محمود شكوكو.. مسحراتى فى الإذاعة والتليفزيون ونجار فى الدرب الأحمر

محمود شكوكو، فنان شامل، يفيض بروح الحى القاهرى الشعبى، ابن بلد حقيقى، اسمه مستمد من «ديك رومى»

 كان يربيه جده «نجار الأثاث» فى حى الدرب الأحمر، كان الديك الرومى يصدر صوتاً هكذا «شش.. كوكو» فأعجب الجد بالديك الذى كان يقتنيه ولما وضعت زوجة ولده ولداً أصر على أن يسميه «شكوكو» ولكن الأب أصر على أن يسمى ولده محمود، وحسم موظف السجل المدنى القضية فجعله «محمود شكوكو»، ومن يتأمل هذه القصة بتفاصيلها يدرك «روح البساطة والسخرية» التى تسيطر على عائلة «الفنان محمود شكوكو»، وهى عائلة تأكل اللقمة الحلال بعرق الجبين، من خلال احتراف مهنة عريقة مرتبطة بالحضارة المصرية القديمة، ومنذ فجر التاريخ والمصريون يتعاملون مع الأشجار ويصنعون منها أدوات الزراعة، مثل «النورج، المحراث البلدى، السواقى». والنجار شخصية مهمة ومحبوبة فى القرى والمدن، وهذه المهنة الرائعة جعلت «يوسف بك وهبى» يعادى ويكره «شكوكو» عندما حكمت الأيام بزواجه من «عائشة فهمى» صاحبة القصر المعروف فى حى الزمالك ويشغله «مجمع الفنون» التابع لوزارة الثقافة، وهى ورثته عن شقيقها «على فهمى» بعد مقتل ولده الشاب على أيدى زوجته الفرنسية، وهى حكاية مشهورة فى تاريخنا المعاصر، ذكرها الكاتب الراحل «صلاح عيسى» فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن» تحت عنوان «مأساة مدام فهمى» والحقيقة أن «شكوكو» أحب «عائشة» بعد طلاقها من «يوسف بك» فرأى «البك» أنه من العار والعيب أن يجرؤ «نجار من الدرب الأحمر» على الزواج من مطلقة «البك» ابن «الباشا»، حتى أمراء العائلة المالكة حقدوا على «شكوكو» لأنه كان يمتلك سيارة من ماركة فخمة مشهورة، يستخدمها الأمراء، فهددوه بطرق سرية وجعلوه يبيع هذه السيارة، كما ظل «يوسف بك» على عدائه للفنان الشعبى المصرى الأصيل، ورفض تقديمه فى حفل كانت تنظمه الإذاعة، وطلب من «حسن فايق» تقديمه، وهذا كله لا يقلل من قيمة «شكوكو» الفنان الذى أحبه الشعب فصنع له نحات شعبى نموذجاً من الجبس، وسماه «عروسة شكوكو» وكان يباع فى القرى والمدن، والبائع ينادى «شكوكو بقزازة»، وقيل إن كل «قزازة» دفعها طفل مقابل حصوله على عروسة «شكوكو» تحولت إلى «قنبلة مولوتوف» استخدمها «الفدائيون» فى حرب القناة، عقب قيام «مصطفى النحاس» بإلغاء معاهدة 1936 فى أكتوبر 1951، ونعود إلى «المسحراتى» النجار، المواطن القاهرى لنعرف أنه كان أول «مسحراتى» قدمته الإذاعة المصرية فى العام 1955، ولما افتتح التليفزيون المصرى فى العام 1960، قدم «شكوكو» حلقات المسحراتى من خلال الشاشة التى كانت جديدة على حياة المصريين، وهو كان معروفاً للناس من خلال أفلامه السينمائية ونجحت حلقات المسحراتى لأنها كانت تتضمن النقد الاجتماعى للسلوكيات التى يمارسها بعض الناس فى رمضان.

بيرم التونسى.. أول من كتب فوازير الراديو في رمضان

يقول المؤرخون الفنيون المهتمون بتاريخ الفن الإذاعى إن «آمال فهمى» أول مذيعة أدخلت «الفوازير» إلى إذاعة «البرنامج العام»، وهذا صحيح، لكن لا يذكرون أن «بيرم التونسى» هو أول شاعر كتب هذا اللون، ربما فى تاريخ الفن المصرى، فلو أنك سمعت أغنية أم كلثوم التى تغنت بها ضمن فيلم «سلّامة» وتقول فيها «عن العشاق سألونى» وقبلها يدور حوار بين اثنين من الرجال العربان فى البادية «قل لي يا عالم بالأشواق، الحُب حِلِو ولّا حرّاق؟»، وهذه هى «الفزورة» وهى اختبار ذكاء لغوى يشيع فى البوادى والقرى، والبوادى أكثر، وبعد ثلاثين عاماً، كتب الشاعر «أحمد فؤاد نجم» قصيدة «الفوازير» متأثراً برائده وأستاذه «بيرم التونسى»، وكانت حياته نفسها فزورة تدعو للحيرة، فهذا الإنسان ولد فى «الإسكندرية» فى عائلة أصولها من «تونس» ولا تحمل الجنسية المصرية، وكانت الأيام قاسية عليها، فالأب عاش يعمل فى التجارة مع إخوته، وفجأة مات فاكتشف «محمود بيرم» أن والده لا يملك ثروة، لأنه كان متزوجاً بأخرى، واستولت على الثروة التى قدرت آنذاك بحوالى خمسة آلاف جنيه ذهبية، وأن الديون كثيرة على الوالد الراحل، ووجد نفسه متزوجاً، ومسئولاً عن أسرة من دون مصدر رزق ثابت، بعد فشله فى إدارة «دكان بقالة» وكتب قصيدته «المجلس البلدى» ونشرها فى جريدة «الأهالى» التى كان يملكها عبدالقادر حمزة ومنها استمدت جريدة الأهالى الحالية اسمها وانتشرت القصيدة وتحولت إلى أغنية شعبية، كل الناس ينشدونها، فى البيوت والمقاهى والترامواى والطريق العام والمدرسة والمصنع، حتى أصيب موظفو المجلس البلدى بالقلق والتوتر، وطلبوا ترجمتها إلى اللغات الأوروبية حتى يفهموها، فهم كانوا من أوروبا، ضمن الجاليات الأجنبية التى كانت توجد فى مصر تحت حماية الاحتلال البريطانى، ومن قصيدة «المجلس البلدى» انطلقت «جوهرة الشعر» الكامنة فى قلب «محمود بيرم التونسى» وكان صديقه «السيد درويش» يشجعه على كتابة الأغنيات الوطنية، وشارك «بيرم» فى ثورة 1919، وأصدر جريدة «المسلة» وطبع قصائده فى كتيبات وباعها للناس، ولما هاجم «الملك فؤاد» بقصيدته المشهورة التى تعرض فيها لقصة زواجه من «الملكة نازلى» صدر مرسوم ملكى بنفيه إلى «تونس» ثم «فرنسا» وهناك عاش حياة قاسية، عمل فى كل الأعمال الشاقة حتى يستطيع العيش، ورغم قسوة المنفى إلا أنه أفاده معرفياً، وثقافياً، وكانت له مساهماته فى أفلام «شركة مصر للتمثيل والسينما» الشركة التابعة لبنك مصر، وكتب أغنيات لأم كلثوم ومحمد الكحلاوى وفريد الأطرش وشادية ومحمد فوزى ونور الهدى، وبعد ثورة 23 يوليو 1952 عمل فى جريدة «الجمهورية» وكتب للإذاعة المصرية أوبريت «عزيزة ويونس» ومسلسل «الظاهر بيبرس» وحصل على الجنسية المصرية فى العام 1954، وكتب فوازير رمضان وقدمتها إذاعة البرنامج العام، وآمال فهمى كانت فى ذلك الوقت مذيعة شابة مغرمة بالمغامرة، وكان حضور «بيرم التونسى» وعمق فهمه للعامية المصرية، من أسباب نجاح «فوازير رمضان» فى الزمن الذى كانت الإذاعة هى الوسيلة الوحيدة التى تتولى تثقيف الشعب وإمتاعه، ولم يكن التليفزيون موجوداً، وكان كبار المخرجين والمذيعين والمؤلفين يجتهدون فى سبيل إمتاع المستمعين بالبرامج والأعمال الدرامية واللقاءات مع الضيوف والأفكار الجديدة، وكان «بيرم» الذى تغنت أم كلثوم بكلماته، وسمع الناس أعماله الدرامية الإذاعية، وقرأوا مقالاته على صفحات جريدة «الجمهورية» قادراً على جذب المستمعين إلى الفوازير، وقدمها بعد رحيله فى العام 1961 الشاعر «صلاح جاهين» و«بخيت بيومى» ولكن ظل «بيرم» هو الرائد والمعلم لشعراء قصيدة العامية حتى ظهر فؤاد حداد فأضاف إلى العامية ومنحها من روحه فأصبح المعلم الثانى لشعراء العامية فى مصر

زوزو نبيل.. شهرزاد صاحبة عبارة «طوع أمرك يا مولاى»!

الفنانة القديرة «زوز ونبيل» كانت علامة من علامات شهر رمضان فى زمن الإذاعة فكان الناس يعرفونها بعبارتين «بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد» و«طوع أمرك يا مولاى» وكان «عبدالرحيم الزرقانى» هو «الملك» المتغطرس الذى يكره النساء ويقتلهن انتقاماً من زوجته التى خانته مع واحد من عبيد القصر، ولا حاجة بنا للحديث عن «ألف ليلة وليلة» فهى مدروسة فى الجامعات ومقدمة فى الدراما التليفزيونية، والدكتورة «سهير القلماوى» نالت «الدكتوراه» من جامعة فؤاد الأول فى أربعينات القرن الماضى بإشراف دكتور طه حسين بالبحث الذى أعدته عن «ألف ليلة» وتأثيرها فى أوروبا، ولكن تحويل القصص إلى فن، وتحويل السطور إلى أصوات، مثيرة للخيال، تم على أيدى فريق الممثلين الكبار «عبدالرحيم الزرقانى وعبدالوارث عسر ولطفى الحكيم وملك الجمل وفريد شوقى ورفيعة الشال» و«زوزو نبيل» وهى التى انفردت بموقع «شهر زاد» وأصبحت علامة على «ألف ليلة وليلة» وارتبطت بالشهر الفضيل ولما تحولت الليالى إلى أعمال درامية تليفزيونية، شاركت «زوزو» فيها، لكن الثمانمائة حلقة التى قدمتها الإذاعة «تأليف طاهر أبوفاشا وإخراج محمد محمود شعبان» ما زالت باقية فى قلوب الناس.

Katen Doe

خالد إسماعيل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

المزيد من فن

فى وداع الفنان النبيل لطفى لبيب.. الجندى المقاتل فى الكتيبة 26

علينا أن نعترف بأن العقل والوجدان المصرى أصابه التلوث السلفى منذ أن تحكم رجال الدين في تفاصيل حيوات الناس،

فى فيلم « F1» براد بيت.. نجم الحلبة الذى يعرف طريقه إلى القلوب

يأتي فيلم F1 في لحظة مفصلية من مسيرة براد بيت، حيث تتقاطع ملامح شخصيته السينمائية مع طبيعة الدور الذي يجسده:...

فى هوجة أغانى الصيف.. البقاء للأصدق

عودة أغانى زياد الرحبانى بعد رحيله .. وحمزة يغرد منفردا

لطفي لبيب .. الضاحك الذى رحل راضياً

رفض تكريم سفارة إسرائيل بعد نجاحه فى «السفارة فى العمارة» قدم دوره فى «عسل أسود» مجاناً.. واشترط ذهاب الأجر كاملاً...