رحيل يسري غرابة أحد أهم رواد الجيل الثاني بالتليفزيون

رحل عن عالمنا المخرج الكبير يسري غرابة من أحد رواد الجيل الثاني في التليفزيون، دخل المستشفي إثر إصابته بفيروس كورونا يوم 17 مارس الماضي حتي موعد رحيله في 15 أبريل،

رحل عن عالمنا المخرج الكبير يسري غرابة من أحد رواد الجيل الثاني في التليفزيون، دخل المستشفي إثر إصابته بفيروس كورونا يوم 17 مارس الماضي حتي موعد رحيله في 15 أبريل، استقبل أقاربه وأصدقاؤه وأبناؤه في ماسبيرو خبر رحيله بحزن شديد، وشيّع الجميع جثمانه من مسجد الرحمن الرحيم عقب صلاة الجمعة يوم 16 أبريل لمثواه الأخير بمدافن العائلة بمقابر الغفير.

عندما بدأت سلسلة الحوارات الأولي لرواد ونجوم ماسبيرو علي صفحات المجله منذ عدة سنوات كان من أول الأسماء التي بحثت عنها المخرج يسري غرابة؛ لأن اسمه ارتبط في ذهني وأنا صغيرة من خلال أعماله الخالدة مثل إخراجه تليفزيونياً لأغنية "رمضان جانا" أو برنامج "مواقف وطرائف" وغيرها من الأعمال الأكثر التي ارتبط بها جيل الثمانينيات والتسعينيات، لكن تاريخه يشمل الكثير من النجاحات،عندما بحثت عن رقمه واتصلت به وجدته صاحب صوت قوى، وبعد ما عرَّفته بنفسى بدأ يقول لي  يا "بنتي" خلال المكالمة  فشعرت من اللحظة الأولي بأنه أب لكل الأجيال، كما سمعت عنه عندما كنت أستعد للحوار، وأجمع معلومات عن مشواره.

أتذكر جيدًا عندما اتصلت به أول مرة في أغسطس 2018 كان في الساحل الشمالي، واتفقنا عندما يعود للقاهرة سنتواصل مع بعض، بالفعل اتصلت به مرة أخري، وحددنا الموعد حسب ظروف ومواعيد ابنه أحمد، لكي يساعده؛ لأن جسمه أصبح ثقيلًا، ويمشي متكئًا على عصا، فكان الموعد يوم الجمعة الموافق  29 سبتمبر بنادى الصيد فرع القطامية، وهذا المكان اختاره بالقرب من سكنه في التجمع الخامس، وكان في تمام الساعه 7 مساءً، واستمر الحوار ما يقرب من خمس ساعات، وصلت وزميلي المصور أحمد غنيم في الموعد، وجدته موجودًا، وكان معه ابنه أحمد وابنته رقية.

 وبدأنا الحديث وتحدثنا عن نشأته، ودخوله للعمل في التليفزيون، وأهم برامجه، وعمله في القناه الثانية، والأفلام التسجيلية التي قدمها لقطاع الأخبار، ودوره في تأسيس القطاع الفضائي، وغيرها من المحطات المهمة التي سوف نتطرق إليها لاحقًا خلال هذا الموضوع..

وقد نُشر الحوار في حلقتين علي صفحات مجلة الإذاعة والتليفزيون بتاريخ 17، 24 نوفمبر2018، وحقق صدى كبيرًا، ولا أنسي شهادته التي كتبها بيده في بوست علي الفيس بوك عندما نشر الحلقة الأولي من الحوار، وما زالت أحتفظ بهذه الكلمات: "اليوم بمجلة الإذاعة والتليفزيون أجرت الصحفية سها سعيد حوارًا صحفيًا طويلًا حول مشوار عملي التليفزيوني  الإخراجي والإعلامي والإدارى ... وكم كانت ابنتي الصحفية سها سعيد بارعة في إجراء الحوار؛ فقد فاجأتني بالكثير في مشواري الفني كنت نسيته، ولكن أتمني أن أكون قدمت لكم شيئًا مختلفًا عن مسيرتي الفنية المتواضعة، وأكرر شكرى لسها سعيد ومجلة الإذاعة والتليفزيون، فقد قررت أن الحديث سيكون علي مدى أسبوعين، أرجوكم أن تتحملونى".

ومن هنا بدأت علاقتي بالمخرج الكبير يسري غرابة، وظللنا علي تواصل دائم، حتي قبل رحيله بيومين فقط، ومن أهم ما شهده حوارى معه الحديث عن أغنيه "رمضان جانا"، بعد السكوت عنها لسنوات طويلة، وبعد نشر الحوار، وطُلب من المخرج الراحل عمل مداخلة في برنامج "الست هانم" علي القناه الأولي، وقال علي الهواء إن من فجر الحديث عن كواليس عمل هذه الأغنية هي الصحفية سها سعيد بمجلة الإذاعة والتليفزيون، وأيضًا قام المخرج الراحل بعمل مداخلة لى على الهواء أثناء استضافتي في  شهر رمضان ببرنامج "حياتنا" علي قناه العائلة  بتاريخ 4 مايو 2019، وحكي كواليس هذه الأغنية، وأعلن استياءه لعدم إذاعاتها علي شاشة التليفزيون، وقال علي الهواء: "سها سعيد ابنتي البكرية".

وأيضًا عندما أصدرت الجزء الأول من نجوم ماسبيرو يتحدثون، والذى يُعتبر المخرج الكبير يسرى غرابة من أهم الشخصيات فيه، فرح وظل يتابعني دائمًا في العمل، ونتبادل الآراء، وعندنا قررت أنفذ فكرة الجزء الثاني من نجوم ماسبيرو يتحدثون، وهي شهادات بخط اليد من هؤلاء الشخصيات عن أهمية توثيق مشوارهم من خلال حوارت مطولة ووافية، وبدأت في تجميع هذه الشهادات لشخصيات الجزء الأول، لكى أسعي أن أضعها في الطبعة الثانية له، فكتب لي المخرج الكبير يسرى غرابة كلمات أدعوكم لقراءتها.

أشعر أنني محظوظة بالفعل إن ربنا سبحانه وتعالي وفقني في مقابلة هؤلاء العظماء، الذين يتمتعون بالأصالة والجدعنة، وحب العمل، وأهميه الرسالة الإعلاميو التى يقدمونها.

وأيضًا من باب الأمانة قد ساعدني المخرج الكبير يسرى غرابة فى الوصول لشخصيات مهمة، وكانوا بالنسبة لى انفراد صحفى مثل شيرويت  شافعي، وأجريت معها حوارًا، ونُشر علي صفحات المجلة، ووثقته في الجزء الأول من نجوم ماسبيرو يتحدثون، وتحدثت عن شخصيات أخرى قد أجريت معها حوارًا في السلسلة الثالثة مؤخرًا منها: سوزان حسن وهاله حشيش.

وعندما دخل المستشفي أكثر من مرة خلال العامين الماضيين كنت علي تواصل معه، أيضًا عندما أصيب بشلل رعاش، وعلى أثره بدأ يأخذ جلسات علاج طبيعي، وظل فترة يدخل ويغادر المستشفي حتي المرة الأخيرة بعد إصابته بفيروس كورونا من يوم 17 مارس الماضي حتي موعد رحيله يوم 15 أبريل، والذى استقبل الجميع في التليفزيون المصري خبر رحيلة بحزن شديد.

الآن سنستعيد نشر أهم مراحل ومحطات المخرج الراحل في ماسبيرو التي انفردنا بها في حوارنا معه:

النشأة

المخرج الكبير يسري غرابة  من مواليد 22 أغسطس 1951، واحد من الجيل الثاني بعد جيل الرواد في التليفزيون، تخرج فى كلية الزراعة عام 1974، وعمل بالهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات بوزارة التجارة الخارجية، ثم بدأ رحلة عمله في اتحاد الإذاعة والتليفزيون بالأمانة العامة "الإدارة العامة للمتابعة"، حتي اكتشفته الراحلة آمال فهمى التى عمل معها فى برنامجها التليفزيوني الأول "لقاء الجماهير"، ثم التحق بدورة تدربيبة في معهد الإذاعة والتليفزيون، وأصبح مساعد مخرج في معظم البرامج، ومن أشهرها "تحقيق / أوسكار/ نجوم وأرقام / مواقف وطرائف / كانت أيام"، كما يُعتبر أول مخرج يعمل في تغطية مهرجانات دولية مثل القاهرة السينمائي والإسكندرية والمسرح التجريبي.

التحق بمدرسة النقراشي النموذجية خلف الحرس الجمهوري، وكان معه الكابتن شريف عبد المنعم نجم الأهلي السابق، ثم توفى والده أثناء دراسته للثانوية العامة، ولم يحصل علي المجموع الذى كان يتمناة فالتحق بكلية الزراعة، وتخرج بتقدير جيد جدًا، وكان مشرفًا علي النشاط الثقافي والفني والرياضى بالكلية، ومارس الرياضة، وأصبح بطل الجمهورية في المصارعة الروماني، ثم عمل مهندسًا زراعيًا فى الهيئة العامة للرقابة علي الصادرات بوزارة التجارة الخارجية بعد التخرج، واستمر في العمل لمدة 10 أشهر.

دخوله التليفزيون

حكي في حوارنا معه أنه قابل عبد الرحيم سرور رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون في ذلك الوقت في إشارة مرور ميدان عبد المنعم رياض، وكان يعرفه من خلال والده؛ لأنه كاتب إسلامى، وكتب أعمالًا للإذاعة المصرية، فوجده في حالة عصبية بسبب مشكلة حدثت له في الهيئة التي يعمل بها، فذهبا سويًا إلي مكتبه فى التليفزيون، وطلب منه غرابة أن يعمل مخرجًا فى الإذاعة، وأخرج أعمال والده، والتي ما زالت موجودة في البيت عنده، ثم رشحه سرور للعمل في الأمانة العامة في الاتحاد لخبرته في الإحصاء، لكن وجده غير سعيد؛ فقال له: انزل الدور الأسفل، وامشي فيه، واختار الإدراة التي تحب تعمل فيها "كان ذلك عام 1974"، وأثناء سيره قابل الإذاعية الكبيرة آمال فهمي مدير إدارة المتابعة في الأمانة العامة، ووقتها عُيّن غرابة في إدارة المتابعة، واختارته ليعمل معها في شيفت الليلي، وبدأ يشاهد، ويكتب تقارير بما يحدث علي الشاشة لمدة 7 أشهر.

ثم تحول للعمل في الإخراج عندما قدمت الإذاعية آمال فهمي برنامج "لقاء الجماهير" في بداية عام 1975، وكان يشبه برنامج "علي الناصية"، ورشحته وقتها للدراسة  في معهد الإذاعة والتليفزيون، ليحصل علي دورات تدربيبة عديدة في جميع المجالات، وحصل علي المرتبة الثانية في المعهد، فطلبت منه أن يعمل معها كمساعد مخرج، ومن هنا بدأ المخرج الكبير يسرى غرابة يتعلم مهنة الإخراج والمونتاج، ثم بعدها عمل في برنامج "كاميرا 9"، عندما شاهدته المذيعة أمانى ناشد وقت عمله مع آمال فهمي، فوجدت مخرج البرنامج يطلب مني أعمل معه كمساعد مخرج معه، ثم بعد فترة جاءت إعارة لرضا الشافعي، فأصرت أماني ناشد أن يقوم المخرج يسري غرابة بإخراج البرنامج بمفرده، وذهبت بنفسها للمخرج محمد سالم مدير إدارة المنوعات، ووافق، ولكنه اشترط نقله لإدارة المنوعات، وانتقل بالفعل، وكان الأصغر سنًا بين الموجودين.

أهم البرامج

قدم يسري غرابة مع سناء منصور عدة برامج كانت لأول مرة تقدم برنامجًا علي شاشة التليفزيون، بدأ ببرنامج "تحقيق" فكرته عبارة عن مشكلة أو قضية في البلد تجرى حولها تحقيقًا مصورًا، ثم أسندت له نوال سرى إخراج بعض الأفلام التسجيلية للمناسبات، مثل حرب 6 أكتوبر، والأعياد القومية وغيرها، رغم أنه مخرج من إدارة المنوعات، لكن قدم أفلامًا تسجيلية مهمة لقطاع الأخبار، وصلت لـ30 فيلمًا، أيضًا من البرامج المهمة برنامج "أوسكار" الذى يُعتبر المنافس لبرنامج "نادى السينما" الذى كان يُذاع علي القناه الأولى.

أول من أذاع المهرجانات الفنية

يُعتبر يسرى غرابة مع سناء منصور ويوسف شريف رزق الله أول من قدموا تغطية لمهرجان القاهرة السينمائي، أيضًا أول دورة لمهرجان الإسكندرية، خصوصًا أن رزق الله رحمه الله كان موسوعة سينمائية، أما بالنسبة لمهرجان "كان" نقل صورة المهرجان، والمذيعة تضع السماعة في أذنها، وتترجم ما يحدث في الحفل، ثم أصبح يوسف شريف رزق الله يسافر، ويغطي المهرجان وفعالياته، ويرسل له شرائط الماتريال علي مدار 15 عامًا علي القناه الثانية.

وأيضًا يُعتبر "غرابة" أخرج لأول مرة اليوم المفتوح من الساعة 12 ظهرًا حتي 2 صباحًا في احتفالات 6 أكتوبر، وليلة الإسراء والمعراج، وأعياد ميلاد التليفزيون.

"وادى القمر"

بعد معاهدة السلام وقع الاختيار علي المخرج يسرى غرابة لتغطية كل خطوات انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضينا، وتصوير كل هذه المشاهد، والحديث مع أهالى سيناء عن تراث أرض الفيروز وتاريخها وعاداتها وتقاليدها، فصور حوالي 70 حلقة تقريبًا، وأطلق علي البرنامج اسم "وادى القمر ...سيناء"، وهذا العمل كان من إنتاج التليفزيون، وتولت زينب الحكيم التعليق عليه.

أغنية"رمضان جانا"

اقترح المخرج يسري غرابة علي شيرويت شافعي رئيسة القناة الثانية وقتها "أن يخرج كليبًا جديدًا لأغنية محمد عبد المطلب، وطلب منها توفير كاميرا يوميًا ليصور اللقطات والمشاهد، وكان يتبقى علي رمضان أسبوع واحد فوافقت، وجمع فريق العمل: عمر أنور ومصطفي الأزرق والمصور عوني جعفر، ونزلوا كل يوم لتصوير الفوانيس والكنافة، واستعدادت الناس لأجواء رمضان فى الشارع، وتوقف عن التصوير قبل رمضان بيومين، وبدأ عملية المونتاج، ثم  تم تركيب الصوت علي الصورة، واختيار المشاهد علي الكلمات،  وبعد إذاعة الأغنية حققت نجاحًا ساحقًا.

الفضائية المصرية

عندما تولت سناء منصور رئاسة الفضائية المصرية  التي أصبحت بعد ذلك قطاعًا، طلبته بعد توليها بأربعة أشهر في أبريل 1995 ليتولي الإعداد والتنفيذ، وعمل خرائط للقناة، وأصبح أيضًا عضو لجان اختيار البرامج، وظل يعمل نائبًا لرئيس الفضائية المصرية من 1995 إلي 2001، ثم جاءت د.درية شرف الدين لرئاسة القطاع وأصرت علي وجوده معها، ويعمل في نفس تخصصاته كما هي، وأضافت له بعض المهام.

نائب رئيس التليفزيون

أصدر اللواء أحمد أنيس أول قرار بتخصيص مهام لنائب رئيس التليفزيون فأصبح المخرج الكبير يسرى غرابة  نائبًا ومشرفًا على البرامج الرياضية، ومن أهم الفعاليات فى عهده تغطية أوليمبياد فى بكين، وتمت إذاعة ألف ساعة رياضة علي شاشات التليفزيون بجميع قطاعاته لأول مرة، وأيضًا كأس العالم للشباب.