«نكسة» سلاح الجو الإسرائيلى في حرب أكتوبر

مصر استبقت «يوم الغفران» بكسر «جناح» تل أبيب في معارك الاستنزاف / إسرائيل فقدت 100 مقاتلة في الأيام الأولى للحرب و10 مقاتلات بين 12 و13 أكتوبر / القوات الجوية المصرية انفردت بسماء سيناء ونزعت الغطاء عن قوات موشي ديَّان

بعد مرور 50 عامًا على حرب أكتوبر 73، دلفت إسرائيل إلى «المربع المحظور» وهى تعيد قراءة قصور، أفضى إلى هزيمتها في «يوم الغفران»؛ فالمؤسستان الإسرائيليتان «الأعلى نزاهة ومراعاة للواجب الوطني»، حسب زعم صحيفة «معاريف» هما «القضاء»، و«سلاح الجو»، ويُحظر على القاصي والداني الطعن في أدائهما بشكل أو بآخر. وإذا كانت مؤسسة القضاء تدافع عن صلاحياتها حاليًا في ظل ما يوصف بـ«الاصلاحات القضائية»، التي تحاول حكومة اليمين المتطرف تمريرها بما يخالف أي معنى للديمقراطية، فسلاح الجو ظل زهاء نصف قرن بعيدًا عن المحاسبة، حتى أن لجنة «أجرانات» المعنية حينئذ بالتحقيق في قصور المستويين السياسي والعسكري، تفادت تحميل قائد السلاح في حينه الجنرال بيني بيلد أية مسئولية عن هزيمة إسرائيل.

نتاجات بحثية واستقصائية جديدة في إسرائيل قررت بعد 50 عامًا التخلي عن صمت الماضي، وأثارت علامات استفهام حول انفراد المصريين خلال الحرب بسماء سيناء، وتنكيل قواتها الجوية بمواقع ونقاط إسرائيل الحصينة على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس في ظل غياب تام لسلاح الجو الإسرائيلي؛ وبينما أدلى قادة سابقون في ذات السلاح باعترافات غير مسبوقة حول حيثيات الفشل؛ كان الباحث والخبير الإسرائيلي أوري بار يوسيف أكثر جرأة في تحميل الجنرال بني بيلد أكثر من غيره مسئولية إخفاق إسرائيل وهزيمتها على الجبهة المصرية تحديدًا.

وفي حين اختزل فيلم تسجيلي إسرائيلي تحت عنوان «سلاح الجو في يوم الغفران» الواقع المأساوي للسلاح خلال الحرب وربما الفترة التي استبقتها (حرب الاستنزاف)، كشف كتاب الباحث والمؤرخ أوري بار يوسيف الصادر تحت عنوان «الحرب على طريقته: سلاح الجو في حرب يوم الغفران» عن جملة إخفاقات وفشل غير معلنة في السابق بخصوص أداءات السلاح الإسرائيلي وقائده في الحرب ذاتها.

 إقطاعية منعزلة

وفي استعراض لمضمون الفيلم الإسرائيلي الصادر قبل أيام من الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر 73، رأى الكاتب دورون بروش أن سلاح الجو الإسرائيلي ومنذ تأسيسه كان مملكة أو إقطاعية منعزلة، لم يعمل على تطويره بالشكل اللائق سوى قائده الجنرال عيزر فايتسمان، صاحب المقولة الشهيرة «إذا امتلكت السماء يمكنك امتلاك الأرض». رغم ذلك، لم يكن سلاح الجو الإسرائيلي مؤهلًا لخوض حرب أمام المصريين في يوم الغفران 73؛ إذ أكد الواقع أن صواريخ المصريين كسرت أجنحة مقاتلات السلاح خلال حرب الاستنزاف، وحين اندلعت حرب «يوم الغفران» لم تعثر إسرائيل على حل عملي لبطاريات الصواريخ المصرية والسورية، التي شلَّت قدرة سلاح الجو الإسرائيلي، وكبدته خسائر فادحة تجاوزت 100 مقاتلة خلال الأيام الأولى في المواجهة.

يضاف إلى ذلك، حسب طيارين إسرائيليين متقاعدين شاركوا في الحرب، قرارات عملياتية خاطئة على المستوى الأعلى في السلاح، ويُقصد بذلك قائده الجنرال بيني بيلد؛ فالأخير طلب من رأس المستوى السياسي في حينه (جولدا مئير) توجيه ضربة استباقية للمصريين والسوريين، حتى أنه أمر بتسليح كافة المقاتلات تأهبًا لعملية القصف، لكنه في حقيقة الأمر كان مكبلًا برفض المستوى السياسي، الذي تبنى في معظمه موقف جولدا مئير، التي آثرت اهتمامًا بالانتخابات المرتقبة بداية 74 على تصعيد غير مبرر، يتعارض وتقديرات الموساد وهيئة الاستخبارات العسكرية (أمان)، التي جزمت باستحالة نشوب الحرب. 

 العمق الإسرائيلي

أمام هذا الموقف، اضطر بيني بيلد صباح السادس من أكتوبر إلى تغيير تسليح مقاتلاته، ليتناسب مع فرضية اعتزام القوات الجوية المصرية قصف قواعد جوية في العمق الإسرائيلي. وفي ظل ارتباك وإهدار للوقت، تراوح ما بين ساعتين إلى 3 ساعات في تغيير تسليح مئات المقاتلات الإسرائيلية مرتين على التوالي، انفردت القوات الجوية المصرية بسماء شبه جزيرة سيناء؛ وهو ما نزع الغطاء الجوي عن القوات البرية الإسرائيلية.

وفي القطاع الشمالي أيضًا، سقط قائد سلاح الجو الإسرائيلي في خطيئة كبيرة حين انطلقت قوة مقاتلات إسرائيلية كبيرة للهجوم على مواقع سورية في ثاني أيام الحرب دون امتلاك خرائط دقيقة أو حتى معلومات عن الأهداف المقرر تدميرها على طول الجبهة السورية؛ وحسب ما نقله الفيلم التسجيلي عن قادة أركان سلاح الجو الإسرائيلي في حينه، كان بيلد ديكتاتوريًا ويرفض الاستماع إلا لصوته وأفكاره وقراراته حتى وإن كانت خاطئة.

رغم الانتقاد الحذر الذي ناله بيني بيلد من رفاق السلاح بعد مرور 50 عامًا على حرب «يوم الغفران»، إلا أن دائرة الانتقاد وربما الهجوم غير المسبوق على الشخصية ذاتها اتسعت على لسان الباحث والمؤرخ الإسرائيلي أوري بار يوسيف، الذي خصص كتابًا كاملًا لرصد إخفاقات سلاح الجو الإسرائيلي وقائده؛ وتحت عنوان «الحرب على طريقته: سلاح الجو في حرب يوم الغفران»، أشار المؤرخ الإسرائيلي إلى أن سلاح الجو وعلى عكس ما جاء في الفيلم التسجيلي خاض حرب أكتوبر 73 وهو في ذروة الكفاءة بعد حرب «الأيام الستة» 1967 رغم الإخفاق في التعامل مع بطاريات الصواريخ المصرية، الذي كان له الدور الأكبر في انتصار المصريين في حرب 73.

 نصف الميزانية

ويضيف بار يوسيف: «كانت كافة الدوائر السياسية والعسكرية في تل أبيب على قناعة بأنه إذا اندلعت الحرب فلن يهزم سلاح الجو الإسرائيلي خصومه العرب فقط، وإنما يفتح طريق القوات البرية الإسرائيلية أيضًا أمام غزو أعماق دولتي المواجهة: مصر وسوريا، إذ ساد الاعتقاد بأن السلاح يتصدر نظراءه في منطقة الشرق الأوسط، واحتكر بمفرده نصف ميزانية وزارة الدفاع، واستبعد من الخدمة معظم المقاتلات القديمة، وضاعف عدد طائراته الحربية عبر عمليات شراء أفضل المقاتلات الأمريكية ومنها طائرات الـ«فانتوم»، و«سكاي هوك»؛ وتمتع طيارو سلاح الجو بخبرة عملياتية عالية وكفاءة في إسقاط الطائرات؛ لكن كل ذلك لم يمنع انكسار المجتمع والجيش الإسرائيلي أمام المصريين في حرب «يوم الغفران».

وحسب ما جاء في كتابه، رأى المؤرخ الإسرائيلي أن كل تطلعات خبراء تل أبيب العسكريين إزاء سلاح الجو وقدراته الفائقة تحطمت على صخرة الواقع، ولم يتجاوز دعم السلاح للقوات البرية في سيناء نسبا ضئيلة للغاية، وحتى نهاية الحرب تقريبًا عجز إلى حد كبير عن أداء مهامه، التي كان من المفترض أن تفضي إلى النصر.

والسؤال الذي يفرض نفسه في ظل هذه المعطيات: لماذا حدث ذلك؟ لكن الإجابة عن السؤال ظلت حبيسة أدراج المستويات العسكرية في تل أبيب، وأضحى الوقوف عليها ثقبًا أسود في تاريخ الحرب، حسب تعبير موقع «ماكو» العبري. إلا أن المؤرخ بار يوسيف حاول في كتابه الإجابة عن السؤال، وبدأها بشن هجوم عاصف وغير مسبوق على أسلوب إدارة قائد سلاح الجو بيني بيلد للحرب، والتي بموجبها خاض الحرب بـ«هبوط حاد»، وبتقارير مشوشة نقلها لرئيس قيادة الأركان دافيد اليعازر حول أداءات وقوة السلاح. وفي فصل تحت عنوان «الخط الأحمر الدقيق»، أكد الباحث الإسرائيلي في كتابه أن قائد سلاح الجو بيني بيلد تعمد إمداد قيادة الأركان ببيانات «قاتمة» تشي بوصول قدرات السلاح إلى «خط أحمر»، مؤكدًا أنه لا يمتلك عددًا كافيًا من الطائرات لتنفيذ مهمته، وذلك للضغط على دوائر اتخاذ القرار، والحيلولة دون تحميله مسئولية الفشل والهزيمة في حرب «يوم الغفران».

 سماء إسرائيل

وللإجابة عن سؤال: أين اختفى سلاح الجو الإسرائيلي، أو بالأحرى أين اختفت قدراته خلال حرب أكتوبر 73؟ يرى مؤلف كتاب «الحرب على طريقته: سلاح الجو في حرب يوم الغفران» أن القوات الجوية العربية افتقرت في حينه القدرة الهجومية الكبيرة ضد إسرائيل؛ وبغض النظر عن ذلك، أبدت تقديرات خبراء القوات الجوية الإسرائيلية أنه من الممكن الدفاع عن سماء إسرائيل بأقل من 100 مقاتلة، وهو العدد الذي يقل عن ثلث قوة سلاح الجو الإسرائيلي. المؤلف الذي اعتمد في بيانات كتابه على طيارين شاركوا في الحرب، أشار إلى أن إسرائيل فقدت في الساعات الأولى من حرب أكتوبر 28 مقاتلة، وهو العدد الذي أثار قلق رئيس الأركان دافيد اليعازر. وفي صباح 8 أكتوبر أفاد سلاح الجو بسقوط 4 مقاتلات، ما حدا برئيس الأركان إلى تقليص دعم السلاح للقوات البرية الإسرائيلية في سيناء؛ وخلافًا للخطة المتفق عليها، أبلغ دافيد أليعازر قادة سلاح البرية على خط المواجهة بعدم التعويل نهائيًا على دعم أو غطاء سلاح الجو في الحرب. 

من هنا أثير السؤال الذي باتت الإجابة عنه عالقة حتى اليوم: أين اختفى سلاح الجو الإسرائيلي؟، لكن بار يوسيف وضع قارئ كتابه أمام تداعيات اتخاذ رئيس الأركان قرارات خاطئة؛ مشيرًا إلى أن تقارير بيني بيلد المضللة والخداعة هى المسئولة عن ذلك؛ ففي ليلة التاسع من أكتوبر، أبلغ بيلد رئيس الأركان دافيد أليعازر ووزير الدفاع موشي ديَّان باحتمالية سقوط عدد كبير من مقاتلاته، ليقتصر عدد مقاتلات سلاح الجو على 220 طائرة فقط، ما يعني أن السلاح بات على شفا الخط الأحمر. وبعد يومين حذر بيني بيلد أيضًا من أنه قد يفقد 20 مقاتلة أخرى، لتصبح طائرات السلاح 200 طائرة؛ وقصد بيلد بذلك أنه لن يستطيع مواصلة القتال بالشكل المأمول في غضون ما بين 3 إلى 4 أيام على الأكثر.

 258 مقاتلة

شعر رئيس الأركان بالقلق البالغ، وقال ردًا على ذلك: «بداية من الغد، أود تخفيف الاعتماد على سلاح الجو»؛ ووافق على ذلك وزير الدفاع. رغم ذلك، أكد المؤرخ الإسرائيلي استنادًا إلى معلومات موثقة أن بيني بيلد ضلل رئيس الأركان ووزير الدفاع معًا، إذ بلغت قوة سلاح الجو في الحقيقة 258 مقاتلة على استعداد لخوض القتال في أية لحظة، ولا يشمل هذا العدد 48 مقاتلة أخرى خضعت للصيانة قبل الحرب بأيام، وكانت في طريق العودة للخدمة. وحسب بار يوسيف، أثار تقرير بيني بيلد مخاوف رئيس الأركان ووزير الدفاع، حتى أنهما درسا إمكانية قبول وقف إطلاق النار، رغم أن المصريين والسوريين حققوا في هذا الوقت إنجازات كبيرة في الحرب.

وخلال جلسة المجلس الوزاري المصغر للشئون السياسية والأمنية، اقترح رئيس الأركان دافيد أليعازر تكثيف العمليات العسكرية البرية على الجبهة الشمالية لإبعاد السوريين مبكرًا عن الحرب، والتفرغ للتعامل مع الجبهة المصرية الأكثر اشتعالًا. وفي هذا الصدد يقول بار يوسيف في كتابه: «في الجلسة ذاتها، ادعى الجنرال بيني بيلد أن أسراب المقاتلات لا تتجاوز 272 مقاتلة، لكنه حذر من إمكانية نجاح المصريين في إسقاط عدد كبير من الطائرات لتصبح 200 طائرة في غضون 4 أيام». 

وحسب الكاتب الإسرائيلي، لم يتردد بني بيلد حين ادعى كذبًا في 12 أكتوبر أن عدد طائراته لا يتجاوز 272 طائرة، لكنه في 13 أكتوبر زعم أن عدد طائرات السلاح وصل إلى 223، ولم يتلق بيلد سؤالًا واحدا عن كيفية تخفيض عدد طائرات السلاح بهذا الشكل خلال 24 ساعة فقط؟! لكن الحقيقة كما يتصورها أوري بار يوسيف هى أن سلاح الجو الإسرائيلي فقد في هذا التوقيت (ما بين 12 إلى 13 أكتوبر) 10 مقاتلات، ليصبح إجمالي عدد مقاتلات سلاح الجو 252 طائرة وهو ما يقل بكثير عن الوصول للخط الأحمر الذي سوَّق له بيني بيلد في تقارير تقدير الموقف.

 معلومات قاتمة

ويرى مؤلف الكتاب أن قائد سلاح الجو بيني بيلد أمد رئيس الأركان ووزير الدفاع بمعلومات قاتمة عن قوام سلاح الجو وخسائره الفادحة من أجل تحفيز الجيش الإسرائيلي على عبور القناة إلى الضفة الغربية عبر ما عُرف حينئذ بثغرة الدفرسوار، لاسيما في ظل نقاشات جرت حينئذ في صفوف قيادة الجيش المصري حول تفعيل خطة تطوير القتال. وفي كل مرة تلا فيها بيلد تقاريره القاتمة كان يقول لجنرالات الجيش: «فقدتم العقيدة اليهودية وهى أن العرب لن يزيدوا عن كونهم عربا»، وقصد بذلك أن قادة الجيش عدلوا عن اعتقادهم بضعف الجيوش العربية، وأنه لابد من العودة للعقيدة اليهودية الراسخة لحسم الحرب فورًا ضد المصريين والسوريين معًا.      

وهنا يأتي كشف بار يوسيف الكبير وتقييمه القاسي لقائد سلاح الجو بيني بيلد، الذي، بحسب قوله، في المرحلة التي دار فيها نقاش حول شن هجوم أو وقف إطلاق النار، استمر بيلد في نقل بيانات قاتمة حول عدد القتلى والجرحى، فضلًا عن تلويحه بسقوط 140 مقاتلة إسرائيلية حتى اليوم الثالث عشر من الحرب؛ بينما أشار الواقع إلى سقوط 67 مقاتلة فقط في هذه المرحلة، لاسيما بعد وصول مدد الجسر الجوي من المقاتلات الحربية الأمريكية التي هبطت مباشرة في سيناء؛ إلا أن بيلد خدع رئيس الأركان ووزير الدفاع، وادعى انه لم يعد لديه من المقاتلات ما يكفي للدفاع عن العمق الإسرائيلي، وليس عن سيناء. 

Katen Doe

محمد نعيم

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

لست
اكتوبر
فردان
أكتوبر
lموشى

المزيد من سياسة

هيفاء أبو غزالة: الاحتلال يرتكب مجازر وحشية وجرائم حرب ضد سكان غزة

يبذل قطاع الشئون الاجتماعية بجامعة الدول العربية برئاسة د. هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد للجامعة، جهودا مكثفة ومتميزة، لتخفيف...

سكان غزة يرفضون التهجير والصمود الفلسطينى يحطم غرور جيش الاحتلال الإسرائيلي

د. أيمن الرقب: كلمة السيسى أقوى ما جاء فى القمة العربية

استعدادات المستشفيات المصرية لاستقبال المصابين الفلسطينيين

مطر: شمال سيناء استعدت طبيا وتجهيز مستشفيات ميدانية فى العريش وبئر العبد / العمدة: الاحتلال الإسرائيلى يقصف المستشفيات ولا يسمح...

قيادات حزبية تكشف أسباب دعمها للمرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى

حسمت الكثير من الأحزاب والقوى السياسية موقفها من السباق الرئاسي، حيث أعلن ما يقارب 40 حزبا سياسيا ضمن تحالف الأحزاب...