة: فرصة إيجابية لتعزيز قيمة الجنيه مقابل الدولار هانى برزي: القراريجعل الجنيه أكثر جاذبية للادخار ويحفز القطاعات الصناعية المرتبطة...


تحقيقات وحوارات

بعد 52 عاما على نصر أكتوبر.. أبطال من ذهب يرون بطولات لاتنسى من قلب المعركة
  • الثلاثاء، 14 اكتوبر 2025 04:41 م