المقهى الدبلوماسي.. فرنسا على صفيح ساخن

ولأني من عشاق القهوة الفرنسية.. فاحيانا ما اغمض عيني وانا ارتشفها.. سابحا في اللا نهاية وفي اللا موضوع.. مقتنصا من عناء اليوم لحظات من الاسترخاء

 فما إن فعلت.. وإذا بصوت يخرجني من عالمي الافتراضي.. متسائلا..هو إيه حكاية حركة "السترات الصفراء" دي.. وإيه اللي بيحصل في فرنسا الأيام دي!؟ .. فاستفقت من راحتي.. واعتدلت على مقعدي في المقهى الدبلوماسي.. وانا أقول لصديقي اللدود.. شوف أنا هاقولك.. ولكن مرة تانية لما تلاقيني سرحان ومستغرق كده ياريت ما تسألنيش عن حاجة.. فوجدته يتراجع مستشعرا الخجل وهو يقول: لا مؤاخذة .. معلش.. خلاص بقى .. مرة تانية.. فابتسمت مسريا عنه وانا أقول: خلاص بقى ما تعملهاش حكاية.. ما صحيتني وخلاص..

حركة "السترات الصفراء" .. دي حركة شعبية بدأت بدعوات على شبكات التواصل الاجتماعي للاحتجاج على زيادة الضرائب على المحروقات، البنزين وخلافه..

بدأت هذه الحركة بتسجيل فيديو وضع على موقع فيس بوك في 18 أكتوبر وانتشر بسرعة، ظهرت فيه سيدة غير معروفة تدعى جاكلين مورو بتوجه الاتهام للرئيس الفرنسي "ماكرون"، وتدين "اضطهاد سائقي السيارات".. ونشرت كمان عريضة على الأنترنت تطالب "بخفض أسعار المحروقات".

. وبتطالب الشعب الفرنسي "للتحرك الأول" في 17 نوفمبر.. وشارك في اليوم الأول من حملة إغلاق الطرق في فرنسا السبت 17 نوفمبر حوالي 290 ألف متظاهر ارتدوا سترات السائقين الصفراء .. واللي حصل ده لم يكن من تنظيم أي حزب أو نقابة ..

طيب .. والحكومة الفرنسية عملت إيه.. !

في اليوم التالي، أكد رئيس الوزراء إدوار فيليب أن الحكومة مصرة على موقفها..

فاستمر الاحتجاج.. وخلال أربعة أيام سقط قتيلان و530 جريحا.. وفي يوم السبت 24 نوفمبر .. تصدى آلاف المتظاهرين لقوات حفظ النظام في شارع الشانزيليزيه في باريس.. وبلغ عدد المتظاهرين بأنحاء فرنسا حوالي 106 آلاف متظاهر .. بينهم ثمانية آلاف في باريس.. وتصاعدت الأرقام بعد أسبوع إلى 166 ألفا.. وأعقب تلك المظاهرات أول تصريحات للرئيس إيمانويل ماكرون الذي أعلن أنه يريد تكييف الرسوم على المحروقات مع تقلبات الأسعار وتنظيم "مشاورة كبيرة" على الأراضي الفرنسية.. ولكن القرارات لم تجد ترحيبا كبيرا من المتظاهرين..

وبعدين..!

 أبدا.. في السبت الأول من ديسمبر.. دارت حرب شوارع في باريس .. وحدثت أعمال عنف عديدة وشهد محيط قوس النصر وعدد من الأحياء الراقية صدامات بدت أقرب إلى حرب الشوارع.. ومش بس في باريس.. وفي جنوب غرب فرنسا على الطريق السريع بين باريس وبوردو.. وفى غرب فرنسا فى كاين.. وفى الشمال بقرب من مدينة "كاليه" الساحلية.. وكمان في مرسيليا بجنوب شرق فرنسا، توفيت سيدة في الثمانين من العمر بعدما أصيبت في شقتها بمواد قنبلة مسيلة للدموع..في الوقت ده كان الرئيس  إيمانويل ماكرون بيحضر قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.. وأول ما رجع دعا إلى اجتماع أزمة في الإليزيه. . ولكن الأمور ما وقفتش عند هذا الحد.. في 3 ديسمبر.. طلاب المدارس الثانوية اتظاهروا ضد الإصلاحات في قطاع التربية الوطنية، وشملت الاضطرابات عشرات المدارس يوميا.

طيب واجتماع الرئيس الفرنساوي.. تم فيه إيه.. !

في 4 ديسمبر.. حصل تراجع حكومي وإلغاء زيادة الضرائب في 2019 .. وأعلن رئيس الوزراء إدوار فيليب تعليق زيادة الرسوم على المحروقات لستة أشهر وتجميد تعرفة الغاز والكهرباء "في فصل الشتاء". . وده اللي أكده ماكرون في اليوم التالي.. ولكن في نفس اليوم..  أثار تسجيل فيديو لعملية اعتقال عدد من طلاب المدارس الثانوية في ضاحية مانت-لا-جولي الباريسية، وهم جالسين على الأرض وأياديهم على رؤوسهم،  استياء كبيرا.. وازداد الوضع سوء  لما حصلت اعتقالات غير مسبوقة لألفي شخص   ..   يوم السبت 8 ديسمبر.. وعلى الرغم من انتشار أمني كثيف.. اندلعت صدامات في باريس ومدن أخرى.. شارك 136 ألف متظاهر وانتهى باعتقال حوالي ألفي شخص وجرح أكثر من 320 شخصا وبأضرار مادية في مدن كتيرة.. وقالت الشرطة الفرنسية  أن أكثر من 4500 شخص أوقفوا منذ 17 نوفمبر.. وفي المجمل نقدر نقول إن الاحتجاجات نتج عنها مقتل ستة أشخاص وأكثر من 1400 جريح..

يعني بالرغم إن الرئيس الفرنساوي رجع في قراره بزيادة أسعار البنزين .. وبرضه المظاهرات ما توقفتش.. !

تمام كده.. وده اللي خللى ماكرون يحاول ياخد إجراءات اقتصادية عاجلة في محاولة لاحتواء الأزمة.. وألقى إيمانويل ماكرون خطابا في التلفزيون الفرنسي أكد فيه أن المحتجين معاهم حق في حاجات كتير.. وأعلن عن زيادة100 يورو شهريا للحد الأدنى من الأجور ورفع الضرائب والرسوم عن ساعات العمل الإضافية وإعفاء جزء كبير من المتقاعدين من رسم إلزامي فرض في 1991 للمساهمة في الضمان الاجتماعي.. وقدرت قيمة الإجراءات التي أعلنتها السلطة منذ بداية التحرك بعشرة مليارات يورو.

طيب والناس عملت إيه .. دي حاجات كويسة قوي.. !

الناس انقسمت.. رحب بعض المحتجين من "السترات الصفراء" بالإجراءات التي اعتبروها "تقدما".. لكن آخرين اعتبروها "مهزلة".. وانقسم الرأي العام بخصوص مواصلة الاحتجاجات..  وللسبت الخامس على التوالي، قرر المحتجون الاستمرار في التظاهرات.. وبالتالي نشرت السلطات قوات أمنية كبيرة تحسبا لوقوع أعمال عنف..

وقال وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستنير، إن المتظاهرين متأثرون بمارين لوبان زعيمة حزب "المسيرة الوطنية" اليميني المتطرف. لكن لوبان اتهمت وزير الداخلية بعدم الأمانة.. وأعلنت السلطات الفرنسية عن نشر 8 آلاف عنصر من قوات الأمن و14 مدرعة في العاصمة باريس.. وإجراء عمليات تفتيش في الطرق ومحطات القطارات ووسائل النقل المشترك في العاصمة.. أغلقت متاجر كبيرة أبوابها، وألغت الفنادق الحجوزات رغم ازدحام تلك الفترة في العام مع اقتراب عيد الميلاد.

. وستفرض إجراءات حماية على الدخول إلى المؤسسات مثل قصر الإليزيه والجمعية الوطنية.. في الوقت اللي دعت فيه حوالى 15 منظمة يسارية مؤيديها للانضمام إلى "السترات الصفراء" في الساحة الواقعة في شرق باريس.. ولقيت الدعوات إلى التظاهر تجاوبا عبر فيس بوك ..

ولكن نقدر نقول ان حركة "السترات الصفراء" هدأت من بعد ما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي عن حزمة من الاجراءات لمساعدة الفقراء العاملين .. إلا إنه تم رصد العديد من الأشخاص المرتديين للسترات الصفراء  يقومون بحشد الحواجز خارج المدن.. ودعت الحكومة الفرنسية محتجي حركة "السترات الصفراء" إلى الامتناع عن تنظيم مسيرات جديدة

وحثت الحكومة المحتجين على التحلي بالعقلانية والامتناع عن الاحتجاج .. وبالفعل.. حدث تراجع ملحوظ في أعداد المحتجين..وتم يوم السبت 15 ديسمبر القبض على 107 محتج من اعضاء السترات الصفراء بباريس.. يعني الأمور ما انتهتش.. !؟

لا.. الأوضاع هدأت ولكن لم تستقر تماما.. وفيه حاجة كمان أعلنها الرئيس الفرنسي وحكومته.. إيه..

ماكرون ووزراؤه رفضوا الاستفادة من زيادة الأجور اللي بيستحقوها مع بداية 2019.. وده تضامنا مع الشعب الفرنسي وتقليلا للنفقات..

وحتى هذه الساعات لاتزال فرنسا على صفيح ساخن