دون شك لا تخلو بداية المسرحى الشاب القادم من ميناء دمياط يسرى الجندى بالمسرح الملحمى من دلالة والذى أخذ منحى مسرحياً
وأيديولوجياً فى آن واحد، هذا الاتجاه الذى حاول تغيير وظيفة المسرح فى المجتمع ووصفه معاصروه بأنه حصيلة توجهات مسرحية منها المسرح الشعبى والسياسى والتحريضى، وسوف ينحاز هذا الكاتب فيما بعد للمسرح الشعبى وبقوة، وأيضاً سوف يجد فى هذه التيارات انعكاساً لرؤيته السياسية والاجتماعية، والذى حاول من خلالها طرح قضايا إنسان العصر الحديث، وأسئلة الواقع العربى.
كان من الطبيعى أن ينحاز يسري الجندى إلى الألمانى برتولد بريخت الذى أراد للمتفرج موقفاً آخر من العرض المسرحى هو النقد وليس الرفض والقبول من خلال استرجاع الوظيفة التعليمية للمسرح وعناصر التغريب، وإذا كان يسرى الجندى قد لجأ إلى المسرح الملحمى فى محاولة لطرح جدلية العلاقة بين الفرد والمجتمع، أى ما بين الإنسان والعالم من خلال توضيع الحدث فى سياق تاريخى، فقد حاول أيضاً تأصيل شكل مسرحى عربى، مستفيداً من التيارات المعاصرة ومستلهماً التراث الشعبى ليؤسس لنفسه نموذجاً مسرحياً، أقرب إلى المسرحية الشعبية، فقد كتب يسرى الجندى مسرحاً نابعاً من وجدان الشعب، مادته من التراث الشعبى وتاريخ الجماعة الشعبية، من مغامرات الأبطال ولغة الوجدان وما أنتجه عقل الجماعة، واستعار من بريخت ضرورة أن يكون المسرح مكاناً للتغيير لا للترفيه وكان من الطبيعى أن يجد فى بريخت والمسرح الملحمى ضالته المنشودة ليس فقط فى استعارة شكل وعناصر المسرح الملحمى، بل من خلال تمصير مسرحيتين لهذا الكاتب، ففى مسرحية «بغل البلدية» التى تم تقديمها على مسرح قصر ثقافة دمياط 1969 من إخراج عباس أحمد مثال حى على توجهات يسرى الجندى منذ البداية فى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقديم مسرح يخاطب الشعب، فقد اختار نص بريخت الذى يفضح من خلاله العلاقة المفتعلة بين السيد والخادم، العلاقة التى تلقى الضوء على تعاسة الفقير وضياعه فى العالم الحديث ساعياً نحو العدالة الاجتماعية متمرداً وثائراً على البرجوازية والإقطاع من خلال شخصية الأباصيرى؛ هذا الإقطاعى الفاسد الذى يسكر فيتحول إلى شخص طيب وحين يفيق يطفو على السطح الديكتاتور فى صراعه مع الفلاحين وسائقه غريب، وكان للنص صدى كبير بعد قرارات الإصلاح الزراعى ونهاية عهد الإقطاع، وفى المسرحية الثانية «حكاية جحا والواد قلة» استبدل القاضى «أزداك» بشخصية جحا، وخاطب فريق الممثلين الجمهور وأقاموا معه حواراً منذ اللحظات الأولى للعرض من خلال فرقة مسرحية تستعد لتقديم العرض.
وكان الشاب يسرى الجندى قد أنهى عام 1968 كتابه «نحو تراجيديا معاصرة - ملاحظات» والذى حصل من خلاله على جائزة النقد مناصفة عام 1969 فى مؤتمر الأدباء وناقش من خلاله تصوره حول التراجيديا المعاصرة فى ضوء الفلسفة الحديثة، محاولاً طرح أفق جديدة للحوار فى ظل الواقع الحالى للمسرح المصرى، فقد كان يعى جيداً منذ البداية ضرورة البحث عن شكل مسرحى يتناسب والتحولات الاجتماعية والسياسية التى يمر بها الواقع المصرى، ولم يكن اللجوء إلى بريخت والمسرح الملحمى سوى أحد الحلول، وبعد أن قدم المسرحيات الثلاث الأولى لم يتوقف عند هذا الاتجاه، لتتوالى بعد ذلك عروضه التى تؤكد اتجاهه فى التأصيل لشكل مسرحى عربى يناقش قضايا اللحظة الراهنة من خلال التراث الشعبى والشخصيات التاريخية، وتنوعت كتاباته بين العامية والفصحى، فقدم عام 1973 مسرحية «على الزيبق» بالعامية، ثم «حكاوى الزمان» فى العام التالى، وفى عام 1976 قدم له المسرح المصرى عرضين؛ الأول «المحاكمة» عن حادثة دنشواى، والثانى «عنتر زمانه» ثم قدم معالجة أخرى باللغة العربية الفصحى لسيرة عنترة أخرجها سمير العصفورى عام 1977، وفى نفس العام قدم مع عبدالرحمن الشافعى «عاشق المداحين» فى مسرح السامر والتى كانت حدثاً كبيراً فى مسيرة المسرح الشعبى، وسيقدم له نفس المخرج عرض «الهلالية» فى العام التالى، وكما لم يتوقف يسرى الجندى عند المسرح الملحمى، لم يتوقف أيضاً عند المسرح الشعبى، وقدم مع سمير العصفورى 1984 عرض «حدث فى وادى الجن» عن أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، ثم مسرحية «واقدساه» 1989 وهى أول إنتاج لاتحاد الفنانين العرب، وقدمت فى القاهرة وعمان وبغداد وبابل بمشاركة مجموعة من الفنانين العرب، وفى نفس العام يتناول التحولات الاجتماعية التى أصابت الواقع المصرى فى سبعينات القرن الماضى من خلال مسرحية «الدكتور زعتر» إخراج السيد راضى، ويعود فى مطلع التسعينات إلى التراث العربى من خلال مسرحية «الساحرة» باللغة العربية الفصحى، وفى مطلع الألفية الجديدة يلجأ إلى «ألف ليلة وليلة» فى معالجة معاصرة من خلال شخصية الإسكافى ملكاً، وتدل هذه العناوين على مدى التنوع الذى تميز به مشروع يسرى الجندى المسرحى.
غالباً ما تفشل البطولة الفردية فى نصوص يسرى الجندى وغالباً ما يكون الكورس حاضراً وله دور كبير ومؤثر، والكورس هو ضمير الجماعة، وهذا الملمح من الملامح الرئيسية فى مسرحه وفى كل أعماله التى اعتمدت على أبطال من السير الشعبية أو التاريخ فليس هناك بطل بمفرده، فالتغيير فى المجتمع ليس بطولة فردية، فالبطولة للجماعة الشعبية، ومسرحية على الزيبق نموذجاً، ففى نهاية المسرحية يسلم أبطال التاريخ أمثال عنترة وأبوزيد الهلالى وسيف بن زى يزن سيوفهم للشعب، بعد أن قرروا العودة إلى الكتب مقتنعين بأن هذا الوقت ليس وقتهم، فهذا الزمان أبطاله أهل اللحظة الراهنة، وعليهم إما المواجهة أو الضياع. وفى النص استفاد يسرى الجندى من حكاية تراثية، وهى حكايات الفتى على الزيبق وملاعيبه فى مواجهة المماليك، ومزج بين الماضى والحاضر من خلال لعبة مسرحية بين الممثلين والجمهور، تاركاً مساحة للسؤال بين الخشبة والصالة. وهذا الاشتباك بين حيز اللعب وحيز الجمهور سوف يكون ملمحاً رئيسياً أيضاً فى أعماله المسرحية، وفى هذه المسرحية الراوى والكورس اللذان يحاولان تقديم لعبة مسرحية ذات مساء للجمهور عن طريق استدعاء أبطال من التاريخ وطرح أسئلة عليهم واختيار أيهم لتقديمه، فنحن فى النهاية أمام لعبة يشارك فيها الجمهور بدون إيهام وبدون حواجز بين الخشبة والصالة، وحين يستقر الرأى على اختيار على الزيبق رغم معارضة بعض أبطال التاريخ الصناديد أمثال أبوزيد وعنترة وغيرهما، على اعتبار أن على الزيبق صاحب ألاعيب، وليس بطلاً مقاتلاً مثلهم، يصرح الكورس بشكل مباشر بأن هذا الزمان ليس بزمان الأبطال والفوارس ولكنه أيضاً ليس بزمان الصعاليك ويقولون: «علشان كده سهرتنا مع فارس ولا كانش فايق القدرة ولا يملك الجن ولا اللوح المرصود ولا فيه مؤلف ألفه.. علشان كده هنألفه تانى زى ما ألفوه قبلنا فى زمان وعر وعصيب. هنألفه فى زمان قالوا إنه زمان القوة والحيلة.. علشان كده قوم يا على ويانا من تانى.. لاجل ما تعرف جواب السؤال اللى هيلقى عليك، لاجل ما تعرف جواب بالمشقة والعذاب مش بالشطارة» وجاءت ملاعيب على الزيبق ضد سنقر الكلبى والمماليك مجرد لعبة فلن ترفع الخوف من قلوب الناس ولن تغير المجتمع، ولكنها محاورة بين التاريخ واللحظة الراهنة يطرح من خلالها يسرى الجندى سؤالاً مهماً على الجمهور من خلال هذه الحكاية التراثية التى تمت صياغتها والاستفادة من بنيتها التراثية.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
كيوبيد.. هذا الاسم الذى ارتبط لدى الشعوب عبر التاريخ بالحب والغرام وجسدته الأشعار والأغانى
المذيعة الرائدة الراحلة «أمانى ناشد» رحلت عن الدنيا فى سن صغيرة «42 سنة» بمرض مفاجئ فى القلب، وكانت ـ رحمها...
احتفى مهرجان كان بالمخرج الأفريقى سليمان سيسيه ومنحه العربة الذهبية تكريما له لما قدمه من إسهامات فى السينما.
تميز موسم سينما عيد الفطر السينمائي الأخير بأنه موسم بلا نجوم، فلم يكن هناك أفلام يقوم ببطولتها نجوم الصف الأول،