وسط مراسم ملكية تاريخية .. تنصيب تشارلز الثالث ملكا للمملكة المتحدة

بعد أن قضى الملك تشارلز الثالث أطول فترة ولياً للعهد في تاريخ بريطانيا حتى وفاة الملكة إليزابيث في سبتمبر 2022، والتي استمرت 70 عاماً، جعلت منه الملك الأقدم والأفضل استعداداً لتولي العرش، توج الملك تشارلز الثالث وزوجته الملكة كاميلا في كنيسة وستمنستر آبي إيذاناً ببدء عصر ملكي جديد في بريطانيا، فضلاً عن كونه إنجاز شخصي للرجل الذي أمضى أكثر من سبعة عقود وليا للعهد.
وفور حضور الملك إلى كنيسة وستمنستر آبي، بدأ الاحتفال وسط طقوس تاريخية لم تشهدها بريطانيا منذ عام 1953، ووضع الزيت المقدس "الميرون" على الملك وأقسم يمين الملوك، قبل أن يضع رئيس أساقفة كانتربري، جاستن ويلبي، تاج القديس إدوارد على رأسه، وهو يقول "حفظ الله الملك" ليتوج الملك تشارلز الثالث رسمياً ملكاً للمملكة المتحدة.
وأمام 2300 ضيف من بينهم أكثر من 100 رئيس دولة، أدي الملك تشارلز الثالث القسم ملكاً للمملكة المتحدة في إطار مراسم التنصيب، ووعد بالحفاظ على استقرار كنيسة إنجلترا بشكل غير قابل للانتهاك.
وقال تشارلز: "أنا، تشارلز، أقف بإخلاص وبصدق أمام الله، وأشهد وأعلن أنني بروتستانتي مخلص، وأنني وفقًا للقصد الحقيقي للتشريعات التي تضمن الخلافة البروتستانتية على العرش، سوف أؤيد وأحافظ على التشريعات المذكورة بأفضل ما في وسعي وفقًا للقانون.
- موكب الملك

اليوم التاريخي بدأ بـ"موكب الملك" الذي توجه في عربة اليوبيل الماسي الملكية من قصر باكنجهام إلى كنيسة ويستمنستر، واحتشد عشرات الآلاف في المركز التجاري وعلى طول طريق موكب من قصر باكنجهام إلى وستمنستر آبي، كما أقام العديد منهم الخيام طوال الليل لتأمين رؤية جيدة للموكب الذي يبلغ طوله ميلًا، والذي شارك فيه 7000 جندي و 19 فرقة عسكرية، وهو أكبر عدد في أي مناسبة رسمية تتويج الملكة إليزابيث الثانية عام 1953.
وحضر الحفل الأبن الأصغر للملك الأمير هاري وحده دون زوجته ميجان وأولاده الأمير آرتشي والأميرة ليليبت، هذه هي المرة الأولى التي يشاهد فيها الأمير مع العائلة المالكة منذ نشر كتاب السيرة الذاتية "سبير" في وقت سابق من هذا العام، والتي انتقد فيها بشدة والده وزوجة أبيه وشقيقه وليام ولي العهد وأمير ويلز.
وفي مراسم تاريخية ومهيبة استغرقت ساعتين يعود تاريخها إلى عهد الملك وليام الفاتح عام 1066، توجت كاميلا زوجة تشارلز الثانية ملكة.
وتبع ذلك موكب عسكري ضخم، وأطلقت نيران البنادق للتحية، وهتف آلاف الجنود بثلاثة هتافات، ومرت طائرات عسكرية على ارتفاع قليل من الأرض بينما كان الملك والملكة حديثا التتويج يلوحان من شرفة قصر باكنجهام أمام الحشود المبتهجة التي تجمعت على طريق ذامول.
- العيش بحرية .. صيغة جديدة للقسم الملكي
وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية كان القسم الملكي مختلفًا عن القسم الذي أدلت به الملكة إليزابيث، والدة تشارلز في عام 1953، وللمرة الأولى أُضيفت المقدمة التي ألزمت الملك بشكل خاص بأنه "سيسعى إلى تعزيز بيئة يمكن للناس من جميع الأديان والمعتقدات العيش فيها بحرية".
و بعد أن جرت مراسم التتويج، ظهر الملك تشارلز الثالث والعائلة المالكة على شرفة قصر باكنجهام، وشهد المراسم المئات من الضيوف البارزين في ويستمينستر آبي، إضافة إلى عشرات الآلاف من المهنئين، الذين تجمعوا في وسط العاصمة البريطانية لندن، فيما لم يظهر الأمير هاري من الشرفة رفقة العائلة الملكية، حيث يبدو أنه قد ترك العائلة بعد مراسم التتويج.
- تاج القديس إدوارد الفريد
وفي إطار مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث ملكا للمملكة المتحدة، وضع تاج القديس إدوارد الفريد على رأسه فى تقليد يعود لقرون ماضية.
وتقول هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إن التاج المصنوع من الذهب، نادراً ما يخرج من برج لندن، ولكن يوضع على رأس الملك تشارلز الثالث لأقل من ساعة ويعاد إلى مكان حفظه في البرج في انتظار تتويج الملك المقبل.
وأضاف الموقع أنه على الرغم من أن تشارلز تولى عرش بريطانيا بمجرد وفاة والدته لكن التتويج تقليد قديم يرمز لبداية عهده.
رغم أن تاج القديس إدوارد ظهر للنور عام 1661 لكن تشارلز الثالث العاهل البريطاني السابع الذي يتوج وهو يضع تاج القديس إدوارد على رأسه.
وقبل تشارلز الثاني وضع كل من جيمس الثاني عام 1685 ووليام الثالث عام 1689 تاج القديس إدوارد خلال مراسم تتويجهما. لكن بسبب اختلاف الأذواق والموضة مع تغير الزمن لم يُستخدم التاج لمدة 200 عام خلال مراسم التتويج.
كان الملك إدوارد السابع ينوي وضع تاج القديس إدوارد خلال مراسم تتويجه عام 1902 وقد خضع التاج لعمليات صيانة لهذا الغرض لكنه سقط مريضاً قبل موعد التتويج فارتدى التاج الملكي الرسمي الأخف وزناً
- ثلاثة أيام من الاحتفالات بالتتويج
بالإضافة إلى حفل التتويج، تستعد المملكة المتحدة لثلاثة أيام من الاحتفالات بالتتويج.
فقد دُعي الشعب للمشاركة في "غداء كبير" في إطار الحفلات التي تشهدها الأحياء، حيث ستكون "تورتة التتويج" على القائمة، والتي كشف القصر النقاب عن وصفتها في منتصف أبريل .
وفي الليل، ستقام حفلة موسيقية في قلعة وندسور في غرب لندن، سيحضرها 10 آلاف بريطاني تمّ اختيارهم عشوائياً، ويتصدر كل من كاتي بيري وليونيل ريتشي والتينور أندريا بوتشيلي، ملصقاً خاصاً بهذا الحفل تميز بغياب النجوم البريطانيين.
وأخيراً، ستدعو العائلة المالكة البريطانيين للقيام بأعمال تطوعية في اليوم الثالث، والذي سيكون يوم عطلة.
- محطات في حياة الملك تشارلز الثالث
ولد الملك تشارلز الثالث في 14 نوفمبر 1948، وكان عمره ثلاث سنوات عندما أصبحت والدته ملكة بعد وفاة الملك جورج السادس، وبصفته الابن الأكبر أصبح تشارلز ولياً للعهد، وكان في الرابعة من عمره عندما حضر تتويج والدته.
وفي التاسعة من عمره، اختارته والدته ليكون أمير ويلز، وعندما كان صغيراً أُرسل هذا الطفل الحساس إلى مدرسة داخلية، ثم تابع دراسته الجامعية في "كامبريدج"، حيث درس الأنتروبولجيا وعلم الآثار والتاريخ، ومنذ العام 1970، أبدى اهتماماً بالتلوث والنفايات البلاستيكية، في خطاب تمهيدي أظهر هذا الاهتمام الثابت بمستقبل الكوكب.
في هذه الفترة، التقى بكاميلا شاند في مباراة بولو، وهي تتحدر من الطبقة البرجوازية القريبة من الدوائر الملكية، وكانت كاميلا هادئة ومرحة وتحب الطبيعة مثله، وجمعهما بعد ذلك حب قطعته مشاركة الأمير في البحرية الملكية بعد بضعة أشهر.
في العام 1973، تزوجت كاميلا الضابط أندرو باركر بولز، وفي عام 1981، تزوج تشارلز ديانا سبنسر من دون حب، وكانت في العشرين من عمرها بينما كان هو في الـ32.
بعد ولادة ولي العهد وليام في العام 1982، وهاري في العام 1984، عاد تشارلز الثالث إلى كاميلا التي انفصلت عن زوجها في العام 1995.
بعد سنوات من الخلافات المحتدمة التي حفلت بها الصحف البريطانية، طلق تشارلز ديانا في العام 1996. وبعد عام، توفيت ديانا في حادث سيارة في باريس.
انخفضت شعبية تشارلز إلى أدنى مستويات، غير أن ولي العهد الذي يتمثل دوره الغامض في دعم التاج، خلق حياة لنفسه. تشارلز الثالث شغوف بالبيئة والتنمية المستدامة والطب البديل والطقوس والأديان.
في العام 2005، تزوج كاميلا في حفل زفاف مدني في بلدية ويندسور ولم تحضر الملكة الزفاف لكنها نظمت حفل استقبال للزوجين.
وفي السنوات الأخيرة، كان تشارلز الثالث يحل مكان والدته بشكل متزايد، وبعد وفاة والدته في سبتمبر، تعهد خدمة التاج كل حياته.
- تظاهرات مناهضة للملكية
وقبل ساعات من تتويج الملك تشارلز، ألقت الشرطة البريطانية القبض على زعيم جماعة ريبابليك المناهضة للملكية، وأبعدوه عن مئات المحتجين الذين تجمعوا بين الحشود التي اصطفت على جانبي طريق موكب الملك في وسط لندن.
وقالت الجماعة في وقت سابق إنها ستنظم أضخم احتجاج مناهض لملك بريطاني في تاريخ البلاد الحديث، وارتدى المحتجون قمصانا صفراء ليتميزوا عن الحشود التي ارتدت ملابس حمراء وبيضاء وزرقاء، ورفعوا لافتات كتب عليها "ليس مَلكا لي"، بحسب مصادر إعلامية بريطانية.
وأمضى المحتجون معظم الوقت وهم يطلقون صيحات استهجان أو يغنون أغاني مثل أغنية "إنه مجرد رجل عادي".
وفي بريطانيا، تشير الاستطلاعات إلى أن غالبية السكان لا تزال تريد العائلة المالكة رغم تراجع نسبة الدعم على مدى طويل.
كما كشف استطلاع لشركة يوجوف في الشهر الماضي أن 64 % من شعب بريطانيا مهتمون اهتمامًا ضئيلاً أو غير مهتمين إطلاقا بالتتويج، وارتفعت النسبة إلى 75 % بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما.
أخبار ذات صلة
المزيد من تقارير عرب وعالم
مؤتمر نيويورك.. نحو تنفيذ "حل الدولتين" وتسوية قضية فلسطين
برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا.. وبمشاركة دولية واسعة.. تستضيف الأمم المتحدة في نيويورك على مدار يومي الإثنين والثلاثاء.. أعمال "المؤتمر...
روسيا وأوكرانيا.. هل تتراجع مفاوضات السلام تحت "نار" التصعيد ؟
رغم استمرار المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا من أجل انهاء الحرب الدموية التي توشك على بدء عامها الرابع.. إلا أن المشهد...
سوريا على صفيح ساخن.. بين غارات إسرائيلية وفتنة طائفية
بين عنف طائفي أسقط مئات الضحايا.. وغارات إسرائيلية استهدفت دمشق .. تفف سوريا عند منعطف حاسم .. تحلم بالسلام.
شبح المجاعة.. يعمق جراح غزة
غضب شديد وانتقادات دولية واسعة لإسرائيل على خلفية العمليات العسكرية في قطاع غزة، والتي وصفتها عدة دول ومنظمات بأنها تشكل...