لطفية النادى.. أول فتاة مصرية تحمل لقب «كابتن طيار» منذ اختراع الطائرات

قصة حياة "لطفية النادى" فيها التحدى، وفيها الثقة بالنفس وحب المغامرة و"الجنون"، فهى ابنة أسرة متوسطة،

 ووالدها كان موظفا فى "المطابع الأميرية" وكانت أمها "ست بيت"، ولكن كانت "لطفية" عاشقة للحرية، ورأت أن "الحرية" تكمن فى تحدى الكوكب كله، وتحدى الجاذبية الأرضية وتحدى كل ما يحيط بها، حتى "الزواج" رفضته، وعاشت خمسة وتسعين عاما، بين "مصر" وسويسرا، وحازت الجنسية السويسرية، ولقيت الدعم من "هدى شعراوى" و"طلعت حرب" وحازت شهرة كبرى؛ فهى أول فتاة مصرية تحصل على لقب "كابتن طيار" ورقم رخصة الطيران الخاصة بها هو "34" والذين سبقوها كلهم من الرجال.

فى العام 1907، ولدت "لطفيه النادى"، أول فتاة فى مصر والقارة الأفريقية كلها تحصل على إجازة طيران فى العام 1933، فى الوقت الذى كانت فيه المخاوف تسيطر على عقول الملايين من فكرة "الطيران" داخل جسم معدنى، له محرك ومراوح، وكانت الغالبية فى بعض البلدان العربية تعتبر الطائرة والراديو من أعمال الشياطين والجن، وفى الفترة التى ولدت فيها لطفية، كانت "الوطنية المصرية" التى بلور منهجها "عبد الله النديم" أفرزت زعامة شابة، وحزبا يحمل اسم "الحزب الوطنى"، وكان الزعيم هو "مصطفى كامل" الذى شهد ما ارتكبه الاحتلال البريطانى فى قرية "دنشواى"، وقاد حملة فضحت السفاح "كرومر"، وفى العام 1908 مات الزعيم وبقى الحزب الوطنى، وضم فى صفوفه رجال المدن المثقفين والموظفين، وجاءت ثورة 1919 لتمنح المرأة المصرية قوة، وظهر الاتحاد النسائى، بقيادة "سيدات الوفد المصرى" وتزعمتها "هدى شعراوى"، وعلى المستوى الاقتصادى ظهرت طبقة رأسمالية مصرية بأفكار الاقتصادى المصرى الرائد "طلعت حرب" الذى أسس شركات تحمل اسم "مصر" منها "مصر للطيران"، وتأسست مدرسة لتعليم الطيران، وكان صوت المرأة يدوى عاليا فى قاعات الأحزاب، مؤكدا على قدرة المرأة المصرية على اقتحام الصعاب والنجاح فى كافة المجالات، وكانت نبرة الدفاع عن المرأة مختلطة بنبرة "الرغبة فى الاستقلال" وكان المصلحون منذ الشيخ الأكبر محمد عبده وتلميذه قاسم أمين يربطون بين خروج المرأة من القيود وخروج الأمة من التخلف والقهر، لأن المرأة هى صانعة الرجال، وما بين العام 1922 والعام 1933، جرت فى النهر مياه كثيرة، فاستقلت "مصر" ـ ظاهريا وشكليا ـ ولكن هذا الاستقلال منحها حق افتتاح السفارات فى الخارج، وحق كتابة دستور، وتشكيل حكومات يحكم بها "جلالة الملك"، وفى ظل هذا التحول، ازدهرت الصحافة وظهرت الأحزاب والجمعيات، وخرجت المرأة من الدوائر الضيقة التى كانت حبيسة فيها، فالتحقت بالجامعة، وعملت فى التدريس والطب وكتبت فى الصحف، وظهرت مجالات جديدة، حاولت المرأة دخولها، فقادت السيارة وحصلت على "رخصة قيادة"، وظهر "الطيران المدنى"، والتحقت "لطفية النادى" بمدرسة الطيران لتكون الفتاة التى وضعتها الأقدار على هذه الطريق الصعبة لتفتح المجال أمام فتيات أخريات، وكانت أم لطفية هى المرشد لها، فعقب التحاق "لطفية" بالكلية الأمريكية، أيقن والدها الموظف بالمطابع الأميرية أن "لطفية" لن تتوقف عن التحصيل والدرس، ولما قرأت لطفية خبرا فى إحدى الصحف عن رغبة "شركة مصر للطيران" التى أسسها طلعت حرب، فى تشجيع الفتيات المصريات على اقتحام مجال الطيران، قررت اقتحام هذا المجال، وشجعتها والدتها، ولكن صادفتها عقبة "الرسوم المالية" المطلوب سدادها للحاق بمدرسة الطيران، وكانت الأم داعمة لابنتها، فأخفت الخبر عن والد "لطفية"، وهنا لجأت "لطفية" للسيد "كمال علوى" مدير عام شركة مصر للطيران، وهو من المؤمنين بالوطنية المصرية والداعمين لفكرة دخول المرأة المصرية عالم الطيران، فاقترح على "لطفية" العمل فى الشركة براتب شهرى، ومن هذا الراتب تسدد الرسوم المطلوبة، ووجودها فى الشركة يجعل متابعتها دروس الطيران أمرا متاحا، وبالفعل، التحقت "لطفية" بوظيفة "سكرتيرة" بالشركة، وحضرت التدريب، واستطاعت أن تمتلك مهارة قيادة الطائرة فى سبعة وستين يوما، ولكن من المهم العودة إلى حكاية مهمة فى حياة لطفية، حكاية العلاقة بين "الطيران والصحافة" فى ثلاثينيات القرن الماضى، وعلاقة "الصحافة" بالنهضة المصرية، فالذى حدث لجوء "لطفية" للكاتب الصحفى "أحمد الصاوى" صاحب العمود الصحفى "ما قل ودل" بجريدة "الأهرام" العريقة، وطلبت منه مساعدتها على تحقيق حلم العمل بالطيران، ولكنه قال لها "إنتى صغيرة والعملية فيها مخاطرة"، ولكن المهم هنا، أن المواطنة الشابة "لطفية النادى" لجأت للكاتب الصحفى لأنه من "قادة الرأى" فى المجتمع، وهذا يؤكد على أن الصحافة الورقية فى ذلك الزمان كانت تشكل الأداة الرئيسية لتوجيه "الرأى العام"، وهذا لم يكن دورا جديدا للصحافة، بل امتدادا لدورها الذى بدأ منذ عصر محمد على، ومن بعده حفيده الخديو إسماعيل الذى تمنى لمصر أن تكون قطعة من أوربا واندمج فى "الرأسمالية الأوربية" وأخرج مصر من "طاقة الثيران" إلى "طاقة الفحم"، بمعنى أن الصناعة التقليدية التى كانت معتمدة على الثيران والأبقار، لم تعد تناسب "الإنتاج التجارى" والرغبة فى التوسع فى تحقيق الأرباح، فاستورد "وابور الفحم" الذى يروى المساحات الزراعية الشاسعة التى تسيطر عليها "الدائرة السنية"، واستورد كل مظاهرالتحضر الأوربى، مثل المسرح، والصحافة، وتوسع فى بناء المدارس، لكن هذا كله كان عبر الاقتراض من بيوت المال الأوربية التى أفقدت مصر استقلالها السياسى، ودفع المصريون ثمن رغبات الخديو إسماعيل، وانتهى به المطاف معزولا عن السلطة، منفيا فى إيطاليا، ولكن الصحافة بقيت قوتها، وكان لها دور فى الثورة العرابية، والتصدى للاحتلال البريطانى، وكانت الملجأ الذى يلجأ الناس إليه للشكوى والتذمر من التقصير الحكومى، وكان الكتاب والصحافيون هم الزعماء الشعبيون الذين يخشى الوزراء بأسهم، ويثق الجمهور فى أقلامهم، ولكن "أحمد الصاوى" لم يكن على مستوى الحلم الكبير الذى سيطر على عقل الفتاة "لطفية"، التى كانت تسعى لامتلاك "الحرية" الكاملة، ورأت أن الطيران والتحليق فى السماء هو "الحرية"، واستطاعت أن تتعلم قيادة الطائرة تحت إشراف معلمين مصريين وأجانب، ونشرت الصحف خبرا يفيد بأن الفتاة المصرية "لطفية النادى" استطاعت قيادة الطائرة، وعرف والدها، وغضب غضبا شديدا، واعتبرها عاصية أوامره، ولكن كانت "لطفية" تعرف مفاتيح قلب والدها وعقله، فطلبت منه أن يجلس بجوارها فى الطائرة، وحلقت به فى سماء القاهرة، ورأى نفسه فى "الطيارة" فوق الأهرامات، وفوق "القاهرة"، وأعجبته التجربة، وشعر بالفرح والزهو بابنته التى فعلت ما لم تفعله أنثى قبلها، وتحول من معارض إلى مؤيد وداعم لموقف ابنته، وبذلك تكون "لطفية" حققت "الحرية" التى حلمت بها، وفتحت "باب الحرية" للفتيات المصريات، واستطاعت كسب شرائح اجتماعية "محافظة" يمثلها والدها، الذى كان ـ فى السابق ـ يرى أن "البنت" لايحق لها اللحاق بالمدارس العليا، أو الجامعة، وأن "الابتدائية" تكفى للفتاة لتستطيع تربية أولادها وفق الطرق التربوية الحديثة، التى كان برنامج "ركن المرأة" يقدمها عبر أجهزة الراديو، وما كانت تقدمه صفحات المرأة فى الصحف من إرشادات تعليمية وصحية للسيدات، ولم تكتف "لطفية" بتحقيق حلم قيادة الطائرة، بل شاركت فى سباق مع آخرين، وقادت الطائرة بمفردها من"الإسكندرية" إلى  "القاهرة"، وحققت الفوز، لكن لجنة التحكيم ـ الإنجليزية ـ رفضت منحها الاعتراف بالفوز، وغضب الملك فؤاد، لأنه كان يتمنى لها الفوز على الجميع، ورغم ولائه لبريطانيا ـ فى السياسةـ إلا أن "الوطنية المصرية" كانت تجبره على تبنى مواقفها، ولو من باب "النفاق السياسى" للشعب، وكتب التاريخ فى سجله أن "المصرية لطفية النادى استطاعت الطيران بطائرة من طراز ـ جيت موث ـ الخفيفة، ذات المحرك الوحيد، بسرعة ـ مائة ميل  للساعة الواحدةـ من مدينة القاهرة إلى مدينة الإسكندرية"، ولأن الفجاجة الإنجليزية استفزت الشعور الوطنى الشعبى لدى المصريين، أرسلت "هدى شعراوى" برقية إلى "لطفية" جاء فيها "شرفت وطنك، ورفعت رأسنا، وتوجت نهضتنا بتاج الفخر"، ومن يتأمل نص البرقية التى أرسلتها ـ هدى  شعراوى ـ فى سياق الظرف السياسى والتاريخى الذى شهد واقعة امتناع اللجنة الإنجليزية عن منح "لطفية" المكانة الأدبية الرفيعة، المستحقة، سوف يعرف أن السيدة "هدى شعراوى" كانت تواسى "لطفية" وتواسى الشعب كله، فالشعب الواقع تحت الاحتلال كان يقدم أرواح أولاده كل يوم فى سبيل انتزاع الحرية التى سلبها جيش الاحتلال البريطانى منذ "11 يوليو 1882" وهو اليوم الذى فقدت فيه مصر استقلالها وفقد فيه الشعب الحرية التى كافح من أجلها طوال قرون، واستطاع أن يدحر "حملة فريز 1807" ولكن الإنجليز، استطاعوا بسلاح المال شراء بعض الخونة الذين سهلوا لهم الاستيلاء على مصر، ولكن "لطفية النادى" استطاعت أن تغرى فتيات مصريات بدخول مجال الطيران مثل "دينا الصاوى، زهرة رجب، نفيسة الغمراوى، عزيزة محرم.."، وأصبحت "لطفية" سكرتيرة لنادى الطيران المصرى، ثم هاجرت إلى "سويسرا" وهناك منحوها الجنسية السويسرية تقديرا لدورها الريادى فى مجال الطيران، وفى العام 1966 جرى إنتاج "فيلم وثائقى" عن حياتها، وفى العام 2002 توفيت إلى رحمة الله.

Katen Doe

خالد إسماعيل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave
ثومة
راوية
عباسية
سميرة
خديجة
هيلانة سيداروس

المزيد من ثقافة

wave
غراميات أحمد رامى و«غريمة» سعد الدين وهبة و«عذاب» المليجى

لماذا رفض المساجين المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة فى سجن "طرة" المشاركة فى تصوير فيلم يشارك فى بطولته محمود المليجى

أم كلثوم.. أنشأت نقابة المهن الموسيقيـة لأول مرة والموسيقيون انتخبوها نقيبة

عبقرية "أم كلثوم" جعلتها "زعيمة الفن" وأجلستها على عرش الغناء العربى، منذ عشرينيات القرن الماضى إلى يومنا هذا،

قصة مصورة - صيد العصارى

"لا تعطنى سمكة ولكن علمنى الصيد"؛ مثل صينى، بات مقولة شائعة يرددها العامة فى كل البلدان؛ كل مجتمع يقولها بطريقته،

نهى عودة: رئيس وزراء أستراليا ناقشنى فى «عن العشق والسفر»

تمتلك نهى عودة قلما فريدا، فرغم تصنيف كتابها "عن العشق والسفر" بأنه أدب الرحلات، فإنه يخفى تاريخا ثقافيا