واحد من أهم المشروعات العملاقة في العصر الحديث .. وربما أهم مشروع في حياة المصريين .. اختارته الهيئة الدولية للسدود كأعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين .. إنه "السد العالي".
في 15 يناير عام 1971 تم الاحتفال بافتتاح السد العالي هذا المشروع القومي الكبير، الذي وضع حجر الأساس له في التاسع من يناير عام 1960، ليحدث نقلة نوعية كبيرة في التنمية في مصر، حيث نقلها من الزراعة الموسمية إلى الزراعة الدائمة، وحماها من أضرار الفيضانات وأسهم في استصلاح وزيادة مساحة الأراضي الزراعية.
تم التفكير في إنشاء سد ضخم على نهر النيل للتحكم فى إيراد النهر المتغير، حيث يختلف اختلافاً كبيراً من عام إلى آخر إذ قد يصل إلى نحو 151 مليار متر مكعب أو يهبط إلى 42 مليار متر مكعب سنويا.
وهذا التفاوت الكبير من عام لآخر يجعل الاعتماد على التخزين السنوي أمراً بالغ الخطورة حيث يمكن أن يعرض الأراضي الزراعية للبوار وذلك في السنوات ذات الإيراد المنخفض.
لذلك تم التوجه لإنشاء سد ضخم على النيل لتخزين المياه في السنوات ذات الإيراد العالي لاستخدامها في السنوات ذات الإيراد المنخفض، فكان إنشاء السد العالي أول مشروع للتخزين المستمر على مستوى دول الحوض يتم تنفيذه داخل الحدود المصرية.
* قصة البناء:
بدأت فكرة بناء السد مع ثورة يوليو 1952، ومع توجه الدولة المصرية نحو التنمية عقب التحرر من الاستعمار البريطاني، فلقد كانت البلاد في حاجة لزيادة الرقعة الزراعية لتقابل زيادة السكان كما أن مياه النيل لم تكن تفي بحاجات الري.
تقدم المهندس المصري اليوناني الأصل أدريان دانينوس، إلى قيادة ثورة 1952 بمشروع لبناء لبناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.
في نفس العام، بدأت الدراسات بناء على قرار مجلس قيادة الثورة من قبل وزارة الأشغال العمومية "وزارة الري والموارد المائية حاليًا"، وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات، حيث استقر الرأي على أن المشروع قادر على توفير احتياجات مصر المائية.
في أوائل 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، وقامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم، وأقرته في ديسمبر 1954 كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ، وطلبت مصر من البنك الدولي تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوى المشروع فنيا واقتصاديا.
وبدأ بعرضه على البنك الدولي للإنشاء والتعمير الذى أكد سلامة المشروع، وفي عام 1955 تقدم البنك الدولي بمعونة بما يساوي ربع تكاليف السد، لكن تم سحب العرض في العام التالي لما وصف بأنه "ضغوط استعمارية".
وفي 27 ديسمبر 1958، تم توقيع اتفاقية بين الاتحاد السوفييتي ومصر، لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد، وفي مايو 1959 قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميمات السد، وفي نفس العام تم توقيع اتفاقية توزيع مياه خزان السد بين مصر والسودان.
بدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولى بوضع حجر الأساس في 9 يناير 1960، وشملت حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة، وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 مترا، وفي 27 أغسطس 1960 تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع الاتحاد السوفيتي، لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد.
وفي منتصف مايو 1964، تم تحويل مياه النهر إلى قناة التحويل والأنفاق وإغلاق مجرى النيل والبدء في تخزين المياه بالبحيرة، وفي المرحلة الثانية تم الاستمرار في بناء جسم السد حتى نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء.
انطلقت الشرارة الأولي من محطة كهرباء السد العالي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1967، وبدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد منذ عام 1968.
في منتصف يوليو عام 1970 اكتمل صرح المشروع، وفي 15 يناير عام 1971 تم الاحتفال بافتتاح السد العالي فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
* قناة مفيض توشكى
بعد 20 عاما من الاحتفال بافتتاح السد العالي، تم إنشاء مفيض توشكي في نهاية عام 1981 لوقاية البلاد من أخطار الفيضانات العالية وما يمكن أن يسببه إطلاق المياه بتصرفات كبيرة في مجري النهر من نحر وتدمير للمنشآت المائية المقامة عليه، حيث يتم تصريف مياه البحيرة إذا ارتفع منسوبها عن أقصي منسوب مقرر للتخزين وهو 183 مترا، من خلال مفيض توشكي.
ويقع هذا المفيض على بعد 2 كيلومتر غرب السد في منطقة بها منخفض طبيعي منحدر نحو مجري النيل حيث يسمح بمرور 200 مليون متر مكعب في اليوم.
وقد دخلت المياه إلى مفيض توشكى لأول مرة فى 15 نوفمبر 1996 حيث وصل منسوب المياه أمام السد العالى الي 178.55 مترا.
* دور السد العالي في حماية مصر:
فوائد عديدة عادت على مصر بعد بناء السد العالي، حيث حمي مصر من كوارث الجفاف والمجاعات، في سنوات الفيضانات الشحيحة مثل الفترة من عام 1979 إلي 1987، حيث تم سحب مايقرب من 70 مليار متر مكعب من مخزون بحيرة ناصر، لتعويض العجز السنوي في الإيراد الطبيعي لنهر النيل.
كما حمي السد مصر من أخطار الفيضانات العالية التي حدثت في الفترة من عام 1998 إلي 2002.
أسهم السد العالي فى زيادة مساحة الرقعة الزراعية بمصر من 5.5 إلى 7.9 مليون فدان، وساعد على زراعة محاصيل أكثر استهلاكا للمياه مثل الأرز وقصب السكر، كما أنه أدى إلى تحويل المساحات التي كانت تزرع بنظام الري الحوضي إلى نظام الري الدائم.
كما وفر السد الطاقة الكهربية التي تستخدم في إدارة المصانع وإنارة المدن والقري، وأدى إلى زيادة الثروة السمكية عن طريق بحيرة ناصر، وكذلك تحسين الملاحة النهرية طوال العام.
ورغم الفوائد الهائلة للسد إلا أن الأمر لم يخل من أضرار، حيث أدى السد العالي إلى تقليل خصوبة الأراضي الزراعية في مصر، لأنه حجز خلفه الطمي القادم من الهضبة الأثيوبية مع الفيضان والذي كان يجدد خصوبة التربة كل عام، ما زاد من الاعتماد على الأسمدة ورفع تكلفة المحاصيل.
وكان تدفق الطمي إلى مصبات النهر في دمياط ورشيد بمثابة حائط صد لعمليات النحر والتآكل، التي تحدث بسبب المد والجزر، و يهدد توقفه بغرق الدلتا وذلك إلى جانب عوامل أخرى تسهم في زيادة هذا الخطر، مثل الاحتباس الحراري وذوبان الجليد بالقطبين الشمالي والجنوبي.
كما أسفر بناء السد عن غرق مواقع أثرية لا تقدر بثمن، حسبما يقول موقع ناشيونال جيوغرافيك، كما أدى لتهجير أكثر من 50 ألف شخص من أبناء النوبة في كل من مصر والسودان، عن موطنهم الأصلي الذي غطته بحيرة ناصر، كما أدى إلى زيادة النحت المائي حول قواعد المنشآت النهرية.
* أرقام من السد العالي
- يبلغ طول السد عند القمة 3830 مترا منها 520 مترا بين ضفتي النيل ويمتد الباقي علي هيئة جناحين علي جانبي النهر.
- يبلغ ارتفاع السد 111 مترا فوق منسوب قاع نهر النيل عرض القاعدة 980 متر وعرضه عند القمة 40 مترا.
- يبلغ حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من أسمنت وحديد ومواد أخرى، ويمكن أن يمرخلال السد تدفق مائي يصل إلى 11 ألف متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة.
- تنتج محطة الكهرباء طاقة كهربائية تصل إلي 10 مليار كيلووات ساعة سنويا.
- تكون المياه المحجوزة أمام السد بحيرة صناعية هائلة طولها 500 كيلومترا ومتوسط عرضها 12 كيلومترا.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
منذ تولى الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، منصب شيخ الأزهر، منذ 13 عاما، وكان محور تحركاته إقليميًا وعالميًا انطلاقًا من عالمية...
في زيارة تدشن لاستعادة العلاقات الطبيعية بين القاهرة وأنقرة، فضلاً عن إطلاق حوار تجاه مختلف جوانب العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية...
انتصار عسكري في أكتوبر عام 1973، تلاه معاهدة السلام فى مارس عام 1979، ثم معركة دبلوماسية وقانونية صعبة، وأخيرا اللجوء...
في الذكرى الـ34 لاسترداد طابا الغالية ورفع العلم المصري عليها.. وفي إطار استعدادات وزارة الأوقاف لاستقبال شهر رمضان المبارك واهتمامها...