ظل التحنيط أحد أهم أسرار الحضارة المصرية القديمة وشهد عدة محاولات لفك شفرة هذا اللغز الذى كان السبب وراء حفظ الآلاف من المومياوات البشرية والحيوانية محققا واحدة من أهم عقائد المصرى القديم وهي "الخلود".
وبعد الإعلان مؤخرا عن الكشف الأثري الجديد بمنطقة آثار سقارة والذى يأتى فى مقدمته العثور على ورشتين للتحنيط إحداهما آدمية والأخرى حيوانية، من خلال استكمال أعمال حفائر البعثة بجبانة الحيوانات المقدسة (البوباسطيون) بمنطقة آثار سقارة، للعام السادس على التوالي ..يتبادر إلى الأذهان سؤال حول ماهية هذه الورش ومفهومها عند المصرى القديم
ورش التحنيط بمصر.. تاريخ طويل
وعن تاريخ ورش التحنيط بمصر، قال أحمد صالح عالم الآثار ومدير النشر العلمى بآثار أسوان : ورشة التحنيط أحد فصول رسالتي في الماجستير وهي منشورة بالانجليزية في أكاديميا ضمن الرسالة المعنونة بالانجليزية بـ ( فجر التحنيط ) The Dawn of Mummification وهي تتعلق بعصر الدولة القديمة .
وقال صالح :ربما أهمية هذا العصر هي وجود النص وبقايا ورشة التحنيط وكان من أوائل من كشفوا عن ورشة التحنيط هما المصري سليم حسن والأمريكي اد بروفارسكي في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي .
وأضاف صالح أن ورشة التحنيط التي تسمي "وت" أو "وعبت" أو "وعبت نت وت " بها أقسام تتعلق بالغسل واستخراج الاحشاء والدهون وتكتمل كل إجراءات التحنيط بها حتي يوضع الجسد في التابوت، وغالبية ورش الدولة القديمة ملحقة بالمقابر وخاصة في الأسرتين الخامسة والسادسة، وهو ما نجده فى عدة مقابر بسقارة مثل مقبرة " نفر"وهو ما انطبق على كل مقابر الدولة القديمة تقريبا.
واستمر الحال حتى بداية الدولة الوسطى إلا أنه في أواخرها ظهرت الورش الجماعية والعامة وبها المتخصصون الذين يقومون بعملية التحنيط ربما يرجع ذلك لكثرة عدد الموتى، فأصبحت ورش التحنيط جماعية لكل الناس تستقبل الأجساد وتحنطهم ويأتى أهل المتوفى يوم الجنازة لاستلام الجسد والاتجاه به إلى المقبرة.
ورش تحنيط الملوك
وتابع : بالنسبة للملوك كانت ورشة تحنيطهم فريدة وهو ما نشاهده فى معبد الوادي للملك خعفرع،الذى احتوت أرضية معبده الخارجية على ثقوب خصصت لوضع الأعمدة الخشبية لخيمة التطهير والتحنيط، وفى النهاية الدولة الوسطى أصبحت أيضا ورش الملوك جماعية لكل الناس كما سبق وذكرت بمعنى أن الورشة تستقبل الكل ،وبالطبع تأتى الأهمية للملوك ، وفى الدولة الحديثة ومع كثرة الأعداد التي تستقبلها الورش ظهر ما يسمى بـ"المومياوات المزيفة" نتيجة الاهتمام بالمتوفى تبعا لحالته الاجتماعية، فكان تأجيل تحنيط المومياوات للأشخاص العادية يؤدى إلى تلفها فوجدنا بدل الأرجل أرجل خشبية واكتشفنا أجزاء مفقودة داخل الأجساد .
ورش الحيوانات
كما كانت هناك ورشة عامة لتحنيط الحيوانات مثل ورشة التحنيط الضخمة والخاصة بالعجل أبيس وكانت في ميت رهينة ويربط بينها وبين السيرابيوم بسقارة طريق كبير تسير فيه جنازة العجل أبيس ..وهذا هو الطريق الذي أعطى لـ"ميت رهينة" اسمها حيث ان ميت تعني طريق ورهنت تعني الكباش أو الأسود وهي التي تحد بالطريق بين ورشة تحنيط العجل أبيس وبين مدافن العجل أبيس السيرابيوم.وهناك ورش فى اسنا لتحنيط الأسماك وورش فى أرمنت وغيرها من الأماكن العديدة.
اكتشاف بعثة د.رمضان البدرى
وفي عام 2018 وأثناء أعمال المسح الأثري بمقابر العصر الصاوى من جانب فريق الباحثين المصريين الألمان من جامعة توبنجن أعلنوا عن اكتشاف ورشة لتحنيط المومياوات وصرح وقتها الدكتور الراحل رمضان بدرى أستاذ الآثار المصرية بجامعة توبنجن الألمانية ورئيس البعثة الالمانية أن أهمية الكشف تكمن فى أن المعلومات عن ورش التحنيط وعناصرها المعمارية كانت مستمدة من برديات التحنيط من الدولة الحديثة والعصرين المتأخر واليونانى الرومانى وبعض المناظر القليلة مصورة على مقابر الدولة القديمة .
اقتصاد الجنازة
وأشار البدرى إلى أن اكتشاف ورش التحنيط ساعد على تفسير ما يسمى باقتصاد الجنازة وهو اقتصاد القائم على خدمات ما بعد الموت فى مصر القديمة، فورشة التحنيط هى الحلقة الأولى والأهم في ذلك الاقتصاد يعمل بجانبها اقتصاديات مساعدة كثيرة مثل صناعة النسيج لتوفير اللفائف الكتانية و صناعة التوابيت وصناعة الفخار والتجارة الخارجية لاستيراد بعض الزيوت والاصماغ والاخشاب للتوابيت .
أواني التحنيط
فيما أكد د.خالد حسن لموقع أخبار مصر أن كشف بعثة جامعة توبنجن الألمانية المصرية برئاسة د.رمضان البدرى واكتشاف بعثة الآثار المصرية برئاسة د.مصطفى وزيرى بسقارة هى اكتشافات يكمل كل منهما الآخر والأهم فى هذه الاكتشافات هو العثور على أواني التحنيط بداخلها مواد تحنيط والأدوات المستخدمة والتى سوف تخضع لدراسة وتحليل لهذه المحتويات وهو ما يكشف عن المزيد من أسرار التحنيط .
وحول نتائج تحليل بعض المواد المكتشفة سابقا واكتشاف أنها مواد مستوردة من الخارج، قال حسن: مصر لها علاقات تجارية بجيرانها من كل الدول المحيطة بها خاصة دول شرق حوض البحر المتوسط ومن ضمن الأواني التي تم العثور عليها بها مواد راتنجية تستخدم فى مواد تحنيط يتم استيرادها من الخارج خاصة من اليونان.
اكتشاف ورشتى سقارة
نعود إلى اكتشاف سقارة وكيف تم التوصل إليه ليشرح ذلك د.عمرو شكل أخصائى ترميم منطقة اثار سقارة فى حواره لموقع أخبار مصر موضحا أن المكان كان مغطى بالكامل بالرديم وكان العمل الأثرى يجرى فى الجانب الآخر من السور إلا أنه تم العثور على ممتد لأسفل السور من الطوب اللبن، فهنا تأكدنا من ضرورة وجود كشف فالبئر كان علامة أو دليل على وجود الكشف قمنا بازاحة الرديم حتى ظهر أمامنا " سن الجبل"لنعثر على تلك المقابر المحفورة فى الجبل ووجدنا المقابر الصخرية بعضها بها توابيت ومع استمرار إزالة طبقات الرديم عثرنا على ورشة التحنيط الآدمية ثم الحيوانية واكتشفنا مقبرة بها نقوش و ألوان زاهية ورغم صغر حجمها تحتوى على كل مناظر الحياة اليومية .
العثور على مواد مستخدمة فى التحنيط
وقال د.أحمد عشماوي رئيس قطاع الآثار المصرية لأخبارمصر إن أهمية هذا الكشف ترجع إلى تنوعه بوجود ورشة تحنيط آدمية وأخرى حيوانية بالاضافة إلى العثور على مواد مستخدمة فى التحنيط منها الراتنج ومادة البيتومين والتى استخدمت فى العصر المتأخر وكانت تملأ بها المومياء بالإضافة إلى الأدوات المستخدمة فى التحنيط وهو ما يعد إضافة إلى خلفية التحنيط الموجودة لدينا وتؤدى إلى فهم مراحل التحنيط.
ونوه عشماوى عن أن هناك ورش أخرى تم اكتشافها من قبل منها ورشة اكتشافها د. رمضان البدرى ، وورشة فى ملوى بتونة الجبل بها سراديب تحنيط حيوانية . وأثناء الكشف الأثرى بسقارة كان الدكتور د.ميسرة عبد الله نائب الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية للشؤون الأثرية يتجول بين المكتشفات سألته عن أهمية الكشف، فقال إن هذا الكشف يعطينا فكرة عن إدارة منطقة سقارة خلال العصور القديمة والتى لا تزال المعلومات عن عملية التحنيط والورش القائمة عليها فى سقارة مجهولة حتى الآن وهو ما يثري علم الآثار المصرية ويلعب دورا كبيرا فى دعم حركة السياحة .
وخلال الجولة بمنطقة الكشف شرح لنا أحمد خالد مفتش آثار بمنطقة سقارة تفاصيل الورشة حيث قال إن الحجرات تحتوي علي سريرين للتحنيط الآدمي وتتراوح أبعاد السرير حوالي مترين طول ومتر عرض و 50 سم ارتفاع، وهو مكون من عدة كتل حجرية مغطى من أعلي بطبقة من الملاط بها ميول ينتهي بميزاب، لافتا إلى أنه تم الكشف داخل الورشة عن عدد كبير من الأواني الفخارية والتي ربما كان يتم استخدامها في عملية التحنيط وأوانى بها أحشاء المتوفى وأدوات ومواد التحنيط ولفائف كتان.
وقالت رحاب أحمد مفتشة آثار سقارة إن ورشة التحنيط الحيوانية تحتوي على 5 آسرة من الحجر الجيري، وهي غائرة في الأرضية ومختلفة نسبيا عن تلك الاسرة الموجودة في ورشة التحنيط الآدمية، لافتا إلى أن دراسة اللقى الأثرية التي تم الكشف عنها داخل هذه الورشة تشير إلى أن الورشة كانت تستخدم على الأرجح في تحنيط الحيوانات المقدسة المرتبطة بالإلهة باستت.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
رسائل مهمة يبعثها منتدى شباب العالم من شرم الشيخ لنشر مباديء السلام والتنمية والإبداع من خلال إطلاق مبادرة جديدة بعنوان...
حالة من الترقب والتفاؤل بالمستقبل تصاحب انطلاق ماراثون الانتخابات الرئاسية المصرية في الخارج 2024 على مدار ثلاثة أيام من 1-3...
المشروعات الزراعية.. الزراعة الذكية مناخيا.. التحديات العديدة.. الأمن والأمان الغذائي.. المشروع القومي الكبير.. منطقة الدلتا الجديدة.. كل هذه الموضوعات وغيرها...
مشروعات واعدة صديقة للبيئة كشفت عنها المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية وكان المركز الأول بمسابقة المبادرة بفئة المبادرات والمشاركات المجتمعية...