ولدت "سيدة الشاشة العربية" فى 27 مايو عام 1931 بالمنصورة، وقدمت -وهى لاتزال طفلة- فيلمين،
هما "يوم سعيد" عام 1940 و"رصاصة فى القلب" عام 1944، وكلاهما من إخراج المخرج محمد كريم، وحينما بلغت "فاتن حمامة" السادسة عشرة اختارها الفنان الكبير "زكى طليمات" ضمن فريق الدفعة الأولى بالمعهد العالى للمسرح عام 1944 للظهور على خشبة مسرح الأوبرا بحضور الملك فاروق عام 1946 فى مسرحية "موليير والبخيل" التى كانت من إخراجه، لكنها لم تمثل على المسرح بعد ذلك إلا دورين وفى إطار المسرح الجامعى أيضا مع فرقة كلية طب قصر العينى عام 1950 ومع فرقة كلية العلوم عام 1952.
أثناء دراستها بالمعهد العالى للمسرح، قدمت فاتن حمامة دور الابنة المراهقة فى عدة الأفلام سينمائية، منها "أول الشهر" من إخراج "عبدالفتاح حسن" عام 1945، وفيلم "دنيا" من إخراج "محمد كريم" عام 1946، وفيلم "الهانم" من إخراج "هنرى بركات" عام 1946، وفيلم "ملاك الرحمة" من إخراج "يوسف وهبي" عام 1946، وفيلم "ملائكة فى جهنم" من إخراج "حسن الإمام" عام 1946 أيضا، فضلا عن أفلام أخرى ظلت فى ذاكرة السينما لعقود طويلة، مثل فيلم "ابن النيل، المنزل رقم 13، لحن الخلود، سيدة القصر، بين الأطلال، دعاء الكروان، نهر الحب، الحرام، الخيط الرفيع، إمبراطورية ميم".
تزوجت "فاتن حمامة" ثلاث مرات، الأولى من المخرج "عز الدين ذو الفقار" وأنجبت منه ابنتها نادية، والمرة الثانية من الممثل العالمى "عمر الشريف" وأنجبت منه ابنها طارق، وتزوجت فى المرة الثالثة من الدكتور "محمد عبدالوهاب"، وأقامت "فاتن حمامة" خارج مصر فى الفترة من عام 1965 إلى 1971، حيث عاشت فى بيروت ثم لندن، وفى هذه الفترة مثلت فيلمين فى لبنان، وهما "رمال من ذهب" من إخراج يوسف شاهين عام 1966، وفيلم "الحب الكبير" من إخراج "هنرى بركات" عام 1969.
وفى هذا الشهر تتذكر "الإذاعة والتليفزيون" النجمة الراحلة "فاتن حمامة" فى ذكرى ميلادها الـ92 بحديث عمره 63 عاما كتبته الصحفية "زينب محمد حسين" على صفحات المجلة فى العدد رقم 1319 بتاريخ 25 يونيه 1960.. وإلى نص الحوار
فاتن نجمة السينما العربية.. الفنانة الأصيلة التى بدأت الكفاح من المهد طفلة، واستمرت فى نضالها تحت الأضواء صبية، وشابة، وزوجة وأمًا.. ثم صعدت السلم درجة درجة، فى ثقة وصبر واتزان وإيمان.. إنها أروع مثل للعاملات اللاتى كافحن ونجحن، وأصبح من حقهن علينا أن نقدمهن فى القمة!
أطلت على المعركة، معركة الكفاح، قبل أن تنتظم العبارات السليمة على شفتيها الرقيقتين.. كانت طفلة عندما أحست بأنها شیء، وأن میادین الحياة أكبر من غرفة الجلوس التى تلهو فيها بعرائسها ولعبها.. عرفتها السينما منذ عشرين سنة "كتكوتة" صغيرة ولا زالت حتى الآن، رغم أنها أم"نادية"، و«طارق».. وفاتن مع الأمجاد الفنية التى حققتها، لم تتجاوز التاسعة والعشرين من عمرها بعد، وإن كنت لا تعطيها أكثر من ١٧ سنة، فهى من مواليد حی عابدين فى أول مايو سنة ۱۹۳۱.
فاتن.. لعبة
و«تموت» فاتن على نفسها من الضحك، وهى تروى لك سر تسميتها باسم «فاتن»..
"كان لشقيقى الأكبر دمية كبيرة من دمى الأطفال، وكعادة الأطفال أطلق شقيقى عليها اسم فاتن، وكان أول ما يفعله عندما يستيقظ من النوم، الجلوس فى السرير والصياح: "هاتولى.. فاتن".. وبدأ اسم «فاتن» يجرى على كل لسان فى بيتنا، ولد الاسم فى الأسرة قبل أن أولد، فلما جئت إلى الحياة، انتقل الاسم من دمية صغيرة ذات شعر أصفر مجدول إلى طفلة كثيرة الصياح هى أنا.
ولا تخفى فاتن أنها وهى طفلة كانت "عفريتة".. حركة دائبة لا تهدأ أبدا، هوايتها القفز والجرى، واللعب، ومعاكسة الفكهانية وباعة الخيار.
تذكر أنها وهى فى الخامسة أو السادسة من عمرها، كانت تقف بجانب دكان الفكهانى المجاور لبيتهم، حتى إذا وجدته غافلا عنها انقضت على مشمشة أو خوخة، ثم اختطفتها. ووضعت ذيلها فى أسنانها وانطلقت هاربة. بينما "العيال" يتصايحون من خلفها: "حوش يا عم محمد.. فاتن سرقت مشمشة".. ولكن عم محمد لم يكن يستطيع أن يدركها، فقد كانت تسبق الريح.
ممرضة
ولم تكن هواية خطف مشمش الفكهانى، وخيار الباعة هى كل هواياتها، فقد كانت تكاد تعبد السينما عبادة.. كانت أسعد أوقاتها تلك التى يصطحبها فيها أبوها مع أسرته إلى السينما.. وكان الأب يجد لذة كبيرة عندما يعود الجميع من السينما، فيضع الصغيرة على ركبتيه ويستمع إليها وهى تلخص قصة الفيلم الذى شاهدته. وتقرن القصة معبرة بوجهها ويديها عن المشاهد التى مرت بها، والويل للأب إذا كان الفيلم فيه «ضرب».
وتقول فاتن:
"ولقد أفادتنی هوایتی هذه كثيرا، فقد عودتنى قوة الملاحظة، کما دربتنى على الإلقاء.. فقد كان والدى يصحح لى ما أنطقه من ألفاظ محرفة كما كان يشرح لى المواقف، التى كان يعجز عن استيعابها إدراكى لأمور الحياة".
وذات يوم طرق المستقبل باب أسرة «فاتن».. كانت الأسرة وقتئذ قد انتقلت مع الأب بحكم عمله إلى «المنصورة»، وحدث أن قرأ الأب إحدى المجلات الأسبوعية المصورة، عن مسابقة للأطفال، فخطر له أن يشترك بصغيرته فاتن فى المسابقة..
وفى اليوم التالى اصطحبها إلى مصور فى المدينة. والتقط لها صورة، وهى ترتدى زى الممرضات.. ثم بعث بها إلى المجلة..
ونشرت الصورة فى المجلة وطارت «فاتن» من الفرح، وبعد أيام بعث المستقبل رسالة "لفاتن" يدعوها فيها لتضع قدمها الصغيرة على أول السلم.. سلم المجد الفنى..
كانت الرسالة من «شيخ المخرجين محمد كريم»، يقول فيها إنه وقد رأى صورة الصغيرة الحلوة فى المجلة، فإنه يدعوها للقيام بدور فى فيلم عبد الوهاب الجديد "يوم سعيد".
المعلم كريم
لم يكن الفن قد طرق باب الأسرة من قبل، ولكن الصغيرة عرفت كيف تفتح له الباب ليحملها إلى القمة.. وسافرت فاتن «٨ سنوات» مع أبيها إلى القاهرة، واتفقت مع كريم على القيام بالدور.
وبدأ التدريب على يد يد "محمد کریم"، وأخذت فاتن المسألة "جد".. اعتبرت محمد كريم كأحد مدرسيها فى مدرسة المنصورة الابتدائية، التى تتعلم فيها، وأطلقت عليه اسم "المعلم كريم".
ولم يكن "كريم" بحاجة إلى كثير من قطع الشيكولاتة التى كان يقدمها لها حتى يحفزها إلى الإجادة والإتقان.. فقد نجحت فاتن نجاحا باهرا.
وتذكر «فاتن» أنها كانت كلما وقفت مع "عبد الوهاب" فى الاستوديو ليلتقط لهما المصور مشهداً، وسمعها "عبد الوهاب" وهى تتكلم "فطس" على روحه من الضحك، ولذلك كانت تصرخ هى فيه أن يكف عن الضحك، وكان صراخها هذا يضاعف من ضحكه. و"يبوظ" المشهد..
وحدث مرة أن تضايقت "فاتن" من ضحك "عبد الوهاب"، فرفعت اصبعها الصغيرة فى الهواء وصرخت فيه: "انت راح تشتغل كويس ولا نجيب غيرك".
وهنا لم يضحك "عبد الوهاب عبد الوهاب" بمفرده، ضج "البلاتوه" كله بالضحك، بينما هى تسأل نفسها : «اشمعنى المعلم كريم يطرد الممثلين ويجيب غيرهم وأنا لا ؟».
ومرت الأيام، وانتهت «فاتن» من دراستها الابتدائية، والتحقت بمدرسة الأميرة فوقية الثانوية بالجيزة، وكانت الأسرة قد انتقلت إلى القاهرة، وانضمت فاتن إلى فرقة التمثيل، ورشحها دورها فى فيلم «يوم سعيد" لرئاسة الفرقة.
راقصة بارعة
لم يكن التمثيل هواية «فاتن» الوحيدة، كانت أيضا تهوى الرقص التوقيعى فانضمت إلى فرقة الرقص بالمدرسة وسرعان ما تفوقت على زميلاتها، حتى أصبحت المدرسة كلها تتحدث عن فاتن البارعة فى الرقص، كما تتحدث عن فاتن الممثلة الصغيرة.
فى هذا الوقت تنبه الوسط الفنى للفنانة الصغيرة، وانهالت العروض على والدها من الشركات، تدعوه للتعاقد معه باسم ابنته، ولكن الأب رفض، فقد كان قد أعطى كلمة «لمحمد کریم»، و«عبد الوهاب»، أن تمثل ابنته لحسابهما سنتين.. وعندما علم «عبدالوهاب» بالعروض الجديدة، بعث إلى أبيها، وقدم له طلباً لظهور فاتن فى فيلمين من انتاجه، مقابل 42 جنيهاً..
كنت مغرورة.
وتوالى ظهور فاتن فى السينما.. ظهرت فى فيلم "أول الشهر" مع حسين صدقى وصباح و"ملايكة فى جهنم" مع السيد بدير، و «ملاك الرحمة» مع يوسف وهبى.. وبدأ نجمها يلمع بشدة، وهى فى الخامسة عشرة من عمرها.. وفاتن بشر.. فتسلل الغرور إليها، وحدث يوما أن اتصل بها أحد الصحفيين تليفونيا فردت - كما تقول هى - بكبرياء و«عنطزة» ولكنها لم تكمل المكالمة، لأن قلما ساخنا هوى على خدها، فسقطت السماعة من يدها، ونكست رأسها أمام أبيها الذى «لهفها» القلم عقاباً لها على جريمة الغرور..
"ومن يومها وأنا أتعامل مع الناس ببساطة وكان ذلك سببا من أسباب نجاحى".
ورأت «فاتن» أنها يجب أن تدرس التمثيل دراسة مبنية على أسس سليمة. فالتحقت بمعهد التمثيل، وكانت الدراسة فيه مسائية.. وفى اليوم الأول مر بالفصل الذى التحقت به عمید المعهد وقتئذ، «الأستاذ زكى طليمات»، فلمحها جالسة بين الطالبات فناداها وسألها عن الدور الذى تقدمت به فى امتحان القبول، ولاحظ «زکی» من إجابتها أنها تنطق الراء «غين، فوقف أمام السبورة، وكتب جملة طويلة مليئة بحرف الراء. وطلب منها أن تقرأ الجملة بصوت مرتفع، فلما قرأتها كان يغطى أذنه بيده حتى لا يسمع نطقها لحرف الراء.
وفجأة سألها : " طلعى لسانك يا فاتن"..
فضحكت وسألته: «اطلع لسانی ليه؟» فقال: علشان أشوف الحتة اللى ناقصة منه».
ومنذ ذلك اليوم قامت الصداقة بين «التلميذة فاتن، وأستاذها زكى طليمات". ولم يمض عام حتى كانت فاتن قد تخلصت من نطق الراء "غين "..!
ولكن فاتن لم تستمر غير هذا العام فى المعهد.. فقد تزايد عليها ضغط العمل فى الأفلام كما حل موعد الامتحان فى المدرسة، ولذلك تركت الدراسة بالمعهد لتتفرغ لعملها فى السينما، والاستعداد لامتحان البكالوريا.
أبو زيد الهلالى
وفى بيت الفن، التقى المخرج عز الدين ذو الفقار ذات يوم بفاتن وأسرتها، وارتبط مع أبيها بصداقة قوية، وكان «عز الدين» يستعيد لاخراج فيلم «أبو زيد الهلالى" فأسند لفاتن الدور الأول. لأول مرة فى حياتها. وكانت خطوة هامة فى حياتها الفنية.. ونجح الفيلم ونجحت فاتن، وقامت بعده ببطولة فيلم «العقاب» وبدأت تلمع كنجمة فى الصف الأول.. وتقدم «عز الدين» يطلب يد فاتن، ووافق أبوها بشرط أن يؤجل الزواج إلى ما بعد انتهائها من دراستها الثانوية، حيث تلتحق بعد ذلك بكلية الحقوق، ثم تشتغل أستاذة فى الجامعة.. ورضی «عزالدين» بالتأجيل.. ولكن القدر أراد شيئا آخر، فبينما هى تقوم بدورها فى فیلم «خلود» الذى اشترك فى انتاجه والدها مع «عز الدين ذو الفقار»، اتفقت مع عز الدين على الزواج، ونفذ الاتفاق فورا، وكانت مفاجأة للأسرة حين عاد «عز، وفاتن» من عند المأذون زوجين..
ولم تستطع فاتن التوفيق بين عملها وبيتها ودراستها، فانقطعت عن الدراسة، على أن تستكملها من المنزل.. ووضعت طفلتها الأولى "نادية" فى يناير ١٩٥١، أى وهى فى العشرين من عمرها.
وانهالت بعد ذلك بطولات الأفلام على «فاتن» ثم أنتجت أول أفلامها «موعد مع الحياة»، الذى أخرجه عز الدين، واعتبره النقاد حدثا فنيا ضخما فى تاريخ السينما العربية.. ثم شاء القدر أن تنفصل «فاتن» عن «عز الدين» وتلتقى «بعمر الشريف» فى فيلم «صراع الوادى»، وبعد عامين من اللقاء، تزوجت وأنجبت ولدها «طارق».
وتألقت فاتن فى أكثر من ٥٠ فيلما حتى الآن وبلغت القمة فى فيلمها «دعاء الكروان» الذى ستشترك به «الجمهورية العربية المتحدة» فى مهرجان الأفلام العالمى القادم، كما اختيرت عضوا فى المؤتمر الآسيوى الافريقى، وجلست بجواره على عرش السينما العربية.. فى القمة.. وأخيرا اختيرت عضو المؤتمر العام بالاتحاد القومى.
سالتها:
ألم يصادف أحد أفلامك شيئا من الاخفاق؟
وأجابت:
أجل.. فيلم "أرض السلام" مع أننى كنت راضية كل الرضا عن دورى فيه.
ما سبب تخلف الفيلم العربى؟
قلة المال، وضعف القصة.
ما الذى يخيفك؟
الحسد.. والظلام.
ما رأيك فى قانون تنظيم الصحافة؟
كان لابد من وجوده ليحمى الناس من التدخل فى شئونهم الخاصة، وخصوصا المشتغلين بالفن.
هل تغفرين لزوجك إذا وقع فى هفوة؟
نحن بشر.. ولسنا معصومين من الخطأ.. ويجب أن تغفر المرأة لزوجها هفوته، بشرط ألا تتصل هذه الهفوة بتجريح كرامتها أمام الناس.. فالمرأة التى تتغاضى عن كرامتها، تسقط فى نظر رجلها، والمجتمع من حولها.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
"رتيبة الحفنى" أسطورة الغناء الأوبرالى والسوبرانو، حيث حققت فى هذا الفن الغربى ما لم تحققه فنانة عربية من جيلها أو...
قبل 50 عاماً صدر عدد مجلة الإذاعة والتليفزيون فى مطلع أكتوبر دون أى إشارة للمعركة المحتملة، رغم تواصل أبنائها الدائم...
سر نجاحى فى كلمتين «التواضع» و«عدم الغرور»/ «كمال سليم» أستاذى فى السينما.. و«عزيز عيد» فى المسرح/ راتبى بعد الضرائب «42...
وقف الطفل "كمال الشناوى" يؤدى أول أدواره السينمائية فى مدرسة المنصور الابتدائية، وكان فى العاشرة من عمره، لتمر السنوات ويشاهد...