سيظل فجر يوم الأحد الماضى (20/ 11/ 2022) علامة فارقة فى تاريخ البشرية جمعاء؛ لكونه شهد أول اتفاق من نوعه؛ يقضى بحماية الدول الفقيرة من الآثار الكارثية
التى خلفتها "التغيرات المناخية"، وتسببت فى تشريد وتجويع مئات الملايين على مستوى العالم سنويًا.
كان فجر هذا اليوم إيذانًا بميلاد عهد جديد بين دول العالم المتقدم وتلك المتضررة من الثورة الصناعية الكبرى؛ حيث نجحت رئاسة مصر لـ "قمة المناخ COP27" فى التوصل إلى اتفاق بإنشاء "صندوق الخسائر والأضرار"، الذى فشلت القمم السابقة فى تحقيقه على مدار 3 عقود مضت، ليكون هذا الصندوق بمثابة آلية مالية ملزمة؛ لتعويض الدول الفقيرة عما لحق بها من أضرار وخسائر؛ جراء الانبعاثات الكربونية الناتجة عن صناعات الدول المتقدمة.
ينصف دول الجنوب
يُعد هذا "الاتفاق" إنجازًا مذهلاً لسكان النصف الجنوبى من الكرة الأرضية؛ ما كان له أن يتحقق لولا الجهود المضنية التى بذلتها الدولة المصرية ـ بمساعدة الأمم المتحدة ـ لإلزام الدول الصناعية الكبرى بسداد التعويضات المستحقة عليها تجاه الدول الفقيرة والنامية عبر "صندوق الخسائر والأضرار".
=لم يكن التوصل لاتفاق بإنشاء هذا "الصندوق" بالشأن الهين، واحتاج الأمر إلى مفاوضات ومباحثات شاقة بين وفود وبعثات الدول المشاركة فى قمة المناخ بشرم الشيخ على مدار الفعاليات التى استمرت لأكثر من أسبوعين، وامتدت حتى الرابعة و15 دقيقة من فجر يوم الأحد 20 نوفمبر الجاري. ولعل هذا ما يفسر سبب إعلان الخارجية المصرية ـ بصفتها رئيس "قمة cop27"مد الفعاليات حتى صباح الأحد بدلاً من اختتامها يوم الجمعة السابق له.
وحسب وصف جين سو، رئيسة "ائتلاف شبكة العمل المناخى الدولية"، فإن هذا الاتفاق يُجسّد الحشد المذهل للدول الفقيرة والمجتمع المدنى فى مواجهة الدول الصناعية الكبرى؛ بفضل الجهود التى بذلتها رئاسة المؤتمر الممثلة فى الدولة المصرية.
تبرز أهمية هذا "الاتفاق" فى كونه يمثل تحولا كبيرًا للقادة الأمريكيين، الذين طالما تهربوا من التوقيع على أية التزامات مالية تتعلق بالتغيرات المناخية؛ لكون بلادهم تساهم بالنسبة الأكبر فى معدلات الانبعاثات الكربونية العالمية، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكى جون بايدن لم تستطع الاستمرار فى المقاومة تحت وطأة الادانات الدولية التى خرجت بها "قمة cop27" بشرم الشيخ.
"قمة التنفيذ" على أرض شرم الشيخ
بفضل الإنجاز غير المسبوق الذى توصلت إليه قمة المناخ بشرم الشيخ، خرج رئيس المؤتمر، وزير الخارجية المصرى سامح شكرى ليزف بشرى سارة لأبناء الدول الفقيرة، قائلاً: إن ما حققه "مؤتمر COP 27" يؤكد أن قمة شرم الشيخ هى قمة التنفيذ.
ولفت إلى أن "المؤتمر" لم يكتف بالقرارات التقليدية، بل سعى منذ اللحظة الأولى وتم الإعداد على مدار عام كامل لتكريس أهمية التنفيذ، مضيفًا: لقد تجسد ذلك فى النجاح بعد مشاورات مطولة ودقيقة، بأن يضع على جدول الأعمال "قضية الخسائر والأضرار"، وأن يتعدى ذلك بأن يتم اعتماد مقرر ينشئ لأول مرة صندوقا للخسائر والأضرار لمواجهة التحديات الضخمة خاصة فى الدول النامية.
ووصف "شكري" الأمر بأنه "إنجاز تاريخى بعد 27 سنة من التناول والمطالبة من الدول الأفريقية والنامية بأن يتحقق ذلك، ليؤكد نجاح المؤتمر، وكذلك نجاح مصر التى ترأست هذا المؤتمر ودعمته، وعملت على تجاوز كل التحديات المرتبطة وما جرى من مشاورات وقيادة العمل بشكل موضوعى وشفاف ومكتمل كافة العناصر التى أسهمت من قبل الأطراف لتحقيق هذا الهدف.
انقسامات حادة.. وجهود مضنية
على كل مصرى أن يفتخر بقدرات بلاده وجهود أبنائه المخلصين، الذين لولاهم لخرجت "قمة شرم الشيخ" كسابقتها على مدار 30 عامًا، حيث شهدت الفعاليات انقسامات حادة وعنيفة وعميقة بين الأطراف المشاركين حول المساعدات النقدية المرجوة لمساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع الآثار الناجمة عن التغير المناخي.
إلى جانب ذلك، كانت فكرة خفْض استخدام "الوقود الأحفوري" بكل أشكاله للحد من ارتفاع درجات الحرارة حول العالم، موضع انقسام عميق حتى اليوم الأخير من عمر القمة، ما دعا رئاسة المؤتمر ـ الخارجية المصرية ـ إلى تمديد المحادثات إلى ما بعد الموعد المحدد لاختتامها، لتنتهى فى الرابعة و15 دقيقة من فجر يوم الأحد 20/11/ 2022.
وفى ضوء ما دار من نقاشات وسجالات بين الوفود المشاركة على مدار أيام القمة، كان واضحًا أن الدولة المصرية عقدت العزم مبكرًا على الخروج بوثيقة إلزامية لكل الدول الأطراف بخصوص مساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع الآثار الفورية الناجمة عن التغير المناخي؛ أخذًا فى الاعتبار أن البلدان الغنية ـ فى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ـ ظلت تقاوم على مدار 30 عامًا لمنع مناقشة التعويض المادى للدول المتضررة من التغيرات المناخية.
ورغم صعوبة المباحثات بين وفود الدول الأطراف إلا أن جهود "الرئاسة المصرية" للمؤتمر تكللت بالنجاح غير المسبوق، المتمثل فى التوصل إلى اتفاق إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار"، إلى جانب إنشاء صندوق "المناخ الأخضر" لدعم جهود الدول النامية فى الوفاء باسهاماتها المحددة وطنياً وتعزيزها لخفض الانبعاثات وهو ما يعد انتصارا لحقوق الدول النامية المتضررة جراء التغيرات المناخية.
ماكينة الخسائر لا تتوقف
الإنجاز الذى تحقق فى قمة شرم الشيخ يُمكن تلمس آثاره من الكوارث التى سببتها التغيرات المناخية وألقت بظلالها على الدول الفقيرة والنامية، تلك الكوارث المتمثلة فى الفيضانات والجفاف والأعاصير والانهيارات الأرضية وحرائق الغابات.
وبحسب تقرير صدر حديثاً عن "جمعية الخسائر والأضرار"، التى تضم أكثر من 100 باحث وصانع سياسات من جميع أنحاء العالم، فإن 55 من أكثر الاقتصادات عرضة للتأثر بالمناخ عانت من خسائر اقتصادية تجاوزت قيمتها نصف تريليون دولار، وذلك بين عامى 2000 و 2020. ويمكن أن يرتفع هذا الرقم بمقدار نصف تريليون آخر فى العقد المقبل.
وأفاد التقرير أن "كل جزء إضافى من ارتفاع درجات الحرارة يعنى المزيد من التأثيرات المناخية، مصحوباً مع خسائر بسبب تغير المناخ فى البلدان النامية تقدر بما يتراوح بين 290 مليار دولار و 580 مليار دولار بحلول عام 2030". ولقد شهد العالم بالفعل ارتفاعاً فى متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.1 درجة مئوية مقارنة بفترة ما قبل الصناعة.
أفريقيا فى قلب الخطر
فى ذات الإطار، أفاد تقرير "برنامج الأمم المتحدة للبيئة"، بأن "أفريقيا هى أكثر القارات تأثرًا وتضررًا بسبب تغير المناخ، مشيرًا إلى أنه "بالنظر إلى موقعها الجغرافي، ستكون القارة الأكثر تضررًا من الخلل البيئى الناتج عن زيادة الانبعاثات الكربونية، حيث يؤدى ذلك إلى تفاقم انتشار الفقر بسبب تراجع النمو الاقتصادي، وعدم توفير سبل كسب العيش للسكان الضعفاء".
ولفت التقرير الأممى إلى أن "نحو 250 مليون شخص أفريقى عانوا مؤخرًا من نقص المياه الصالحة للشرب بسبب التغيرات المناخية، كما انخفضت عوائد الزراعة المعتمدة على الأمطار بنسبة تصل إلى 50 فى المائة"، مؤكدًا أن ارتفاع حرارة كوكب الأرض أدى إلى تعرض ما يزيد عن 50% من سكان القارة لخطر نقص التغذية.
وتشير التقديرات إلى أن تغير المناخ يؤدى إلى خسارة سنوية تتراوح بين 2% و 4 % سنويًا فى الناتج المحلى الإجمالى للقارة السمراء. وعلى افتراض أن الجهود الدولية ستُبقى على الارتفاع فى درجات الحرارة، فإن القارة ستكون فى حاجة إلى نحو 50 مليار دولار سنويًا حتى تستطيع التكيف مع التغيرات المناخية، التى تسببت فيها الدول الصناعية الكبرى.
فى ضوء هذه المؤشرات، كان لابد من التحرك الفورى والسريع لحشد المجتمع الدولى للعمل بكل جدية تجاه قضايا التغيرات المناخية، وحث الدول الكبرى على الوفاء بالتزاماتها المالية على الأقل.
الدولة المصرية تتحرك
فى الوقت الذى حاولت فيه الدول الصناعية الكبرى التنصل من مسئوليتها تجاه شعوب القارة الأفريقية ومعاناتها اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيا؛ نتيجة الانبعاثات الكربونية؛ تقدمت الدولة المصرية لاستضافة قمة "كوب 27" بمدينة شرم الشيخ؛ حاملة هموم الأشقاء.
وحشدت الدولة المصرية كل جهودها لاستضافة زعماء وقادة العالم على أرض شرم الشيخ، لتكون قمة "كوب 27" نقطة مفصلية بين التحديات التى يواجهها العالم جراء التغيرات المناخية وبين التزام الدول الصناعية الكبرى بمقررات القمم السابقة، وتعهدها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا كمساعدات للدول الفقيرة حتى يمكنها مجابهة آثار التغيرات المناخية.
وقد اكتسبت القمة أهميتها أيضًا من كونها تأتى فى وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الأولية والغذائية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا ومخلفات جائحة "كورنا"، إضافة إلى الجفاف وانتشار التصحر وتراجع معدلات الإنتاج الزراعى حول العالم، وفى القارة الأفريقية على وجه التحديد، فضلاً عن انتشار حروب المياه بين العديد من الدول وبعضها البعض.
كما استهدفت القمة تجديد التضامن بين دول العالم لتنفيذ "اتفاق باريس التاريخى فى 2015"، والذى كان أحد أهدافه تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ، وذلك عن طريق منع ارتفاع درجات الحرارة العالمية هذا القرن إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومواصلة الجهود كى لا يزيد ارتفاعها فوق 1.5 درجة مئوية.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
تصاعدت حدة المواجهات بين أمريكا وروسيا بشكل مفاجئ على خلفية الحرب الأوكرانية، وذلك فى أعقاب إسقاط طائرة
يحرص الرئيس "السيسي" فى كل مناسبة أن يبعث بمجموعة من الرسائل للداخل والخارج؛ علّها تكون مرشدًا ودليلاً للخروج
حما أرضه وصان عرضه ولا انحنى لغير مولاه
لقد اختارهم القدر أن يحملوا لقب شهداء، وإن كانوا قد تركوا فى القلب غصة، بعدما راحوا ضحية الإرهاب الغاشم الذى...