أزمة تاريخية "للنواب الأمريكي".. فوضى الجمهوريين ومتعة الديمقراطيين

في سابقة لم تحدث منذ 100 عام .. وبعد 11 جولة انتخابية ولليوم الثالث على التوالي .. لا يزال مجلس النواب الأمريكي عاجزا عن انتخاب رئيسه الذي سيخلف نانسي بيلوسي بعد فوز الحزب بانتخابات التجديد النصفي الأخيرة.

 

فما كان يفترض أن يكون أسبوعاً احتفالياً بامتياز، يستلم فيه الجمهوريون شعلة مجلس النواب من الديمقراطيين بعد فوزهم بالأغلبية، تحول إلى ما يشبه المجزرة السياسية بحق زعيم الجمهوريين كيفين مكارثي.

ويتواصل مسلسل التصويت لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب الأمريكي .. وسط خلافات حادة بين النواب الجمهوريين وصلت الى حد الفوضى .. بينما يراقب الديمقراطيين الوضع بشئ من المتعة.

فما أسباب الخلافات بين الجمهوريين؟ وماذا يعني هذا الوضع للمشهد السياسي الأمريكي؟ وما تأثيراته على الحزب في المستقبل؟

11 جولة تبوء بالفشل

زعيم الأغلبية الجمهورية كيفين مكارثي فشل للجلسة الـ11 . . ولليوم الثالث على التوالي، في الفوز برئاسة مجلس النواب الأمريكي الخميس، إذ استمرت مجموعة صغيرة من 20 نائبا جمهوريا ينتمون إلى التيار المحافظ في معارضة انتخابه، ويقفون بينه وبين رئاسة المجلس وإمساك المطرقة، ما جعله يفشل في الحصول على أغلبية 218 صوتًا.

بعد خمس جولات اقتراع جديدة الخميس وعلى غرار جولات الاقتراع الست العقيمة، التي جرت يومي الثلاثاء والأربعاء، فشلت خلالها الأغلبية الجمهورية مجدداً في حشد الأصوات اللازمة لانتخاب مرشحها كيفن مكارثي رئيساً للمجلس.

لم يتمكن مكارثي، النائب عن ولاية كاليفورنيا، في إقناع حوالى 20 نائباً جمهورياً من مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترامب بانتخابه خلفاً لنانسي بيلوسي، إذ إن هؤلاء ظلوا على رأيهم بأنه معتدل أكثر مما ينبغي..ما يظهر الخلاف بين الجناحين "المعتدل والمتطرف" داخل الحزب الجمهوري.

ومع تغيير في القواعد البرلمانية وارتفاع عدد النواب الذين ينتمون إلى التيار المحافظ المتشدد في الحزب الجمهوري، يستغل هؤلاء النواب الغالبية الجمهورية الضئيلة التي حققوها في انتخابات منتصف الولاية في نوفمبر لفرض شروطهم، ومن دون دعمهم لن يتمكن مكارثي من الوصول إلى المنصب.

كان الجمهوري البالغ 57 عامًا بحاجة إلى 218 صوتًا في مجلس النواب، الذي قلب الأغلبية لصالحه (222-212) في انتخابات منتصف الولاية العام الماضي.

غير أنه فشل في إقناع متمردي الحزب، ومن بينهم شخصيات بارزة حليفة للرئيس السابق دونالد ترامب، وصُدم بتصويت 19 من نواب حزبه رفضًا له في الجولتين الأوليين، وارتفاع عددهم إلى 20 في الجولة الثالثة.

وكان أداؤه ضعيفًا إلى حد خسارته أمام زعيم الأقلية الديمقراطية حكيم جيفريز في افتتاح الجولات الثلاث، علمًا بأن هناك شكوكًا في تولي جمهوري رئاسة المجلس، نهاية المطاف.

وطالما رغب مكارثي في هذا الدور، فقد انسحب من السباق عام 2015 على وقع سلسلة من الأخطاء وتمرد في الجناح اليميني للحزب.

وكيفن مكارثي وهو من القيادات الجمهورية منذ أكثر من عشر سنوات، استجاب لعدد من مطالب هذه المجموعة لكن من دون أن يؤدي ذلك إلى الخروج من الطريق المسدود لا بل أن معارضة ترشيحه بدت وكأنها تزداد.

ويحتاج انتخاب "رئيس مجلس النواب"، أعلى هيئة تشريعية في واشنطن، ثالث أهم شخصية في هرم السلطة الأمريكي، بعد الرئيس ونائبه، أغلبية من 218 صوتاً.

وسيواصل النواب التصويت إلى حين انتخاب رئيس للمجلس، ويمكن أن يستغرق ذلك أسابيع.

شلل الكونجرس رقم 118

من دون رئيس لمجلس النواب، لا يمكن لأي من أعضاء المجلس أداء اليمين وتولي المهام رسمياً، كما لا يمكن للكونجرس الجديد، أن يعقد أي جلسة أو يصوت على حزمة قواعده.

ولا يستطيع مجلس النواب المكون من 435 مقعدا والذي يتمتع فيه الجمهوريون بأغلبية ضئيلة على الديمقراطيين.. إجراء أي عمل تشريعي حتى يتم انتخاب رئيس.

ويجب على كل كونجرس جديد تمرير مجموعة جديدة من قواعد مجلس النواب، لذلك من دون رئيس للإشراف على اعتماد هذه القواعد، لن يكون هناك أي منها من الناحية الفنية.

ومع امتداد معركة انتخاب رئيس مجلس النواب إلى أيام، فإن المجلس يبقى من دون "إجراءات برلمانية وفي حالة فوضى" .. أعضاء البرلمان المنتخبين غير متأكدين مما إذا كانت لهم صلاحيات الدعوات للتصويت على القرارات أو تقديم التماسات، نظراً لغياب رئيس لمجلس النواب يبت في ذلك.

كما أنه لا يمكن تشكيل لجان برلمانية بالمجلس ولا تمرير أي تشريعات، في ظل الوضع الراهن.

مطالب "المتمردين"

تكتل الحرية الذي يضم 20 نائبا معارضا لترشح مكارثي.. يطالبون جميعهم بقاعدة مستحدثة تقضي بالتصويت على إبعاد رئيس مجلس النواب الأمريكي عن منصبه في أي وقت، وعلى الرغم من موافقة مكارثي على ذلك، اشترط موافقة وتوقيع 5 مشرعين لا مشرع واحد على طلب إبعاده عن منصبه.

كما يطالبون بقاعدة "هولمان" التي تخول النواب استخدام مشروعات قوانين الإنفاق لوقف تمويل برامج بعينها، إلى جانب إقالة بعض المسؤولين الفيدراليين.

استرضاء المنشقين

يبدو أن تصميم مكارثي على استرضاء منتقديه حتى ولو بثمن باهظ، جعله يوافق على إبرام لجنة العمل السياسي التابعة له صفقة مع " نادي النمو" وهي مجموعة محافظة مناهضة للضرائب كانت تعارض توليه المنصب، وتقضي الصفقة بعدم إنفاق لجنة العمل السياسي الجمهورية أموالها في دعم أي مرشحين في الانتخابات التمهيدية المفتوحة للحزب في المناطق الجمهورية الآمنة، الذي يعد مطلباً رئيساً للمحافظين الذين كانوا غاضبين من دعم مؤسسة الحزب المزيد من المرشحين الرئيسين على المرشحين اليمينيين.

وفي الفترة التي سبقت انتخاب رئيس المجلس حاول مكارثي الإذعان لمطالب الكتلة اليمينية حتى أنه كان على استعداد لمنح هذا الفصيل القدرة على إقصائه من المنصب إذا لم يعجبهم العمل الذي كان يقوم به.

تحول تاريخي

على مدى قرن من الزمان، كان اختيار رئيس المجلس مجرد إجراء شكلي، مع امتلاك الحزب الحاكم ما يكفي من التنظيم للانتقال بسرعة إلى الأمور الأخرى، قبل أن يكسر الحزب الجمهوري هذا التقليد بعد أن فشل في عدّة اقتراعات منفصلة لجمع الأصوات اللازمة لتنصيب مكارثي، المرشح الأوفر حظا، كرئيس.

قبل 100 عام .. في عام 1923 اختار النواب رئيسًا للمجلس بعد أكثر من جولة اقتراع، تم انتخاب الجمهورى فريدريك جيليت بعد إجراء تاسع تصويت.

وفي عام 1859 لم يتفق أعضاء الكونجرس على رئيس إلا بعد شهرين و133 دورة.. في أطول عملية انتخاب رئيس النواب على الإطلاق.

بدأت فى الثالث من ديسمبر 1855 عند انعقاد الكونجرس الـ 34، كان الديمقراطيون يسيطرون على الشيوخ، ولم يسيطر أى حزب على النواب بعد تفكك الحزب اليمينى.

وكان ثلث النواب ديمقراطيين، والباقى ينتمى لمزيج من الأحزاب من بينها الحزب الجمهورى الجديد. وكان كثيرون أعضاء فى الحزب الأمريكى السرى والذى كان يعرف باسم حزب "لا تعرف شىئ"، وشهد اختيار رئيس المجلس 133 تصويت على مدار شهرين.

بايدن: أمر محرج

وصف بايدن، إخفاق مجلس النواب في انتخاب رئيس له بـ"الشيء المحرج"، معتبرًا أنه "يعطي صورة غير جيدة عن الولايات المتحدة".

وقال بايدن للصحفين في البيت الأبيض: "إنه من المحرج بعض الشيء أنْ يستغرق الأمر وقتًا طويلاً، و(كذلك) الطريقة التي يتعاملون بها مع بعضهم البعض"، مضيفًا أنَّ "بقية العالم يراقبون ليروا ما إذا كنا قادرين على تنظيم أمورنا".

ترامب يدعو حزبه لتجنب الهزيمة

كما خرج الرئيس السابق دونالد ترامب عن صمته، الأربعاء، ودعا على شبكته للتواصل الاجتماعي، حزبه الى بذل كل الجهود لتجنب "هزيمة"، قائلاً "لقد آن الأوان حاليًا لنوابنا الجمهوريين في مجلس النواب أن يصوتوا لصالح كيفن مكارثي، الذي سيقوم "بعمل جيد" أو حتى "عمل رائع".

الديمقراطيون يراقبون

ويراقب الديموقراطيون هذا الوضع بشيء من المتعة، ويتكتلون خلف ترشيح حكيم جيفريز لكن النائب لا يتمتع بدعم عدد كاف من الأصوات لكي ينتخب رئيسا لمجلس النواب، إذ حصل في كل الجولات على 212 صوتا وهم إجمالي عدد النواب الديمقراطيين في المجلس.

الولاء لترامب

إحدى العثرات أمام فوز مكارثي، اعتقاد البعض في الجناح اليميني المتشدد للحزب، بأنه لا يكن بالولاء بدرجة كافية لترامب، الذي سيخوض سباق البيت الأبيض مجددًا، بعد هزيمته أمام بايدن عام 2020.

ولم يظهر أي بديل جمهوري لمكارثي يتمتع بمصداقية، بعد إرجاء الجلسة، علمًا بأن أحد الأسماء المتداولة قد يكون زعيم الكتلة في المجلس ستيف سكاليز، المؤيد لمكارثي، لكنه لم يخفِ طموحاته.

وقد يعد الأعضاء غير المؤيدين لمكارثي سكاليز على غراره.

ومكارثي الذي تحدى استدعاء لجنة بالمجلس، تحقق في أحداث الكابيتول عام 2021، وعد المتشددين بإجراء تحقيقات مع بايدن وعائلته وإدارته، إضافة إلى مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).

ولكن كلما ازدادت النظرة إليه على أنه يرضخ لليمين، زادت احتمالات نأي المعتدلين عنه، ما ينذر بحرب مفتوحة بين الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب، حيث يسود توتر، مع ذلك هناك مؤشرات تدعو الجمهوريين للتفاؤل.

ثلاث سيناريوهات لإنهاء الجمود

1- استمرار كيفن مكارثي وفوزه

الاستراتيجية الحالية التي يتبعها كيفن مكارثي هي خوض حرب استنزاف، وسيواصل أنصاره وضع اسمه في الترشيح حتى يتعب المعارضون من التصويت لمناهضته.

مكارثي يأمل أيضا في أن يتعب الديمقراطيون من القتال، وأن يتوقفوا عن المشاركة في التصويت لاختيار رئيس المجلس، مما يقلل من الهامش الضروري لفوز مكارثي بالأغلبية. ولكن يبدو، حتى الآن على الأقل، أن الديمقراطيين يستمتعون بفوضى الجمهوريين.

من شبه المؤكد أنه سيضطر إلى تقديم المزيد من القوة والنفوذ لخصومه، مما يسمح لهم بإعلان النصر.

إلا أن أي تنازلات أخرى ستضعف في النهاية قبضته على السلطة، وسيزيد من احتمال إقالته عندما تحدث المعارك الصعبة حقا - من قبيل الميزانية ورفع سقف الديون - في وقت لاحق من العام.

2- استسلام كيفين مكارثي

يجب اعتبار الاستسلام نتيجة محتملة، بعد 3 أيام من إخفاق مكارثي في الفوز.

وقد يقرر الجمهوريون العاديون الذين يدعمون مكارثي حاليا أن أفضل خطوة، في مرحلة ما، الإقرار بفوز الجمهوريين المتشددين ومحاولة المضي قدما، حتى لو كسر عدد قليل منهم الصفوف، وفتحت بوابات التغيير.

وقال باك، الذي صوت لمكارثي في جميع المرات الست السابقة، بعد ظهر يوم الأربعاء: "بدأنا نشهد صراعا مفتوحا على الأرض وكذلك خلف الأبواب المغلقة. علينا أن نختار متحدثا وأن نمضي قدما".

وربما يكون سكاليس، كبير فارزي الأصوات للجمهوريين، هو الخيار الأفضل ليكون مرشحا مقبولا لكل من المحافظين المتشددين وبقية أعضاء مجلس النواب الجمهوريين، ويُعتبر محافظا جنوبيا قويا، ضحى من أجل الحزب، بعد أن أصيب بجروح خطيرة في هجوم عام 2017 على أعضاء جمهوريين في الكونجرس أثناء ممارسة لعبة البيسبول.

3- اتفاق الطرفين على مرشح توافقي

اجتمع الديمقراطيون والجمهوريون في مجلس النواب بولاية أوهايو معا الثلاثاء لرفض المرشح الأكثر تحفظا، وانتخاب مرشح معتدل يمثل الحل الوسط.

فهل يمكن أن يحدث شيء كهذا في مجلس النواب الأمريكي أيضا؟

ونظرا لأن المجلس الآن متأرجح بين الحزبين، فلا يوجد خيار بعيد المنال في هذه المرحلة.

Katen Doe

علا الحاذق

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave
تقارير عرب وعالم

ترامب ينجو من العزل

  • الخميس، 06 فبراير 2020 07:34 م
ترامب ينجو من العزل/رئيسية الاخبار

المزيد من تقارير عرب وعالم

wave
خلال تنصيبه رئيسا.. أردوغان يعد بدستور جديد ويعلن مشروع "قرن تركيا"

متعهدا بالعمل بدون تحيز، ووسط مراسم فخمة بالعاصمة أنقرة، وبحضور العشرات من قادة العالم .. أدى الرئيس التركي رجب طيب...

الحرم المكي .. توسعات متعاقبة لاستيعاب ضيوف الرحمن

كان للتوسعات السعودية المتعاقبة في المسجد الحرام منذ عهد الملك عبدالعزيز حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز...

هدوء حذر .. في أول هدنة بناء على اتفاق رسمي بالسودان

جدد اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جدة بالمملكة العربية السعودية، جدد آمال الشعب...

الطنطورة.. 75 عاما على تمسك 230 شهيدا بتراب فلسطين

75 عاما مرت على مذبحة الطنطورة إحدى قرى دولة فلسطين المحتلة وما زال غروب الشمس على شاطئها الساحر .. رملها...