توفيق الدقن: الفرق بين الفنان والمهرج كالسماء والأرض

فى حديث عمره 54 عامًا مع خيرى شلبى: أنتمى للمسرح القومى.. وهذا سبب هروبى من «فؤاد المهندس»/ أدوار الشر سلاح ذو حدين.. وهذا ما نابنى منها / زوجتى مثقفة وتُجيد الإنجليزية.. وأستمد ثقافتى من خلالها/ لا يوجد كاتب مسرحى جاد.. إنما كاتب متطلع للمكسب/ قمت ببطولة أكثر من 60 مسرحية معظمها أعمال عالمية عظيمة

ولد "توفيق أمين محمد أحمد الشيخ الدقن" فى 3 مايو ببركة السبع التى كانت تتبع وقتها محافظة الغربية، وانتقلت إلى محافظة المنوفية فى عهد الرئيس السادات، ولد "توفيق" بين9 أشقاء؛ خمس بنات وأربعة أولاد، ومنهم أحمد وتوفيق ومحمد وسعدية وسعاد وفاطمة وتحية، ونشأ فى أسرة متدينة، فوالده "أمين الدقن" من رجال الأزهر، لذلك أراده أزهريا وسعى إلى تحفيظه القرآن الكريم فى سن مبكرة، فألحقه بكتاب القرية لأنه كان يمتلك صوتا جميلا وقويا إلى حد أن زملاءه والشيخ الذى كان يحفظه أطلقوا عليه "الشيخ العجوز" لإتقانه تجويد وترتيل القرآن الكريم، وكان يطلب منه دائما تلاوة سورتى مريم ويس، ولظروف خاصة بوالده الذى كان يعمل بالنيابة اضطرت الأسرة للانتقال إلى المنيا، وحصل "توفيق" على الابتدائية ثم الإعدادية والتوجيهية من مدرسة المنيا الثانوية، كان عاشقا للرياضة ولعب "بوكس" وكرة قدم، واختير كجناح أيسر بفريق المنيا..

نال "توفيق" شهرته من خلال الإذاعة المصرية، فقد قدم من خلالها أكثر من 200  عمل إذاعى: أولها وأشهرها مسلسل "سمارة" الذى قدم فيه دور المعلم سلطان، وكان من إخراج يوسف الحطاب، وبطولة محسن سرحان وسميحة أيوب، وقال فى هذا الدور "إفيه": استر يا اللى بتستر، ثم قدم مسرحية "الناس اللى تحت" وآخر مسرحياته "دماء على ملابس  السهرة"، وقدم أروع أعماله من خلال مسرحية "المحروسة" التى أدى فيها دور المأمور، ومسرحية "كفر البطيخ" التى لعب فيها دور العمدة، ومسرحية "السبنسة" ومسرحية "عائلة الدوغرى" التى قدم فيها شخصية جديدة، وهى الشقيق الأكبر المتصوف الزاهد فى الحياة، كما قدم شخصية الرجل المزواج فى "كوبرى الناموس"، وشخصية الريجيسير الفلهوى فى مسرحية "سكة السلامة"، وشخصية "حداية الأعرج" فى "سليمان الحلبى".

بلغت أعمال "توفيق الدقن" السينمائية 500 فيلما، منها "أمير الدهاء"، "يوميات نائب فى الأرياف"، "ابن حميدو"، "الناصر صلاح الدين"، وعندما تقدم فى السن قدم دور الأب فى فيلمى "على باب الوزير" و"خرج ولم يعد"، وآخر أفلامه مع الفنان أحمد زكى فى "سعد  اليتيم"، كما قدم للتليفزيون ما يزيد على 150 عملا، ما بين سهرات تليفزيونية وأفلام ومسلسلات، أشهرها "أحلام الفتى الطائر"، و"بنت الحتة"، و"ألف ليلة وليلة"، وكانت آخر أعماله بالتليفزيون مسلسل "حلم الليل والنهار".

بدأت صداقة توفيق الدقن بمحمود المليجى من خلال فيلم "أموال اليتامى"، فقد وقف "توفيق" ينظر للمليجى ولم يقل كلمة واحدة، وأعيد المشهد ثلاث مرات، فشعر المليجى بأنه يهابه، فخرج لتناول الغداء معه ليقرب المسافات بينهما، وبالفعل وقف "توفيق" وأبدع فى المشهد، مما جعل المليجى يقول له إنك ستصبح نجما كبيرا، وأصبح توفيق والمليجى صديقين حتى رحل المليجى: ويوم وفاته بكى توفيق بشدة حزنا على رحيله.

الفنانة "نادية لطفى" كانت من الصديقات المقربات لتوفيق الدقن، فقد أهدته صورة مكتوبا عليها بخطها من ملكة الطاولة سابقا إلى ملك الطاولة الحالى لأنه كان يتفوق عليها فى لعب الطاولة.

كان لتوفيق حب كبير للحيوانات، لذلك كان يحضر معه أثناء ذهابه إلى المقهى طعاما للقطط التى كانت تملأ الشوارع، وكان لديه بغبغان أسماه "كوكو" وظل معه 9 سنوات، وفى يوم وضعه بجانبه أمام الشرفة فطار ولم يره، فأخذ يبحث عنه للحد الذى جعله ينشر إعلانا فى إحدى الصحف، كما  حرر محضرا فى قسم الشرطة عن ضياعه.

أدوار الشر وضعت "توفيق الدقن" فى مواقف صعبة، فعندما سكن توفيق الدقن لأول مرة فى العباسية ذهب ليشترى  اللحم من محل جزارة أسفل البيت، فطارده الجزار بالساطور لأنه اعتقد أنه شرير بالفعل، وفى مرة أخرى وأثناء  قيادته السيارة وبجواره والدته فوجئ بسيدة تقول له يا لص يا سكير اعتقادا منها بأن هذه حقيقته وليست تمثيلا.

كان "الدقن" يكره الأدوار التى يقدم فيها رجلا ضعيفا، ولم يقبل دوره فى مسلسل "بعد العاصفة" للمخرج إسماعيل عبد الحافظ إلا إكراما لصداقته معه، وذلك لأنه كان يكره المرض.

حصل "الدقن" على العديد من الجوائز، منها جائزة العلوم والفنون من الطبقة الأولى  عام 1965 من الرئيس جمال عبدالناصر، وفى عام 1978 حصل على وسام الاستحقاق وشهادة الجدارة فى عيد  الفن الأول من الرئيس السادات، بخلاف درع المسرح القومى، وجائزة اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وجائزة اليوبيل الفضى للمسرح القومى، وجائزة عن دوره فى فيلم "ليل وقضبان"، ورحل فى 26 نوفمبر 1986.

الكاتب الراحل "خيرى شلبى" أجرى حواراً مطولاً مع الفنان الكبير "توفيق الدقن" فى عدد "الإذاعة والتليفزيون" رقم 1861 الصادر بتاريخ 14 ديسمبر 1970. وبمناسبة حلول الذكرى المئوية لميلاد الفنان الكبير "توفيق الدقن" نحتفى به بإعادة نشر هذا الحوار النادر الذى نشر منذ 54 عاما.. وإلى نص الحوار:

نعم يا سيدى.. هو أنا.. أبو مناع.. عجبت لكم أيها المستمعون المشاهدون!  تسمعوننى فى الإذاعة، تشاهدوننى فى التليفزيون، فى السينما، فى المسرح فلا يعلق بأذهانكم إلا ما أراه أنا متوسط القيمة، تقابلوننى فى الشارع فيصبح الصبيان منكم: "إزيك  ياهمبكة" "ازيك يا ابو مناع" ولا ينادينى أحد بدورى فى مسرحياتى "السبنسة" مثلا أو "المحروسة" أو "كوبرى الناموس" أو "عيلة الدوغرى" أو "بير السلم" أو "الفرافير" أو.. أو.. مع إنكم فى لحظات المشاهدة تخجلوننى بتصفيقكم وأحس بأيديكم تعانقنى فى حرارة، وأحس دفء إعجابكم  وتقديركم..

دورى فى إذاعة "أبو مناع" التى استمعتم إليها مؤخرا  من الأدوار التى تعجبنى والتى  يثنينى إعجابى بها أو اختيارى لها، على إحساس بأنها تعجبكم، دور إقطاعى شرير أشعل سيجارى وتنهد بعمق آه.. تعبونى ولاد الإيه!!

شوف يا سيدى.. مسرح بلا جمهور ليس مسرحا ومسرح التليفزيون الجديد الذى يقدم إنتاجه تحت عنوان "سهرة من استديو11" يثير فى نفسى هذه الحقيقة.

ولا بد أن توجد كل الإمكانيات المسرحية الحقيقية حتى يحس الفنان أولا أنه يؤدى عملا مسرحيا حقيقيا وبالتالى- وهذا أهم - يحس الجمهور بأنه يشاهد مسرحية بالفعل..

المشكلة أنه طالما أؤدى عملا مسرحيا للتليفزيون بأجرى المقيد  فى دفاترهم فما الذى يدعونى إلى ذلك!؟ أريد أن أشم رائحة الأوتير والمكياج والمسرح، أن أحب المكان الذى يجعلنى أتعايش مع هذا العمل، هل هذه الإمكانيات موجودة فعلا؟ لا أعتقد ثم إن المدة المقررة لعمل البروفات والتسجيل مدة قصيرة لا تكفى لعمل مسرحى جاد.

لهذا كله ولغيره أرى أن نغير اسمه من مسرح التليفزيون إلى "سهرة تليفزيونية".

الفنان بالذات لا يستطيع أن يؤدى عملا وهو غير مقتنع به، وأنا منذ عامين فى حالة "أكسدة" لماذا؟.. لا أعرف رغم أننى فى السنوات الماضية قمت ببطولة  أكثر من ستين مسرحية ومعظمها أعمال عظيمة.. أنا أرى أن المؤلف المسرحى عندنا بدأ خطه البيانى يهبط. قد يكون هذا راجعا للظروف الموجودة، وقد يكون ناتجا عن أن المؤلف حاليا يكتفى بقراءة بعض المقالات والمانشتات الصحفية أو الفقرات الشعرية ويلفق من ذلك رواية يدعى أنها تناسب الظروف الحاضرة، فى حين أن المسألة فى الحقيقة ليست مسألة الظروف بقدر   ما هى مسألة الـ 500 جنيه.

أتحداك أشر لى إلى عمل مسرحى واحد منذ النكسة حتى الآن  استطاع أن يثبت فى أذهان الناس.. أشر لى إلى عمل له ثقله فيه مشاركة حقيقية للشعب العربى أو المحنة التى نحن فيها.. نعم هناك أعمال كثيرة قدمت بتكاليف باهظة وغيرمعقولة وصلت إلى ستة آلاف جنيه للرواية الواحدة ولم يزد إيرادها فى الليلة عن ستة جنيهات!

العمل المسرحى الذى لا يصل إلى الناس عمل لا جدوى منه.

لماذا لم يقبل الجمهور على المسرحيات التى قدمت بعد النكسة؟ حتى المثقفين، لم يقبلوا عليها أيضا.. فلماذا لم تنجح هذه الأعمال على المستوى الجماهيرى؟! لا جدال فى أن هناك انفصالا تاما بين المسرح والقضية المعاصرة.. تفسيرها؟

بكل بساطة وآسف: لا يوجد الكاتب المسرحى الجاد المسئول المتطلع إلى المكسب، نعم أقول لك مسرحيات: المسامير، العرضحالجى والسيد البدوى ودائرة الطباشير والنار والزيتون" وغيرها كلها أعمال فنية عظيمة ولكن من الناحية الشكلية فقط، أما من ناحية المضمون فإنها لم تتجاوز كلمات الجرائد والإذاعة، كل هذه المسرحيات لم تضف جديدا، لا شىء مطلقا سوى مانشيتات أو أرقام حسابية.

 فوق كرسى الاتهام

أنا لا أتهم المؤسسة، أو الهيئة، كنظام، وإنما أتهم بعض الأشخاص بعدم فهم عملية المسرح وعدم فهم ذوق  الجمهور.

الفنان الموظف - الذى يتجه إلى الإدارة لا يهمه نجاح العمل طالما أنه تربع فوق كرسى الإدارة وقبض مرتبه وأصبح لديه استقرار نسبى ما أفظع الكراسى..

إنها تمتص طاقة الفنان وتجعله ذاتيا إلى أبعد حد.

لم أتخذ موقفا وليس من حقى ذلك.. لأننى لست أملك نفسى. أنا فقط ليس لى قابلية للعمل.. ولا أدرى لماذا؟ّ!.. لا.. لا.. على العكس.. أنا متفائل جدا بالنسبة لمستقبل المسرح.. فكل التجارب التى نراها الآن تدل على أننا سيكون عندنا عصر نهضة كبيرة.. والمفروض أن يكتب التاريخ أنه كان لدينا مراحل "قهوة، خندق، شارع، جنينة" وما إلى ذلك، لكن لا يجب أن نكتفى بهذا وأن يشارك المسرح مشاركة فعالة فى حياة الناس ومشاكلهم الحقيقية، وأن يصبح لنا فن مسرحى مصرى حقيقى له كلمته وإمكانياته..

 جمهورنا.. والنكت البايخة!

توفيق الدقن.. قطرة فى بحر متلاطم الأمواج لا حدود له.. لم أوجد شيئا كما أننى لم أسر على منوال أحد ممن سبقونى، لكننى  مجتهد.. ولكل مجتهد نصيب. إنما أعتقد أن هناك أعمالا كثيرة من أعمالى فى المسرح، خاصة المسرح القومى والمسرح الحر، ستعيش مثل الناس اللى تحت" والمغماطيس، عيلة الدوغرى، المحروسة، سكة السلامة، بداية ونهاية، بير السلم" وغيرها.

التليفزيون أضاف إلى شخصيتى الفنية أبعادا جديدة لقد أعطانى ثقة كبيرة فى نفسى، والفنان الذى يستطيع أن يؤدى بطولة فى التليفزيون مدتها ساعة ونصف أو ساعتان يعتبر بطلا حقيقيا.. ولا يستطيع أى فنان عادى أن يؤدى مثل هذه البطولة.. طبعا  لقد قدمت فى التليفزيون أدوارا كثيرة وعامة لا تقل عن أدوارى فى المسرح مثل دورى فى تمثيلية  "الامتحان" لمحمد فاضل ودورى فى تمثيلية "السلطان" لفخر الدين صلاح ودورى فى "شرف  المهنة" وغير ذلك..

هناك حساسية معينة بالنسبة لتمثيلية "بنت الحتة" هذه التمثيلية أضافت لى رصيدا كبيرا جدا من الناس رغم أنه فى نفس الوقت  الذى كانت تذاع فيه هذه التمثيلية كنت أقدم على خشبة المسرح عملا عظيما هو "مشهد من الجسر" لآرثر ميللر، ولم يكن يتردد على المسرح أحد، هذه الظاهرة أمرضتنى بالسكر فما تعليلك أنت ؟!..

فى تقديرى أنه عيب، وليس عيبا فى نفس الوقت، هو عيب لأن جمهورنا يميل إلى الهزار والفرفشة والتهريج، ولذلك نراه يضحك على نكتة بايخة وهايفة ويظل يرددها فى كل مكان، ويجرى وراء مهرج يعتلى خشبة المسرح بالرغم من أن ظروفنا توجب علينا الالتزام بنوع من الجدية، وليس عيبا- بالطبع- أن يضحك الناس، وأن يوجد  الفنان الكوميدى الذى ينتزع الضحكة من القلب، لكن هناك فرقا بين ضحكة وضحكة.. هو نفس الفرق بين "الفكرة، السكرة"

 الفنان.. والمهرج

طبعا هناك علاقة وثيقة جدا بين الفنان  والمهرج من ناحية الشكل على الأقل، فالمهرج ينتسب إلى الفن وهو برىء منه، ويظل يعمل  ويعمل ويربح ويظهر فى السماء على حساب الفن بينما يشقى الفنان الحقيقى، ويقطع من الجبل بأظافره، ويتشتت بين عدة جهات لكى يحصل على  لقمة العيش، وهناك كثير من أعمال المهرجين فى الفن يطلقون عليها اسم "الفارس" والواقع أن "الفارس" لا يستطيع أن يؤديه إلا كل فنان عظيم، فأقطاب الفن فى أخريات حياتهم يتجهون إلى الفارس الحقيقى، من هنا  يجب أن نعرف أن هناك   فارقا كبيرا بين الفارس والتهريج..

وجود الفرق الخاصة فى حد ذاته حالة صحية، وأرجو أن يكون بين هذه الفرق  من يلتزم بتقديم فن هادف يرضى الذوق العام على مختلف ثقافاته، لكن الذى لا يعجبنى فى هذه الفرق أن معظمها يستجدى المتفرج بألفاظ نابية وحركات سوقية، والذين يدعون أن هذه  الفرق تأخذ ممثلى الفرق الرسمية لتجعل منهم نجوما إنما يرتكبون كذبة متبجحة لسبب بسيط وهو أن كل النجوم التى تصنعتها الفرق الخاصة  ليست إلا فقاعه أقصر عمرا من فقاقيع النصابون، ومهما يكن من أمر فليسكبوا ما شاءت لهم الظروف، فبيننا وبينهم العمر والمسرح والفن..

لا شك أن المسرح القومى رائد الحركة المسرحية فى بلادنا، أما إذا كانت بعض الفرق الأخرى قد تفوقت على المسرح القومى فى الآونة الأخيرة، فما ذلك إلا أن  المشرفين على هذه الفرق لديهم شىء من الحنكة التجارية والوعى الفنى أكثر ممن تولوا إدارة المسرح القومى فى الفترة الأخيرة..

معنى المسرح القومى، أنه المسرح الشعبى، مسرح مصر العربية، ومهما كانت العروض التى يقدمها أحيانا تجنح إلى الأجواء الغريبة فليس يعنى ذلك أن نجرده من اسمه..

هل توافق على العمل مع فؤاد المهندس؟

أوافق على العمل مع فؤاد المهندس بشروط : أن يكون العمل الذى أقدمه معه فى مستوى الأعمال التى قدمتها فى حياتى العريضة، وفؤاد يعرض على العمل ولكننى أتهرب، ليس لغثاثة ما يقدمه فؤاد ولكن لأننى ملتزم بالانتماء إلى المسرح القومى وبالمستوى الذى درج عليه.

مع الأسف أعتقد أننى نجحت فى السينما، مع احترامى لمن عملت معهم جميعا لم أرض عن أى عمل قمت به إلى الآن رغم أن حياتى المادية  متوقفة وستظل متوقفة على دخلى من السينما..  و90 % مما قدمته فى السينما ما هو إلا للتغلب على مشاكل لقمة العيش.. لو كان مرتبى وحده يكفينى لمدة شهر بشرف وكرامة.. ما عملت فى السينما إلا ما يستاهل رضاى إنما هو الواقع.

 السينما المصرية.. سهرة حول موضوع تافه

السينما عندنا لا تزال فى مراحل الارتجال.. المسرح تقدم وتزود بخبرات عظيمة، ولذلك فالأمل فيه مفتوح وعريض.. أما السينما فلا زالت الأجواء، والأغراض، والشلل، والسهرات هى التى تسيطر على كل شىء فيها.. لا أعترف فيها بكفاءات فنية.. إنما الاعتراف كله بالصداقة والود والسهر طول الليل حول أتفه وأردأ وأدنى ما يمكن أن يشغل  ذهن الإنسان..

يمكن أن نغذى معاهد السينما بكفاءات صالحة، السينما نظريات علمية اقتصادية وخبرات فنية ولا بد من تدعيم المعاهد وتخريج الأفواج الشابة المثقفة  وإعطائهم الفرصة حتى يثبتوا وجودهم كما حدث فى المسرح..

 بطل التمثيلية الإذاعية.. هو الميزانية

لا جدال فى أن هناك تطورا حدث فى التمثيلية الإذاعية.. لا جدال أيضا أن بها كثيرا من العيوب، فيما مضى،

كان الواحد منا يعمل "فكرة" فى التمثيلية الصغيرة أو المسلسلة ويتقاضى ثلاثة جنيهات أو جنيهين، ويكون فى البرنامج الواحد أكثر من ثلاثين شخصية، لم يكن هناك تقييد بميزانيات ولا بأجور معينة، ولذلك كان من المألوف أن  تجد نجما كبيرا يمثل دورا ثانويا وهو راض، أما الآن فالمخرج مقيد بميزانيات معينة لا يجوز له أن يتعداها.. من هنا انفتح الباب أمام ممثلى الدرجة الثالثة وأصبحوا نجوما فى التمثيليات الإذاعية بصرف النظر عن إمكانياتهم الفنية.. المخرج الإذاعى حاليا لا يفكر بمقياس الجودة أو الكفاءة بل بحكم الأجر.. وبنفس هذا المقياس فإن الأدوار كبرت أو صغرت تقدم كيفما  اتفق.. الغريب أن هناك مساومات يضطر النجم أن يخضع لها فى بعض الأحيان.

مثلا.. "تيجى تشتغل مسلسلة بأجر 24 حلقة؟. لماذا؟.. لأن الميزانية محدودة وانت أجرك كبير!!.. أنا واحد من القلائل الذين عرفهم الجمهور من خلال الصوت قبل الصورة.. من خلال دور "سلطان" فى مسلسلة "سمارة" وكنت أتقاضى 36 قرشا فى الحلقة الواحدة.. خرجت من هذه المسلسلة بطلا، وحينما كبرت.. قل عملى فى الإذاعة!!

لا أدرى لماذا لا يطلبوننى فى الإذاعة هذه الأيام إلا نادرا.. ربما لأن المخرجين يتصورون أننى مشغول فى المسرح والتليفزيون والسينما.. وربما لأنهم يتصوروننى شخت وأصبحت عاجزا عن الوقوف أمام الميكرفون !

فكرة تكوين فرقة للتمثيل خاصة بالإذاعة فكرة خاطئة من أساسها.. كيف أفرض على الناس أصواتا معينة؟!.. كيف أذيع على جميع محطات الإذاعة عددا محدودا من الأصوات؟!.. كيف أرضى فئة من الفنانين على حساب الباقين؟!.. وكيف إذا تتاح الفرصة لكل جديد موهوب.. إن الإذاعة لا يجب أن تكون حكرا على أحد  خاصة أنها من الأجهزة التى يمتلكها الشعب.. والفنان الموهوب المطلوب وبالنسبة لها يعتبر بمثابة عضو مجلس الأمة  المنتخب انتخابا حقيقيا..

 23 سنة شر!

أدوار الشر كانت بالنسبة لى سلاحا ذا حدين.. خدمتنى بحد.. وكادت تدمرنى بالحد الآخر، خدمتنى إذ فتحت لى فن ميدان التمثيل بابا لا زلت  أعيش منه حتى الآن منذ عام 1947، أى أننى شرير منذ ثلاثة وعشرين عاما.. هذا من وجهة نظر بعض الناس لكن المسرح استطاع أن ينجينى من شر الحد الثانى ويكسر الرتابة.. وهناك أعمال كثيرة ومشهورة لم أكن فيها شريرا، وبهذه المناسبة فقد عملت مع المخرج "حسام الدين مصطفى" دورا جديدا فى فيلم اسمه "رجل وامرأة"... وأعتقد أن هذا الفيلم لو قدر له النجاح فسيصبح بذلك نقطة جديدة ومهمة فى تاريخى الفنى السينمائى.

يا لها من أمور مضحكة تلك المواقف التى تسببها لى أدوار الشر، منذ مدة بسيطة كنت أمثل فى الإذاعة دور رئيس عصابة يذيب النقود.. وذات مساء مررت على جزار أشترى منه لحما أيامها كان شعرى أبيض أعطيت الجزار ورقة من فئة العشرة جنيهات فراح ينقل البصر بينها وبينى فى شك واضح، ثم قال لى: حضرتك توفيق الدقن؟ قلت له لا.. قال: فيك شبه كبير منه قلت وهل هو شعره أبيض؟ أعطانى الباقى حينما هممت بالخروج لاذ لى أن أداعبه فقلت له إيه رأيك بقى إن أنا توفيق الدقن.. فسحب الساطور واعترض طريقى وطالبنى بالمبلغ.. ولم ينقذنى من ساطوره إلا جاره  الخردواتى الذى أخذ  يضحك وغير له العشرة جنيهات بورقة أخرى!

شهرتى لم تؤثر على علاقتى الزوجية زوجتى مثقفة.. ليسانس آداب قسم إنجليزى وتجيد اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة، وكل اطلاعاتى من خلالها، فهى تقرأ لى ما لا لم تمكننى الظروف من قراءته..

فى بداية حياتنا الزوجية لاحظت هى أن كل أفلامى ضرب وتآمر وسرقة وما إلى ذلك.. و فى لحظة صفاء بينى وبينها قالت : أظن يا توفيق لا يمكن أن يصرح لك المخرجون أن تٌقبل واحدة!. زوجتى كانت موظفة ثم استقالت وتفرغت للأولاد.. أولادى ثلاثة: "هالة 11 سنة.. ماضى 9 سنوات.. فخر الدين 7 سنوات"..

لم تتضح ميولهم بعد.. وإن ظهرت عليهم أعراض فنية  فيكون قدرا مكتوبا عليهم ولن يكون لى دخل فى تغييره.

 الأقاليم.. والنقاد والسبعينات

مسرح السبعينات هو مسرح على سالم ومحمود دياب، وقصة السبعينات لم  تتضح ملامحها بعد إلا إذا نبع كاتب جديد من مصطفى يوسف إدريس ونجيب محفوظ، أما الألاعيب البهلوانية التى تصيبنى فى الصحف والمجلات هذه الأيام فهى لا تقنعنى، ولذلك فذهنى يرفض  استيعاب حتى أسماء كتابها..

نزول المسرح إلى الأقاليم هو السبيل الوحيد لخلق الشخصية المصرية الحقيقية والمسرح المصرى الحقيقى، والرأى المخالف له هو وجهة نظر إقطاعية أنانية.. أملى لحركة المسرح الشمول والانتشار.

مع احترامى لجميع النقاد الموجودين حاليا فإن أحدا منهم لم يأت بجديد بعد وفاة المرحوم محمد مندور.. وكلهم مجتهدون والحمد لله..

سؤال: يحصل إيه لو نشرتوا صورتى ع الغلاف؟!

"ضحكات عالية" ربنا يستر.

Katen Doe

سماح جاه الرسول

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

المزيد من المجلة زمان

فى ذكرى رحيل عبد المنعم مدبولى الـ 19 نعيد نشر مذكرات بابا عبده

رغم ميولى الكوميدية فأنا أجيد التراجيديا زكى طليمات شغلنى «كومبارس» فى مسرحية «المنقذة» وقال لى: «اقطع دراعی لوخدت الدبلومة» المسرح...

سلوى حجازى: أنا متصوفة.. وأداوم على زيارة السيدة زينب وسيدنا الحسين

فى ذكرى رحيلها الـ 55 نعيد نشر حوار نادر معها.. أردد فى الصباح والمساء «إن مع العسر يسرًا» الخير كجزيرة...

مصطفى أمين فى حوار عمره 38 عاماً: الكسالى ليس لهم حقوق إنسان

فى ذكرى ميلاده الحادية عشرة بعد المائة لم أعش طفولتى.. ولم يكن لى شباب.. وكانت لى شيخوخة مبكرة جيلى كان...

حوار إذاعى عمره 37 عاماً أم كلثوم: أحب من إيد أمى الحمام بالفريك والمهلبية

والدى ألبسنى العقال لأكون أٌقرب للولد من البنت الناس تعودت صوتى فى الغناء وليس فى الكلام رفضت أن أغنى لسكران...