سعد القليعى: صناعة القوة الناعمة المصرية ليست كيمياء

ينبغى أن يجد المشاهد نفسه فى المسلسلات كتبت الدراما لكل الشبكات الإذاعية الدراما تقدم العشوائيات من داخل القصور

تحدثت مع الإذاعى سعد القليعى ما يقرب من الساعتين، لا أدرى لم كان يسيطر على ذهنى صورة عبدالله النديم أحد أدباء مصر وشعرائها وزجالها وخطيب الثورة العرابية.. ربما لأن ضيفنا كذلك، فهو كاتب قصة ورواية وشعر وزجل ودراما ومسرحيات وأفلام.. وكل ما تتخيله من الفنون والإبداع.

الأجمل أنه حكاء بصوت إذاعى رخيم، تتفاوت نبرة صوته ارتفاعاً وانخفاضاً متحمساً أحياناً ومحبطا فى أوقات أخرى، حروف واضحة من مخارجها الأصلية تضيف على الحكايات جمالاً، يعتقد ـ كما يقول له أصحابه ـ أنه رغاى، لكن حكاياته عن الفنون والإذاعة والثقافة والدراما ممتعة حد الخيال.. وهكذا جاء لقاؤنا معه.

حدثنا عن عملك الإذاعى وكيف كانت الكتابة سبيلك للعالم؟

بدأت بذور الكتابه عندى من الثانوية ثم الجامعة،  كنت أنشر كتاباتى فى المجلات العربيه سواء الشعر أو القصه أو الأغانى لدرجة أنه رغم صدور عدد واحد من مجلة بعنوان "ابن عروس" إلا أننى نشرت بهذا العدد، وكان رئيس تحريرها عبد الرحمن الأبنودى، وحتى اليوم أنشر وأكتب كل أنواع الكتابة، أكتب الأغانى والشعر العامى والشعر الفصيح والمقالات والمسرح والدراما الإذاعية والتليفزيونية والسينما.

 وفى عام 1992 فازت قصيدة شعرية لى فى مسابقة أخبار الأدب التى كان يقيمها الأديب جمال الغيطانى وكانت ذات صيت عربى كبير، وفى عام 1993 فازت قصة لى فى نفس المسابقة، فأصبح اسمى معروفا بعد الحفلين فى عامين متتاليين، وحصلت على جائزة أفضل نص غنائى فى الوطن العربى من الشركة الإعلامية العربية المالكة لشبكة ART، وفى عام 1995 كان ديوانى الأول بعنوان "أجنة الرؤى" قد فاز بجائزة سعاد الصباح، حضر فى هذا الحفل الأديب جمال الغيطانى وفاروق شوشة رحمهما  الله، وحضر صلاح فضل وبعض الكتاب الكويتيين، وكنت قد تخرجت حديثا فى هذا العام فسألنى الإذاعى فاروق شوشة عن شغلى فقلت له إننى خريج كلية العلوم وسأعمل مدرسا، فقال لى بصوته الرخيم إن التدريس مهنة شاقة على المبدع، واكتشفت فيما بعد أنه عمل مدرسا لمدة عام،  فقال لى ذلك من واقع خبرته ولفت نظرى أنه ينبغى أن أبحث عن عمل آخر فحاولت فى الصحافة فعملت بالقطعة لفترة، وكنت مع صديقى وأستاذى فى نفس الوقت الذى درس لى فى الإعدادية ويعمل صحفيا بجريدة الأسبوع هو الكاتب أحمد حسان كنت أقيم معه باعتباره بلدياتى، فاقتطع إعلانا من الصحف يطلب مذيعين بالإذاعة وأعطاه لى، وساعدنى لأقدم فى الإذاعة وخضعت لامتحانات كثيرة فى الصوت واللغة والثقافة، وأذكر من اللجنة التى امتحنتنى الأستاذ عبد العال هنيدى وعمر بطيشة، وأثناء الامتحان الذى تكون من لجان كثيرة، طلبوا منى إلقاء شىء  فطلبت أن ألقى من أشعارى وقلت شعراً مما كتبته،  وبعد أن خرجت قالت لى إحدى الموظفات الموجودات: "مبروك أنت نجحت".. فشعرت أن الشعر قد أثر فيهم، وكانت الكتابة هى سبيلى للدخول للإذاعة.

 وكيف التحقت بالبرنامج الثقافى؟

 تم توجيهى لشبكة صوت العرب بعد النجاح،  فذهبت للإذاعى فاروق شوشة فى آخر أيام عمله قبل إحالته للتقاعد، لأننى حزنت جدا على دخولى لصوت العرب حيث كنت أفضل أحد الروافد المتعلقة بالشعر بناء على توصيات أساتذتى خارج مبنى ماسبيرو، ففضلت الإعلام الثقافى، وذهبت كما أسلفت للإذاعى فاروق شوشة مصطحبا معى صورتى معه حيث كان قد سلمنى جائزة مسابقة سعاد الصباح فى الشعر وذكرته بنفسى حين قال لى بتشتغل إيه وقال لى "تعالى اشتغل فى الإذاعة"،  فطلبت منه أن أذهب للبرنامج الثقافى بدلا من صوت العرب،  فكان سعيدا جدا بطلبى وظل يردد هذا الكلام بين من كان موجودا ويقول لهم إننى أريد البرنامج الثقافى، واتصل بمسئول اسمه محمد وقال له: يا محمد فى حد عاوز ييجى البرنامج الثقافى خصيصاً وحين غادرت مكتبه اكتشفت أن محمد هذا هو الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة مدير عام البرنامج الثقافى آنذاك عام 1996  ونزل معى موظف من مكتب رئيس الإذاعة لإنهاء الأوراق واكتشفت أنه لا أحد يطلب الالتحاق بالبرنامج الثقافى، جلست مع الكاتب محمد إبراهيم أبو سنة وأهدانى ديوانه وكتب عليه إهداء للزميل والصديق وقال لى إنه يقرأ لى ويقرأ لمجموعة من زملائى ذكرهم لى بالاسم.

 ومتى بدأت كتابة الدراما بجانب عملك الإذاعى؟

حتى دخول الإذاعة كنت أكتب القصة والشعر فقط، فجاء الإذاعى فاروق خورشيد رئيس إذاعة الشعب آنذاك رحمه الله وكان رئيس اتحاد كتاب مصر وهو صاحب رواية "على الزيبق"، وباحث فى التراث الشعبى وروائى كبير، فقال إنه قضى حياته ما بين الإذاعة والدراما، وأنه يريد عمل دورة عن الكتابة الإذاعية وكتابة الدراما التليفزيونية، كانت هذه الدورة فى اتحاد الكتاب، وقال إن أولى الناس بها هم الكتاب من الموهوبين وممن لهم منجز فى الكتابة، وقتها كان لى ديوان شعر مطبوع وقصص وحاصل على جوائز، فطلب منى فاروق خورشيد التقديم فى هذه الدورة، فتقدمت إلى الدورة وحصلت على المركز الأول، وقام بالتدريس فيها أساتذة كبار مثل الكاتب محفوظ عبد الرحمن وأسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبد القوى، وأهم الأسماء فى كتابة الدراما فى مصر وعدد من الإذاعيين لنتعلم منهم  كيفية الكتابة الإذاعية، أتذكر منهم المخرج الإذاعى الكبير عبده دياب، الذى علمنا حرفية كتابة النص الإذاعى، وكمشروع للتخرج كتبت سهرة حصلت فيها على المركز الأول فتم ترشيحها للتنفيذ بالإذاعة كان اسمها "رائحة الزهور" عن قصة قصيرة لكاتب أمريكى اسمه "بو هنرى" أعتقد أن اسمها كان "تلك الرائحة" وغيرت اسمها لرائحة الزهور.

 هل نُفذت فى البرنامج الثقافى؟

نعم.. جاء التنفيذ فى البرنامج الثقافى الذى أعمل به، لأن القصة كانت باللغة العربية، كما حصلت هذه التمثيلية على جائزة من مهرجان الإذاعة والتليفزيون، ومن هنا بدأت بالكتابة لزملائى الذين يريدون التقدم للمسابقات المختلفة، أكتب لهم التمثيليات والسباعيات، كما كتبت لـ "صوت العرب" مسلسلا عن رواية الأديب عبد الوهاب الأسوانى "النمل الأبيض" عملتها مسلسلا بعنوان "ورد النيل"  فى 30 حلقة، كما كتبت أغانى المسلسل،  وحصل المسلسل على ثلاث جوائز: الجائزة الذهبية وأحسن مخرج وجائزة الإبداع، ومن هنا بدأت أكتب للإذاعة مسلسلات وتمثيليات سهرة وسباعيات وبرامج وعُرفت ككاتب دراما وأغان.

 أعتقد أنه تم إنتاج رواية "النمل الأبيض" تليفزيونياً أيضاً!

نعم.. كان الفنان القدير خالد الذهبى قد عمل معى فى مسلسل بالإذاعة وكان منتجا منفذاً، ومديراً للمسرح القومى السابق ومثقفا كبيرا،  فطلب منى عمل نفس المسلسل للتليفزيون "النمل الأبيض"، فقلت له إنى لم أكتب للتليفزيون من قبل فقال لى اكتب كما تتصور، وكنت قد حصلت على الدورة سابقا فى الكتابة التليفزيونية، فاجتهدت فى الحصول على كل المصادر المترجمة فى كتابة السيناريو منذ بداية كتابة الفيلم الصامت حتى وقته، وحاولت إتقان الكتابة التليفزيونية لأننى لست دارسا متخصصا لها، ثم قلت له إننى سأكتب ثلاث حلقات وليقرر بعد ذلك فوجدت أن هناك لجنة محترمة فى التليفزيون من النقاد الكبار الذين يقرأون النص ويكتبون تقريرا حوله، كان بها دكتورة نهاد صليحة وحسن عطية وأساتذة الدراما فى مصر، فكتبت الثلاث حلقات على استحياء وجدت تقرير لجنة التقييم الدرامى مكتوبا فيه نصا أحفظه حتى اليوم يقول: "إننا ومنذ سنوات طويلة لم نقرأ نصا بهذا العمق وهذه الحرفية" وفى آخر التقرير: "ونتمنى أن يأتى تنفيذ هذا العمل على هذا المستوى الرائع الناضج للكتابة"، فأعطانى هذا الكلام ثقة ودفعة لإتمام العمل، ومن ذاك الوقت أكتب الدراما التليفزيونية.

سعد

 وكيف جاءت علاقتك بالمؤلف الكبير أسامة أنور عكاشة؟

الخطوة المهمة لى فى كتابة الدراما التليفزيونية بالنسبة لى مع المؤلف أسامة أنور عكاشة رحمه الله تلك المدرسة الأكاديمية المتفردة، كان يرغب فى عمل ورشة معلنة مكونة من مجموعة من الكتاب الشباب ويقودهم لعمل يحتك بهم لينقل لهم خبرته،  فتحدث مع قطاع الإنتاج فى التليفزيون واختارنى ضمن الفريق المكون للورشة، فسعدت كثيرا وتعجبت كيف عرف اسمى، واتضح لى فيما بعد أنه يقرأ القصص ويتابع الحركة الأدبية، وقدمنا مسلسلا اسمه "القاهرة 2000" على ثلاثة أجزاء نفذ منه جزء ثم تغير رئيس قطاع الإنتاج فتوقف إنتاج باقى أجزاء المسلسل، لكننى على المستوى الشخصى استفدت كثيرا فى تلك الفترة بالاحتكاك بالأستاذ الكبير أسامة أنور عكاشة عن قرب وكان أستاذا فى الصنعة، أزعم أنه أصبحت لدىّ خبرة فى كتابه السيناريو أكثر ممن درسوا وتخصصوا نتيجة هذا القرب، لأننى كنت مثل المغناطيس الذى يمتص أى معلومة يقولها وكنت أسأله فى كل معلومة، ومازلت أتذكر حوارات طويلة جدا معه، وتعلمت منه كيف يكتب السيناريو، والأهم كيف يكون لك وجهة نظر ورسالة وليس مجرد حدوتة، وكان يقول لى إن لدىّ ميزة أننى شاعر فجملتى مشحونة كأن بها كهرباء وليست مجرد جملة عادية بل جملة موسيقية.

 حدثنى عن أهم المسلسلات التى قدمتها إذاعياً وتليفزيونياً!

أعتز كثيرا بمسلسل "ورد النيل" باعتباره أول مسلسل لى، وهو الذى قدمنى ككاتب وشاعر، وأخرجه صديقى المخرج عبدالعزيز زكى بارك الله فى عمره، وأتاح لى الفرصة كاملة فى هذا المسلسل، وقرر أن أكتب أغانيه، وغناها حسن فؤاد وكانت أغانى جميلة، ولحنها د.طارق عباس، ثم أحب كل أعمالى فيما بعد، اجتهدت أن أقدم فيها قيمة تنفع الناس وتمكث فى الأرض، من حوار جيد وتبرير لسلوك الشخصيات، ووجود دوافع نفسية لها وأن تقدم مجتمعاً حقيقياً، وأن يعرف هذا المجتمع نفسه ويجيب عن سؤال الهوية.

 هل كل هذه المشروعات وجدت صداها عبر البرنامج الثقافى؟

فى الدراما كتبت لكل الشبكات مثل صوت العرب والشرق الأوسط والبرنامج العام، والقاهرة الكبرى وإذاعات خارج مصر، فكتبت للبرنامج الثقافى باللغة العربية الفصحى وأعتقد أنه لا يكتب للثقافى إلا الأعمال التاريخية التى تُقدم بالفصحى أو الأعمال عن نص مترجم، واختارت للثقافى موضوعات تتناسب معه مثل الموضوعات التاريخية وهويتنا وسؤال الذات، وفى كل أعمالى أُلح على سؤال الذات عن أصولنا ومآلاتنا ورسائلنا فى الحياة وكيف تكون للحياة قيمة وكيف يسمو الإنسان فيقترب من الهيئة التى أرادها الله له، قدمت "الشوك والحرير" بالبرنامج الثقافى، وتحدثت فيه عن تاريخ مصر فى مدينة اسمها "قوص" فى جنوب مصر، حيث إن كل من يتحدث عن تاريخ مصر يقتصر على القاهرة فقط، قدمت حدوتة تاريخية تدور فى آخر العصر المملوكى فى مدينة قوص، وتحدثت عما طرأ على الشخصية المصرية فى تلك الفترة وما تغير فيها، واكتشفت أننا كل الأشياء، وكل ما طرأ علينا أصبح جزءاً منا، والثقافة المصرية أشمل وأكثر استيعاباً من الثقافة العربية لأن الثقافة المصرية استوعبت الثقافة العربية التى أصبحت جزءاً منها، ومازالت الفرعونية موجودة حتى اليوم، وأصبحت الثقافات المنصهرة فى الثقافة المصرية خيوطاً فى نسيج الشخصية المصرية التى هى غريبة جداً ففيها من التناقضات لأنها نتيجة ثقافات عدة.. وقدمت "القابضون على الجمر" عن فترة الدعوة للدولة العباسية، التى قامت على أنقاض الدولة الأموية، فكان هناك أُناس يدعون للثورة على الدولة الأموية، يدعون باسم "الرضا من آل محمد" فالدولة الأموية قامت على أشلاء ودماء سيدنا الحسين بن على، وهناك من ظل يدعو لهدم الدولة العباسية وهدم الدولة الأموية، وللأسف حين أقيمت الدولة العباسية أقيمت لبنى العباس وليس لآل البيت، وآل العباس قالوا العم أولى من ابن البنت فأخذوا ثمرة الجهاد، وقلت عمن تمسك بموقف سيدنا الحسين هم القابضون على جمر الأمانة، لأنه من كان يُكتشف منهم كان يُقتل، وقدمت مسلسلاً بعنوان "قمر بغداد" عن سيدة عظيمة أحبها كثيراً اسمها "العباسة" أخت هارون الرشيد، أحبت جعفر بن خالد البرمكى وكانت سبب نكبة البرامكة وسببا فى أحداث تاريخية كثيرة، وكانت رقيقة وشاعرة وتحب وهذا النموذج يأسر أى إنسان، وكان جعفر بن خالد البرمكى جديراً بهذا الحب، وقدمت للشرق الأوسط مسلسل "الزينة بنت النوايل" وعملت للبرنامج العام المواطن صالح وكبدة أبريل مسلسل كوميدى، وقدمت لصوت العرب "قيود ناعمة" و"الشوك والحرير" و"لالو عامل باللو"، قدمت فى القاهرة الكبرى "شتات الشاهبندر" بطولة أحمد بدير ونشوى مصطفى، وفى التليفزيون قدمت  "ورد النيل" و"القاهرة 2000" وتعاقدت على أكثر من عمل مع مدينة الإنتاج الإعلامى ومع شركة صوت القاهرة، لكن الأحداث أوقفت جهات الإنتاج المختلفة مع تغير الظروف.

 فى كتاباتك ألمح مدى تأثرك ببيئتك وكذلك بالتاريخ؟

صحيح.. التأثر بالبيئة أمر طبيعى حتى أن "ماركيز" قال إن الطفولة مركز الرواية، وحتى الأحداث التى أكتبها بصدق هى الأحداث التى عرفتها ورأيتها فى الطفولة، لأن من هم حول الطفل لا يتحسبونه ولا يعيرونه اهتماماً وهم يسردون ويقصون حكاياتهم، الجميع يحكى دون حساب، الطفل يأخذ ويخزن ما يسمعه، لذا كانت الطفولة مخزن الرواية، ومن محاسن الصدف أنى ولدت فى بيئة ثرية أشعر أنها خُلقت لتلد المبدعين بالصعيد، مليئة بمفردات الحياة وعلاقات الناس ببعضهم ونماذج الشخصيات كلها شخصيات درامية واللغة فى الصعيد كلها مجاز، صعب أن نجد تقريراً فى الصعيد، مثل جملة: "أنت داخل زى الليالى الكحيلة" وجملة "صلبنى فى الشمس" طبعاً ليس صلباً حقيقياً، فاللغة كلها لغة مجاز، كما أن كل مواسمهم غناء، فالصعيدى يغنى وهو يشتغل على المحراث وغيره، ويغنى ويعدد ويُسبل لما يموت له حد، وفى الفرح يغنى وفى ليالى السمر يغنون بفن الواو أو "القوالين" من القول، وهذا القول فن، حتى الألغاز بالفن.

 هل لديك شخصيات آسرة فى التاريخ كتبت عنها؟

نعم.. مثل شخصية العباسة التى فتنتنى وتكاد تكون نموذج المرأة المستحيلة، وكتبت فيها كل ما يتمناه الرجل فى المرأة، وكذلك شخصية أحد أبطال رواية "النمل الأبيض" كان له ابن استشهد فى67، وابن فقد ساقه فى حرب73، وهذا الشخص قدم أعز ما يملكه الإنسان لبلاده وهم أولاده الأعز من روحه، وكنت أبكى أحياناً وأنا أكتب له مشهداً، خاصة أنى رأيت واقعياً ملامح من هذه الشخصية.

 أنت معنى كثيراً بالدراما المصرية.. فكيف تعود قوة مؤثرة كما كانت من وجهة نظرك؟

دعم القوة الناعمة المصرية ليست كيميا ولا نختلف عليها، أعظم فترات الإنتاج الدرامى هى الفترة التى كان فى كل جهة إنتاج لجنة من كبار الكتاب والنقاد تقرأ النص وتجيزه، وكل شخص يستطيع أن يقدم نصه، واللجنة تقرر إذا كان مرفوضاً أو مقبولاً أو به مشاكل يمكن تعديلها وحلها، فأزمة الدراما هى أزمة نصوص رديئة، لكن الآن لا نعرف أين تقدم النصوص ومن يقبل أو يرفض النصوص، المسألة تحتاج أن "نعطى العيش لخبازه" أى لجنة مكونة من أساتذة دراما وصناعها ونقادها ومؤلفيها الكبار، وهؤلاء معروفون وأبوابهم مفتوحة، أما الآن فلا نعرف لمن نتوجه بالنص وحين نسأل يقال لنا: "هما هيكلموك".

لكن المتغيرات على الواقع والسوق الدرامى كبيرة ليست كما كانت!

فى الفن والفكر والثقافة إذا أردنا تقديم عمل حقيقى فلا ينظر له بمنظور الجيل القديم والحديث والتغييرات، لأن هذا الجيل الجديد تربى على أشياء خاطئة، ولو كان قد تربى على أشياء صحيحة ما عانينا مما نعانيه الآن من انتشار "السنج" والمطاوى والألفاظ البذيئة والانفصال عن هويتهم وواقعهم وأمتهم، ومن يشاهد الأعمال الدرامية حالياً لن يجد نفسه يشبه أى شخصية فى عمل درامى، لأن هذه الشخصيات مصنوعة، ينبغى أن يكون المنتج الدرامى منتجا أصليا وليس مقلداً ولا مزيفاً، لازم أشاهد عاملة مصرية حقيقية، غالباً أتساءل عن شغلانة بطل مسلسل ما الذى جعله يركب العربيات الفارهة ويسكن "الفيللات" والقصور، من أين هذه الفلوس؟، كما أن المواطن الذى يشاهد القصور والسيارات لا ينتمى لهذه الطبقة من المجتمع، وينبغى أن نجد مشاكلنا فى الأعمال الدرامية وليست المشاكل التى لا تخصنى وليس لى علاقة بها، غير العلاقات المشبوهة والقتل.

 فى الدراما التركية لا نرى إلا الأحداث اللطيفة والبيوت الجميلة وهى دراما ناجحة جداً.. فلماذا نقدم دراما العشوائيات؟

بالعكس.. ما نقدمه حالياً هى العشوائيات، حتى لو كانت فى قصور، فساكن القصر الذى يتحدث بألفاظ نابية وأسلوب بلطجى هى العشوائية بعينها، فالشعبية تختلف عن العشوائية، فالشعبية نسق له قيم، أما من يخرج مسدسا ليقتل ويضرب هو بلطجى ومجرم، إذن نقدم دراما مجرمين سواء كانوا فى الحارة أو الفيللا والقصر مهما كان مستواه الاقتصادى.

ولا مانع من تقديم هذا النموذج لكن لا يكون الوحيد، فلدينا فى مصر مبدأ الحدية والموضة، أى شىء يلغى آخر، فأحيانا تكون معظم موسيقانا مهرجانات مع أن الفنون لا تلغى بعضها بل تتجاور، المهرجانات بجوار على الحجار بجوار غيره، وكذلك الدراما تقدم نموذج البلطجى مع باقى النماذج وسط صراع حقيقى، مع قيمة مقدمة ورسالة، ففى فترة من الفترات كانت السينما المصرية تصدر لأمريكا اللاتينية، وكانت المصدر الثانى للدخل بعد القطن، وكانت أفلامنا فى مهرجانات عالمية، وثقافتنا والدعاية لنا فى العالم كله فى مختلف الفنون.. لقد فرطنا فى قيمة كبيرة هى الدراما، وكل ما يخص الوطن هو وطن، فحين أفرط فى تراث الوطن ووجدانه وقيمه هو تفريط فى الوطن نفسه الذى هو عبارة عن مجموعة مكونات وليس فقط أرضا وشعبا وحدودا.

 لماذا لا تجد الثقافة ولا إذاعة البرنامج الثقافى الصدى المطلوب إذا كان به هذا الكم من المبدعين والمثقفين؟

الثقافة ورثت نظرة مرتابة، يرتابون فى كل ما يخص الثقافة ويتحسسون مسدساتهم عند ذكرها، حتى أن البرنامج الثقافى أو البرنامج الثانى على موجة إذاعية هى الأقل انتشاراً، كنوع من أنواع التضييق على الثقافة، وذات مرة تحدثت مع الإذاعى عمر بطيشة وقلت له لو مسكت ميكروفونا ووقفت على المبنى وقلت برامجنا ستصل لعدد من الناس أكبر ممن تصل لهم الموجة، فقال إن هذا الموضوع يخص الهندسة الإذاعية، بينما أكد قطاع الهندسة الإذاعية أنه يعمل وفق الأوامر، فلدينا تقييد التحكم فى الانتشار، كما أن الثقافة والوعى وبناء الإنسان مهمة ثقيلة وتحتاج إمكانات مادية، وأجد أصواتا تقول مثلاً إن هذا الإعلام لا يكسب أو يعمل به آلاف العاملين، فهل يصح أن نقول إن المدارس لا تكسب أو أن وزارة الأوقاف لا تكسب التى يعمل بها أكثر من 123 ألف موظف، لقد  كنا نكتب فى موضوعات التعبير حين نتحدث عن قيمة معينة: "ينبغى على وسائل الإعلام العمل على غرس هذه القيمة".. فكيف يكبل الإعلام اليوم، وحين دخلت الإذاعة مثلاً كان الضيف يحصل على مقابل مادى عن استضافته، وحين سألت عن ذلك قيل لى إن الضيف القادم للبرنامج الثقافى لا يأتى للدردشة العامة، بل يأتى ليتحدث عن مسرحية محددة أو كتاب محدد حيث يشترى هذه الكتاب ويقرأه لنتناقش فيه، وكان ميزانيتنا تزيد 30% عن أى إذاعة أخرى، ونستقدم الضيف بالسيارة ذهاباً وإياباً، كانت ميزانية برنامجى فى نصف ساعة يتكلف ميزانية 300 جنيه، الآن مُنع كل ذلك،  والضيف يأتى للدردشة فقط، ولا ميزانية ولا تتوافر له أى إمكانات، ولدينا عوامل أخرى لكن هذا أهم عامل.

Katen Doe

أميرة حمدى

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

المزيد من حوارات

الدكتورة هانم عمر: نستهدف توفير حضانات ل 30 % من أطفال مصر

عملية حصر دور الحضانة تجرى وفق آليات إلكترونية حديثة لدعم الطفولة المبكرة نسعى لتنفيذ خطط استراتيجية لتطوير الحضانات لرعاية الأطفال...

خليل محمد: تشغيل أضخم مشروع قومى لصناعة الأجهزة التعويضية خلال 2026

قال خليل محمد رئيس الإدارة المركزية لشئون الأشخاص ذوى الإعاقة بوزارة التضامن الاجتماعي، إنه وفقًا لتوجيهات القيادة السياسية،

الدكتور إسلام عنان: الترصد الوبائى أول خطوط الحماية من فيروس"الشيكونغونـيا"

الحكومة المصرية تسحب عينات يومياً لرصد أى أمراض لا توجد لقاحات موسعة حتى الآن للفيروس

على عبد النبى نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا: محطة الضبعة مشروع سلمى

بعد أكتر من ستة عقود, تحقق حلم المصريين فى امتلاك مشروع نووى سلمى بفضل الجهود العبثية التى بذلتها القيادة السياسية...