رحلة السيدة رقية «أم الشهـداء» إلى مصر

"السيدة رقية" هى بنت على بن أبى طالب رضى الله عنها وعنه؛ جاءت إلى مصر مع بقية أهل البيت بعد موقعة كربلاء،
وكانت بصحبة شقيقتها السيدة زينب الكبرى، وهما اللذان اختارا أن تكون مصر مكاناً آمناً لهما مع بقية آل بيت الرسول الكريم، وكانت إقامتهما واستقرارهما في مصر محل سعادة المصريين المعروفين بمحبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تعددت الروايات عن دفن السيدة رقية بمصر، إلا أن المؤكد أن هناك مسجدا فى منطقة الأشراف بالقرب من مساجد أخرى لنساء آل البيت يحمل اسمها؛ إنه مسجد وضريح السيدة رقية القريب من مساجد السيدة عائشة والسيدة نفيسة والسيدة سكينة وبجوار مشهد بن سيرين فى منطقة الخليفة بالقاهرة.
روايتان صاحبا شخصية السيدة رقية بمصر.. الأولى إنها رقية بنت على بن أبى طالب شقيقة السيدة زينب والحسن والحسين أبناء على، وأمها هى الصهباء بنت ربيعة التى أرسلها خالد بن الوليد بعد فتح العراق واشتراها وأعتقها الإمام على بن أبى طالب ثم تزوجها، وأنجب منها رقية وعمر، وقيل إن السيدة رقية تزوجت من ابن عمها مسلم بن عقيل، وقد سميت بهذا الاسم تيمنا بالسيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجته خديجة، وقيل إن أبناءها كانوا من ضمن شهداء كربلاء خلال معركة الحسين بن على بن أبى طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جيش يزيد بن معاوية، لذلك جاءت السيدة رقية إلى مصر مع شقيقتها السيدة زينب بعد معركة كربلاء مع ما بقى من آل البيت، وقد فضل الكثيرون منهم القدوم إلى مصر والبقاء بها.
أما الرواية الثانية عن السيدة رقية فتؤكد أنها السيدة رقية بنت الإمام على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الإمام الحسين، وبعض المؤرخين يعزز تلك الرواية لما كتب على ضريحها من كلمات تقول "بقعة شرفت بآل النبى..وببنت الرضا على رقية"، كما أن المحراب الأصلى للضريح يعود إلى زمن الدولة الفاطمية، وكتب عليه بالخط الكوفى أن من أمرت بصناعته هى السيدة "علم الأمرية" زوجة الخليفة الآمر بأحكام الله أبو على منصور بن أحمد، وكانت السيدة الملقبة بـ"ست القصور" لها تأثير وشأن كبير فى فترة حكم زوجها، وقد كلفت وكيلها "أبو تميم تراب" ببناء المشهد والمحراب فى عام 533 هجرية.
ورغم أن الرواية الأولى هى الأقرب للتصديق لتماسك الأحداث واقترابها مع أحداث كربلاء، فإن المؤكد فى كل الروايات أن الضريح الموجود فى القاهرة الذى حمل اسم السيدة رقية هو لواحدة من آل البيت، فالفاطميون كانوا شديدى الاهتمام بآل البيت.
يقع مشهد السيدة رقية بجوار البوابة الموصلة إلى مسجد السيدة نفيسة بالقرب من جامع شجرة الدر، هو فى الأصل مسجد فاطمى صغير يسمى مسجد الأندلس، وبنى فى عهد الخليفة الفاطمى الحافظ لدين الله بعدما أمرت السيدة "علم الأمرية"، وهى إحدى زوجات الخليفة الآمر بأحكام الله، ببناء المشهد، ولا توجد دلالة إذا كانت السيدة رقية مدفونة بداخله أما لا، إنما بنى هذا الضريح على يد السنى "أبو تراب حيدرة بن أبى الفتح".
الدخول إلى المشهد عن طريق سقيفة تتقدمه بثلاث فتحات معقودة، ويبلغ طول هذه السقيفة 12.5 متر، وعمقها 2.5 متر، ويتكون الضريح من مستطيل يتوسط ضلعه الغربى المدخل، وعلى جانبيه محراب يعلو كل منهما شكل (محارة) تتفرع فصوصها من الوسط.
أهم ما يسترعى النظر فى هذا المشهد محرابه الجصى الكبير الذى يعتبر قطعة زخرفية رائعة الجمال، فهو يتكون من تجويف تغطيه طاقية مضلعة تتشعب أضلاعها المزدانة فى الوسط بكلمة "علىّ" ويحيط بها كلمة "محمد" مكررة وتنتهى هذه الأضلاع عند حافة عقد الطاقية بمقرنصات وحليات إسلامية وزخارف جميلة يعلوها طراز من الكتابة الكوفية المزخرفة، ويميل قليلا إلى الخارج، وفوقه طراز آخر مزخرف بوحدات مضفورة، ويرى عند وسط الإيوان أمام المحراب الكبير تابوت من الخشب محلى بزخارف بارزة جميلة ومزدان بكتابات كوفية مزخرفة اشتملت على آيات من القرآن الكريم وعلى تاريخ صنعه سنة 533 هجرية الموافق 1138/م، وقد صنع لهذا المشهد محراب متنقل من الخشب بين سنتى 549، 555 هجرية الموافق 1154م حافل بشتى الزخارف والكتابات، وبلغت فيه صناعة النجارة وزخرفتها مستوى رفيع من الروعة والبهاء، وهو مودع الآن بدار الآثار العربية مع محرابين آخرین صنع أحدهما بين سنتى 532 - 541 هجرية الموافق 1137 م يخص مشهد السيدة نفيسة، أما المحراب الثانى فقد أمر بصنعه الآمر بأحكام الله الفاطمى للجامع الأزهر سنة 519 هجرية الموافق 1125ميلادية.
يذكر أن مديرية أوقاف القاهرة كانت قد افتتحت توسعة وتطوير مسجد السيدة رقية (رضى الله عنها) بالقاهرة ضمن خطة التوسعة والتطوير فى الحادى عشر من نوفمبر الماضى 2023، وكان ذلك ضمن 272 مسجدا جديدًا أو إحلالا وتجديدا و 68 مسجدا يحتاج لصيانة وترميم، حيث افتتحت توسعة مسجد السيدة رقية لتصبح سعتها بعد التطوير 1600 مصلى فى خدمة منطقة حى الخليفة جنوباً، ومنطقة مساكن زينهم شمالاً، حيث يقدم المسجد لهم عددا من الخدمات، فيضم الدور الأرضى للمسجد مكتبة تضم الكثير من الكتب والمراجع النادرة فى كل المجالات، كما يشمل المسجد فصول تقوية ودار مناسبات وحضانة بمسطح 2230 م2، أما الدور الأول فيضم مصلى للرجال بمسطح 1077 م2 ودورات مياه، وذلك بجانب دور الميزانين الذى يضم مصلى للرجال وآخر للنساء.
جاء إحلال وترميم مسجد السيدة رقية ضمن خطة الدولة لإحياء مسار آل البيت على طول شارع الأشراف بالخليفة، بدء من ميدان السيدة نفيسة وحتى ميدان السيدة زينب، وشملت خطة التطوير مشهد السيدة رقية، ومشهدى عاتكة والجعفرى.
أخبار ذات صلة
المزيد من تحقيقات
عندما انتفض الأهالى للدفاع عن المدينة.. بدعوة من النقيب حسن أسامة
ملاحم وبطولات رجال الشرطة فى السويس محمد عبدالسلام: بعد قطع الاتصالات عن المدينة.. أصبحت الشبكة اللاسلكية الخاصة بشرطة النجدة حلقة...
الشعب المصرى فى قلـــب معركة تحرير سيناء
الكبار تبرعوا بالخبز والعسل والملابس .. والأطفال كسروا الحصالات
100 عملية ناجحة لإصلاح اعوجاج العمود الفقري بطب بني سويف
في إنجاز طبي جديد، أعلن قسم جراحة المخ والأعصاب بكلية الطب – جامعة بني سويف عن نجاح الحالة رقم 100...
«لست وحدك».. رسالة مصر لأبنائها
من أجل ذوى الهمم والإعاقة دشنت الدولة الكثير من المبادرات يتم المزج بين الجانب النظرى والتطبيقى ليتعلم الطفل من خلال...