مصر تحتضن العائلة المقدسة

رحلة مملؤة بالمخاطر خاضتها العائلة المقدسة من بيت لحم إلى مصر هربا من بطش الملك هيرودس الكبير، الذي كان يريد قتل المسيح في مدينة بيت لحم ضمن مذبحة الأطفال الذكور دون سن عامين، والتي عرفت باسم "مذبحة الأبرياء".
ويحتفظ التاريخ بشواهد أول رحلة لجوء في التاريخ الإنساني، في زمن ما قبل الميلاد، مع خروج العائلة المقدسة والتي ضمت السيد المسيح عليه السلام وأمه العذراء مريم ويوسف النجار تحت ستار الليل هربا من بيت لحم إلى أرض مصر.
وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بذكرى مجيء العائلة المقدسة إلى مصر في الأول من شهر يونيو بعد أن قطعت مسافات طويلة ومرهقة ومحفوفة بالمخاطر عبر الصحراء والهضاب والجبال والوديان وعلى امتداد نحو 775 كم من فلسطين إلى مصر.. وأصبح هذا اليوم "عيد دخول العائلة المقدسة إلى أرض مصر"، أحد الأعياد لدى الكنيسة القبطية في مصر.
وتحمل رحلة العائلة المقدسة لمصر الكثير من المعاني وأهمها أن مصر بلد للسلام والاطمئنان، وأن رحلة المسيح فيها ملأت ربوعها بالبركة فكل الأديان السماوية أكدت أن مصر هي واحة الأمان.
- مسار الرحلة
كثيرون كتبوا وأرخوا للرحلة وبذلوا جهودا كبيرة استعانوا فيها بمصادر تاريخية ومخطوطات محفوظة في الأديرة المصرية أو المكتبات في شتى أرجاء العالم، في مسعى لرسم صورة تفصيلية أقرب إلى ما حدث بالفعل، كان القاسم المشترك بينها تحديد أماكن حلت بها العائلة المقدسة في مصر، بنيت فيها كنائس وأديرة تاريخية تذكارا لمحطات الزيارة.
وحدد المؤرخون المواقع الرئيسية التي حل بها المسيح طفلا مع أمه القديسة العذراء مريم في مصر وسارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق غرب العريش ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد.
ودخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا ثم غادرتها العائلة متجهه نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد "المحمة" وهي كلمة معناها مكان الاستحمام وسميت كذلك لأن العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسه وفى عودة العائلة المقدسة مرت أيضا على مسطرد.
ومن مسطرد انتقلت شمالا إلى بلبيس واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم.
ومن بلبيس رحلت العائلة شمالا وعبرت نهر النيل إلى مدينة سمنود واستقبلهم أهلها استقبالا حسنا ومن مدينة سمنود رحلت العائلة المقدسة شمالا بغـرب إلى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة سخا في محافظة كفــر الشيخ.
ومن مدينة سخا عبرت نهر النيل "فرع رشيد" إلى غرب الدلتا وتحركت جنوبا إلى وادى النطرون وقد بارك السيد المسيح وامه العذراء هذا المكان.
ومن وادى النطرون ارتحلت جنوبا ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهه ناحية المطرية وعين شمس ومنطقة المطرية.
وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم بشجرة مريم ومن منطقة المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهه ناحية مصر القديمة وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى في طريقها لمصر القديمة.
ومرت وهى في طريقها من الزيتون إلى مصر القديمة على المنطقة الكائن بها حاليا كنيسة السيدة العذراء الأثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بكلوت بك.
ووصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة وتعتبر منطقة مصر القديمة من أهم المناطق والمحطات التى حلت بها العائلة المقدسة فى رحلتها إلى أرض مصر، ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا أياما قلائل، داخل الكهف "المغارة" الذي لجأت إليه، ويعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.
وكنيسه القديس سرجيوس "أبو سرجة" بها المغارة التي لجأت إليها العائلة المقدسة وتعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة وارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهه ناحية الجنوب حيث وصلت إلى منطقة المعادي.
وقد أقلعت في مركب شراعي في النيل متجهة نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لأن منها عبرت العائلة المقدسة إلى النيل في رحلتها إلى الصعيد ومنها جاء إسم المعادي ولايزال السلم الحجري الذى نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجودا وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.
وبجوار الحائط الغربي لكنيسة السيدة العذراء توجد بئر عميقة يقول التقليد إن العائلة المقدسة شربت منها ومرت العائلة المقدسة على بقعة تسمى "بيت يسوع" شرقى البهسنا ومكانه الآن قرية صندفا "بنى مزار".
ورحلت العائلة من بلدة البهنسا ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنها عبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير شرق سمالوط حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الأثرية.
وفى الطريق مرت على شجرة لبخ عالية (شجرة غار) بجوار الطريق المجاور للنيل، ويقال إن هذه الشجرة سجدت للسيد المسيح وتجد أن جميع فروعها هابطة باتجاه الأرض ثم صاعدة ثانيه بالأوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.
وغادرت العائلة المقدسة من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية واتجهت نحو الأشمونيين (أشمون الثانية) وحدثت في هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت أوثانها وباركت العائلة المقدسة الأشمونيين.
وارتحلت العائلة المقدسة من الأشمونيين واتجهت جنوبا ناحية ديروط ثم تتجه نحو بلدة مير غرب القوصية وقد أكرم اهل مير العائلة المقدسة أثناء وجودها بالبلدة.
ومن مير ارتحلت إلى جبل قسقام حيث يوجد الآن دير المحرق ومنطقة الدير المحرق هذه من أهم المحطات التي استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثاني.
ويقع هذا الدير في سفح الجبل الغربي ومكثت العائلة المقدسة نحو سته أشهر وعشرة أيام فى المغارة التي أصبحت فيما بعد هيكلا لكنيسة السيدة العذراء الأثرية في الجهة الغربية من الدير ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح.
وفى طريق العودة سلكوا طريقا أخر انحرف بهم إلى الجنوب قليلا حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة حيث بنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة 8 كم جنوب غرب أسيوط ثم وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة في قرية الناصرة بالجليل.
وهكذا انتهت رحلة المعاناة التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ذهابا وايابا قطعوا فيها مسافة أكثر من ألفي كيلو متر ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة إلى جوار السفن أحيانا في النيل وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيا على الأقدام محتملين تعب المشي وحر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة في كل مكان فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكملة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف.
- المشروع القومي لمسار العائلة المقدسة
تعمل الحكومة المصرية على تذليل جميع العقبات أمام المشروع القومي لإحياء مسار العائلة المقدسة، حيث يمثل مسار العائلة المقدسة إضافة هامة للمزارات السياحية خصوصا السياحة الدينية باعتبار أن طريق المسار يعد أحد المقاصد الدينية التاريخية.
* تطوير 25 موقعا أثريا
تستهدف الخطة التنفيذية للمشروع تطوير 25 موقعا أثريا تتضمن المناطق الأثرية التي سارت وعاشت فيها العائلة المقدسة بالمحافظات خلال رحلتها لمصر، وبحث وتذليل أى معوقات تقف أمام تنفيذ المشروع بالإضافة إلى تقديم كل محافظة رؤيتها فيما يخص التطوير خلال الفترة المقبلة، واحتياجاتها لوضعها فى الخطة التنفيذية.
* أهمية المشروع
يحظى المشروع باهتمام الدولة وكافة الجهات المعنية لتنشيط السياحة الدينية، ودعم الاقتصاد المصري وتوفير فرص عمل وتطوير البنية التحتية.
وينقسم المشروع إلى عدة مراحل، وتضم مرحلة التشغيل التجريبي لعدد خمسة مواقع آثرية فى محافظتي القاهرة والبحيرة وهى كنيسة أبوسرجة فى مصر القديمة وكنيسة العذراء فى المعادى وأديرة وادى النطرون الثلاثة (دير السريان – الباراموس – الأنباء بيشوي)، كما تتضمن المرحلة الأولى أديرة جبل الطير والمحرق ودرنكة بمحافظتى المنيا وأسيوط، كما تتضمن المرحلة الثانية باقى محافظات المسار مثل تل بسطا فى الشرقية وسخا بكفر الشيخ وسمنود بالغربية.
* محور عمراني متكامل
مسار العائلة المقدسة ليس مجرد مشروع سياحي، ولكنه محور عمراني متكامل، حيث إن الآثار الإيجابية المتوقعة له تشمل تنمية المجتمعات الفقيرة والمهمشة بطول المسار، وذلك بتوفير فرص العمل المتناهية والصغيرة، بعد أن يتم تدريب الصناع والحرفيين بالمجتمع المحلي على انتاج السلع السياحية، كما تشمل الفوائد أيضا دخلا سياحيا كبيرا، وتنمية للمجتمعات العمرانية التي تخدم السكان المحليين، بالإضافة إلى الزائرين حيث ستكون هناك طرق جديدة، فضلا عن تجميل المناطق المحيطة بتلك المواقع بطول مسار رحلة العائلة المقدسة، الذى يمتد إلى 3500 كيلو متر (ذهابا وعودة)، ويشمل تنمية 25 موقعا عمرانيا من شمال سيناء شرق البلاد وحتى مصر الوسطى عند أسيوط.
وقد تم تكليف هيئة التنمية السياحية بالاستمرار في دراسة الأسلوب الأمثل لوضع البرامج الخاصة بالترويج لنقاط المسار وبحث إنشاء شركة لإدارة المشروع، كما تم الاتفاق على أن يكون جهاز التنسيق الحضاري استشاري عام للمشروع.
أخبار ذات صلة
المزيد من تقارير منوعة
خلال أغسطس.. متاحف مصر تحتفل بعيد وفاء النيل واليوم العالمي للتصوير
في إطار التقليد الشهري الذي تتبعه متاحف الآثار بجمهورية مصر العربية، تعلن وزارة السياحة والآثار عن القطع الأثرية المختارة لتكون...
في اليوم العالمي للصداقة.. معا نواجه الأزمات
بهدف تعزيز الروابط الإنسانية وتحقيق السلام والوئام الاجتماعي بين الشعوب .. يحتفل العالم في الثلاثين من يوليو من كل عام...
في اليوم العالمي لالتهاب الكبد..خطوات يسيرة للقضاء عليه وإنجاز تاريخي لمصر
لأنه يؤدي إلى 3.500 حالة وفاة كل دقيقة.. ويصيب 2.2 مليون حالة جديدة سنويا.. و ما يقدر بنحو 97 ألف...
في يومه العالمي .. تصاعد السباق نحو القمر
كتب عنه الأدباء وألهم العديد من الشعراء وتغنو بجماله.. وظل ذلك الإعجاب موجودا حتى أول هبوط بشري على سطحه.. إنه...