تظل ذكرى فريد الأطرش فى وجدان العالم العربى بأسره، منذ أن استمع الناس إلى صوته الشجى لأول مرة عام 1934 وحتى رحيله فى 26 ديسمبر عام 1974.
حيث اهتم فى غنائه بألوان مختلفة؛ فأغنياته تتميز بالإيقاع الشعبى واللحن الشرقى، وأغنيات بالموال وأخرى بالإيقاع الراقص؛ فقد قدم فريد خمسمائة أغنية بصوته وبلحنه.
فى بداية طريقه الفنى تعرف على المغنى "محمد العربى" كما تعرف على الموسيقار "داوود حسنى" الذى قدمه لبديعة مصابنى لتضمه إلى فرقتها والملهى الخاص بها "كازينو بديعة"، فى تلك الفترة تعرف على الموسيقار "مدحت عاصم" الذى كان وقتها مراقبا للموسيقى والغناء بالإذاعة المصرية فقدمه بأركان الغناء بالإذاعة كما لحن له أغنية "ميمى".
قد عاصر فريد الأطرش فى السينما ثلاثة أجيال؛ حيث ظهرت أعماله الأولى مع مرحلة "محمد عبدالوهاب، أم كلثوم"، ثم نافست أعماله المرحلة الثانية التى تمثلها ليلى مراد ومحمد فوزى، ثم امتد عطاؤه فى المرحلة الثالثة والبارزة فى رموز السينما وهى شادية وعبدالحليم حافظ ، فكان العمل الأول لفريد الأطرش وشارك فيه شقيقته المطربة "أسمهان" عام 1941 بعنوان "انتصار الشباب" وبعدها قدم نحو ثلاثين فيلما خلال فترة 1944 وحتى عام 1974، وقد أخرج هذه الأفلام عدد من نجوم الإخراج، منهم "يوسف شاهين" أخرج له فيلمين وأحمد بدرخان أخرج له 12 فيلما وهنرى بركات أخرج 9 أفلام، وفيلما واحدا لكل من عاطف سالم، وفطين عبدالوهاب وكمال الشيخ وحلمى حليم.
وبرغم انشغاله بألحانه الخاصة إلا أنه وضع ألحانا لأصوات أخرى ناجحة قدمت معه ثنائيات منهم، فغنت من ألحانه "شادية" فى أغنية يا سلام على حبى وحبك وزينة زينة، واللى بيعشق، اسمه الهوى، ومع الصوت النسائى الجميل"صباح" أغنية يا دلع.. دلع، و"مالكش حق للمطربة نور الهدى، ولوردة الجزائرية روحى وروحك، ومع فايزة أحمد يا حلاوتك يا جمالك، ولشهرزاد أغنية إدينى ميعاد، ولمحرم فؤاد يا واحشنى، ولسعاد محمد بقى عايز تنسانى، وللمطربة نازك متقولش كنا وكان ويا ريت دا كله ما كان.
ولتفرد شهرة أعمال فريد الأطرش نالت اهتمام موزعين أجانب، فمنهم ما قام به الموزع الأرمنى السوفياتى "هاجو بيان" لألحان أغنيات يا زهرة فى خيالى، زينة زينة،والموزع الفرنسى "فرانس بورسيل" أغنية يا جميل يا جميل، أنا اللى بحبه، والموزع اليونانى "دينو دانو" لأغنيات وياك وياك، يا ملكة القلب، ونورا.
فى ذكرى رحيله الـ 48 نتذكره بإستعادة حوار له مع مجلة الراديو المصرى عمره 83 عاماً حيث نشرته المجلة فى عددها 214 الصادر بتاريخ 22 إبريل 1939، فإلى نص الحوار.
«قصة حياة عجيبة للفنان؛ هاجر من بلاده هربا من الثورة وهو لا يزال طفلا، فإذا به يصبح مطربا يشار إليه بالبنان فى غضون بضع سنوات».
قد تكون قصة حياة الأستاذ فريد الأطرش المطرب المعروف من أعجب قصص حياة الفنانين الموهوبين، فقد هاجر من وطنه إلى مصر هربا من الثورة التى كانت مستفحلة فيه، والتى اشتعلت نيرانها حينا طويلا، فاكتوى بها الكثيرون من أهله، هاجر من بلاده خالی الذهن من المستقبل الذى خبأه له الغيب فى طياته؛ فإذا به يتجه به نحو عالم لم يكن يخطر فى باله أنه سوف يكون من رجاله البارزين.
وهنا حدثنا الأستاذ فريد الأطرش عن حياته:
هكذا جئت إلى مصر
اندلعت ألسنة الثورة فى وطنى جبل الدروز، ونشط أهلوها إلى الذود عن حياض الوطن والدفاع عن الحرية المحبوبة، وكان أهلى فى طليعة هؤلاء الثائرين، وعمى سلطان باشا الأطرش يقود الثائرين.
وإذ آمن والدى بأن الجهاد سوف يطول وأن نيران الثورة سوف تمتد إلى أبعد الحدود، فقد رأى أن يبعد أسرته عن الميدان ليتفرغ هو إلى جهاده، فسافرت والدتى من الجبل وأخذتنا معها إلى مصر: شقيقى الأكبر الذى كان يبلغ الحادية عشرة وأنا وكنت فى التاسعة وشقيقتنا وكانت لا تزال فى السابعة من عمرها.
أخفيت دينى الحقيقى
أرادت والدتى أن تكمل تعليمى، وكانت مواردنا نحن الهاربين من الثورة الجارفة محدودة، وكنت قد بدأت تعليمى باللغة الفرنسية، فلم يكن هناك بد من إلحاقى بإحدى المدارس الفرنسية بالقاهرة.. ودخلت مدرسة "الفرير"، ولكى أفوز بعناية المدرسة، فى حدود مواردنا الضئيلة أخفيت اسمى الحقيقى والتحقت بالمدرسة على أننى مسيحى من الكاثوليك، وبهذه الطريقة فزت بدراسة مجانية ولبثت بين إخوانى الطلبة المسيحيين "أتناول واعترف" مدة ثلاث سنوات كاملة.
مرتل فى الكنيسة
مضيت فى الشوط إلى أبعد مدى، فقد كنت أشهد حفلات الكنيسة وكنت أمارس مع زملائى التراتيل الدينية، وفى الكنيسة بدأت تظهر مواهبى فى الغناء وبدا صوتى جميلا مقبول النغم حلو الترتيل، فكان هذا باعثا لمدير المدرسة على زيادة إعجابه بی وعطفه علىّ وإلى هذا الإعجاب وذاك العطف ترجع أول صدمة تلقيتها فى حياتى المدرسية.
طردونى من المدرسة
حدث أن زار المدرسة أحد أساتذة الخط من موطنى، ودفع الإعجاب ناظر المدرسة إلى أن يباهى بى وبصوتى، فدعانى ليقدمنى إلى ذلك الأستاذ، وما كاد الأستاذ يرانى حتى عرفنى وأراد هو الآخر أن يباهی بی فقال إننی من أسرة عريقة ذات صيت بعيد وأن أهلى من كبار رجال جبل الدروز.
وذكر الأستاذ اسم أسرتى ولقبى فدهش ناظر المدرسة وأعلن أن اسمى غير الاسم الذى ذكره الأستاذ وأنى مقيد بسجلات المدرسة تحت اسم فريد.. لا فريد الأطرش، ولكن الحقيقة ما لبثت أن انكشفت بعد أن أخفيتها ثلاث سنين وكان جزائى الطرد من المدرسة.
الأستاذ مرة أخرى
أردت أن ألتحق بمدرسة أخرى لأتمم دراستى، على أن تكون المدرسة فرنسية أستطيع أن أتابع تعليمى باللغة الفرنسية فيها، فوقع اختيارى على مدرسة الروم الكاثوليك واستعملت الحيلة القديمة لأتمكن من دخول المدرسة والتعلم فيها مجانا.
ويشاء القدر الساخر أن يسوق الأستاذ سالف الذكر إلى مدرسة الكاثوليك، وإذا بأمرى ينكشف مرة أخرى على يديه الكريمتين.. ولكن إدارة المدرسة لم تفصلنى هذه المرة إذ كان باقيا على السنة الدراسية وقت قصير.
التلميذ الخائب
يظهر أن إدارة المدرسة أرادت أن تعاقبنى على تضليلى لها بطريقة جديدة، فقد رفضت أن تقدمنى إلى امتحان الشهادة الابتدائية بحجة أننى تلميذ خائب وسقوطى فى الامتحان مضمون أكيد.
وهى لا تريد أن تقدم إلى الامتحانات العامة الحكومية إلا الطلبة المضمون نجاحهم لحفظ سمعتها بين المدارس.
وفى الحقيقة أننى كنت كثير الغياب عن المدرسة قليل التتبع للدروس بسبب كثرة سهرى، إذ كنت فى فى ذلك الحين أغنى فى بعض السهرات الخاصة وأتردد على المعهد الملكى للموسيقى لأتعلم فيه العزف على العود.
وبعد رجاء وإلحاح وتوسل لإدارة المدرسة تم تقديمى إلى الامتحان.
وتشاء الظروف أن تخيب ظنون إدارة المدرسة، فنجحت فى الامتحان وكنت أول الناجحين من طلبة فرقتى الدراسية، على الرغم من أننى كنت ساهرا حتى قرب الفجر، فى إحدى الحفلات، كنت أغنى وأعزف على العود فى ليلة الامتحان.
فى المعهد الملكى
على ذكر المعهد الملكى للموسيقى أقول إن المغفور له أحمد زكى باشا، وكان يعرف أسرتى، هو الذى قدمنى إلى صاحب العزة مصطفى رضا بك مدير المعهد ، فرعانی بعنايته وعطفه.
وقد كان من آثار ذلك العطف أن مصطفی رضا بك رتب لى مكافاة شهرية قدرها جنيه مصرى تشجيعا لى على المواظبة على الذهاب إلى المعهد ومواصلة الدراسة فيه.
وكنت أتعلم فى المعهد الملكى للموسيقى العربية العزف على العود، ولكننى لم أكن أكتفى بما أتلقاه هناك، بل كنت أداوم العزف والتمرين فى البيت معتمدا على نفسى فأفدت من هذا كثيرا جدا.
فى عالم الاحتراف
بعد أن نلت الشهادة الابتدائية تغلب حبى للموسيقى على رغبة أهلى فى مواصلتى للدراسة فانقطعت عن الذهاب إلى المدرسة وعكفت على تعلم الموسيقى فى شغف وإقبال كبيرين، واستأنفت إحياء الحفلات والسهرات الخاصة فى بيوت الكبراء والعظماء دون أن أظهر فى حفلات عامة.
وسمعت بى السيدة بديعة مصابنى فدعتنى إلى الغناء فى صالتها المعروفة، فكان ظهورى أمام الجمهور لأول مرة فى تلك الصالة، وكنت أغنى وحدى دون استعانة بتخت، وكان غنائى عبارة عن بعض أغان سورية ومقطوعات من تلحين سوری، كما كنت أشترك فى بعض الاسكتشات.
فى الإذاعة اللاسلكية
أوشكت محطة الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية أن تفتح أبوابها، وكان الأستاذ مدحت عاصم يطوف بالأندية الموسيقية باحثا عن المطربين والعازفين، وتصادف أن زار المعهد الملكى للموسيقى العربية فى وقت كنت أعزف فيه على العود فأعجب بعزفى، فلما افتتحت المحطة دعانى لإذاعة "عود منفرد" ثم حبب إلىّ إذاعة الأغانى ولكن محصولى منها كان ضئيلا وليس فيه من جديد.
وساعدنى الأستاذ مدحت عاصم مساعدات لا زلت أذكرها له إلى الآن شاكرا، فقد مكننى من أن أغنى بمصاحبة التخت ومكننى من أن أذيع لأول مرة قطعة من تلحينى هى (بحب من غير أمل).
وفى الحق أن ما اكتسبته من شهرة وإقبال يرجع إلى محطة الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية؛ فهى التى عرفتى إلى الجمهور، لا فى مصر وحدها بل فى جميع الأقطار العربية.
غضب الأسرة
لا يفوتنى أن أذكر أن ذيوع اسمى كمطرب كان سببا فى غضب أسرتى، إذ لا يخفى عليكم أن أهل جبل الدروز لا ينظرون إلى احتراف الغناء والطرب كمهنة لائقة بأبنائهم العريقين، حتى أن والدى تبرأ منى وأعلن حرمانى إذا لم أكف عن فى هذا السبيل.
ولكننى لا زلت بأبى حتى أقنعته بأن لا عار فى الأمر، وكنت أتردد على الجبل بعد أن هدأت الثورة، من حين إلى حين حتى اكتسبت رضاه عنى.
أسرة فنية
أذكر بهذه المناسبة أن شقيقتى كانت ولوعة هى الأخرى بالموسيقى والغناء، ولكنها لم تجرؤ على إظهار ذلك خوفا من غضب الأسرة، وقد دعينا هى وأنا إلى ملء بعض اسطوانات الغناء، فاشترطت عدم إذاعة اسمها أو كتابته على الاسطوانات فملأتها تحت اسم مستعار هو الآنسة "أسمهان" وكنا فى ذلك الوقت لا نزال تلميذين.
وحب الموسيقى عريق فى أسرتنا فإن والدتى تجيد العزف على العود، وقد أخذنا أنا وشقيقتى هذه الهواية فكان أول تعليمنا بالأخذ عنها.
وأخيراً.. حدثنا الأستاذ فريد الأطرش عن إذاعاته فى محطة فلسطين فقال: كانت تستعيره من محطة القاهرة وكان يتصادف أن تكون له إذاعة فى فلسطين فى أحد الأيام وأخرى بالقاهرة فى اليوم التالى، فكان يسافر بالطائرة من فلسطين إلى القاهرة فيسمعه الناس، وفى اليوم الثانى بمصر.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
"زكى محرم محمود رستم" أو "زكى رستم" فنان قدير لمع اسمه على مدى أربعين عاما، من منتصف العشرينيات وحتى
ولد "أحمد حافظ مظهر" بحى العباسية وسط القاهرة، وتخرج فى الكلية الحربية عام 1938، وضمت دفعة تخرجه
ولدت "سيدة الشاشة العربية" فى 27 مايو عام 1931 بالمنصورة، وقدمت -وهى لاتزال طفلة- فيلمين،
ولدت "وردة فتوكى" أو "وردة الجزائرية" فى فرنسا فى 22 يوليو 1939 لأب جزائرى وأم لبنانية، وبدأت الغناء فى وقت