المقهى الدبلوماسي.. الأب.. وجمهورية أوزبكستان

لماذا لا ندرك أهمية ما عندنا إلا بعد أن نفقده.. لماذا لا نقدر أهمية ما منحنا ربنا قبل أن يضيع من بين أيدينا ويفوت الأوان.. وبالرغم من أن هذا المعنى يسري على كثير من النعم والمنح التي وهبنا الله إياها.. إلا أنني عن نعمة الأب أتحدث..

كثيرون منا اعتادوا وجود الأب في حياتهم.. ولكنهم لم يكونوا مع أبائهم كما يجب.. لم يهتموا بهم.. ولم يقدموا لهم الحب والاهتمام.. بل كانوا دائما على خلاف معهم.. لا يحبون الحديث معهم.. ولا يستحسنون طريقة تفكيرهم.. حتى أنهم كانوا لا يرغبون في وجودهم بالبيت لاوقات طويلة.. إلى كل هؤلاء وغيرهم أقول.. ستندمون كثيرا على كل ما تفعلون.. وستقولون بعد أن يواري التراب أجساد أبائكم.. ياليتهم يعودون لنقبل اقدامهم ندما على ما بدر منا..ولكن وقتها لن ينفع الندم.. ستدركون كم كنتم مخطئين في حقهم.. وتتمنون لو يعود الزمان بكم لتعوضوهم كل ما فعلتموه معهم.. ولكن.. هيهات هيهات.. فالاب نعمة.. لا يشعر بقيمتها إلا من فقدها.. وهذا يذكرني بما كتبته يوما الكاتبة والصحفية الأمريكية الشهيرة "إيرما بومبيك".. وهي تتحدث عن أبيها بعد وفاته..
"لم يكن أبي يفعل شيئاً، فلماذا افتقدته الى هذا الحدّ؟.. عندما كنت صغيرة بدا لي أن الأب مثل مصباح الثلاجة، ففي كل بيت مصباح في الثلاجة لكن لا أحد يعرف تماماً ماذا يفعل حين ينغلق باب الثلاجة..
كان أبي يغادر البيت كل صباح وكان يبدو سعيدا"برؤيتنا ثانية" حين يعود مساء"..

كان يفتح سدادة قارورة المخللات على المائدة حين يعجز الجميع عن فتحها.. كان الوحيد في البيت الذي لا يخشى النزول بمفرده إلى القبو.. حينما كان ينجرح بسببنا.. لا يتقدّم إليه أحد ليقبله أو يهتم بما حصل له.. حين يمرض أحدنا نحن الأولاد كان هو من يذهب بنا للطبيب.. ويذهب للصيدلية لإحضار الدواء..

كان دائماً مشغولاً، كان هو الذي كان (يُزيت) عجلات مزلاجي كي تجري على نحو أسرع.. وحين حصلت على دراجتي الهوائية كان هو الذي يركض إلى جانبي، ويقطع ألف كيلومتر على الأقل قبل أن أسيطر عليها وحدي وأتعلم القيادة..

هو الذي كان يوقع بيانات علاماتي المدرسية.. وقد أخذ لي صوراً لا تحصى من دون أن يظهر في واحدة منها.. وهو الذي كان يشد لأمي حبال الغسيل المرتخية.. وكنت أخاف من آباء كل الأولاد، إلا أبي لا أخاف منه..

أعددت له الشاي ذات مرة وكان عبارة عن ماء فيه سكر دون شاي، ومع ذلك جلس في المقعد الصغير وأخبرني أنه كان لذيذاً حتى لا يحرجني.. وبدا مرتاحاً جداً..

عندما كنت ألهو بلعبة البيت كنت أعطي الدمية الأم مهمات كثيرة، ولم أكن أعرف ماذا أوكل من الأعمال للدمية الأب، لذلك كنت أجعله يقول: إنني ذاهب للعمل الآن، ثم أقذف به تحت السرير!..

وذات صباح، عندما كنت في التاسعة من عمري لم ينهض أبي ليذهب إلى العمل.. ذهب إلى المستشفى ووافته المنية في اليوم التالي.. ذهبت إلى حجرتي وتلمست تحت السرير بحثاً عن الدمية الأب.. وحين وجدته نفضت عنه الغبار ووضعته على الفراش.. لم أكن أتصور أن ذهابه سيؤلمني الى هذا الحد، لكن ذهابه لا يزال يؤلمني جدا حتى الآن وافتقده..

وإنا أيضا يا سيدتي.. أفتقد أبي.. وأثق أن غيرنا كثيرون يفتقدون آباءهم.. وأخرجت تنهيدة عميقة.. بعمق ما في نفسي من أحزان.. وأخذت من قهوتي الفرنسية رشفة.. علها تخرجني من الحالة التي أنا فيها.. وناديت حسن.. جرسون المقهى.. اسأله عن صديقي العزيز أملا في أن أدخل معه في حديث يحتويني.. وإذا بصديقي يدخل المقهى.. ناديته.. وتصافحنا.. وبدأنا الحديث.. فقال لي.. هو إيه حكاية دولة أوزبكستان دي إللي الرئيس بتاعها كان عندنا هنا اليومين إللي فاتوا دول..

فقلت له.. ياه.. إنت فين يا راجل.. دنا كنت مستنيك.. شوف ياسيدي..
جمهورية أوزبكستان دي.. دولة غير ساحلية في آسيا.. حدودها هي كازاخستان شمالا.. وقيرغيزستان من الشمال الشرقي.. وطاجيكستان من الجنوب الشرقي.. وأفغانستان من الجنوب.. وتركمانستان من الجنوب الغربي.. واسمها أوزبكستان يتكون من جزئين.. اوزبك ومعناها حر أو مستقل وكلمة ستان.. أي الارض.. طشقند عاصمتها وأكبر مدنها.. ومن أشهر المدن كمان.. بخارى وسمرقند.. في أوزبكستان بيتكلموا اللغة التركية بجانب اللغة الأوزبكية.. اللغة المحلية.. بالإضافة للغة الروسية.. وهي اللغة الرسمية المستخدمة في الحكومة..
تبلغ مساحتها 448978.0 كيلومتر مربع..وتعدادها السكاني 34915100.. والعملة إسمها.. سوم اوزبكسناني.. الرئيس الحالي شوكت ميرضياييف تولى الحكم في سبتمبر 2016..
والإسلام هو الديانة السائدة في البلاد..من وقت ما جاء الفتح الإسلامي لفارس..اعتنق معظم الناس الإسلام، من بينهم النخب المحلية الحاكمة.. ازدهرت في هذه الفترة مدن مثل سمرقند وخيوة وبخارى نتيجة موقعها على طريق الحرير التجاري.. وشهدت صعود شخصيات قيادية في العصر الذهبي للإسلام.. من بينها البخاري والترمذي والخوارزمي والبيروني وابن سينا وعمر الخيام.. وأثناء الغزو المغولي في القرن الثالث عشر، هيمنت الشعوب التركية على المنطقة.. كانت مدينة شهرسبز مهد الفاتح المغولي التركي تيمورلنك، مؤسس الدولة التيمورية في القرن الرابع عشر.. واتخذ من سمرقند عاصمة له.. وفي القرن التاسع عشر، أصبحت طشقند مركزًا سياسيًا لتركستان الروسية.. في عام 1924، أدى ترسيم الحدود الوطنية في الاتحاد السوفيتي إلى تأسيس جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفيتية ضمن الاتحاد.. أعلنت أوزبكستان استقلالها عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، وتأسست جمهورية أوزبكستان في 31 أغسطس عام 1991..

ومن الناحية الاقتصادية.. تمتلك أوزبكستان منشآت توليد طاقة عملاقة من الحقبة السوفيتية، ومخزونًا غزيرًا من الغاز الطبيعي.. فأصبحت أكبر منتج للطاقة الكهربائية في آسيا الوسطى..

وأوزبكستان كمان بلد زراعي تنتج القمح والأرز والذرة وتعد منتجًا ومصدرًا رئيسًا للقطن حيث تنتج خمسة ملايين طن من القطن الخام.. ده غير ثروة رعوية تقدر بعشرة ملايين من الأغنام الماشية..

من أشهر المأكولات الأوزبكية .. طبق أوزبكستان المميز هو بالوف (بلوف أو أوش)، وهو الطبق الرئيسي الذي يصنع عادة مع الأرز، وقطع اللحم، والجزر المبشور والبصل.. وكمان طبق شوربا (شورفا أو شورفا)، وهو حساء مصنوع من قطع كبيرة من اللحم والخضروات الطازجة.. وفيه كمان أطباق المكرونة المعروفة باسم نورين وانغمان، التي يمكن تقديمها كحساء أو الطبق الرئيسي .. وكمان يخنة اللحم والخضار والكباب..

الشاي الأخضر هو المشروب الساخن على مدار اليوم.. بالإضافة إلى الشاي الأسود .. وهنا يطلب صديقي من الجرسون ان يأتيه بكوب شاي.. ويسألني طيب ده بالنسبة لأوزبكستان..

بالنسبة للزيارة بقى.. فاكملت حديثي.. الرئيس استقبل بقصر الاتحادية الرئيس شوكت ميرضياييف، رئيس جمهورية أوزبكستان، وأقيمت مراسم الاستقبال الرسمي.. وصدر عن الزيارة بيان مشترك أكد على تعزيز التعاون الشامل بين مصر وأوزبكستان.. على كافة المستويات السياسية والتجارية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية والعلمية.. وأهمية توقيت الزيارة انه بمناسبة احتفال الدولتين بالذكرى الحادية والثلاثين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بينهما.. واتفق الجانبان على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية والاقتصادية.. وزيادة التبادل التجارى بين البلدين.. والاستثمارات المتبادلة.. وأكّدا أهمية تعزيز أنشطة اللجنة المشتركة للتعاون العلمي والاقتصادي والفني.. وتعزيز أنشطة منتدى الأعمال المصري-الأوزبكي.. وتم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في العديد من المجالات.

والرئيس الأوزبكي اكد أهمية الدور اللي بتقوم به المؤسسات الدينية في مصر؛ وعلى رأسها الأزهر الشريف، في مكافحة الفكر المتطرف.. ودراسة تأسيس تعاون بين دار الإفتاء المصرية ومركز الفتوى بإدارة مسلمي أوزبكستان؛ وتعزيز مشاركة الأئمة والوعاظ الأوزبك في الدورات التدريبية التي تنظمها وزارة الأوقاف المصرية.. وكان صديقي قد اكمل كوب الشاي.. فقام قائلا.. يا اخي انا لما باجي ومش بلاقيك بحس إن فيه حاجة ناقصاني.. فابتسمت وشكرته على هذه المجاملة اللطيفة.. وانصرفت انا الآخر..

وللحديث بقية..

لمزيد من المقالات

المقهى الدبلوماسي.. الطفلة السورية.. والقمة الأفريقية

Katen Doe

حمودة كامل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل

المزيد من مقالات

wave
المقهى الدبلوماسي.. جامعة طنطا.. وفوز أردوغان

بينما كنت أرتشف قهوتي الفرنسية على مائدتي بالمقهى الدبلوماسي.. إذ جاءني صديقي العزيز يسألني.. انت كنت مختفي فين بقالك يومين.....

المقهى الدبلوماسي.. شهر شوال.. والقمة العربية الـ32..

ما إن ينتهي الشهر الكريم.. حتى يغلبنا الشوق إليه.. ونبدأ في انتظار عودته.. ونشعر بذلك ونحن نودع شهر شوال أيضا.....

المقهى الدبلوماسي.. الحمد والاستغفار.. وعودة سوريا للجامعة العربية

لا أدري ما الذي جعل هذه المأثورة للإمام الحسن البصري تقفز أمام عيني.. وكانها تحدث أمامي الأن.. ربما لأهمية الرسائل...

المقهى الدبلوماسي.. حنين الشهر الكريم..وأوجاع السودان

ومثلما جاء رمضان ..انقضى.. وجاء العيد وانتهى.. وعادت الأيام لرتابتها المعتادة.. فما أن يأتي الصباح.. فنتمنى قدوم الليل.. حتى ينقضي...