بديع خيرى يكشف طرائف خالد الذكر سيد درويش

فى تذكره لخالد الذكر سيد درويش قال صديقه المقرب بديع خيرى: «دارت الأيام يا شيخ سيد ودرنا داحنا أطيافك بتبعتها تزورنا أنت ما غبتش ولا فارقت دورنا لك تاريخ زاخر

 

فى تذكره لخالد الذكر سيد درويش قال صديقه المقرب بديع خيرى:

«دارت الأيام يا شيخ سيد ودرنا

داحنا أطيافك بتبعتها تزورنا

أنت ما غبتش ولا فارقت دورنا

لك تاريخ زاخر بأحزاننا وسرورنا»

وسيد درويش أو فنان الشعب جاء من وسط طبقات الشعب الفقيرة، ونسج فنه بنسيج البسطاء فدخل قلوبهم وتربع واستحق اللقب بجدارة..

ولد سيد درويش فى 17 مارس 1892، بمنطقة كوم الدكة بالإسكندرية. كان والده فقيرا يعمل بالنجارة ولكنه كان يأمل أن يكون ابنه" سيد" شيخا فألحقه بكتاب "سيد أحمد الخياشى"، فتعلم قواعد القرآن وحفظه وظل به عامين ثم انتقل إلى مدرسة "حسن حلاوة" ثم إلى مدرسة "شمس المدارس" بحى رأس التين، بعد وفاة والده عمل بمجال المعمار ليعول أسرته المكونة من أمه "ملوك" وشقيقاته، هذا العمل وسط العمال والبسطاء كان السبب فى أن يدخل"الشيخ سيد" الفن من باب الفقراء وليس من باب السادة، فاقترب من الأغنية الشعبية واختار كلمات تمس هذه الطبقة، ولحلاوة صوته وجمال ألحانه حصل على شهرة واسعة.

عام 1905 التحق بالمعهد الدينى بمسجد أبو العباس، وارتدى العمامة فأطلق عليه "الشيخ سيد درويش" وعمره كان 13 عاما، أراد أن يحصل على المال فاتجه لإحياء الأفراح الشعبية والموالد، هذا جعله يخلع ملابس الشيخ.

فى يوم وهو جالس على المقهى قابل الممثل "أمين عطا الله" الذى سمع صوته وأعجب به ولحقه بفرقة شقيقه ولكن للأسف لم تستمر الفرقة وتوقفت بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، الأمر الذى جعله يسافر إلى بلاد الشام واستقر هناك بعض السنوات يقرأ القرآن الكريم فى المساجد، وهناك حفظ التراث  الموسيقى العربى فى الشام أيضا كما حفظه فى مصر، فكون مخزونا موسيقيا كبيرا، عاد بعدها إلى مسقط رأسه الإسكندرية، وبدأ يؤلف ألحانا خاصة به، وغنى بالأفراح حتى عرف بكل الاسكندرية وذاع صيته أكثر، وتردد اسمه فى الأوساط الفنية حتى ذهب إليه الشيخ "زكريا أحمد"  ليتعرف عليه، وصحبه معه إلى القاهرة وقدمه للشيخ "سلامة حجازى"، وعندما وصل عمره الـ26 تحديدا فى شهر يوليو 1918 قام بتلحين أول رواية لفرقة"جورج أبيض" وكان أوبريت "فيروز شاه"، وهذه كانت بداية شهرته ونجاحه فى القاهرة، وأصبح مشهورا لدرجة أنه أنشأ فرقة مسرحية خاصة به أراد من خلالها أن يتحول إلى المسرح الغنائى كوسيلة لإخراج الناس من هموم  الحرب العالمية الأولى، وجاء إنتاجه فى المسرحيات الغنائية إلى أكثر من 31 مسرحية، وبعد فترة  أغلق المسرح بسبب وجوده فى حى يكثر فيه الجنود الأجانب، وعاد للتأليف الموسيقى،  وهنا صمم  أن يكون لألحانه بصمة وصدى فى وجدان الناس فقدم أشهر أغانيه "أنا هويت وانتهيت"..

كان "الشيخ سيد" يتمتع بموهبة كبيرة فى الارتجال فكتب العديد من المقالات النقدية فى الموسيقى وقع عليها بلقب (خادم الموسيقى)، كان الإنجليز يهابون ألحانه.. الأمر الذى جعلهم يمنعون أغانيه وألحانه من الإذاعة حتى ثورة 23 يوليو1952.

عاش "درويش" 31 عاما فقط إلا أنه ترك لنا أعمالا غنائية تشهد أنه عبقرى، وتكتب اسمه بجدارة فى تاريخ الموسيقى العربية الحديثة، حيث رحل فى 15 سبتمبر1923 بمدينة الاسكندرية.. ونتذكره هنا من خلال مقال كتبه صديقه المبدع "بديع خيرى" ونشر على صفحات مجلة الراديو المصرى فى عددها رقم (653) بتاريخ 20 سبتمبر 1947.. بعنوان "ذكريات مع سيد درويش".

 

الدنيا ـ وآه من الدنيا ـ ياما لحق تبنى وتعلى ـ وياما لحق ما تهدم شامخ ـ الدنيا قد ما تغرس بالشمال تروى الزهر فى باهى رياضـه ـ قد بتعصف باليمين وتقتلع العود الرطيب أوان ربيعه..

ـ الليلة ـ إذا ذكرنا البنا العالى- جارت به معاول الزمان ـ إذا ذكرنا الزهرة النادية صاحت بها مناحل الأقدار-ذكرنا "سيد درويش".

عالم لوحده من الموسيقى الجياشـة إنسان مفرد ـ جيل من الفن الرفيع استتم فى سنوات قلائل - سنوات مر مداها لكن طال خلودها، سنوات كانشى من العجيب أن الموت يترصد ويطويها ـ كان العجيب هو العكس أعمار النوابغ أشبه بأعمار البدور ـ إذا اشتد نورها هرب النذير بزوال ضياها.

اللى زيك موش  غريب كونه يموت فى بلد ملهاش من النابغ نصيب مثيلك من أيادى الموت يفوت هو ده اللى كان بقا حادث غريب لحياة أشبه بخيط العنكبوت والتراب ياما بدور جـواه تغيب يفتكروا إنهم حا يعوضوك والزمان يسمح ويوجد لك مثيـل خاب الظن خاص والتقوك كنز ما يصادفش فى الدهر الطويل- كل  ما طال المدى بيخلدوك، والحقيقة لو لقوا عنك بديل كانوا يا سيد يا درويش أهملوك إلا أن الفضل فضـل المستحيل سید درویش ـ الحديث عن سحر موسيقاه ـ عن سمو عاطفته ـ عن قوة ألحانه ـ عن دقة تصويره ـ كل دى ومل بى الشرح إذا حاولت أنى أستوفاها، ففى اعتقادى أن علماء الأنغام وأساطين الألحان هم اللى أولى منى بتحليل محاسنها وتسجيل مزاياها.

نصيبى الليلة من ذكرى زميلى الراحل هو سرد بعض الطرائف عن نواحيـه الشخصية، بحيث أقصد على قدر الإمكان أنى أرسم للمجتمع صورة تقريبية لسيد درويش على ضوء حوادث واقعية رأيتها بنفسى، ومن واجبى للذكرى وللتاريخ أنى أكشفها بوضوح. التواضع ـ أو بمعنى أوضح ـ إنكار الذات ـ كان من أبرز مميزات سيد ـ ويكفى أنى أستدل على كده بشىء واحد من أشياء كثيرة ـ الكارت المطبوع بتاعه ـ عاش قد ما عاش واشتهر قد ما اشتهر ولا اتغير شىء عن سيد درويش وتحتها "خادم الموسيقى"، ولا يزال إخوانه المعاصرين اللى محتفظين بآثاره يقرونى على صحة قولى ـ وأظن زهده عن الألفاظ البراقة اللى كان فى إمكانه يسندها لشخصه ـ واللى كان من حقه يتصف بها عن جدارة وعن غير ادعا ـ ده فيه الدليل الكافى على مبلغ مواراة سيد درويش لعبقريته ـ على أنى لازم أفرق بين إنكار النفس فى التواضع المدهش ده وبين عزة النفس إلى أقصى الحدود إذا كان الموقف يمس ناحية من نواحى فنه ـ متسامح فى شئونه الشخصية إنما فى شئون موسيقاه ما كانش ممكن يتراجع أو ينحنى حتى أمام الاحتياج الشديد ـ والاحتياج ما تخلاش منه حياة الفنان، خصوصاً إذا كان من نوع سيد درويش اللى عاش يفكر فى يومه وبس ولا يدخرش لبكره لا كتير ولا قليل، ولا بأس من ذكر حكاية واقعية تبين قد إيه كان اعتزازه بكرامة فنـه بحيث أنه يتحمل الجوع عن كونه ينبخس مقدار عمله.

على ما أذكر ـ مرت على أنا  فترة من الضيق ما أكونشى مبالغ إذا قلت إن ورقة بخمسة جنيهات وقتها تهز قلوبنا إحنا الاتنين من الفرح وتفك أزمتنا ـ وما اكونش مبالغ كمان إذ قلت إن قبل کده بكام يوم ـ كل واحد منا ما كانشى يقل فى جيبه عن 100 جنيه أو أكثر ـ لكن بقا الشباب- اللهو والمجالات ـ ما علينا ـ خطرت لنا فكرة لنا صديق أرمنى وفى الوقت نفسه مهندس صوت يعنى ساعة ما يحب يسجل أى أغنية اشتراها يقدر يملاها فى التو والساعة، وده  شىء ما كانشى متيسر لغيره من شركات الأسطوانات لأن دول لهم سنة ميعاد مخصوص يجيهم  مهندس صوت من أوروبا يباشر العمل ويسافر وده السر فى أننا ما قصدناش الشركات دى اللى بتقبض لما يجى الميعاد ـ بخلاف صاحبنا اللى يقبض فورى فى الحال ـ وفورى فى الحال هو المهم عندنا ـ اتفقنا أنا و سيد ننفرد بروحنا أكتب أنا كام قطعة "قوام" وهو أول بأول يلحن ونوريهم لأخينا ـ بضاعة جديدة ـ نتحصل منها على اللى نقدر عليه ـ وبالفعل قصدنا المحل واتكلمنا ويا الخواجه فى الموضوع برضه بمنتهى عزة النفس – وبلهجة اللى فى جيبهم عشرات وميات ـ لكن  كان  طبيعى تاجر زى ده فى السوق ما تفوتوش الطايرة ـ أدرك الراجل اللى كان معتاد أنه لما يعوز منا شغلانة يبعت ورايا مرة واتنين ـ إننا علشان نیجی برجلينا النوبه دى ونعرض إحنا الشغل، لازم تكون الحالة فيها ما فيـها ـ باختصارانتهز الفرص وكسر مقاديفنا وآخر ما عرض علينا مبلغا هو نص المعتاد تقريبا إنما أنا فى الوقت ده لقيت اللى نطوله فى الوقت ده مهما كان قليل عال عال المال(وعصفور فى اليد ولا عشرة فوق الشجرة) واجتهدت فى نهى المسألة بأى شكل، إنما الشيخ سيد اللى كان ساكت طول المدة وسايبنى أرغى – أتنتر غضبان وشدنى على غفله وقطع  بمنتهى العصبية أوراق الزجل على أوراق النوتة وصرخ فى الخواجة: اسمع وافهمنى طيب ـ أنا اتعودت الجوع كتيرـ لكن ما أتعودش مره فى حياتى أرخص كرامة فنى، وحودنى وقتها على صديق له كان متعهد عمومی لورق اللوترية  استلفنا منه ما تيسر ولا أضن أنى فى حاجة للتعليق بأكثر من اللى سمعتوه عن كرامة الفنان وعزة نفس الفنان..

ـ كان من غرائب الشيخ سيد أنه قبل ما يلحن شىء لازم يعيش فيه جوه بين أهله وأربابه، ويحاول أن يشعر بشعورهم ويستمد من طبيعتهم صورة طبق الأصل يزخرفها هو كده بفنه وبالطابع الموسيقى المناسب ـ أذكر مرة أننى قدمت له زجل كلن فى الرواية الاستعراضية اللى سمعها "قولوا له" علشان يلحنه ـ كان الزجل  يتضمن  شكوى  طايفة السقايين اللى بيملوا بالقربة على ضهورهم واللى  بدأوا يتلاشوا قدام  تعميم حنفيات المية فى البيوت وتهديد  مهنتهم بالزوال ـ كان مطلع الزجـل " يعوض الله يهون اللع عالسقايين دول كفرانين متعفرتين م الكوبانيه، كل من  سمع اللحن ده لا يزال يذكر أنه من أبدع ألحان "سيد درويش"  ولا انساشی أنه خدنى ثلاثة أيام ورا بعض. بدری من الفجر على حته فيها حنفية عمومية فى جهة إسمها على ما أذكر حيضان الموصلى ناحية الأزهر  يملو منها السقايين جماعات  جماعات وأجتهد يجر حديثهم ويتصاحب وياهم ويسمع منادتهم بحيث لو أن واحد منهم كان منهم فى التلحين وأسند اليه تصوير القطعة دى ما كانشى عملها غير كدة ـ ولحن المراكبيه ده راخر كان يقصد له إمبابه مخصوص وينزل فى شلة ريس منهم اسمة «محمد أبو عجينه» وعشرات من الحوادث اللى زى دى فى قطع مختلفة  من ألحانه واشوف ان  تكرارها  مالوش لزوم مادامت متشابهة غاية ما هناك أن نفس الأوزان اللى كان يسمعها من نداءات البياعين مثلا أو تعابير أولاد  الكار ـ زى لحن الشيالين اللى أوله شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك كان يطلب منى  وضع الازجال فى أوزان متقاربة من الأصل.. وده زياده فى دقة المطابفة.. مثلا.. على مال مكة على مال جدة مال المدينة ده شغل الحجاز ـ ده كان نداء سمعته من واحد بتاع بلح مكبوس من نوع العجوة.. إيه رأيكم طلب نفس الوزن ده منى واتلحن" ملیحه قوی القلل القناوى، وأبدع فى تلوينه كل  الأبداع.. ومن القبيل ده ـ كنا فى طنطا نوبه وسمع العيال فى الشارع بيهللوا (الساح يا بتاح يا خروف نطاح) قام الشيخ "سيد" من وسطنا وكنا سبعه ثمانيه وفاتنا ومشى ورا الأولاد موجـه ودانه بكل اهتمام مسافه طويله ورجع تانى يطلب منى وضع ختام ستار الفصل الأول من استعراضية «ولو» اللى كان مطلعه «يابو الكشاكش كان جرى لك إيه ياهل ترى»، وده نهج فى الموسيقى قد ما الانسان يتخيله سهل قد ما هو فى منتهى الصعوبةـ وأحيانا كان الشيخ سيد يترنم فى وحدته أنغام معينة يستوحيها فى أوقات ما أكونشى أنا وياه فيهاـ كان يوضع لها ألفاظ لمجردضبط المقاييس ويقابلنى بعد كده يطلب منى صب الزجل فى نفس التفاعيل وعادة كانت الألفاظ اللى يوضعها ما فيهاش أى اتصال بمعنى أو بسياق أو غيره مثلا:

يا أخينا يا للى ماشى تعال هنهوه

تعالالى لما أقول لك واسمع هنهوه

أنا مالى ومالكم حـد الله

ما بينى وبينكو يا هوه

ـ أما وطنية سيد درويش ـ ده شىء يعبر عن نفسه بنفسه فى قوة ألحانه ـ فى حماسة تعبيره ـ فى إثارة النفوس ـ وأمامنا من مخلدات سيد درويش من النوع ده «إحنا الجنود ـ يا مصر يحميكى لأهلك ـ مصرنا وطننا ـ فوق يا مصر فوق  دايماً بتنادينا.. وغيرها كتير.

ـ وأذكر فى المجال ده أننا فى الثورة المصرية سنة 1919 كنا سوا فى اجتماع وطنى انعقد فى الجامع الأزهر وخرجنا من هناك ركبنا عربية حنطور وقف الشيخ سيد فيها ينشد بنفسه طول الطريق لحنه (قوم يا مصرى) على أسماع المارة اللى تبعونا وهم يرددونه بحناجرهم القوية كلامه كلمة كلمة وسطر سطر، وازداد عدد المتجمهرين لما بقت مظاهرة طويلة عريضة اتعرضنا فيها للمدافع الإنجليزية الرشاشة قدام المنعطف بتاع ترامواى الخليج، وانكسرت العربية اللى كان فيها الشيخ سيد من شدة التلاحم والتزاحم، وشاف انه لازم يعوض العربجى المسكين طلع اللى كان فى جيبه كله واداه له كبشة واحدة، وعرفت بعدين ان المبلغ 12 جنيه وكسور هى أول وآخر ما كان يمتلكه يومها.

ـ أما عن تدين سيد درويش يكفى أنى أذكر أنه كان يستحيل يمر أسبوع ما يزورش فيه ضريح من أضرحة أولياء الله، وعلى الأخص سيدنا الحسين والقهاوى المتواضعة اللى عند الباب الأخضر كأنها كانت تعرفه حق المعرفة، وألذ جلساته كانت ويا الجماعة اللى بيسموهم المجاذيب يعشوه وبعشيهم ويقضوا سوا جانبا كبيرا من الليل ـ وكان له بينهم صديق عزيز عليه جدا.. هدومه مرقعة وحافى ومربى ذقنه اسمه المريسى، كان يسميه الشيخ سيد "الفيلسوف المخفى"، ويحترمه أشد الاحترام ـ ويهمنى أن أسجل فى معرض تدينه أنه على قد انهماكه فى ألحان المسرح والتخت، وعلى قد ما بلغ فيهم مكسبه كان جنب كده ما ينقطعش أبدا عن تقديم التواشيح النبوية إلى زملائه القدامى من المقرئين، ويرفض على الدوام أن يقبل أجرا على تلحين شىء يختص بالدين ويعتبر التطوع ده كقرب منه إلى الله، والشهود على كده كتير فيهم الأحياء وفيهم الأموات، وبلغ من تفانى الشيخ سيد فى خدمة القرآن الكريم أنه شرع فى وضع تجويد فنى مربوط بقاعدة موسيقية مع مطابقته لأحكام الإلقاء الشرعى والتجويد الصحيح بحكم أنه كان مقرئا فى مستهل حياته، واسمعنى بالذات بعض سور آية فى الروعة والخشوع.

ـ ناحية من نواحى سيد درويش كانت تدهشنى جدا ـ قليل إذا حفه بالظبط لحن يكون لحنه ـ سريع النسيان يصادف أنه كان يتم تلحين القطعة وينظر لها ويرجع يحاول أن يتذكر أولها علشان تتسجل بالنوتة، لكن من الصعب يتوقف لغاية  ومن كده كان يصطحب وياه بعض أشخاص من فرقة الملحنين كل شغلته يلازموه واللى يتغنى به وهو بيلحن  يحفضوه عنه أولا بأول منهم محمد شلبی، وفهمى أمان ـ عبدالعزيز بشندى ومحمد الهواش. ودول هم اللى قبل ما يبدأوا البروفة فى المسرح يسمعوه اللحن كده يستعيده ببعض الإضافات  ولو غاب اللى حافض منهم تبقى عطلة وشكله..

ويحضرنى فى المناسبة دى أنه مرة كان فى شركة تسجيل الأسطوانات ومطلوب منه يومها تسجيل عشر قطع واللى كان. مستعد له أربعة فقط شيع فى الحال يدوروا له على سنيده القديم من أول نشأته فى اسكندريةـ الشيخ محمود مرسى اللى بتسمعوه أحيانا فى الإذاعة، وبالفعل حضر وقعد يذكر الشيخ سيد بقطع كتير كان ناسيها هو من ألحانه السابقة وبالشكل ده تمم الشغلانة على ما يرام وأكثر ـ ونسيان سيد درويش موش كان بس فى ألحانه ـ كان حتى فى أهم مناسـات حياته ـ تصوروا أنه ليلة كتب كتابه على زوجته الثانية والدة الأستاذ حسن درويش ابنه الأصغر. كان المأذون منتظرا فى البيت والناس مجتمعين حواليه والأهل والقرايب وهو معانا فى بيت صديق طليانی اسمه "امبرتو أمييه"، مندمج فى ترديد حتة جديدة بيلحنها وذاهل و ناسی خالص- میعاد كتب كتابه والمراسيل تدور عليه من هنا ومن هناك، وفين وفين لما خطر على باله فجأة أن الليلة عقد زواجه وقام بعد تأخير طويل وهو يبكى من كسوفه للموقف الشاذ ده، ووصلناه احنا وقعدنا نعتذر بحادث وهمى اخترعناه كدب فى كدب علشان نبرر موقفه، تصادم وجه سليم ورحنا مع السواق عالقسم وأبصر ايه ـ وفاتت بين اللى صـدق واللى ما صدقش.

كان سيد درويش إذا غنى يغنى أولا علشان يطرب روحه وفى الوقت اللى هو مختاره موش اللى يطلبه غيره مهما كان غنى أو عظيم.. عنيد فى الرفض إذا ما كان ما لوش مزاج. وفى جلساتنا الخاصة كان إذا حب يغنى لازم نطفى النور ونسكت كلنا ما نبديش أى استحسان للنهاية، واللحن اللى يعجبه هو اللى يغنيه موش اللى ينطلب منه وده كلفه ثمنا غاليا من أعصابه.. فى ليلة ما انساهاش أبدا  كان لنا صـديق فى القللى حب يجوز ابنه واستشار الشيخ سيد فى المطرب اللى يحيى الحفلة واعتقد الشيخ سيد أن التلميح ده معناه طلبه بالذات، وبالفعل حقق رجاه ووعده بأنه هايكون بنفسه مطرب الحفلة ويتبرع من باب المجاملة طبعا ـ وجينا وياه ليلة الفرح شلة من أصحابه، والمعازيم كانوا أغلبيتهم من سواد الشعب زمايل العريس وأبو العريس، وعلى فكرة كان صاحب الفرح معلم بيدير مخبز ابتدا الشيخ سيد يغنى بإرادته هو ونقى زى عوايده الدور اللى يعجبه هو، وكان ملاحظ مع  الأسف أن السميعة فى شىء من الاستغراب والملل، وطبعا قطعة «أنا لا ألام» للى غناها ـ كلها محسنات فنية مرتبطة بأوضاع دقيقة فى صميم الأصول الموسيقية. اللى يحسها عالم بالأصوات مثلا عازف ممتاز - إنما مجرد سميعة من أوساط الطقاطيق. شىء ما يقدروش يدركوا سره..  انتهت الوصلة بفتور ونزل الشيخ سيد من التخت وهو دموعه مبلبلة وشـه للفشل المؤلم ده - واحنا حواليه نخفف عنه ونؤكد له أنه متوهم وأن الناس كانت مبسوطه قوى.

«دارت الأيام يا شيخ سيد ودرنا

داحنا أطيافك بتبعتها تزورنا

أنت ما غبتش ولا فارقت دورنا

لك تاريخ زاخر بأحزاننا وسرورنا».

 


Katen Doe

سماح جاه الرسول

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

wave
ليلى مراد المجلة زمان
5 أزمات صنعت نجومية ثريا حلمى نجمة المونولوج
أسرار صدمة الحب الأول فى حياة الملحن الشهير محمود الشريف
عبد العزيز محمود.. أول من قدم الفرانكو آراب
محمد عبد المطلب يفتح خزائن أسراره
أحمد رامى: لا أزال مراهقا في عاطفتى
طه حسين لـ«الإذاعة والتليفزيون»:بعدالثمانين عامًا لم أذق طعم السعادة
«نادرة»:الشيخ سيد الصفتى أقــرب أهل الغناء إلى روحى

المزيد من المجلة زمان

wave
خطوات الانتقال لمنزلك الجديد مع شركة "الماسة" الالمانية

عند شراء منزل جديد وتجهيزه للانتقال إليه نحتاج دائما إلى معرفة كيفية نقل العفش والاثاث من المنزل القديم الى المنزل...

«الموجى الصغير»: والدى احتفظ بـ «دبلة» أم كلثوم فى إصبعه حتى وفاته

"مـحـمـد أمــين مـحـمـد" الشـهـيـر "بمحـمـد الموجى" اسم يعرفه كل المصريين، فقد ارتبط اسمه بعالم الموسيقى والطرب؛

أهم مراحل الحقن المجهري بمستشفى "بداية"

يعتبر الحقن المجهري من أهم التقنيات الطبية الحديثة، حيث يعكس العديد من التطورات التكنولوجية في عالم الأجنة، ويحدث من خلال...

نصيحة عمرها 77 عامًا لـ «هالة فاخر» من والدها

ولد الفنان "فاخر محمد فاخر" عام 1912 فى قرية الدوير مركز صدفا بمحافظة أسيوط، وهو ممثل من العيار الثقيل؛