الرئيس السيسى: لا سـلام بدون إقامــة الدولة الفلسطينيـة
قمة بغداد.. محاولة لتوحيد الصف العربى وإعادة الهدوء لمنطقة الشــرق الأوسـط.. مطالب مصرية بالتحرك العاجل لحماية أمن واستقرار ليبيا والسودان ولبنان واليمن
ندير الأمور بإخلاص وأمانة وشرف؛ فى وقت عز فيه الشرف".. بهذه العبارات؛ أكد الرئيس "السيسي" فى أكثر من مناسبة على العقيدة الراسخة لدى أجهزة الدولة المصرية عند التصدى لأى ملفات أو قضايا، سواء على المستوى المحلى أو الإقليمى أو حتى الدولي؛ فمصر على مدار تاريخها لم يثبت أنها خانت عروبتها أو قوميتها، بل إنها خاضت أربع حروب ضارية وقدّمت مئات الآلاف من الشهداء، وتحملت أعباء اقتصادية لا زلنا نعانى أثارها حتى اليوم؛ فى سبيل الدفاع عن شرف أمتها العربية وعزتها وكرامتها.
مصر هى الدولة الوحيدة التى أعلنت موقفها الراسخ والرافض لمخطط التهجير بعد ساعات قلائل من أحداث السابع من أكتوبر 2023، حينما ظهر الرئيس "السيسي" داخل "المركز الاستراتيجى لإدارة الأزمات" وهو يتابع الموقف؛ موجهًا بتكثيف الاتصالات المصرية لاحتواء الموقف ومنع المزيد من التصعيد بين الطرفين".
رسالة شديدة الوضوح والحزم
مصر لم ترضخ للضغوط والإغراءات المالية والاقتصادية مقابل تهجير أهالى غزة إلى سيناء، وأعلنتها صريحة مدوية: "لن نسمح بتصفية القضية الفلسطينية، ونرفض عمليات التهجير بكافة أِشكالها وصورها". وعلى نفس النسق، أعلنها الرئيس "السيسي" مدوية من بغداد؛ خلال أعمال "القمة العربية الـ34"، مؤكدًا أن "السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف التى ما زالت تعصف بالمنطقة هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
وفى رسالة موجهة لجميع الأطراف، شدّد الرئيس"السيسي" على أنه "بدون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؛ سيظل السلام العادل والشامل بعيد المنال؛ حتى لو نجحت إسرائيل فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية".
لقد كانت "قمة بغداد" كاشفة إلى حد بعيد عن حالة التردى والتشرذم الذى وصلت إليه أوضاع الأمة العربية، حيث تغيب 17 رئيس دولة عن المشاركة فى فعاليات هذا الحدث الذى كانت تعوّل عليه شعوب المنطقة الكثير والكثير من الآمال والطموحات، بينما حضر 5 قادة فقط كان فى طليعتهم الرئيس "السيسي" وأمير قطر تميم بن حمد، إلى جانب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، ورئيس مجلس القيادة الرئاسى اليمنى رشاد العليمي، بالإضافة إلى الرئيس العراقي، الذى استضافت بلاده القمة.
تحديات مصيرية تواجه الأمة
حالة التردى التى تمر بها المنطقة العربية ظهرت بوضوح على ملامح الرئيس "السيسي"، وانعكست بجلاء فى كلمته التى ألقاها فى الجلسة العامة، حينما أكد أن "الأمة تواجه تحديات مصيرية، تستوجب الوقوف صفًا واحدًا لمواجهتها، بحزم وإرادة لا تلين"، مطالبًا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط، لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة؛ تمهيدًا لإطلاق عملية سياسية جادة.
الرئيس "السيسي"؛ استهل كلمته فى "قمة بغداد" بتوجيه خالص الشكر والتقدير، إلى أخيه الرئيس "عبد اللطيف رشيد"، وشعب العراق الشقيق، على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، كما وجّه الشكر، لأخيه جلالة الملك "حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة"، ملك البحرين، رئيس الدورة السابقة، تقديرًا للجهود المخلصة، التى بذلها فى دعم قضايا الأمة، وتعزيز العمل العربى المشترك.
وفى توصيف دقيق للحالة التى تعيشها الأمة العربية فى الوقت الراهن، قال الرئيس "السيسي": تنعقد قمتنا فى ظرف تاريخي، حيث تواجه منطقتنا تحديات معقدة، وظروفًا غير مسبوقة، تتطلب منا جميعًا - قادةً وشعوبًا - وقفة موحدة، وإرادة لا تلين وأن نكون على قلب رجل واحد، قولًا وفعلًا حفاظًا على أمن أوطاننا، وصونًا لحقوق ومقدرات شعوبنا الأبية.
جرائم ممنهجة وممارسات وحشية
الرئيس "السيسي" عرج إلى القضية المحورية للأمة، قائلاً: لا يخفى على أحد، أن القضية الفلسطينية، تمر بمرحلة من أشد مراحلها خطورة، وأكثرها دقة، إذ يتعرض الشعب الفلسطيني، لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية، على مدار أكثر من عام ونصف، تهدف إلى طمسه وإبادته، وإنهاء وجوده فى قطاع غزة؛ حيث تعرض القطاع لعملية تدمير واسعة، لجعله غير قابل للحياة، فى محاولة لدفع أهله إلى التهجير، ومغادرته قسرًا تحت أهوال الحرب.
وبقلب يعتصره الألم من شدة الأهوال التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى الأعزّل، قال: لم تبق آلة الحرب الإسرائيلية، حجرًا على حجر، ولم ترحم طفلًا أو شيخًا واتخذت من التجويع والحرمان من الخدمات الصحية سلاحًا، ومن التدمير نهجًا مما أدى إلى نزوح قرابة مليونى فلسطينى داخل القطاع، فى تحد صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية"
وتابع: "وفى الضفة الغربية، لا تزال آلة الاحتلال، تمارس ذات السياسة القمعية من قتل وتدمير، ورغم ذلك يبقى الشعب الفلسطينى صامدًا، عصيًا على الانكسار، متمسكًا بحقه المشروع فى أرضه ووطنه"، فيما لفت الرئيس "السيسي" إلى الدور الذى تمارسه مصر ولازالت منذ أحداث طوفان الأقصى وحتى اللحظة، قائلاً: "منذ أكتوبر ٢٠٢٣، كثّفت مصر جهودها السياسية، لوقف نزيف الدم الفلسطيني، وبذلت مساعى مضنية، للوصول إلى وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية مطالبة المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، باتخاذ خطوات حاسمة، لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية".
رسائل الحسم من القاهرة
وأضاف: لا يفوتنى هنا، أن أثمن جهود الرئيس "دونالد ترامب"، الذى نجح فى يناير ٢٠٢٥، فى التوصل إلى اتفاق، لوقف إطلاق النار فى القطاع إلا أن هذا الاتفاق، لم يصمد أمام العدوان الإسرائيلى المتجدد، فى محاولة لإجهاض أى مساع نحو الاستقرار.. وعلى الرغم من ذلك، تواصل مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، شريكيها فى الوساطة، بذل الجهود المكثفة لوقف إطلاق النار، مما أسفر مؤخرًا عن إطلاق سراح الرهينة الأمريكى الإسرائيلى "عيدان ألكسندر".
وتابع: فى إطار مساعيها، بادرت مصر، بالدعوة لعقد قمة القاهرة العربية غير العادية، فى ٤ مارس ٢٠٢٥ التى أكدت الموقف العربى الثابت، برفض تهجير الشعب الفلسطيني، وتبنت خطة إعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجير أهله وهى الخطة التى لقيت تأييدًا واسعًا؛ عربيًا وإسلاميًا ودوليًا.. وفى هذا الصدد، أذكركم بأننا نعتزم تنظيم، مؤتمر دولى للتعافى المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، فور توقف العدوان.
ولفت إلى أنه "من خلال قمة القاهرة، وجّه العرب رسالة حاسمة للعالم، تؤكد أن إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها "القدس الشرقية"، هو السبيل الأوحد، للخروج من دوامة العنف، التى ما زالت تعصف بالمنطقة، مهددة استقرار شعوبها كافة، بلا استثناء".
لا سلام ولا استقرار بدون الدولة الفلسطينية
الرئيس "السيسي"، بعث برسالة شديدة الوضوح لجميع الأطراف الفاعلة فى المنطقة، قائلاً: "أكرر هنا، أنه حتى لو نجحت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تُقمُ الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية".
وأضاف: من هذا المنطلق، فإننى أطالب الرئيس "ترامب"، بصفته قائدًا يهدف إلى ترسيخ السلام، ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط، لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة؛ تمهيدًا لإطلاق عملية سياسية جادة ـ يكون فيها وسيطًا وراعيًا - تفضى إلى تسوية نهائية تحقق سلامًا دائمًا، على غرار الدور التاريخى الذى اضطلعت به الولايات المتحدة، فى تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل فى السبعينيات.
وبشيء من التفصيل تطرق الرئيس "السيسي"إلى التحديات المصيرية التى تواجه عديد من دول المنطقة، قائلاً: "إلى جانب القضية الفلسطينية، تواجه أمتنا العربية تحديات مصيرية؛ تستوجب علينا أن نقف صفًا واحدًا لمواجهتها، بحزم وإرادة لا تلين"، مشددًا على أن "السودان الشقيق يمر بمنعطف خطير، يهدد وحدته واستقراره مما يستوجب العمل العاجل، لضمان وقف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وحدة الأراضى السودانية ومؤسساتها الوطنية ورفض أى مساع، تهدف إلى تشكيل حكومات موازية للسلطة الشرعية".
سوريا ولبنان وليبيا فى المشهد
بالنسبة للشقيقة سوريا، قال: لابد من استثمار رفع العقوبات الأمريكية، لمصلحة الشعب السورى وضمان أن تكون المرحلة الانتقالية شاملة؛ بلا إقصاء أو تهميش والمحافظة على الدولة السورية ووحدتها، ومكافحة الإرهاب وتجنب عودته أو تصديره مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلى من الجولان، وجميع الأراضى السورية المحتلة".
على مستوى الأحداث التى يمر بها لبنان، قال: يبقى السبيل الأوحد لضمان الاستقرار هناك ، فى الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، وقرار مجلس الأمن رقم "١٧٠١" وانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، واحترام سيادة لبنان على أراضيه، وتمكين الجيش اللبنانى من الاضطلاع بمسئولياته.
ولم يفت الرئيس "السيسي" أن يتناول الأوضاع فى ليبيا والدور الذى تلعبه الدولة المصرية لتحقيق الاستقرار هناك، مؤكدًا أن" مصر مستمرة فى جهودها الحثيثة، للتوصل إلى مصالحة سياسية شاملة، وفق المرجعيات المتفق عليها؛ من خلال مسار سياسى ليبي، يفضى إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، تُمكّن الشعب الليبى من اختيار قيادته، وتضمن أن تظل ليبيا لأهلها مع خروج كافة القوات والميليشيات الأجنبية من ليبيا".
رسائل كاشفة للقادة والزعماء العرب
بشأن الأوضاع فى اليمن، قال: "لقد طال أمد الصراع، وحان الوقت لاستعادة هذا البلد العريق توازنه واستقراره؛ عبر تسوية شاملة تنهى الأزمة الإنسانية، التى طالته لسنوات، وتحفظ وحدة اليمن ومؤسساته الشرعية"، مؤكدًا على "ضرورة عودة الملاحة إلى طبيعتها، فى مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وتهيئة الأجواء للاستقرار، والبحث عن الحلول التى تعود بالنفع على شعوبنا".
وأضاف: كما لا ننسى دعمنا المتواصل للصومال الشقيق مؤكدين رفضنا القاطع، لأى محاولات للنيل من سيادته، وداعين كافة الشركاء الإقليميين والدوليين، لدعم الحكومة الصومالية، للحفاظ على الأمن والاستقرار فى بلدها الشقيق".
وفى الختام، وجّه الرئيس "السيسي" رسالة كاشفة لكل القادة والزعماء العرب، قائلاً: أقولها لكم بكل صدق وإخلاص، إن الأمانة الثقيلة التى نحملها جميعًا، واللحظة التاريخية التى نقف فيها اليوم، تلزمنا بأن نعلى مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، وأن نعمل معًا يدًا بيد على تسوية النزاعات والقضايا المصيرية، التى تعصف بالمنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؛ القضية المركزية التى لا حياد فيها عن العدل ولا تهاون فيها عن الحق؛ فلنعمل معًا على ترسيخ التعاون بيننا، ولنجعل من وحدتنا قوة، ومن تكاملنا نماء مؤمنين بأن شعوبنا العربية، تستحق غدًا يليق بعظمة ماضيها، وبمجد حضارتها فلنمض بثبات وعزيمة، ولنجعل من هذه القمة، خطوة فاصلة، نحو غد أكثر إشراقًا لوطننا العربي".
أخبار ذات صلة
المزيد من سياسة
الدكتور بد عبد العاطي: مصر وغزة.. حين يُستهدف من يقف مع الحق
في مقال له بجريدة الأهرام فند الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية وشؤون المصريين بالخارج أهداف الحملة الممنهجة على سفارات...
من التنظيم الدولى إلى ترامب: كان غيـرك أشطـر!
الجماعة تحولت إلى قوة وظيفية تستخدمها واشنطن فى صراعاتها بأفغانستان وباكستان ودول الخليج لتطويع المجتمعات تجاه السياسات الأمريكية إبراهيم منير...
رفض عربى وإسلامى لتصريحات نتنياهو حول «إسرائيل الكبرى»
الجامعة العربية: التصريحات تهديد خطير للأمن القومى العربى الجماعى وتحدٍّ سافر للقانون الدولى
«إسرائيل الكبرى».. سلاح حكومة الحرب لتخدير اليهود وتخويفهم
الدكتور أيمن الرقب: تعداد اليهود لا يسمح بالتوسع الجغرافى والموضوع مجرد فكرة سياسية الدكتور سعيد عكاشة: مجرد تصريحات استفزاية لصرف...