أصوات السماء فى الأرض

رحل الشيوخ محمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد وطه الفشنى ومحمد صديق المنشاوى ومصطفى إسماعيل وغيرهم من ملوك التلاوة فى مصر، بينما ظلت أصواتهم تقربنا من السماء وتخاطب
رحل الشيوخ محمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد وطه الفشنى ومحمد صديق المنشاوى ومصطفى إسماعيل وغيرهم من ملوك التلاوة فى مصر، بينما ظلت أصواتهم تقربنا من السماء وتخاطب الأرواح المدفونة بين ركام الحياة فى الأرض.
هؤلاء هم أبطال الصفحات التالية.
نحن لا نقدمهم هنا أو نذكر القراء بهم، فهم نجوم ظهرت فى قرى ونجوع مصرية فقيرة، ثم سطع نورها فيما بعد ليبهر آذان المستمعين فى العالم كله، لكننا حرصنا على أن نلمس السر الذى جعلهم على هذه الصورة، دخلنا لحيواتهم البسيطة واكتشفنا أسرار نبوغهم، تلك التى جعلت أصواتهم تنطلق من حناجر آدمية عادية لتحمل مستمعيها لعوالم سامية لا تستشعرها سوى الأرواح.
هم حاملو قيثارة السماء.. هم قراؤنا المصريون الذين نفخر بهم، ونحزن من أجلهم أيضا، حين نعلم أن دولة الإمارات الشقيقة تجمع الآن مقتناياتهم الخاصة لحفظها فى متحف دائم للقرآن الكريم بينما لم نفعل نحن ذلك.
عبد الباسط عبد الصمد..
«مارلون براندو» المُقرئين!
احتشد ربع مليون هندى لسماعه.. وحين علمت رئيسة الوزراء انديرا غاندى.. جاءت معهم
صار صوته طقوسا من طقوس رمضان، فلا مذاق للشهر الكريم إلا عندما تتجلى تلاوته قبيل انطلاق مدفع الإفطار.. إنه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أشهر مقرئ للقرآن الكريم فى العالم الإسلامي، بحيث يستقبله الرؤساء فى المطارات ويركبونه سياراتهم المكشوفة ليمر معهم بين الحشود كأنه أحد الزعماء، وهو بالفعل كذلك فى دولة التلاوة.. حصل الشيخ عبد الباسط على أرفع الأوسمة التى لا يحظى بها إلا القادة والزعماء.. «الإذاعة والتليفزيون» تدخل عالم القارئ الأشهر للقرآن الكريم من خلال نجله اللواء «طارق عبد الباسط عبد الصمد» الذى كشف لنا عن المزيد من الأسرار فى حياة الشيخ الراحل.
حدثنا عن طفولة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد؟
اسمه بالكامل «عبد الباسط محمد عبد الصمد» ولد فى أول يناير عام 1927 بقرية المراعزة بمدينة أرمنت بمحافظة الأقصر، والده كان موظفاً وله أربعة أبناء: الأول محمود وعبد الحميد وعبد الباسط وعبد المنعم، وجده شيخ من شيوخ الأزهر، ولد بين عائلة مشهورة بحفظ القرآن الكريم، والتحق الأشقاء الأربعة بالكتاب، وعندما بلغ الابن عبد الباسط السادسة التحق بكتاب القرية كباقى أقرانه فى القرية، لكنه كان طفلا متميزا فى حلاوة الصوت والقدرة على الحفظ وتمكنه من مخارج الألفاظ، الأمر الذى جعل شيخه من أشد المعحبين به وبنبوغه فى "القرآن" فمنذ طفولته كان عاشقا لصوت الشيخ "محمد رفعت" ويذهب إلى بيت العمدة الذى يبعد عن بيته بحوالى 3 كيلو لأنه البيت الوحيد فى القرية الذى به راديو، وعند عودته طوال الطريق يرتل ما سمعه من الشيخ "محمد رفعت" بصوت عال مما جعل أهل القرية يلقبونه بالشيخ منذ الطفولة، إلى أن أتم حفظ القرآن وهو فى سن العاشرة فأرسله والده ليتعلم بالأزهر الشريف، وذهب عبد الباسط ليتعلم القراءات على يد الشيخ المعروف بعلم القراءات " محمد سليم المنشاوى" فى قرية المطاعنة بإسنا وكان يذهب بصحبة معلمه لإحياء الليالى حتى يعرفه الناس، وبالفعل هذا تحقق وزاعت شهرته فى الصعيد.
وكيف وصل صوت الشيخ إلى الإذاعة المصرية؟
عندما وصل سنه الخامسة عشرة أصبح له مكانة كقارئ مستقل بنفسه، وفى يوم سافر مع بعض من أبناء قريته لحضور الاحتفال بمولد السيدة زينب الذى كان يحييه كبار القراء، وفى أثناء استراحة الشيوخ من التلاوة، اقترب منه خطيب مسجد السيدة زينب وقال له أنت "عبد الباسط " أنا أعرفك من الصعيد وسمعت عنك ممكن تقرأ لمدة عشر دقائق, وبدأ فى التلاوة وخيم على الحضور السكون وبدأ يتلو والناس تصيح بالإعجاب بصوته إلى أن ظل يتلو ساعة ونصف الساعة، وبالصدفة كان يوجد رجل من المسئولين فى الإذاعة وأعجب به، وعاد والدى إلى القرية وفى اليوم التالى وجد تليفونا من الشيخ «الضباع» شيخ المقرئين المصريين يدعوه ليتقدم إلى الانضمام إلى إذاعة الجمهورية العربية المتحدة بدون اختبار عام 1952، وبدأ يصل صوته إلى مسامع الناس كل سبت من كل أسبوع.
كان يقتنى اسطوانات لأنواع مختلفة من الموسيقى ومنها موسيقى هندية.. لماذا؟
كان معجبا بالموسيقى خاصة الهندية، ويقول إن الهنود يملكون أصواتا جميلة جدا، وكان لديه بعض الاسطوانات من الغناء الهندى، وكان يقول: الهنود فيهم أصوات جميلة وقوية.
قدم الشيخ ليلة فى الهند ولكثرة أعداد المستمعين له فتحوا له الاستاد الكبير.. حدثنا عن ذلك؟
فى يوم جاء رجل هندى يدق على باب بيته، ويعرض من أحد أثرياء الهنود دعوته وباسم كل محبيه وعاشقى صوته فى الهند بأن يتلو بالهند لأنهم يحبون صوته، فقبل الشيخ الدعوة وسافر إلى الهند، وهناك وجد حفاوة بالغة فى الاستقبال لم يكن يتوقعها، الحفلة كانت فى أحد المساجد الكبيرة هناك، لكن عندما علم محبوه فى الهند بحضور الشيخ وصل عددهم إلى أكثر من ربع مليون هندى، الرجل فوجئ أن الإقبال مذهل ، الأمر الذى جعلهم يفتحون الاستاد الكبير ليكفى الحشود من المسلمين فى الهند، وعلمت رئيسة الوزراء "أنديرا غاندى" بمجىء الشيخ، فجاءت تستمع إليه رغم أنها لم تكن تتبع الدين الإسلامى، وجلس الناس يسمعون فى سكينة لصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بالاستاد.
هل كان الشيخ عبد الباسط يحب صوت أم كلثوم؟
والدى كان يتذوق الطرب ومحبا لصوت أم كلثوم، ويقتنى اسطوانات أغانيها ويسمعها بكل إعجاب، وذهب مرة إلى حفل لها بدار الأوبرا القديمة وجلس بالجبة والقفطان فى صفوف الجماهير.
كما كان صديقا للموسيقار محمد عبد الوهاب.. كلمنا عن هذه الصداقة؟
من شدة حب وإعجاب "عبد الوهاب" بصوت وطريقة تلاوته كان يحرص على حضور المناسبات التى يقرأ فيها، وكان يقول له "عبد الوهاب" كيف تنتقل بسلاسة بين المقامات الموسيقية بهذا الإتقان.
تلقى الشيخ عروضا للغناء والإنشاد ولكنه رفض.. لماذا؟
تلقى عروضا كثيرة لكنه رفض بشدة.. وقال: أنا أتغنى بالقرآن فقط.
كاد يفقد حياته فى حادث المنصة.. فهل تتذكر ما قاله عنها؟
قبلها كان الشيخ قد اعتذر رسميا عن حضور العرض العسكرى لارتباطه باحتفال فى الإسكندرية فى نفس اليوم، ولكنهم عادوا واتصلوا به فقال لهم سوف أحضر بشرط بعد تلاوتى سوف أغادر على الفور، وافتتح الوالد العرض العسكري، ولما قام بالانصراف قالوا له ياشيخ عبد الباسط للأسف ممنوع الدخول أو الخروج لأن كل الأبواب أغلقت لإجراءات أمنية ، وبعد دقائق انهال عليهم الرصاص، وكان على بعد أمتار قليلة من الرئيس السادات، وشاهد عملية الاغتيال، فجرى وساعده وزيرالصحة الذى اصطحبه معه بالسيارة إلى العتبة، فكان الوالد فى حالة سيئة، فقد رأى الموت بعينيه، وبرغم هذا أصر على السفر إلى الإسكندرية ليفى بوعده.
قلت إن الشيخ عبد الباسط رجل متحرر الفكر والعقل.. ما دليلك على ذلك؟
والدى عاش الإسلام الوسطى النقى فهو رجل متحرر العقل والفكر، فكان يعيش معنا كأبناء يسعدنا ويدخل على قلوبنا السرور فكان يذهب معنا للبلاج ليستمتع بالبحر، ويذهب للمسرح ليسمع الست أم كلثوم لعشقه لصوتها، كان صديقا لعبد الوهاب، وتعلم العزف على العود والبيانو ليتعلم المقامات، وكان فى ألبومه الشخصى صور له وهو يضرب على العود ويعزف على البيانو، ويستمع للأغانى الهندية، وأذكر أنه سمح لنا مرة أو أكثر بالذهاب إلى السينما.
كان الشيخ رياضيا ويحب السباحة.. كلمنا عن هذا؟
كان زملكاويا ويشجع الزمالك بغير تعصب، ويشاهد مباريات كرة القدم، وتربطه صداقة قوية بالكابتن محمد حسن حلمى "زامورا" رئيس النادى، وكان الكابتن حلمى يحرص على دعوته ليفتتح الحفل السنوى الذى يقيمه نادى الزمالك فى شم النسيم بالقرآن الكريم، ونذهب معه وهو يذهب ويتركنا نستمتع بفقرات الحفل، وكان يجيد السباحة.
كان يرفض دخول عالم السياسة.. لماذا؟
فقد عرضوا عليه مراراً أن يرشح نفسه فى انتخابات مجلس الشعب استغلالاً لشعبيته الجارفة عن دائرته أرمنت فى قنا مسقط رأسه، حيث نجاحه مضموناً، ولكنه كان يعتذر ويقول: ماليش فى السياسة.. لا أفهم إلا فى كتاب الله..
برغم بعده عن السياسة إلا انه كان صديقا لبعض السياسيين.. حدثنا عن ذلك؟
هذا صحيح.. كانت تربطه صداقات واسعة بشخصيات سياسية فكان صديقاً لفكرى مكرم عبيد باشا من أقطاب الوفد، ولفؤاد باشا سراج الدين وتربطه علاقة طيبة بثلاثة رؤساء عاصرهم، فقد اختاره الرئيس عبدالناصر ليفتتح بصوته الاحتفال التاريخى بافتتاح السد العالى فى حضور الزعيم الروسى خرشوف وكان حاضراً فى أغلب المناسبات فى زمن السادات، وكرمه مبارك قبل رحيله فى احتفالية ليلة القدر ومنحه وساماً.
لكن رغم بعده عن السياسة إلا إنه لم يتأخر عن أى مناسبة وطنية لبلاده؟
كمواطن مصرى شعر الوالد بانكسار بعد هزيمة يونيو 1967، وعرض أن يضع صوته فى خدمة القوات المسلحة، فكان يذهب إلى الجبهة ليرفع من الروح المعنوية للجنود، يقرأ القرآن متطوعاً فى المناسبات الدينية العديدة، ليشد من أزرهم ويقوى عزائمهم فى معركة تحرير الأرض، ولما وقعت حرب أكتوبر استدعته الشئون المعنوية ليكون مع المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية فى زيارته للجبهة, وكانت الحرب لا تزال مشتعلة، وكان فى شهر رمضان.
سافر الشيخ بصحبة والده لأداء فريضة الحج، فطلبت منه السعودية القراءة فى صحن الكعبة.. هل تتذكر ذلك؟
عقب اعتماد أبى فى الإذاعة سافر بصحبة والده لأداء فريضة الحج، وعندما علمت السعودية بوجود الشيخ على أرضها، قامت السلطات السعودية بالتصريح له بالقراءة فى صحن الكعبة المشرفة، وقاموا بالتسجيل للإذاعة السعودية، وذهب إلى المدينة بعد تأدية الفرض وأيضاً أتيحت له فرصة التلاوة بالمسجد النبوى، وهذه كانت أول مرة يخرج فيها الشيخ خارج مصر.
لماذا شبهته الصحافة بنجم هوليوود «مارلون براندو»؟
لأنه كان أنيقاً فى كل ما يرتديه، يمتلك وسامة خاصة، فشبه فى الوسامة والأناقة بالنجم "مارلون براندو"، وكان يرتدى البدل أثناء سفره للخارج، لأنه مرة نزل بالجبة والقفطان فى المطار بأمريكا، فكان الناس يتفرجون عليه لأن منظره ملفت، فاصطحب صديقاً له مقيماً هناك وأشترى بعض البدل، وقرر أن يرتديها فى زياراته الأوروبية، حتى يمشى فى الشارع دون أن يلفت النظر، وكان يفصل ملابسه عند الترزى نفسه الذى يتعامل معه شيخ الأزهر ووزير الأوقاف.
كيف كان الأب عبد الباسط عبد الصمد؟
كان أبا مثاليا، وكان نادرًا ما يغضب منا، لديه 7 أبناء و4 بنات، ومنذ نعومة أظافرنا تعلقنا بالقرآن الكريم من خلال الاستماع إلى والدنا والذهاب معه للحفلات وصلاة الجمعة، وكان والدى حريصا على تحفيظنا القرآن الكريم، فأحضر لنا أحد المشايخ لذلك.
هل تتذكر أول مرة سمعك فيها والدك؟
كان يسمعنى فى البيت وينصحنى، ويثنى على صوتى، وأول مرة يسمعنى أمام الجمهور كان فى واجب عزاء فى قرية المطاعنة، فطلب منه الحضور الاستماع لأحد أبنائه، فتلوت وهذه أول مرة سمعنى أمام جمهور.
وماذا عن الأوسمة التى حصل عليها؟
حصل على العديد من الأوسمة أهمها وسام الأرز اللبنانى ووسام ماليزيا الذهبى ووسام من السنغال ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب ووسام الاستحقاق المصرى.
مصطفى إسماعيل..
استدعاه فاروق بـ «البوليس» ليكون قارئاً للقصر
عاطف وإنجى يكشفان:
وصيته الأخيرة.. وأسرار خلافه مع «الحصرى»
اختاره الملك فاروق قارئاً للقصر الملكى وكرمه عبدالناصر ورافق السادات فى زيارته للقدس.. إنه القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل الذى سجل التلاوة بـ 19 مقاماً بصوت عذب وأداء قوي، وقد عرف عنه أنه صاحب نَفَس طويل فى القراءة التجويدية. سجَّل بصوته تلاوة القرآن الكريم كاملاً وترك وراءه 1300 تلاوة لا تزال تبث عبر إذاعات القرآن الكريم، كما استطاع أن يمزج بين علم القراءات وأحكام التلاوة وعلم التفسير وعلم المقامات. نفتح خزائن ذكرياته من خلال ابنه عاطف وابنته إنجى.. وبدأنا الحوار أولاً مع عاطف..
كيف كانت حياة الشيخ مصطفى إسماعيل وكيف كانت طفولته؟
ولد فى ميت غزال مركز السنطة مديرية الغربية يوم 17 يونيو سنة 1905، وقضى طفولته هناك، والده كان مزارعاً ميسور الحال ، يدعى محمد المرسى إسماعيل ووالدته اسمها "ستيتة حسنين إسماعيل"، وجده لوالده اسمه "المرسى إبراهيم، وجده لوالدته اسمه "السيد إسماعيل".
كان لوالدى 7 أشقاء هو أكبر الأبناء بالأسرة وبعده "زكية " ثم "عبدالسلام" ثم " أمينة" ثم محمد ثم فاطمة وست العيلة وسرية وعبدالعزيز..
أدخل والده ابنه الصغير " مصطفى " الكتاب ليحفظ القرآن ويتعلم القراءة والكتابة ، وفى المعهد الأزهرى بمدينة طنطا وذاع صيته بين الطلبة والأساتذة بأنه صاحب صوت مثل الكروان وانتشر اسمه فى محافظة الغربية منذ حداثة سنه.
وكيف شق طريقه للشهرة؟
يوم مأتم عضو بمجلس النواب (القصبى باشا) الذى كان قد توفى فى اسطنبول ونقل جثمانه للإسكندرية ، واستمر المأتم 3 أيام وفى اليوم الأول قرأ الشيخ محمد رفعت والشيخ حسن صبح، ووالدى كان حاضراً فى هذا العزاء على اعتبار أنه مستمع لهما وكان عمره وقتها 17 سنة، لكن أولاد القصبى باشا كانوا يعرفون والدى لذا ضغطوا عليه لكى يقرأ إحدى السور وبالفعل قام بذلك وغضب الشيخ حسن صبح فقام أهالى المأتم وقالوا له الشيخ مصطفى إسماعيل مدعو، وقال والدى عن هذا اليوم: قرأت 5 دقائق ووجدت نفسى بعد ذلك أقرأ مثل المدفع والناس تستمع لى بإعجاب، وبمجرد أن جاء الشيخ محمد رفعت إلى مكان العزاء قررت التوقف عن التلاوة، حتى بعث لى بأحد الأشخاص ليخبرنى بأن الشيخ يريد أن يسمعك ، وبعد أن انتهى من القراءة التقى الشيخ محمد رفعت الذى مدح فى صوته وأمره بتعلم وإتقان مخارج الحروف عند أحد الشيوخ بالمعهد الأحمدى بطنطا وبشره بأنه سيكون من أعظم المقرئين فى مصر، ومن هنا كانت كلمات الشيخ رفعت قوة دافعة كبيرة له نحو الاستمرار والتجويد.
ما هى هوايات الشيخ؟
القراءة وخاصة قراءة الجرائد.
وماذا عن تفاصيل حياته العادية؟
كان شديد الاهتمام بملابسه، و بسيطا متواضعاً ومحباً للخير ، يحب العلم.
طريقه للإذاعة كان صدفة.. كلمنا عن ذلك؟
الشيخ أخذ نصيبه من الشهرة فى محافظات الغربية والشرقية، كان لديه سيارة ورقمها 2 فى مصر ، وعطلت منه فذهب ليصلحها فى القاهرة وهو هناك قرأ لافتة مكتوبا عليها "رابطة تضامن القراء" فدخل إلى مقر الرابطة وتعرف على المقرئين وبمجرد أن ذكر اسمه لقى حفاوة شديدة وكان من بينهم الشيخ "محمد الصيفى" الذى كان يقرأ بالإذاعة، فعرض عليه قراءة القرآن فى الإذاعة يوم الجمعة الساعة 10 مساء من نفس اليوم، هذا عام 1944 وهذه هى كانت المرة الأولى، وهكذا دخل إلى الإذاعة بدون مروره على لجنة أو امتحانات، كانت الإذاعة هى نقطة انطلاقه وشهرته الحقيقية فى مصر والعالم الإسلامى، وأصبح يستمع إليه الملايين بعد سنوات من الشهرة فى القرى والنجوع والكفور.
كيف أصبح الشيخ مقرئ القصر الملكى والملك فاروق.. كيف؟
كان من مستمعيه "مراد محسن باشا" ناظر الخاصة الملكية حينذاك والذى كان قد سمعه فى الإذاعة وأرسل فى طلبه بقريته عن طريق البوليس، كان أبى يشرف على جنى محصول القطن فى الحقل ولما عاد إلى المنزل أخذه الضابط فى سيارة البوليس وقال نحن نبحث عنك منذ 3 أيام ومن طنطا شقت السيارة طريقها إلى قصر عابدين وأدخلاه على الفور مكتب مراد محسن باشا ناظر الخاصة وقال له: لقد استمعت إلى قراءتك فى الإذاعة وأرجو أن تقرأ لنا الآن ، وأثناء تلاوته دخل عليهم محمد حيدر باشا القائد العام للقوات المسلحة، لكن المفاجأة أن مراد محسن باشا وهو يودعه على باب مكتبه قال له: نحن نريدك فى احتفال الذكرى السنوية للمرحوم الملك فؤاد فى 28 أبريل سنة 1943 وسيحضر الملك فاروق وسيذيع الراديو قراءتك، وبالفعل حضر هذا الاحتفال وقرأ فيه ومنذ تلك الليلة ذاعت شهرته بين كبار القراء الذين سبقوه بزمن طويل وبعدها تم الاتفاق معه على أن يقرأ طوال شهر رمضان فى قصر رأس التين، وكانت جميع ليالى الشهر مذاعة وكان معه الشيخ أبوالعينين شعيشع وقد استمرت حفلات شهر رمضان منذ عام 1943 حتى عام 1952، كان يتقاضى 150 جنيهاً عن مجمل هذا الشهر.
ما الأصوات التى كان يحبها؟
كان يحب صوت محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وكان يقول على صوتها إنه صوت دسم وكان معجبا بشخصيتها وكان يقول عنها قوية وجريئة وكان يحب صوت أسمهان.
وماذا قيل عن صوته؟
أم كلثوم كانت تقول عنه إنه تخت موسيقى كامل.. ورياض السنباطى قال عنه: ده كان موسوعة.
يملك الشيخ صوتاً يميزه عن غيره.. فماذا عنه؟
يمتلك حجم صوت من الطبقتين الوسطى والعليا، فهو عنده 18 مقاماً وهذا ما يميزه عن باقى المقرئين، وكان يقول: "لو ما كنتش اقرأ بنصف ساعة معرفش أقول".
كيف خرجت تسجيلاته النادرة إلى باريس؟
للأسف تسجيلات الشيخ النادرة وجدها شقيقى تباع فى أسواق باريس على الغلاف صورة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وداخل الشريط صوت والدى ومكتوبا عليها تلاوة مصطفى إسماعيل، للأسف الإذاعة تجاهلت تراث والدى، وقد جمعت بنفسى تسجيلاته النادرة من جديد وأرسلتها للإذاعة.
قيل إنه لم يكن يحب التلاوة فى الاستديو ويفضل التلاوة فى الحفلات الخارجية؟
هذا حقيقى كان يحب الحفلات الخارجية لأنها تتيح له التواصل مع المستمعين، ولم يكن يحب الاستديو، ومن أجمل الحفلات التى أحب أن أسمعها للشيخ حفلاته فى إيران والعراق ولبنان وسوريا.
ولماذا ابتعد عن الإذاعة لفترة؟
من أسباب ابتعاده عن الإذاعة أنه كان يحب التلاوة لساعات طويلة ولم يكن يرضيه النصف ساعة أسبوعياً التى تتيحها له الإذاعة، لذلك انقطع عن الإذاعة، وعاد إليها مرة أخرى بسبب الضغط من القصر الملكى، ومن كثرة الرسائل التى انهالت من المستمعين.
وماذا عن علاقتة بالرئيس السادات؟
كانت علاقته بالرئيس السادات جيدة جدا لدرجة أنه اصطحبه للقراءة فى المسجد الأقصى.
ما رأيك فيما تردد أن الشيخ الطبلاوى هو الوحيد الذى رافق الرئيس الراحل «السادات» فى رحلته إلى القدس؟
والدى هو الذى رافق الرئيس السادات وتلا القرآن فى المسجد الأقصى، ولكن زيارة الشيخ مصطفى إسماعيل مع الرئيس السادات إلى إسرائيل أغضبت بعض الدول العربية ومنعت تسجيلاته.
كان محباً للرئيس جمال عبد الناصر أيضا.. أليس كذلك؟
كان يحبه كثيراً وافتتح حفلات الرئيس جمال عبدالناصر وكان إذا شعر الرئيس بضيق يستدعى والدى إلى بيته، وهذا حدث مرات كثيرة.
كان يحب تلاوة القرآن وهو فى قريته.. لماذا؟
كان يقول لى: صوتى بيكون أجمل وأنا فى قريتى.
وماذا عن الخلاف بينه وبين الشيخ الحصرى؟
فى مقال للشيخ الحصرى على صفحات مجلتكم العريقة الإذاعة والتليفزيون فى الستينيات، فى أحد مقالات الكاتب خيرى شلبى، قال فيه «الحصرى» على مشايخ مصر كلهم إنهم مطربون وانه هو الوحيد الذى يقرأ القرآن القراءة الشرعية، هذا الموقف كان سبب عزله عن كبار القراء، وهناك موقف آخر وأنا كنت حاضرا فيه ولا أنساه حين جاءت دعوة لوالدى لكى يقرأ القرآن، فى افتتاح قناة السويس وفى وجود الرئيس السادات وشاه إيران، ففى ذلك اليوم ذهبت معه مبكرا فقد اعتاد أن يذهب قبل الميعاد بساعة، وحين وصلنا وجدنا الشيخ الحصرى جالساً على مقعد القراءة، مع انه معروف إن الشيخ مصطفى إسماعيل هو الذى سيفتتح الحفل، وبرغم انه رأى والدى، ظل فى مكانه مما سبب للشيخ "مصطفى" حرجا كبيرا، وسأل اللواء المسئول عن تنظيم الحفل وقتها، فذهب اللواء إلى الحصرى ليسأله عن دعوته للقراءة فى الافتتاح، فلم يجد معه دعوة ورد عليه الشيخ الحصرى: دا قرآن بيتلا، فرفض اللواء هذا الكلام ومنع الحصرى وجعله يذهب، فتأثر والدى من هذا المشهد وحزن على شكل الحصرى وقتها.
ومن هم أصدقاؤه؟
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. محمود على البنا.. أبو العينين شعيشع.. عبد الفتاح الشعشاعى.
وماذا عنكم؟
نحن 6 أبناء، 3 أولاد و3 بنات، وكان أبى يقدر قيمة العلم، الأمر الذى جعله يسفرنا للدراسة بالخارج فأنا درست الطب وشقيقى الهندسة والثالث درس التربية البدنية، والبنات ادخلهن مدرسة أمريكية، كما كان يشجعنا على ممارسة الرياضة وخاصة لعبة التنس وتعلم العزف على البيانو.
وصية الشيخ
التقطت "إنجي" ابنة الشيخ الراحل أطراف الحديث قائلة:
فى يوم كنت أسير أنا وبابا فى البيت بالبلد، ووقف فجأة وقال لى: إيه رأيك لو دفنت هنا فى البيت؟ فقلت له معقول يحدث هذا يا بابا ، فقال: سوف يحدث وكانت وصيته أن يدفن فى منزله فى قرية ميت غزال وإقامة مسجد بجواره، وأثناء احتضاره بلغت هذه الوصية إلى المحافظ لكنه رفض قائلاً: هذا يحتاج إلى إذن من رئيس الجمهورية، فذهب أحد أقاربنا إلى الرئيس السادات فى ميت أبوالكوم، ونقل له الأمر، فأمر الرئيس أن تنفذ وصية بابا.
وما هى الجوائز والأوسمة التى حصل عليها؟
نال العديد من الجوائز من الدول العربية، أهداه الرئيس التركى مصحفاً مكتوباً بماء الذهب، ونال وسام الأرز من لبنان، ومنح فى عام 1965 أول وسام يناله قارئ للقرآن فى عيد العلم وفى ذلك العام حصل على نفس الوسام كل من طه حسين وفكرى أباظة وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب.
وماذا عن الحب فى حياة الشيخ مصطفى إسماعيل؟
فى إحدى الليالى بدمياط جلس رجل يستمع إلى الشيخ إلى آخر الليلة، وطلب منه أن يزوره بمنزله، وفى اليوم التالى لبى الشيخ الدعوة، وذهب إلى منزل الرجل الذى كان مدير مدرسة ووقف عند البيت يسأل عنه فخرجت له بنت تقول له والدى بالمسجد المجاور، فذهب إليه وجاء لتناول الغداء، فقالت له زوجته بعد ذهاب الشيخ إن هذا الشيخ جميل الصوت والشكل ياريت يتزوج من ابنتنا "فاطمة" ومرت الأيام وسمع الشيخ بوفاة هذا الرجل فذهب إلى العزاء وقابل ابنه وطلب منه يد شقيقته التى رآها من قبل فوافق على أن يتم الزواح بعد الأربعين، وتم الزواج، والدتى كانت خجولة جدا وبابا كان عطوفا فكان يدللها ويغازلها ويشترى لها كل جميل عندما يسافر، وظل الحب يجمعهما إلى آخر أيام حياته.
هل طلبت منكم مقتنيات الشيخ لمتحف مجمع القرأن الكريم الذى سوف يفتتح قريبا فى الإمارت؟
نعم لقد أرسلوا لى خطابا يطلبون مقتنيات الشيخ لوضعها فى متحف باسم الشيخ فى مجمع القرآن بالإمارات والذى كان مقررا أن يفتتح قريبا، وأعطيتهم ساعة الشيخ الخاصة وحذاء وجبة وقفطانا وبعضا من السبح وبعض الأشياء الخاصة بوالدى.
طه الفشنى..
«ملك التواشيح» و «منشد الملوك»
الملك فاروق كان حريصاً على حضور حفلاته فى رمضان.. وكان القارئ المقرب لعبد الناصر
عندما نتحدث عن المقرئين بمصر يجب أن نقف كثيرا عند الشيخ «طه الفشنى» أحد أشهر قراء القرآن والمنشدين فى مصر، الذى أثر تأثيرا كبيرا فيمن استمعوا إليه.. ابنه المستشار «زين طه الفشني» يروى ذكريات المحنة الكبرى فى حياة والده.
هل تتذكر مراحل حياته الأولى؟
ولد الشيخ طه الفشنى عام 1900 بمركز الفشن ببنى سويف؛ والده كان تاجراً ميسور الحال، ونشأ فى أسرة متدينة بطبعها فجده من حفظة القرآن، وهكذا حفظ طه كذلك القرآن وهو فى العاشرة، ثم التحق بمدرسة المنيا للمعلمين وأتمها قبل أن يكمل العشرين، وهناك اكتشف ناظر المدرسة أنه يملك صوتا عذبا فجعله يلقى التلاوة فى الطابور صباحاً وفى المناسبات، تلك الخطوة شجعته فيما بعد على إحياء ليال كثيرة بالفشن وقراها، مما أكسبه شهرة واسعة دفعت به أخيراً إلى القاهرة.
التحق الفشنى بالقاهرة بمدرسة القضاة تحقيقا لرغبة والده، وعاش بالقرب من الحسين، وتعلم على يد الشيخ عبد العزيز السحار القراءات والتجويد وانتظم فى حلقات الإنشاد الديني، وأصبح المؤذن الأول لمسجد الإمام الحسين الذى كان يسكن بالقرب منه.
هذه المعلومات الأولى التى حصلنا عليها من المستشار "زين طه الفشني" نجل الشيخ الراحل، وقد التقينا به ليتحدث عن والده الذى تفرد بسمات صوتية لم تكن لغيره من القراء والمنشدين.
متى كان ظهوره الأول على التليفزيون؟
ظهر والدى لأول مرة على التليفزيون المصرى فى 26 أكتوبر 1963 وهو يتلو آيات من سورة "مريم".
نعرف أنه تعاون مع ملحنين كبار.. حدثنا عنهم؟
لحن تواشيح وابتهالات والدى الكثير من الملحنين أمثال زكريا أحمد وموسى الحريرى وسيد شطا ومحمد إسماعيل ودرويش الحريرى، ومن أشهر مدائحه "السيرة العطرة" و"ميلاد طه" و"الله زاد محمداً تعظيماً" و"لى فيك يا أرض الحجاز حبيب" و"يا أيها المختار" و"يا حبيبى ليس لى من الدنيا سواك"، و"كن عن همومك معرضا".
وكيف دخل الإذاعة؟
فى إحدى الليالى بحى الحسين- التى حضرها مدير الإذاعة وقتها "سعيد باشا لطفى"- أعطى معلمه الشيخ المنشد على محمود الفرصة لوالدى كى يقرأ القرآن، وأعجب به "سعيد باشا" إعجابا شديدا، وبالفعل ذهب للإذاعة وأجرى اختبارا والتحق بالإذاعة، وكانت له فترة قراءة لمدة ساعة إلا ربع فى المساء فى الإذاعة المصرية، وبدأ اسمه ينتشر وذاع صيته، وأصبحت مصر كلها تسمع قراءاته، وجاءت له فرصة يوما أن يزامل الشيخ "مصطفى إسماعيل" فى سهرة رمضانية فى السرايا الملكية عند "الملك فاروق"، وهذا كان اعترافا بأنه أحد أهم القراء فى مصر، واستمر فى الإنشاد الدينى حتى طلبت منه الإذاعة أن يحل مكان معلمه الشيخ "على محمود" الذى كان مريضا، وقال له الشيخ على محمود "أنت خليفتى"، فذهب وتمت إذاعة الحفلة وازدادت شهرته، وهو الأمر الذى جعله ينشئ فرقة باسمه عام 1942م.
فقد الشيخ صوته.. كلمنا عن هذه المحنة؟
كان ذلك فى عام 1948م حيث انحبس صوت الشيخ وفشل العلاج معه، وكان عنده يقين إذا سافر إلى المملكة العربية السعودية وشرب ماء زمزم فسوف يعود له صوته، وفعلا سافر لأداء فريضة الحج وشرب من ماء زمزم وكانوا على جبل عرفات يستعدون لصلاة العصر، وفجأة شق الفضاء صوت جميل يؤذن للصلاة، فكان صوت الشيخ الذى عاد من بركات عرفة.
هذه الحكاية روتها السيدة خيرية البكرى عام 1978م فى أخبار اليوم أنه أثناء رحلتهم إلى الحج، وكانوا يستقلون باخرة، لفت نظرهم وجود الشيخ الجليل بينهم ورأوا على وجهه الحزن بسبب أنه فقد صوته الذى انحبس فجأة ولم يجد الأطباء علاجا لحالته.
قلت إن الشيخ الفشنى له ثلاثة أنواع من الأذان.. كيف؟
كان والدى- رحمة الله عليه- له ثلاثة أنواع من الأذان بمقامات مختلفة، أذان مدته دقيقتان و58 ثانية بمقام رست ، وأذان مدته دقيقتان وعشر ثوان بمقام حجاز وله أذان فجر نادر سجله بمسجد سيدى مرسى أبو العباس.
وما هى مقومات صوته؟
صوت والدى وصل إلى درجة (الاكتفين) وهذا أعلى طبقة صوت عند الرجال.
ومن الأساتذة الذين شكلوا مخزونه؟
من الأساتذة الذين أثروا فيه فضيلة الشيخ محمد رفعت والشيخ على محمود والشيخ عبدالفتاح الشعشاعى فكانوا له القدوة.
الشيخ الفشنى أول من أدخل النغم على التجويد.. كيف؟
هذا بسبب دراسته المتمكنة فى علم المقامات، وكان يجيد العزف على العود، وقدراته الصوتية التى تعدت سبعة عشر مقامًا موسيقيا، وفى التواشيح كان ينشد بيتا واحدا بأكثر من ثلاثة مقامات صوتية، مما جعل أم كلثوم تطلق عليه لقب (ملك التواشيح) وكان يستمع إلى أغانيها الجديدة التى تقدمها كل شهر.
حدثنا عن علاقته بالرؤساء والملوك؟
ظل يحيى حفلات قصر عابدين وقصر التين لمدة 9 سنوات، وكان الملك فاروق يحرص على حضور حفلاته فى ليالى رمضان ويوجه له دعوة خاصة به، كما كان القارئ المقرب إلى الرئيس "جمال عبدالناصر" وكذلك الرئيس السادات، وتكريما له جعله يذهب مبعوثا فى شهر رمضان لجمعية القراء الأتراك، ومنذ عام 1940 أصبح قارئا لمسجد السيدة سكينة وظل بها حتى وفاته فى 10 ديسمبر 1971م.
ما التكريمات والأوسمة التى حصل عليها؟
عدة تكريمات وأوسمة ونياشين من عدة دول، فكرمته إيران بحكم أنه من أكثر من أثر بتلاواته فى الشعب الإيرانى وأعطوه الوسام التقديرى من الطبقة الأولى مكتوبا بماء الذهب، كما اصطحبه الرئيس السادات للمؤتمر الإسلامى بتونس وحصل على وسام من الحكومة التونسية عام 1958م، ووسام دولة ماليزيا عام 1958 وتكريم دولة تركيا عام 1970م، حيث وضعت الحكومة التركية اسمه فى سجل الخالدين بوزارة الثقافة التركية، كما منحه الرئيس السابق "حسنى مبارك" نوط الامتياز من الطبقة الأولى عام 1991م، بعد وفاته وكان لى الشرف بتسلمه.
كان للشيخ طه الفشنى دور كسفير للقرآن فى العالم.. كلمنا عن هذا الدور؟
أثر الشيخ تأثيرا كبيرا فى كل من استمع إليه فى الخارج لجمال صوته الذى لا يوجد لدى أحد غيره، ففى عام 1949 بدأ بث الإذاعة السعودية بتلاوته للقرآن الكريم. كما أرسلته الإذاعة المصرية إلى السودان ونيجيريا وتشاد وباقى دول إفريقيا ودول أوروبا ثم أستراليا وأمريكا وبنما ودول الأمريكتين وإندونيسيا وباكستان وإيران ودول الخليج وباقى دول آسيا ثم تركيا ويوغسلافيا وإنجلترا..
وماذا عن تركته فى تراث التلاوة؟
ترك الشيخ طه الفشنى تراثا كبيرا من الاحتفالات التى أحياها فى مصر وخارجها وتسجيلات قرآنية تزيد على ثلاثة أرباع المصحف تجويدا ، ثم بدأ الترتيل، ولكنه مرض ولم يكمل القرآن المرتل وسجل الشيخ 16 ساعة من القصائد والتواشيح الدينية.
وكيف كان "الفشنى" الأب؟
كان خفيف الظل مرحا لا تفارق وجهه الابتسامة وكان متسامحا، وكان ورعا وتقيا.. يوصينا بالصلاة.
وما سر الشال الحرير الذى كان يرتديه فى الصيف والشتاء؟
كان يحافظ على صوته بشكل كبير لا يأكل الحار ولا الطعام الدسم لأنه كان مريضا بالسكر ويسير على نظام غذائى جيد، ويلف عنقه بالشال فى الصيف وفى الشتاء لا يقلعه أبدا.
وما هى أهم اللحظات السعيدة واللحظات الحزينة فى حياته؟
كان سعيدا جداً عندما عاد له صوته، ورأيته حزينا مرتين الأولى عندما توفيت ابنته" عطيات " وكان عندها 22 عاما فقط وتركت ثلاثة أطفال صغارا، والمرة الثانية عندما توفيت والدتى فكان يحبها ويقدرها جداً.
أحيا الشيخ الفشنى ليلة عرس الملك فاروق.. حدثنا عن ذلك الحدث؟
بدأ والدى عرس الملك فاروق على الملكة ناريمان بقصيدة مدح للملك من ألحان عبد الوهاب، وحضرت معه أم كلثوم وعبد الوهاب ليلة العرس..مع العلم أن والدى لم يستعمل الآلات الموسيقية فى أى من الموشحات والقصائد التى قدمها، لأنه كان شيخا يقرأ القرآن.
هل عرضت دولة الإمارات شراء مقتنيات الشيخ؟
حصل بالفعل، لكنى لم أوافق على إعطائهم مقتنيات وأوسمة ونياشين والدى من أجل بضعة دراهم، ومن الجيد لو قدمناها لمكتبة الإسكندرية، لكنى سمعت أن الإمارات حصلت على أصوات القراء وهذا تراث عظيم لا يقدر بثمن بمجرد انها تشترى الشرائط من (صوت القاهرة) ولا نحصل نحن أبناء الشيوخ على حق الأداء العلنى ويضيع حقنا.
من هم أصدقاؤه المقربون؟
الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد صديق المنشاوى والشيخ مصطفى إسماعيل.
المنشاوى ..
الصوت الباكى من «سوهاج» إلى العالم
بكى حين عرف أن أحد القراء الكبار فى الأوقاف كان سبباً فى إبعاده عن القراءه لدى الملك السنوسى
«صاحب الصوت الباكي».. هكذا كانوا يلقبون الرجل الذى تربع على عرش التلاوة فى الخمسينيات، هو «محمد صديق المنشاوي» الذى تميز صوته بالعذوبة والحزن فسمعته القلوب قبل الآذان. ولد المنشاوى فى قرية «البواريك» بمركز المنشاة بمحافظة سوهاج عام 1920، والتحق بكتاب القرية وهو فى سن صغيرة، لكنه برع فى القراءة، وحدث أن أتيح له أن يقرأ القرآن فى إحدى الليالى أمام جمع كبير، ومن هنا بدأ اسمه يتردد بكثرة بين العامة. تعلم المنشاوى القراءة على يد الشيخ «محمد المسعودى» وأتم حفظ القرآن الكريم وهو فى الثامنة.. هكذا حدثنا «صديق محمود صديق المنشاوي» عن جده.. ومعه بدأنا الحوار من أول الطريق..
كيف كانت بداية رحلة الشيخ مع القراءة؟
للشيخ المنشاوى عم اسمه "أحمد السيد" كان يعيش فى نفس القرية "البواريك" بالمنشاة، أتم جدى حفظ ودراسة القرآن على يديه ومشايخ آخرين كذلك منهم محمد النمكى ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم الذى لم يكن يتقاضى أجراً على تعليم القرآن.
يبدو أن عائلة «المنشاوي» قد توارثوا التلاوة!
نعم.. بداية من الجد الأكبر "سيد المنشاوي" الذى كان قارئا كبيرا، وكان سببا بعد الله عز وجل فى تحفيظ القرآن لأبنائه الثلاثة "صديق والسيد وأحمد" وأنجب ابنه الشيخ "صديق" ثلاثة أبناء هم "محمد ومحمود وأحمد"، والأول هو الذى ذاع صيته فى جميع أنحاء الجمهورية، معلماً وقارئاً، ووهب كل حياته للقرآن الكريم، ومن بعده حمل الراية شقيقه الشيخ محمود المنشاوي، ثم أنا العبد الفقير "صديق محمود صديق المنشاوي".
كان جدك أول قارئ تذهب الإذاعة إليه ولا يذهب هو استديوهاتها.. كلمنا عن الموضوع؟
نظراً للجماهيرية الكبيرة التى كان يحظى بها فى سوهاج وفى مركز إسنا، ما إن سمعت الإذاعة بذلك الصوت، حتى انتقلت إليه وهو فى مطلع شبابه وقبل شهرته بمعداتها وفنييها ومهندسيها لتسجيل قراءاته، خصوصا مع رفضه خوض اختبار الإذاعة المصرية لاعتماده قارئا كغيره ممن خاضوا الاختبار، ليصل صوته إلى الملايين فى البيوت، وذاع صيته فى البلاد العربية والأجنبية، ووقع عليه الاختيار ليكون قارئ الجمهورية العربية المتحدة أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، وقرأ الجمعة الأولى فى القاهرة من مسجد الزمالك كقارئ مكلَّف من قِبَل وزارة الأوقاف، والجمعة الثانية فى مسجد "لا لا باشا" بدمشق ، كما سجّل أيضا لإذاعة سوريا ولندن.
من المؤكد أن والدك كان يحكى لك عن أبيه الشيخ الراحل.. هل تذكر بعضاً من قصصه؟
قال لى والدى إن الشيخ المنشاوى اعتاد أن يسهر فى رمضان من كل عام عند الملك إدريس السنوسى فى ليبيا، حيث كانت تأتيه دعوة خاصة من الملك، وفى إحدى السنوات انتظر الدعوة ولم تأت، ثم أبلغته السفارة بأن الملك أرسل له رسالة إلى وزارة الأوقاف ليحضر رمضان، فأخبرهم أنه لم يصله أى شىء، واتضح أن أحد القراء الكبار الذى يأكل ويشرب معه ويفتح له الشيخ محمد المنشاوى بيته يقف وراء عدم وصول الرسالة، فما كان منه إلا أن أخذته العاطفة وأخذ يبكى.
وماذا قال عنه الشيخ الشعراوى؟
قال عنه الشيخ "محمد متولى الشعراوى" إنه ورفاقه يركبون مركبا ويبحرون فى بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله - سبحانه وتعالى- الأرض وما عليها.
كقارئ للقرآن الكريم.. حدثنا عن التراث الذى تركه الشيخ المنشاوي؟
له تسجيل كامل للقرآن الكريم مرتَّلا برواية حفص عن عاصم، وهى الرواية المشهورة فى مصر، بخلاف الختمة القرآنية الإذاعية المجوَّدة، لكنها لم تكن كاملة، كما كان له قراءة أخرى برواية "الدُّورى" لكنها بالاشتراك مع الشيخين كامل البهتيمى وفؤاد العروسى، كما كان له العديد من التسجيلات فى المسجد الحرام فى مكة المكرمة والمسجد النبوى فى المدينة المنورة والمسجد الأقصى فى القدس. وفى العراق وإندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والمملكة العربية.
وما علاقة الشيخ بالسياسة؟
لم يكن له فى السياسة إطلاقاً رغم أنه كان يجالس السياسيين، وعندما جاء الملك فاروق لافتتاح أحد الكبارى الذى يوصل من سوهاج لأخميم تلقى دعوة ولم يكن قد دخل الإذاعة وقتها، وكان الملك قد حضر "بالذهبية" وهى الباخرة الخاصة به، وجلس يتناقش معه فى بعض أمور الدين ومرة أخرى ذهب لزيارة الملك فى قصره بالقاهرة، أما بالنسبة للرئيس عبدالناصر فقد كان يحبه، وكذلك السادات الذى كان يدعوه دائماً لتلاوة القرآن فى كل المناسبات.
هل كانت له رياضة مفضلة؟
كان يحب السباحة ويمارسها عندما يذهب للنادى ويقول إنها تعطى قوة للنفس وتوسع الصدر.
وماذا عن حبه للزمالك؟
كان زملكاوياً يشجع فريق الزمالك لكرة القدم لكنه لا يعرف شيئا فى كرة القدم.
من كان أقرب أصدقائه إلى قلبه؟
كل القراء كانوا أصدقاءه مثل الشيخ محمد رفعت وعبدالباسط عبدالصمد والشيخ البنا والبهتيمى والشعشاعى وكان يحب أن يزورهم ولم يكن يمر أسبوع إلا ويجتمعون معا.
ما هى الألقاب التى أطلقت على الشيخ؟
"الصوت الباكى" نظرا لخشوعه التام وهو يقرأ ما تيسر من القرآن، وهذا الخشوع هو الذى جعل كثيرين يطلقون عليه هذا اللقب، لكنه فى حقيقة الأمر لم يكن بكاءً، بل تأثُّرا بجلال القرآن، وربط المعانى للآيات القرآنية بالمقامات المناسبة لها، فالشيخ كان يقرأ من القلب لا من اللسان، وهذا هو سرّ ارتباط الخاشعين المتذوقين للقرآن به وجعله أقرب إلى قلوبهم.
كان عاشقا لصوت أم كلثوم.. حدثنا عن علاقته بها؟
كان الشيخ يعشق صوت أم كلثوم، فكان يصف صوتها بالقوة والفخامة، وبينهما أصدقاء مشتركون.
وما أحب الأصوات إليه من القراء؟
كان صوت الشيخ "طه الفشنى" محببا إليه، خصوصا وهو ينشد التواشيح الدينية التى اشتُهر بها، كما كان يعشق تلاوة الشيخ محمد رفعت للقرآن، ولعله كان الصوت الوحيد الذى يسمعه عندما يختلى بنفسه.
ما اليوم الذى قرأ فيه الشيخ القرآن وهو سعيد، وما اليوم الذى قرأ فيه وهو حزين؟
كان سعيدا يوم الوحدة بين مصر وسوريا وظل عشرين يوماً فى سوريا مع عبدالسلام عارف وكانت من أجمل الأيام التى قضاها فى حياته إلى جانب الحفلات التى أحياها فى الدول العربية.. وقد حكى لى والدى قائلاً: كان يزورنا فى المنزل الشيخ محمد رفعت ووجده أبى يصلى الفجر ثم قرأ الآية الكريمة التى تقول "رب أنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم" قالها بروحانيات عالية فظل والدى يبكى لأنه شعر بمدى الحزن الذى كان به وهو يقولها حيث كانت زوجته قد توفيت فى الحج.
وماذا عن زواجه؟
تزوج مرتين أنجب من زوجته الأولى أربعة أولاد وبنتين، ومن الثانية خمسة أولاد وأربع بنات، وقد توفيت زوجته الثانية قبل وفاته بعام واحد.
سمعنا روايات عن محاولة فاشلة لاغتيال الشيخ المنشاوى بالسم؟
بصراحة لم أقتنع بهذا الكلام، و كلها حكايات نسمعها من الناس من كثرة حبها للشيخ محمد، فكانوا يصنعون له أساطير حبا فيه وهى روايات لست متأكدا منها، يقال إنه فى إحدى المرات وبمجرد دخوله الإذاعة فى بداية شهرته كان جالساً على مقهى أمام مسجد الحسين عام 1958م وكان إخوان السوء قد وضعوا له السم فى القهوة وعندما هم بشرب القهوة جرى نحوه الجرسون بعد أن استيقظ ضميره وخطف منه الفنجان وأخبره أن به سما وكان فى بداية وصوله إلى مصر.
وما هى الجوائز التى حصل عليها؟
حصل على أوسمة عدة من دول مختلفة، أهمها لبنان وباكستان، كما حصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من سوريا، ومنحته الحكومة الإندونيسية وساماً رفيعاً فى منتصف الخمسينيات، ومنح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، واختير قارئاً للقرن العشرين.
وما هى أصعب الأوقات التى مرت عليه؟
تأثر كثيراً بوفاة زوجته حيث تركت له طفلة عمرها ستة أشهر لكن وقوف الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ مصطفى إسماعيل بجانبه أعطاه القوة والصبر وبعدها بعام توفى وكان أصعب شىء عليه سؤال أبنائه الصغار عنها وقولهم له "فين ماما يا بابا" كانت تؤثر فيه جدا.
ماذا عن أيامه الأخيرة؟
فى عام 1966م أصيب بمرض دوالى المريء وهو المرض الذى لازمه فترة طويلة من حياته ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن، على الرغم من تحذير الأطباء له بعدم إجهاد نفسه فى القراءة، حتى لا يُثار المرىء، إلا أنه واصل قراءاته، ، وفى 20 يونيو عام 1969توفى متأثرا بمرضه، قبل أن يسافر بأوامر من الرئيس عبد الناصر إلى لندن لتلقى العلاج.
محمد رفعت ..
افتتح الإذاعة بصوتـــــــــه ومنعــــــــه المرض من التلاوة 8 سنوات
أصيب بالرمد بعد عامين من ميلاده.. ثم فقد بصره تماما بسبب العلاج الخاطئ
الريح
أخبار ذات صلة
المزيد من ثقافة
قصة مصورة - رجاّلة وسقاّلة
سيبدو لك المشهد غريباً للوهلة الأولى، وربما تحتاج أن تدقق قليلاً قبل أن "تجمع " تفاصيله، لتكتشف أنك أمام غابة...
خيرى دومة: فرحتى لا توصف بـ«التقديرية» لأنها جائزة باسم بلدى
مسيرة علمية كبيرة وباذخة، وعطاءات متعددة في البحث العلمي والترجمة والنقد الأدبى، ومشاركة فاعلة في المشهد الأدبي والثقافي الراهن، كل...
أحمد الشهاوى: أنا ابن القلق.. والكتابة بنت التوتر
أنا حكاء بالفطرة.. والرواية ليست غريبة علىّ أعتبرت «الأهرام» دارًا للعمل.. وليست دارًا لشعرى «التقديرية» مسئولية كبيرة تتطلب منى سعيًا...
شلل الاختيار الأزمة المصاحبة للأسئلة السهلة
حين يقف العقل عاجزًا أمام البديهيات