مصطفى النحاس.. الزعيم الوطني الذى ضيعته «زينب» وأخوها

فى مثل هذا الشهر من العام 1879 ولد "مصطفى النحاس"، لعائلة ميسورة الحال تعمل فى تجارة الأخشاب وتملك العقارات فى محافظة الغربية، وتنتمى إلى "آل البيت" الأطهار، من نسل

فى مثل هذا الشهر من العام 1879 ولد "مصطفى النحاس"، لعائلة ميسورة الحال تعمل فى تجارة الأخشاب وتملك العقارات فى محافظة الغربية، وتنتمى إلى "آل البيت" الأطهار، من نسل "الحسين بن على"، ولما نجح الطفل "مصطفى" فى دراسته الأولية، ألحق بمكتب "التلغراف" بالمدينة، ونجح فى كسب ثقة كبار القوم فيها، وأعجبهم ذكاؤه فى فهم رموز التلغراف، وطلب واحد من رجال القانون الكبار من والد "مصطفى" أن يلحقه بمدارس القاهرة، وبالفعل التحق بالمدرسة الناصرية، ثم "الخديوية"، ومن بعدها انتقل إلى "مدرسة الحقوق" وتخرج فيها، وعمل بالمحاماة، مع الزعيم "محمد فريد"، ثم التحق بالسلك القضائى بطلب مباشر من رئيس الوزراء "عبد الخالق ثروت"، وبلغ مكانة رئيس محكمة "قنا" و"طنطا" وشارك فى ثورة 1919 وعوقب بالفصل من وظيفته القضائية..

ليس فى تاريخ مصر الملكية زعيم سياسى حاز هذه المحبة التى حازها "مصطفى النحاس" رجل القانون النزيه، ففى مذكراته يقول "خالد  محيى الدين" إنه دافع عن النحاس فى اجتماع "مجلس قيادة الثورة" وقايض عليه بشخصية أخرى "حيدر باشا"، وزير الحربية فى عصر الملك فاروق، وخال "عبد الحكيم عامر" عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، ولما طلب البعض من أعضاء المجلس عدم محاكمة "حيدر باشا"، طلب "خالد محيى الدين" عدم محاكمة "النحاس"، ورغم أن خالدا كان يسارى الفكر ولم يكن وفديا يوما، إلا أن سيرة النحاس الطيبة واستقامته الأخلاقية جعلته مدعوما من جانب خالد محيى الدين، رابع أربعة شكلوا تنظيم الضباط الأحرار، مع "جمال عبدالناصر" فى العام 1949، وكان له وزنه داخل مجلس قيادة الثورة، وتاريخ النحاس حافل بالمواقف الوطنية منذ أن التحق بمكتب "محمد فريد" الزعيم الوطنى، ورئيس "الحزب الوطنى" وشريك "مصطفى كامل" فى الكفاح، من أجل استقلال مصر، ثم تواصله مع "سعد زغلول" وانضمامه للوفد المصرى الذى تشكل فى أواخر العام 1918.

ونعود إلى سجل حياته رحمه الله، لنعرف أنه من مواليد "سمنود" بمحافظة "الغربية" فى "15 يونيو 1879، ووالده هو "محمد النحاس" أحد تجار الخشب المشهورين، كان يملك عدة "ورش" لتصنيع الأخشاب، وأنجب "مصطفى" وسبعة آخرين، وأرسله ليتعلم فى "كتاب القرية"، ولما ظهر نبوغه فى وظيفته بمكتب التلغراف، نصح أحد المستشارين والده بأن يرسله للقاهرة ليكمل دراساته فى مدارسها، وعقب تخرجه فى "كلية الحقوق" عمل بالمحاماة فى مكتب "محمد فريد"، ثم شارك المحامى "محمد بك بسيونى" فى مكتب المحاماه بمدينة "المنصورة"، وتولى "حسين رشدى" منصب "وزير الحقانية" فى الحكومة التى ترأسها "عبد الخالق ثروت"، وطلب "ثروت باشا" من "مصطفى النحاس" العمل بالقضاء، وبالفعل عمل بالقضاء ابتداء من "أكتوبر 1903" بمحاكم "قنا" و"أسوان" الأهلية لمدة خمس سنوات، ثم انتقل للعمل فى محاكم الدلتا لمدة تسع سنوات، وحصل على رتبة "البكوية"، وكان ـ النحاس ـ يعادى الاحتلال البريطانى، ويعمل مع قادة "الحزب الوطنى" من أجل استقلال البلاد، واستطاع التواصل مع "سعد زغلول" وكان له دور مهم فى ثورة 1919، فكان بحكم موقعه الوظيفى "قاض بمحكمة طنطا" عضوا فاعلا فى تنظيم إضراب المحامين، بالتنسيق مع "عبد العزيز فهمى" رجل القضاء وعضو الوفد المصرى، وعضو "حزب الأحرار الدستوريين" فيما بعد، وبمرور الأيام وتفجر الغضب الشعبى ضد الاحتلال البريطانى، وثبوت صلابة معدن النحاس، اقترب من "سعد زغلول" حتى أصبح ساعده اليمنى، ونفى معه إلى "مالطه"، وشاركه فى رحلة "الصعيد"، فكان ضمن الذين رافقوه فى رحلته النيلية إلى مديريات الصعيد، للتنسيق مع "الأعيان" وحشد الوطنيين منهم للضغط على الاحتلال، وفى العام 1927 انتقل "سعد زغلول" إلى جوار ربه، وتولى "مصطفى النحاس منصب رئيس حزب الوفد، وظل فى منصبه حتى وفاته فى "23 أغسطس 1965"، وما بين العامين 1927 و1965، كان النحاس فى قلب المشهد السياسى المصرى، فتولى منصب "رئيس الحكومة" عدة مرات، وناضل ضد حكومات القصر، التى دعمها "الملك فؤاد" والتى دعمها "الملك  فاروق"، وكان مؤمنا بالقانون والليبرالية السياسية، إيمانا لايتزعزع، رغم وقوع عدة حوادث وضعته فى وضع سيئ، وكلها وقعت بعد زواجه من "زينب عبد الواحد الوكيل"، فهذه الزوجة الشابة، وافقت على الزواج من "النحاس" وكان عمره بلغ الخامسة والخمسين، ولكنها وافقت لتتمتع بالسلطة التى يملكها، فهو "رئيس وزراء" مصر، ويعرف أنها "ضحت" واقترنت به رغم كهولته، وشبابها، فكان لايعصى لها أمرا، حتى استحوذت على مفاتيح الحكومة وأصبحت "تحكم من الباطن"، فمنحت أخاها "أحمد الوكيل" تراخيص استيراد سلع تموينية، وفتحت له أبوابا أخرى ليجنى منها الأموال، على حساب سمعة ـ زوجها النحاس باشا ـ حتى جاء اليوم الذى وقف فيه "مكرم عبيد" وبيده "الكتاب الأسود" تحت قبة البرلمان، فاضحا فيه الفساد الذى وقعت فيه "حكومة النحاس"، وكان "مكرم عبيد" واقعا تحت تأثير القصر الملكى، و"زينب الوكيل"!

أما القصر الملكى، فكان يكره "النحاس" وراثة، فكان "الملك فؤاد" المستبد يكره "حزب الوفد"، ومات وورث "فاروق" هذه التركة السوداء، رغم محاولات "الملكة نازلى" تلطيف العلاقات بين "الملك فاروق" ولدها، و"مصطفى النحاس" زعيم "الوفد"، لكن ما جرى فى يوم "4 فبراير 1942" دق المسمار الأخير فى نعش المودة التى كان من الممكن أن تولد بين قلبى الرجلين، مصطفى النحاس، السياسى الوطنى المخضرم، والملك الشاب "فاروق" الغرير، المغتر بالسلطة وشهوة الحكم، فكان قبول ـ النحاس ـ تشكيل حكومة وفدية، بناء على طلب من السفير البريطانى خيانة للعرش فى نظر "فاروق" ورجال القصر، رغم أن النحاس كان رافضا قبول تشكيل الحكومة وفق هذا الإنذار البريطانى المعتمد على قوة جيش الاحتلال، ورغم رجاء الملك له لقبول الأمر البريطانى، لكن "أحمد حسنين باشا" رئيس الديوان، اعتبر ما حدث إهانة وقعت له من "النحاس"، فقررأن يشق "حزب الوفد" فنفخ فى نار العداوة بين "مكرم عبيد" سكرتير الوفد، وممثل "الأقباط " فيه، و"مصطفى النحاس" زعيم الحزب، وكانت الأرض مهيأة للعداء واتساع دائرة الكراهية بين قطبى الحزب الشعبى الذى تصدى للاحتلال وقاد جماهير الشعب فى ثورة 1919، والسبب "زينب هانم الوكيل" زوجة "النحاس" التى أبعدت "مكرم عبيد" عن زوجها، لتستولى على رأسه، وتصبح الوحيدة التى يسمعها ويطيعها، والمدهش أن زواجها من "النحاس" كان بترشيح ودعم ووساطة "مكرم عبيد"!

 ولأن "مصطفى النحاس" رجل قانون، ديمقراطى العقيدة، يحترم إرادة الشعب، رفض إقامة حفل تنصيب "الملك فاروق"، بالصيغة التى أرادها "مصطفى المراغى" شيخ الأزهر، وأحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكى، وكانت الصيغة تقوم على حضور هيئة كبار العلماء وأعيان الأمة، ويقوم "شيخ الأزهر" بتقليد "الملك" سيف جده  "محمد على"، وطلب القصر من الحكومة فتح اكتتاب عام لشراء "هدية" لجلالة الملك، وأن يقوم الملك بإمامة صلاة الجمعة، ويصلى العلماء رجال الأزهر مأمومين به، وكان رفض "النحاس" هذه الصيغة مستندا لتراث قانونى، يجعل الملك ملكا دستوريا، يحكم من خلال حكومة، والحكومة منتخبة من قبل نواب، والنواب منتخبون من قبل الشعب، وإرادة الشعب تختلف عن إرادة "البابا" التى كانت تحكم أوربا فى العصور الوسطى، وكان رفض النحاس بداية لمؤامرات القصر ضده، وهى مؤامرات بلغت حد محاولة اغتياله عدة مرات بواسطة "ضباط الحرس الحديدى" الذى كان يرأسه "يوسف رشاد" الضابط والطبيب، وكانت مهمة هذا الحرس، قتل أعداء الملك، وكان أعضاؤه ضباطا فى الجيش، ونجا ـ النحاس ـ من محاولات الاغتيال، ولم تتوقف ألاعيب القصر، فأوحى إلى "حسن البنا" شيخ جماعة "الإخوان" بالقيام بدور الداعم للملك فاروق فى مواجهة "حزب الوفد" وزعيمه الديمقراطى، وفشلت اللعبة، وانتهت بمقتل "البنا" على أيدى "رجال الملك" فى "فبراير 1949"، ولما أقبل العام "1950" انتخب الشعب "الوفد" وشكل حكومته برئاسة "النحاس"، وفى 25 يناير 1952 وقعت مذبحة "بلوكات الأمن" فى "الإسماعيلية"، وفى اليوم التالى  26 يناير 1952، تفجر الغضب الشعبى فى صورة مظاهرات حاشدة فى شوارع القاهرة، وتحولت المظاهرات، إلى حريق للقاهرة، كل هذا حدث بتدبير الإنجليز والقصر، ردا على قرار "مصطفى النحاس" بإلغاء "معاهدة 1936" وتدشين الكفاح المسلح فى منطقة قناة السويس فى "أكتوبر 1951"، واستولى "الضباط الأحرار" على الحكم فى "23 يوليو 1952"، وخضع "النحاس" وزوجته "زينب الوكيل" للمحاكمة، وبرئ مما نسب إليه، واعتزل العمل السياسى إلى أن رحل فى العام 1965، فودعته "الجماهير" وداعا حارا يليق بتاريخه النضالى الوطنى المشرف.


Katen Doe

خالد إسماعيل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

المزيد من ثقافة

قصة مصورة - بوسة جملى

جن جنون السائحة ما إن رأت الجمل في منطقة الأهرامات

صنع الله إبراهيم.. المثقف الملتزم والروائى الجامح

رحل عن عالمنا مؤخرا الروائى الكبير صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عاماً، بعد إصابته بالتهاب رئوى، وكان الراحل واحدا...

«وردة».. إلى روح صنع الله

كان واضحا منذ روايته الأولى "تلك الرائحة" (1966) أنه كاتب مغامر، ثائر، لا يركن للكتابة المتداولة، التى اعتادها القراء، فهو...

«فى صحبة عائشة».. قراءة فى حياة وفكر بنت الشاطئ

يتتبع مسيرتها من الطفولة إلى إنجازها العلمى ومعاركها الفكرية