محمد جلال عبد القوى يحاكم ثورة يوليو فـى أولاد آدم!

الكاتب محمد جلال عبد القوى واحد من الكتاب الرمضانيين فى مصر، قدم «المال والبنون» و»الليل وآخره» و»أولاد آدم»
لجمهور التليفزيون الذى ارتبط به من خلال شهر رمضان، لكن أولاد آدم تميز عن كل أعماله بالجمع بين الرأى والتاريخ، والمسرح والسينما، والانحياز للتجربة الناصرية، والدفاع عن «دولة القانون» ضد دولة الباشوات الشركس، وهذا جعله العمل المركب المتعدد المستويات، ومن الوجهة الإبداعية، تحقق لهذا المسلسل «عرض لأول مرة فى 1986» التقاء الكاتب الواعى بالمخرج المدرك لأبعاد الكتابة والسيناريو، واكتمل اللقاء بفريق ممثلين ناجح، ولهذا نجح المسلسل وتحول إلى قصة شعبية، عابرة للزمن، ومن أسباب جماله، موسيقى «ميشيل المصرى» وهو أول مسلسل يقدم له الألحان، والمقدمة من إبداع «سيد حجاب» الذى كان وراء قبول «ميشيل المصرى» مهمة تأليف موسيقى هذا المسلسل وتوالى بعدها نجاحه فى أعمال رمضانية كبرى أنتجها اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى.
وفى حلقات «أولاد آدم» يقدم «سناء شافع ومنى جبر» شخصيتى اثنين من أسرة «إلهامى باشا» خضعا لعمليات فرض الحراسة وتوزيع الأملاك الخاصة بهم على الفلاحين بعد ثورة 23 يوليو 1952، ويقدم أحمد مرعى وهناء ثروت وفاروق الفيشاوى وأحمد ماهر ومحمد العربى شخصيات أولاد «آدم» السفرجى الذى كان ضمن طاقم «الخدم» فى قصر «إلهامى باشا»، ومع ثورة يوليو استطاع تعليم أولاده تعليما جامعيا، ولكنه ظل وفيا لسيده الباشا، وحافظ على صندوق المجوهرات الذى أئتمنه عليه «الباشا السيد» ولكن فى غفلة من «آدم» سرق إلهامى الابن محتويات الصندوق، وسرق أحلام ولدى «الباشا» وارتقى ليصبح ضمن رجال الأعمال فى زمن الانفتاح الاقتصادى فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، وهو الانفتاح الذى قضى على كل الصيغ والطبقات الاجتماعية، ومنح كل الموهوبين فى مجال النهب والسرقة والفهلوة والتجارة فى صحة البشر والأغذية الفاسدة السلطة فى البرلمان والحكومة، وانطبق عليهم القول المصرى «البلد بلدهم»، وعبر عن هؤلاء فى المسلسل «وحيد سيف ورجاء الجداوى وفاروق الفيشاوى»، وكان ظهور هذا الوضع العجيب مبررا للهزيمة النفسية لدى قطاعات كبيرة من المواطنين استفادت بالإصلاحات التى حققتها ثورة يوليو، والسيناريو الذى كتبه ـ عبد القوى ـ حقق المعادلة الصعبة، كشف هشاشة إصلاحات «الثورة» لأنها ضاعت مع هبوب رياح الرأسمالية الطفيلية البعيدة عن الرأسمالية المنتجة، وكشف «بشاعة» الباشوات القدامى وهم من أعراق غير عربية «أتراك وشركس» وهى أعراق جبلية همجية لا تمتلك رصيدا حضاريا ونشأت وتسلطت فى ظل احتراف مهنة القتال «مرتزقة» فى العصر العباسى والأموى وغيره، وانتهت إلى دولة «آل عثمان» التى حكمت الوطن العربى أربعة قرون، وفى مصر ارتبطت هذه الأعراق فى الذاكرة الشعبية المصرية بكل ما هو استبدادى وغير إنسانى، وكشف اللحظة التى تحكم فيه تجار «الانفتاح» فقضوا على كل ما هو نبيل وكل ما هو أصيل، فرأى آدم الأولاد يبيعون القيم التى رباهم عليها من أجل المال، ورأى مشروعه منهارا أمام عينيه، فلم يحقق السمو الأخلاقى لأولاده ولا الالتزام الدينى الذى تمناه لهم لأن ريح «الثروة» كانت أقوى من كل المبادئ والقيم التى غرسها فى نفوس أولاده، ورغم أن الفكرة التى طرحها المسلسل ليست جديدة، لكنها مصاغة بجمال وحرفية، الأمر الذى جعل «أولاد آدم» قيمة درامية كبيرة فى تاريخ الفن المصرى.
لينين الرملى يسخر من المؤمنين بالخرافات فـى برج الحظ
يقول علماء الاجتماع إن «الخرافة» مازالت كامنة فى عقول البشر، رغم كل هذا التقدم العلمى والتكنولوجى، خاصة القطاعات التى تعيش فى المدن ولا تشعر بالأمان الاقتصادى فى ظل المنظومات الاقتصادية والسياسية القاسية والحروب والأعمال الإرهابية التى يعانى منها كوكب الأرض، فالإيمان بالمعتقدات القديمة السابقة على ظهور الأديان السماوية مازال موجودا فى قلوب الناس فى كل المجتمعات، والخوف من الظواهرالطبيعية والحيوانات والألوان مازال يحكم السلوك الإنسانى، فالقطة السوداء والبومة وغيرها من الحيوانات تمثل مصدر تشاؤم وقلق نفسى لدى المتعلمين فى مصر وغيرها، والحسد «وهو فعل غيبى» مازال مصدر الخوف لدى كل المؤمنين بالغيب، وهذه الأفكار عالجها علماء الفولكلور المصريون، والجماعة الشعبية المصرية ابتدعت مقولة «يا ترى اصطبحت بوش مين النهارده..» للتعبيرعن وجود علاقة بين الفشل والأشخاص الذين يسمون «وش الفقر، وش النحس»، وفى أيامنا هذه ابتكر خبراء الطاقة غير المنظورة مصطلحات مثل «طاقة سلبية، طاقة إيجابية» وغيرها، لتفسير الظواهر التى تحدث للناس دون معرفة الأسباب المادية التى خلقت هذه الظواهر، مثل سقوط الأوانى وحرق الهدوم وتصادم السيارات وفقدان المال المدخر فى محفظة أو حقيبة، وإصابة الطفل الجميل بالأمراض والبكاء المفاجئ للمولودين حديثا، والشعبيون يؤمنون بأن «نظرة حسد ولا عضة أسد»، وعلماء النفس البشرية يعرفون مصطلح «الحقد النرجسى» وهو ملازم للمصابين باضطرابات الشخصية النرجسية، وفى العام «1978» جعل الكاتب «لينين الرملى» هذه الموضوعات فى مسلسل كوميدى حمل عنوان «برج الحظ» قام ببطولته الفنانون «محمد عوض وليلى فهمى وعبد الحفيظ التطاوى وصفاء أبو السعود وزين العشماوى وأنعام سالوسة ونبيل الهجرسى»، وأخرجه يحيى العلمى، وقدم «محمد عوض» شخصية «شرارة حسن شرارة» المتهم من جانب المجتمع بأنه «وش النحس»، أو حامل الطاقة السلبية الذى يوزع المصائب على الناس فى الشارع الذى يسكن فيه والمصلحة الحكومية التى يعمل بها وكل الأماكن التى يتحرك فيها، حتى المقاهى ومحلات البقالة، ونجح المسلسل لدرجة عانى منها الفنان «محمد عوض» شخصيا وفنيا، فظلت شخصية «شرارة» حية فى أذهان الجماهير، لسنوات طويلة، وبالغ البعض فاعتبر أن «محمد عوض» هو نفسه «شرارة» الشخصية الدرامية التى تخيلها المؤلف «لينين الرملى» وظل اسم «شرارة» فى أذهان الناس وأصبحوا يطلقونه على كل من يظنون أنه «وش فقر، أو نحس» وهذا يدل على نجاح الكاتب فى التعبير عن الفكرة التى تشغل الجماهير وقدرة فريق العمل على تجسيد الشخصيات وبعث الروح فيها بما ضمن لها الحياة والتأثير فى الواقع الاجتماعى.
سيد حجاب.. شاعر كبير من زمن «الدراما» الجميل
رحم الله الشاعر الكبير «سيد حجاب»، عرفته فى طفولتى، واقتربت منه فى شبابى، ودخلت بيته وأجريت معه حوارا نشرته «الدستور» الأسبوعية، منذ حوالى خمسة عشر عاما، وكان أول لقاء بيننا فى وسط القاهرة، وكان معى الصديق الكاتب أشرف عبد الشافى، بدأ الحديث بكلام عن أغنيات للطفل كتبها الشاعر الكبير للمطربة عفاف راضى وكانت تذاع على موجات الإذاعة المصرية خاصة برنامج «إلى ربات البيوت» ومن العبارات التى قلتها له فى لقائى الأول «مرة سألت الأستاذ أرنب ما نتاش ليه لابس نضارة»، وضحك رحمه الله، وقادنا الحديث إلى محطات كثيرة من حياته، وبعدها أهديته نسخة من روايتى الأولى «عقد الحزون» وقرأها وكلمنى بالتليفون وهنأنى عليها ودعمنى بكلمات مهمة، وتوثقت العلاقة، ونشأت بيننا صداقة طيبة، وعرفت من خلال تلك الصداقة الكثير عن تجربة جيل الستينيات الإبداعى، وقصة السجن فى حياته، والأسباب التى جعلته يقاطع «الأبنودى»، وفيما بعد اكتشفت أن ما حكاه لى عن سر القطيعة، لم يكن السبب الحقيقى وأنه مات وسره معه، لكن ما يهمنا هنا هو أن نتذكره ونترحم عليه، فهو الذى كتب مقدمات أهم المسلسلات الرمضانية المؤثرة فى وجدان الأجيال التى تابعت وشاهدت فصولها فى سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى «أرابيسك، ليالى الحلمية، المال والبنون، أولاد آدم، عصفور النار، بوابة الحلوانى، الأيام» وغيرها، وهو من شعراء مصر الكبار، ومنطقة تفوقه تكمن فى مقدمات المسلسلات، وكان يعتبرها نافذة لتوصيل رؤاه وأفكاره للملايين من الناس.
أخبار ذات صلة
المزيد من فن
أفضل مواقع لمشاهدة الأفلام والمسلسلات 2025
مع تسارع وتيرة التطور في عالم الترفيه الرقمي، أصبحت مشاهدة الأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت جزءًا أساسيًا من حياة الكثيرين، خصوصًا...
فريق تمثيل من الطراز الرفيع خلق الروح الشعبية فى الحارة
في الصعيد الأعلى عرفت كلمة الحارة من حكاية شعبية عن طفل يتيم تكفل به ولى أمره، وكان بين الحين والآخر...
« Lilo & Stitch» ثانى أعلى فيلم تحقيقاً للإيرادات هذا العام
حول قصة ليلو التي تعيش في هاواي والبالغة من العمر ست سنوات وشقيقتها الكبرى ناتي التي تكافح لإعالتهما بعد وفاة...
عن مسرح الموت فى غزة – 2 محرقة معاصرة للفلسطينيين.. صناعة إسرائيلية
ما فعلته إسرائيل خلال عامين ضد الشعب الفلسطيني في مشهد مفتوح على العالم يشاهده الجميع، نوع جديد من المسرح، قدمت...