لطيفة الزيات..ناقدة تقدمية وروائية كرمهـاعبدالناصر واعتقلها السادات

هى دكتورة "لطيفة الزيات" شقيقة "محمد عبد السلام الزيات" صهر "دكتور طه حسين" والرجل المقرب من الرئيس "عبد الناصر"، وقصة تفوقها العلمى والدراسى بدأت فى "دمياط"،

 فهى من عائلة كانت تحترف التجارة بين مصر ودمشق فى زمن مضى، وكان والدها موظفا فى الشئون البلدية والقروية "الإدارة المحلية"، فكانت تتنقل معه من مدينة إلى أخرى، وكان خيالها الإبداعى ينمو، وعقلها يكبر وإدراكها لهموم الناس يدفعها فى اتجاه البحث عن أسباب الفقر والجوع، وأسباب التفاوت بين شرائح المجتمع، فقد كانت الحقبة التى تشكل وعيها خلالها، حقبة "باشوات" و"فلاحون"، وكانت شريحة الموظفين تعيش عيشة قاسية، وكانت الحرب العالمية الثانية قد جعلت الشعوب تقاسى الآلام وتعرف قسوة الموت والحرمان، وتصاعدت الدعوات المطالبة بإعادة تقسيم الثروة وإنصاف الطبقات المحرومة، وكانت "لطيفة" طالبة جامعية نشيطة واختارها الطلبة والطالبات لتكون "سكرتيرة اللجنة الوطنية للطلبة والعمال" فى العام 1946.

المثقفون يعرفون "لطيفة الزيات" الناقدة، والروائية، والمناضلة السياسية، لكن قلة قليلة تعرف قصة كفاحها، فهى مناضلة، انطلقت فى سنوات الزخم الثورى التى عاشها الشعب المصرى وكل شعوب العالم عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وروايتها "الباب المفتوح" هى المفتاح لفهم شخصيتها وأفكارها، وهى نفسها قالت عنها فى لقاء تليفزيونى أجرته معها "سهام صبرى" ضمن برنامج "شموع" إنها رواية تشرح ما حدث فى المجتمع المصرى خلال عشر سنوات تبدأ من العام "1946" وتنتهى فى العام "1956"، وهذه السنوات العشر، كانت "ليلى" بطلة الرواية تخوض خلالها معركة "الذات" ومعركة "الوطن"، ولو تأملنا هذه السنوات سنجد أنها شهدت أحداثا كبرى، انعكست على طبقات المجتمع المصرى، والطبقة المتوسطة بالطبع، ففى العام "1946" تصاعدت الموجة الثورية المطالبة بخروج الاحتلال الإنجليزى من مصر، وكان الشارع على "يسار" الحزب الشعبى المعروف "حزب الوفد"، فكانت "النقابات" و"اتحادات الطلبة" هى التى تقود الموجة الثورية، بل إن هذه الموجة خلقت صيغة جديدة داخل حزب الوفد نفسه، فظهر فيه تيار تقدمى، يطالب بالتصدى الجذرى الحاسم للاحتلال والقصر الملكى، والانحياز للطبقات الشعبية، وتقدم الطلبة فى جامعة فؤاد الأول والمدارس العليا والأزهر لقيادة الشارع الغاضب، وتم عقد تحالف مع "الطبقة العاملة" وتشكلت "الفطنة الوطنية للطلبة والعمال"، وكانت هذه اللجنة تتصدى لعنف "إسماعيل صدقى" رئيس الوزراء المعادى للدستور والديمقراطية، وحاول القصر والإنجليز والإقطاع إفساد هذه اللجنة، فخلق لجنة أخرى تسمى "اللجنة القومية"، وحاولت جماعة "الإخوان" اختراق النقابات العمالية وتطويعها لصالح أصحاب المصانع والشركات ومنع الإضرابات بدعوى أنها "حرام"، ولكن الطبقة العاملة المصرية كانت متأثرة بالطبقات العاملة الأوروبية وأجواء الحرب العالمية الثانية، فلم تنجح محاولات الإخوان، وتصاعدت الموجة الثورية حتى أجبرت الاحتلال البريطانى على إخلاء المدن المصرية من القوات والتمركز فى منطقة "قاعدة قناة السويس"، وفى العام 1947 صدر قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وهذا القرار زاد من الحس القومى العروبى لدى المصريين، وكانت الجامعة العربية قد ظهرت على الساحة السياسية منذ العام 1945، وكانت حرب فلسطين فى 1948، القشة التى قصمت ظهر "النظام الملكى" فى مصر، فالملك كان غارقا فى أزمات عائلية "صراعه مع أمه وأخته فتحية بعد زواجها من رياض غالى الموظف الصغير بالخارجية، وهو قبطى صعيدى من أسيوط"، وأزمات اقتصادية طاحنة، وغضب جماهيرى متزايد بسبب الاحتلال والفقر والقمع، وهزمت الجيوش العربية فى حرب فلسطين، وقرر الضباط الأحرار التخلص من الملكية ومواجهة الاحتلال، وبالفعل، جاء العام 1951 ليغير المعادلة السياسية، ويجبر "الوفد" على إلغاء معاهدة 1936، وتحولت حرب التحرير الشعبية إلى حقيقة، وساهم الطلبة والعمال وضباط الجيش فى هذه الحرب "حرب الفدائيين" فى مدن قناة السويس، وفى "25 يناير 1952" وقعت مذبحة "مديرية أمن الإسماعيلية" التى راح ضحيتها عشرات من جنود "البلوكامين"ـ الأمن المركزى حاليا ـ وفى اليوم التالى "26يناير" تفجرت المظاهرات الغاضبة احتجاجا على المذبحة، ووقع حريق القاهرة، وفى 23 يوليو 1952، وقع انقلاب "الضباط الأحرار" وانتهت حقبة الملكية، ونعود إلى رواية "الباب المفتوح" لنجد هذه الأحداث الكبرى، وانعكاسها على أسرة "ليلى" ابنة الموظف، فيسافر شقيقها للمشاركة فى "حرب الفدائيين"، وتتعرف إلى صديق له مناضل، وتحبه ويحبها، ونرى فى فصول الرواية نظرة "الطبقة المتوسطة" للذكورة والأنوثة، والنفاق الاجتماعى، واعتبار الزواج وسيلة للصعود الطبقى، ونرى الأستاذ الجامعى الذى يدرس الفلسفة فى كلية الآداب، ويحمل نظرة رجعية، إقطاعية للزواج ويعتبر المرأة متاعا يملكه الرجل ويحق له التمتع بها دون مراعاة شخصيتها واستقلالها وحقوقها الإنسانية، ولعل ـ القارىءـ يتساءل عن النشأة الأولى للكاتبة والناقدة "لطيفة الزيات"، وهى أجابت عنها بقولها فى حديثها التليفزيونى مع "سهام صبرى" إن رواية "عودة الروح" للكاتب "توفيق الحكيم" كانت اللبنة الأولى فى شخصيتها الإبداعية، لأن تلك الرواية كانت تروى حياة المصريين فى زمن ثورة 1919، وكانت تمثل نقلة نوعية فى وعى المبدعين العرب، فالحوار فيها مكتوب بالعامية، والشرائح المكتوب عنها هى شرائح الطبقة المتوسطة والفلاحين، وكان هذا الأمر مدهشا للتقليديين من المهتمين بالكتابة والنقد، وكانت دراسة "لطيفة الزيات" للأدب الإنجليزى، ومواصلتها الدراسات العليا وحصولها على الماجستير ثم الدكتوراه، ثم التحامها بالقضايا الجماهيرية ومشاركتها بالكتابة فى الصحف الشعبية "مجلة حواء وغيرها" والصحف المتوجهة للنخبة "مجلة الكاتب وغيرها"، فرصة طيبة ليستفيد المجتمع من قدراتها النقدية والنضالية والإبداعية، فهى ابتداء من العام 1952 انضمت لهيئة التدريس بكلية البنات، جامعة عين شمس، وفى الوقت ذاته كانت مساهمة فى العمل الوطنى، بالرأى والمشاركة السياسية والحركية، وكانت تجتهد فى تقديم رؤى نقدية، ولها دراسات مهمة تناولت فيها روايات "نجيب محفوظ"، وهى ترى أن النقد لا يكون نقدا إلا إذا استطاع الوصول للمجتمع كله، وظهرت آثاره على عقول المواطنين وأذواقهم، أما النقد النخبوى الأكاديمى الذى يتعالى على الجماهير والمبدعين، فهو نوع من "الرطانة" و"الشقشقة" و"السفسطة" التى لا طائل من ورائها، و"دكتورة لطيفة الزيات" كانت سباقة فى الاقتراب من روايات "نجيب محفوظ" فى ظل عداوة من جانب النقاد المحافظين، الذين اعتبروا روايات "اللص والكلاب والطريق والشحاذ" روايات ضعيفة، لكنها انتصرت لهذا التوجه الإبداعى، ودافعت عن هذه الروايات، لأنها كانت على معرفة بالمدارس النقدية الغربية، ولها تجارب إبداعية "رواية الباب المفتوح وبعض القصص القصيرة"، أى أنها امتلكت الرؤية العلمية والمعرفة الخاصة بالعملية الإبداعية، وهذا جعل كتابها النقدى "نجيب محفوظ.. الصورة والمثال" من أهم الكتب التى تعرضت بالدرس والنقد لروايات الروائى الكبير، والانحياز للطبقات الشعبية والمنتجة للثروة هو المحرك الأول فى حياة ومسيرة "لطيفة الزيات "، فهى "سكرتيرة اللجنة الوطنية للطلبة والعمال"، وهى ابنة "دمياط" حيث يعيش "الصنايعية" والحرفيون، وهذا جعل أولى قصصها القصيرة المنشورة على صفحات مجلة "الهلال"، تروى تفاصيل حياة طفل يعمل فى "ورشة أحذية"، وهذه الصناعة كان العاملون بها يصابون بأمراض خطيرة منها "السل"، وجعل روايتها "الباب المفتوح" ترصد "خادمات المنازل" وتحويلهن لأدوات لإشباع "شباب الطبقة المتوسطة" مقابل توفير فرص عمل لهن، وهن الفقيرات القادمات من الأحياء الفقيرة والقرى للعمل فى هذه المنازل لضمان "ثمن اللقمة" لعائلاتهن المعدمة، وهذا الفقر جعلهن يقبلن القسوة وهتك الأعراض حفاظا على الجنيهات القليلة اللاتى يتقاضينها من العائلات اللاتى يعملن فى خدمتها.

ورغم أن "لطيفة الزيات" كانت مشاركة فى النضال الوطنى والكتابة فى الصحف والكتابة الأدبية والنقدية، استطاعت الترقى الأكاديمى، حتى بلغت درجة "أستاذ الأدب الإنجليزى" بكلية البنات، جامعة عين شمس، وكتبت الروايات والمجموعات القصصية، وتولت المناصب الأكاديمية، فى أكاديمية الفنون وجامعة عين شمس، وكانت تشارك فى البرامج المتخصصة فى النقد من خلال إذاعة البرنامج الثانى "البرنامج الثقافى حاليا" بالإذاعة المصرية، ورغم أن جائزة الدولة التشجيعية حجبت عن روايتها "الباب المفتوح" بسبب "الحوار المكتوب باللهجة العامية"، إلا أنها حازت جائزة الدولة التقديرية، وكانت طوال عهد الرئيس عبد الناصر، تحظى بالتقدير والتكريم، وتسهم فى كل الأنشطة الثقافية والسياسية، وفى عهد الرئيس "السادات" توترت علاقتها مع النظام السياسى وجناحه الثقافى، ووقع الطلاق بينها وبين زوجها "الساداتى الهوى" دكتور "رشاد رشدى"، ولما قام السادات بتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" أعلنت رفضها لها، واختارها المثقفون الرافض ون توقيع الاتفاقية لتكون رئيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، وفى نهاية حكمه اعتقلها "السادات" مع العشرات من المثقفين الذين رفضوا توقيع اتفاقية الصلح مع إسرائيل، وخرجت من المعتقل وواصلت عطاءها حتى فاضت روحها فى "11 سبتمبر 1996" عن عمر ناهز الثالثة والسبعين، وبقيت ذكراها طيبة ومنجزاتها الإبداعية والنقدية تتعلم منها الأجيال وتتمتع بها.

Katen Doe

خالد إسماعيل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave
حسين
سهير

المزيد من ثقافة

wave
قصة مصورة - «غطا » واتقسم نصين

غام الطريق، واشتد الصقيع، وشعر السائق أنه بحاجة لالتماس قدرٍ من الدفء بالتوقف عن الحركة التى توقظ صقيع رياح الشتاء

طقوس المثقفين والكتب التى يفضلون قراءتها فى رمضان

يأتى شهر رمضان حاملا معه الفرحة للجميع، صغارا وكبارا، ولكل منا ذكرياته المرتبطة بهذا الشهر، إلى جانب بعض طقوسه الخاصة،

خديجة بنت خويلد .. أول من آمن بالـرسالة وصلى مع النبى الأعظم

السيدة خديجة بنت خويلد، أولى زوجات النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأول امرأة تصلى خلفه، وتدعمه فى اليوم الأول...

خناقات الستات.. حكايات وطــرائف وغرائب ومفاجآت

فى نهايات الستينيات، كتب رجاء النقاش رئيس تحرير مجلة "الكواكب" مقالا ينتقد فيه المطربة الكبيرة فايزة أحمد، ويعتب عليها لرفضها