ليلى صديق: سعيدة لرد الاعتبار لـ" نجيب".. ويا ريت يكون الدور على أبويا

اعتبر قرار إطلاق اسم اللواء محمد نجيب على أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط بمثابة رد اعتبار لأول رئيس مصرى بعد ثورة يوليو , وللرجل الذى غامر بتاريخه ومستقبله وحياته
اعتبر قرار إطلاق اسم اللواء محمد نجيب على أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط بمثابة رد اعتبار لأول رئيس مصرى بعد ثورة يوليو , وللرجل الذى غامر بتاريخه ومستقبله وحياته من أجل الثورة والوطن , وأنه جاء – حتى لو متأخرا – لتكريم من تعرض لإهمال جسيم وعاش سنوات طويلة مريرة وكاد اسمه يسقط من ذاكرة التاريخ والشعب رغم ما قدمه من بطولة وفداء .
كان من أكثر الذين فرحوا من قلوبهم لتكريم الرئيس محمد نجيب وإطلاق اسمه على القاعدة
العسكرية المهيبة القريبة من الإسكندرية عائلة «أسد » ثورة يوليو وبطلها الأسطورى يوسف
صديق، وهى فرحة أثارت الدهشة والاستغراب، فقد كان الانطباع الغالب هو أن الرئيس نجيب خذل يوسف صديق فى معركة الديمقراطية عقب نجاح الثورة، ولم يقدم شيئا يذكر له عندما قرر عبدالناصر اعتقاله فى السجن الحربى ليتخلص من إلحاحه على المطالبة بعودة البرلمان والأحزاب وتشكيل حكومة ائتلافية ورجوع الجيش إلى الثكنات، وهو ما بدا فى رسائله التى كتبها للواء نجيب، وقبلها فى آرائه التى أعلنها فى اجتماعات مجلس قيادة الثورة، وفى استقالته من المجلس الذى حكم مصر احتجاجا على جنوح أعضائه إلى السلطة والاستمرار فى الحكم، ولم يجد عبدالناصر بدا من التخلص منه وسجنه، فظل بين القضبان
لمدة عام )بين أبريل 1954 ومايو 1955 (.. وخرج إلى بيته محدد الإقامة محروما من أى امتيازات، لكنه لم يفقد كبرياءه ولم يتراجع عن آرائه ولم يشعر بذرة ندم.
كنت من الذين يظنون أن يوسف صديق مات غاضبا من محمد نجيب وفى قلبه غصة من موقفه
المتخاذل معه، فقد بدا نجيب فى البداية مؤيدا ليوسف صديق فى موقفه من الديمقراطية وكان
ثالثهما خالد محيى الدين، لكنه عاد مؤيدا للاتجاه الغالب والسائد، فكان من ضحاياه فيما بعد، لينضم إلى يوسف صديق وخالد محيى الدين فى قائمة ضحايا الثورة، من أبنائها وصناعها الذين أكلتهم لكن التكريم الجديد لمحمد نجيب ورد اعتباره أثبت أن بعض الظن إثم، فقد فوجئت بأن ليلى يوسف صديق فى طليعة الذين تلقوا الخبر بترحيب وسعادة، عبرت عنها بوضوح وعلانية، والمفاجأة الأكبر التى عرفتها منها أن علاقة إنسانية مدهشة ربطت بين الرئيس نجيب ويوسف صديق فى سنواته الأخيرة، ووصلت إلى ذروتها بعد رحيله، فكان الرئيس السابق ضيفا دائما عليهم فى بيتهم ولا يتوقف عن السؤال عنهم، وكأنه يعتذر لوالدهم ويكفر عن إحساسه بالذنب تجاهه إلى يوسف صديق وخالد محيى الدين فى قائمة ضحايا الثورة، من أبنائها وصناعها الذين أكلتهم!
لكن التكريم الجديد لمحمد نجيب ورد اعتباره أثبت أن بعض الظن إثم، فقد فوجئت بأن ليلى يوسف صديق فى طليعة الذين تلقوا الخبر بترحيب وسعادة، عبرت عنها بوضوح وعلانية، والمفاجأة الأكبر التى عرفتها منها أن علاقة إنسانية مدهشة ربطت بين الرئيس نجيب ويوسف صديق فى سنواته الأخيرة، ووصلت إلى ذروتها بعد رحيله، فكان الرئيس السابق ضيفا دائما عليهم فى بيتهم ولا يتوقف عن السؤال عنهم، وكأنه يعتذر لوالدهم ويكفر عن إحساسه بالذنب تجاهه!!
لدى ليلى صديق معلومات وحكايات مدهشة تستحق أن تروى عن علاقة والدها بالرئيس الأول، وعلاقته هو بهم بعد رحيل والدها.. تحكى:
«بعد وفاة والدى ) 13 مارس 1975 ( كان الرئيس محمد نجيب أكثر من يزورنا فى البيت، لا يمر شهر دون أن يدق جرس الباب ولما نفتحه نجد سائق محمد نجيب يخبرنا بأنه جاء ليطمئن علينا، وكان النظام قد سمح له بحرية الحركة والخروج بعد سنوات الإقامة الإجبارية فى عهد عبدالناصر، وخصصوا له سيارة بسائق من الرئاسة، كنا أطفالا وقتها، وغالبا كان يأتى بلا موعد، كنا نشعر بأن لديه إحساسا بالذنب تجاه يوسف صديق، واعترف هو بنفسه لوالدى لما جاء ليزوره فى المستشفى فى مرضه الأخير، وقال له أمام الجميع: «أنت كنت صح يا يوسف.. يا ريتنى سمعت كلامك.. أنت الرجل الوحيد فينا.. وسامحنى لأنى ماطلعتش
جدع معاك ».. وكان يقصد بالطبع موقف والدى المطالب بالديمقراطية وعودة الحياة السياسية
والنيابية، وكان نجيب مؤيدا له فى البداية ثم خذله وانضم لعبدالناصر والتيار المؤيد لاستمرار
الثورة فى الحكم، ودفع يوسف صديق ثمنا باهظا فى سبيل موقفه، وجرى سجنه ونفيه وتحديد
إقامته، ولما تمكن عبدالناصر من السلطة كان نجيب أول ضحاياه.. !!«
تذكر ليلى يوسف صديق أن الرئيس نجيب فى زياراته المتوالية لهم لم يكن يملك دموعه تأثرا
وهو يحكى عما جرى لوالدها أولا، وعما جرى له ثانيا، وعن السنوات الطويلة التى عاشها وحيدا فى فيلا زينب الوكيل التى وضعوه فيها تحت الإقامة الجبرية، كان )مكسورا( ويشعر بالظلم، خاصة بعد أن تقدم به العمر ووهن جسده وأحس بأن عمره ضاع منه وأن هناك من كانت أمى رحمها الله متعاطفة جدا مع حالة الرئيس نجيب ومتأثرة بمصيره التعس، وكيف انتهى به الحال إلى العيش وحده فى بيت متواضع بلا أنيس ولا جليس، وفى ظروف غير إنسانية، وكلما جاءتها الفرصة كانت تصطحب خالتى وزوج خالتى لزيارة الرئيس نجيب فى المرج والاطمئنان عليه، وكان هو عندما يشعر بالزهق يطلب من سائقه أن يحضره إلى بيتنا، وكان يعتبرنى أنا وسحر أختى كبناته، وأن من واجبه أن يطمئن علينا ويرعانا، ولما مات الرئيس نجيب ذهبت أمى لتقديم واجب العزاء فيه وحزنت عليه .»
فى مذكراته المعنونة ب «كلمتى للتاريخ » كتب محمد نجيب بالنص:
«للتاريخ أذكر أن يوسف صديق كان أشجع الرجال فى تلك الليلة )ليلة الثورة( وكان هو الذى نفذ عملية الاقتحام والسيطرة على مقر قيادة الجيش، رغ م أن دوره كان يقتصر على حسب الخطة فى حماية قوات الهجوم والوقوف كصف ثان وراءها، وللتاريخ أذكر أيضاً أن جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر لم يقتربا من القيادة إلا بعد الاستيلاء عليها، وكانا يقفان فى مكان جانبى قريب أمام سيارة عبدالناصر الأوستن السوداء ووضعا ملابسهما العسكرية وطبنجتين داخل السيارة، وبمجرد أن أحسا بنجاح الاقتحام ارتديا الملابس العسكرية ودخلا القيادة .»
وفى مذكراته «والآن أتكلم » لم يكن تقدير خالد محيى الدين يقل عما كتبه نجيب فى مذكراته عن دور يوسف صديق وبسالته وتعلق ليلى يوسف صديق:
«رغم كل ذلك فمازال يوسف صديق هو المظلوم الأبدى فى كل العصور، نعم سعيدة برد اعتبار محمد نجيب وتكريمه وإطالق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية للجيش المصرى، هذا عظيم
والرجل يستحق، لكن متى يتذكرون يوسف صديق؟ منذ سنوات كان والدى ضمن مظاليم الثورة الثلاثة: نجيب وخالد محيى الدين وهو، وفى عهد الرئيس عدلى منصور جرى تكريم
الأستاذ خالد ومنحه قلادة النيل، والآن يجرى تكريم محمد نجيب، والآن أصبح يوسف صديق
هو الوحيد من مجلس قيادة الثورة الذى لم ينل أى تكريم أو تقدير، لدرجة أننى بدأت أشك أن هذا التجاهل متعمد ومع سبق الإصرار .»
وتواصل:
«يوسف صديق كان فى منتهى الزهد، ربنا خلقه كده، متصالح مع نفسه ومع الناس وحتى مع منظلموه، يعنى رغم أن محمد نجيب خذله وظلمه ووافق أن يكون مسجونا فى عهده، فإنه عمره
ما شعر بكراهية ضده، وحتى وهو فى السجن الحربى أرسل رسالة لنجيب كان عنوانها )من
المسجون الحر إلى الحر السجين( يحذره من التخاذل فى معركة الديمقراطية والحرية وأنه
سيكون من ضحاياها لو سكت، وصدقت نبوءته، وحتى عبدالناصر الذى سجنه ونفاه وضيع
مستقبله وحرمه من أبسط حقوقه، سامحه وعفا عنه، وكتب قصيدة شديدة الروعة يوم
رحيله وبكاه فيها بالدموع وقطع رحلة علاجه فى موسكو ليكون فى وداعه، ومن قصيدته فى
عبدالناصر: «أبا الثوار هل سامحت دمعى/ يفيض وصوت نعيك ملء سمعى/ وكنا قد تعاهدنا قديما/ على ترك الدموع لذات روع/ وإن الخطب يحسم بالتصدى/ لهول الخطب فى سيف ودرع/ ولكن زلزل الأركان منى/ وهز تماسكى من جاء ينعى/ نعاك وأنت ملء الأرض سعيا/ وذكرك قائم فى كل ربع/ بكتك عيون أهل الأرض حولى/ فكيف أصون بين الناس دمعى..
قصيدة من أجمل ما كًتب فى رثاء عبدالناصر، لكن للأسف بعض الناصريين يسيئون فهمها، ويعتبرون أن عشق عبدالناصر فرض، ويستشهدون بقصائد الذين سجنهم عبدالناصر فى رثائه مثل والدى وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم، وهذا تفسير يستفزنى، والدى كتب فى رثاء عبدالناصر لأن يوسف صديق كان نبيلا وقبله صفح عن محمد نجيب وسامحه لأن يوسف صديق كان نبيلا، كان الكل يعرف ويدرك أنه لم يسع لمنصب ولا جاه ولا مصلحة شخصية، وان خلافاته كانت من أجل صالح الوطن بدليل أنه لما وقعت النكسة فى 1967 لم يشمت، بل وضع نفسه فى خدمة وطنه الذى أدرك أنه فى محنة، ووقتها كلمه عبدالناصر وذابت الخلافات القديمة فى لحظة.
ولعلمك والدى جاءته عروض سخية أن يخرج خارج مصر ويقوم بدور المعارض ويستغل خلافه مع عبدالناصر وكان سيكسب منها ثروة طائلة، لكنه عمره ما فكر يتاجر بموقف أو خلاف، سجنوه قال تمام يا افندم، قالوا له اقعد فى البيت نفذ الأمر كأى جندى مطيع، نعم كان والدى زاهدا ومتسامحا، لكن ليس لدرجة تجاهل تكريمه بتلك الصورة، يوسف صديق أسد ثورة يوليو وبطل ليلة الثورة باعتراف الجميع لماذا يصرون على نكران دوره؟ عندى غصة فى حلقى من هذا الموقف الغريب، وأصبحت أمنية حياتى أن يجرى تكريمه وأنا على قيد الحياة، وبعد تكريم نجيب يا ريت يبقى الدور على أبويا! .
أخبار ذات صلة
المزيد من حوارات
الدكتورة هانم عمر: نستهدف توفير حضانات ل 30 % من أطفال مصر
عملية حصر دور الحضانة تجرى وفق آليات إلكترونية حديثة لدعم الطفولة المبكرة نسعى لتنفيذ خطط استراتيجية لتطوير الحضانات لرعاية الأطفال...
خليل محمد: تشغيل أضخم مشروع قومى لصناعة الأجهزة التعويضية خلال 2026
قال خليل محمد رئيس الإدارة المركزية لشئون الأشخاص ذوى الإعاقة بوزارة التضامن الاجتماعي، إنه وفقًا لتوجيهات القيادة السياسية،
الدكتور إسلام عنان: الترصد الوبائى أول خطوط الحماية من فيروس"الشيكونغونـيا"
الحكومة المصرية تسحب عينات يومياً لرصد أى أمراض لا توجد لقاحات موسعة حتى الآن للفيروس
على عبد النبى نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا: محطة الضبعة مشروع سلمى
بعد أكتر من ستة عقود, تحقق حلم المصريين فى امتلاك مشروع نووى سلمى بفضل الجهود العبثية التى بذلتها القيادة السياسية...