المقهى الدبلوماسي.. الشهيد

لا أدري ما الذي جعلني أتذكر تلك الأيام.. عندما كان يحاول الإرهاب الأسود النيل منا.. من مصر.. شعبها.. جيشها.. شرطتها.. بتفجير في كمين أو تمركز أمني.. أو بالاعتداء على جامع أو كنيسة.. وتصورت للحظة نفسي.. عسكري أو جندي في كمين استشهد على يد الإرهاب الجبان.. ووجدتني اكتب هذه الأبيات..

وانا في الكمين
كانت خدمتي وزناتي وفتحي وحسين
وحضرة الظابط والصول أمين
وكانت الضلمة حالكة.. والكحلة طين
واحنا واقفين متسمرين
من كتر ما احنا مبحلقين
بقينا بصين ويادوب شايفين
لكن صاحيين
وسلاحنا في ادينا.. ومتحصنين
والواحد فينا نفسه وابور طحين
لكننا ببعضينا متونسين
وحضرة الصول بيقولنا فاكرين
لما كنتوا مروحين..
وفجأة سمعنا صوت.. يا وقعة طين!
مين اللي جايين من بعيد.. دولا مين!؟
اثبت محلك.. قلناها ومش خايفين
لقيناهم علينا بيضربوا ومنشنين
وحسين وفتحي جاري متكومين
وفتحت ناري وجريت عالمجرمين
ولقيتني فوق واحد منهم.. واحنا الاتنين متفجرين
انتو عارفين
انا كان فاضلي في الخدمة ييجي شهرين
وكان ابويا وامي لفرحي مجهزين
ما انا أصلي كنت خاطب بنت عمي اسماعين
انا بس عايز اقولهم كلمتين
اوعوا تبقوا عشاني زعلانين.. ولا حزنانين
أوعوا البكى ما يخليكم فرحانين
دنا من ساعتها وزمايلي متنعمين
في الجنة صاحيين.. مش ميتين
انتوا عارفين
كان نفسي أرجع للكمين
وابص في عنين المجرمين
واسألهم سؤال.. انتو مين!؟
مستحيل تكونوا منينا.. طب انتو مين!؟
ولا عشتوا يوم وسطينا.. يبقى انتوا مين!؟
ولا صليتوا في جوامعنا.. ولا كنتوا يوم زيينا.. هو انتو مين!؟
عارفين..!
انتو اللي لدنيتكم وآخرتكم خسرانين..

ولقيتني بامسح بإيدي دمعة قبل ما تنزل من عيني..
وأخدت نفس عميق.. علشان ادخل نسمة من هواء الشتاء البارد لرئتي لتعيد إلى جسدي الحياة من جديد..

وأخذت رشفة من قهوتي الفرنسية التي أشعر أنها تحنو علي في قسوة الأيام.. ولكنني ما لبثت أن عدت أسأل نفسي.. إيه الشهيد ده.. وإيه المكانة العظيمة إللي وعده بيها ربنا دي.. وفجأة.. وجدت صديقي العزيز يقول لي.. إنت مشغول قوي في إيه.. شايفك منهمك في الكتابة.. عندك مانع تقول لي.. وكأنه هبط علي من السماء لينقذني من الدخول في حوار مع نفسي.. فقلت له.. باكتب قصيدة عن الشهيد.. فرد بسرعة.. ممكن اسمعها.. بس قبل ما اسمعها.. ممكن بقى تقول لي مين هو الشهيد بالظبط.. أحسن اللقب ده بقى محتاج تعريف الأيام دي..

فقلت له.. شوف..كلمة شهيد ليها معاني كتير.. معناها في اللغة مثلا.. يعني الحاضر.. والشاهد هو العالم اللي يبين ويشرح علمه.. ومنه قول الله تعالى في سورة البقرة : "وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا".. ويقال أستشهد.. يعني طلبت شهادته لتأكيد خبر قاطع أو معاينة.. وأستشهد في سبيل كذا يعني قدم حياته في سبيل كذا..

أما المقصود بالشهيد.. في الاصطلاح الشرعي هو اللي مات من المسلمين في سبيل الله دون غرض من الدنيا.. وجه لفظ الشهيد في القرآن الكريم لمرة واحدة بالمعنى ده في قوله تعالى في سورة النساء: "وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدًا" ..

ووعد الله تعالى لمن يقتل في سبيله.. يستشهد يعني.. مغفرة ورحمة كاملة لا ثواب بعدها إلا الجنة.. فقال ربنا في سورة آل عمران: "ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون". .

ويطلق لقب الشهيد في الإسلام على من يقتل أثناء حرب مع العدو.. سواء أكانت المعركة جهاد لفتح البلاد ونشر الإسلام فيها.. أم جهاد لدفع العدو اللي هاجم بلاد المسلمين.. وفي الحديث الصحيح عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:" من قُتل دون دينه فهو شهيد ومن قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ومن قُتل دون أهله فهو شهيد"..

فقاطعني صديقي قائلا.. يعني هم دول الشهيد بس.. مش كده..

فقلت له.. لا.. فيه شهدا كمان.. فيه حديث صحيح للنبي عليه الصلاة والسلام.. عن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ ؟ قَالُوا : الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ"..

ومين بقى الشهداء إللي ورد ذكرهم في الحديث دول.. ممكن تشرح لي.. فقلت له.. المطعون هو الذي يموت بمرض الطاعون.. والغرق.. إللي بيكون مسافر بالبحر ويموت غرقان شرط إن سفره طاعة لله.. أما صاحب ذات الجنب.. فهو إللي يموت متأثر بقروح تصيب جنبه ووجعها تحت الأضلاع ومعاها ضيق في النفس وحمى وكحة شديده.. أما المبطون.. فهو إللي يموت متأثر بوجع في البطن.. وطبعا صاحب الحرائق.. فهو اللي يموت بالحرق.. وكمان إللي يموت تحت الهدم.. يعني حائط أو أي مبنى يقع عليه.. والمقصود بالمرأة تموت بجُمع.. معناه أن تموت المرأة وفي بطنها ولد.. يعني وهي حامل..

فقال صديقي.. طيب عرفنا مين الشهيد.. طب ليه اسمه شهيد..

فأجبته.. العلماء قالوا لأنه حي.. فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة.. وقالوا لأن الله ورسوله وملائكته يشهدون له بالجنة.. وكمان لأنه يشهد.. يعني يشوف عند خروج روحه ما أُعدّ له من الكرامة.. وبرضه لأنه يشهد له بالأمان من النار.. وسبب خامس لأن ملائكة الرحمة تشهده عند موته وتشهد له بحسن الخاتمة.. ده غير أنه يشاهد الملائكة عند موته.. ولأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه..

وهنا قام صديقي وهو يقول.. ربنا يرحم شهداءنا ويرحمنا معاهم.. فقلت له.. اللهم آمين..
وللحديث بقية..

ولمزيد من المقالات

المقهى الدبلوماسي.. وداعا 2022

المقهى الدبلوماسي.. القمة الأمريكية الأفريقية

المقهى الدبلوماسي.. القمة العربية الصينية الأولى

المقهى الدبلوماسي.. مصر في منتدى حوارات روما المتوسطية

المقهى الدبلوماسي.. مونديال قطر 2022.. والبعد السياسي

المقهى الدبلوماسي.. مؤتمر المناخ.. آمال وطموحات

المقهى الدبلوماسي.. COP 27.. تلبية الطموحات..وتنفيذ القرارات

المقهى الدبلوماسي ـ غزة تستغيث.. ومصر تستجيب

المقهى الدبلوماسي..هل انسدل الستار على قضية الصيدلي المصري ؟!

المقهى الدبلوماسي - عودة مصر الأفريقية

المقهى الدبلوماسي - أوزباكستان التي لا يعرفها أحد

المقهى الدبلوماسي.. فرنسا على صفيح ساخن

المقهى الدبلوماسي - ليبيا.. قصة لم تنته

 

 

 

 

 

 

 

Katen Doe

حمودة كامل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل

المزيد من مقالات

wave
المقهى الدبلوماسي.. شهر شوال.. والقمة العربية الـ32..

ما إن ينتهي الشهر الكريم.. حتى يغلبنا الشوق إليه.. ونبدأ في انتظار عودته.. ونشعر بذلك ونحن نودع شهر شوال أيضا.....

المقهى الدبلوماسي.. الحمد والاستغفار.. وعودة سوريا للجامعة العربية

لا أدري ما الذي جعل هذه المأثورة للإمام الحسن البصري تقفز أمام عيني.. وكانها تحدث أمامي الأن.. ربما لأهمية الرسائل...

المقهى الدبلوماسي.. حنين الشهر الكريم..وأوجاع السودان

ومثلما جاء رمضان ..انقضى.. وجاء العيد وانتهى.. وعادت الأيام لرتابتها المعتادة.. فما أن يأتي الصباح.. فنتمنى قدوم الليل.. حتى ينقضي...

المقهى الدبلوماسي.. ليلة القدر.. ونزول القرآن

وبينما انا في طريقي للمقهى الدبلوماسي .. كنت اسمع هذه الأغنية للفنانة شريفة فاضل..تم البدر بدري.. والأيام بتجري.. والله لسه...