«كاترين ملك» تعالج «الصدمات النفسية» بالفن

تسعى لإطلاق الطاقات الإبداعية المكبوتة داخل المريض
الفن هو سفينة النجاة، فهو روح الحياة وبهجتها، خاصة فى ظل ما نعيشه من ضغوطات وتحديات وأخبار سلبية، وما تسببه صدمات تلك الحياة من أمراض نفسية يستطيع الفن أن يعالجها بدون أدوية ولا أطباء؛ وهذا ما اكتشفته "كاترين ملك" صاحبة مبادرة "قلبى ومفتاحه" لتنمية مهارات الأطفال، وكاترين كذلك لها تجربة ملهمة، حيث ساعدتها أمومتها على اكتشاف ذاتها من جديد، ثم سعت لدراسة "العلاج بالفن" الذى وصفته ملك قائلة: "يناسب الذين تعرضوا فى حياتهم لصدمات نفسية"؛ وفى السطور التالية قدمت "كاترين ملك" خريجة كلية الفنون الجميلة عام 2005 والخبيرة المتخصصة فى المشورة الأسرية معلومات عن "العلاج بالفن"، وقالت فى حوارنا معها إن العلاج بالفن يساعد على إطلاق الطاقات الإبداعية المكبوتة داخل المريض، مما يمكنه من بناء دفاع قوى ضد المصائب والصدمات التى يتعرض لها.
فى البداية.. حدثينا عن نفسك؟
اسمى "كاترين ملك" ولدت فى مدينة نجع حمادى بمحافظة قنا، وتلك المدينة بالمناسبة تعد السكن الشتوى للأمير "يوسف كمال" مؤسس مدرسة الفنون الجميلة عام1905 وأحد المشاركين فى تأسيس الأكاديمية المصرية للفنون بروما، وربما لذلك يسرى فى دمى عشق الفنون بكل أنواعها، وهو ما دفعنى للالتحاق بكلية الفنون الجميلة التى تخرجت فيها عام 2005، وبدأت عملى كمعلمة بالتعليم الثانوى، ثم تزوجت فى القاهرة، ومنحنى الله طفلين هما الآن فى التاسعة والخامسة من عمرهما، ومحطة الأمومة كانت فارقة فى حياتى، كما هى فارقة فى حياة كل أم، فهناك كائن حى يحتاج لرعايتنا طوال 24ساعة، وذلك ربما يتطلب التخلى عن حريتنا وحياتنا التى كنا نعيشها قبل أن نصبح أمهات؛ هنا بدأ الصراع الداخلى بين إرادتى فى أن أكون أم مثالية وأحلامى عن حياتى التى تخيلتها قبل مرحلة الأمومة، ولذلك بدأت رحلتى فى البحث والتعلم لأنى أتطلع لمستقبل أفضل فى أمومتى أولا وفى عملى ثانيا، وظهر فى ذلك الوقت الجندى المجهول فى حياتى، وهو زوجى العزيز الذى طالما شجعنى وشدد من قواى لكى أكمِل ما بدأته فى رحلة البحث والدراسة لأتخصص فى المشورة الأسرية، وبدأتها بالحصول على الدبلومة الدولية للتعامل مع السلوك الإدمانى، وهى شهادة معتمدة من معهد نت بفلوريدا، وهذه الدراسة بدلت نظرتى للحياة تماما، حيث ساعدتنى فى تربيتى لأبنيّ ولها العديد من الفوائد الحياتية الأخرى، ثم رزقت بابنتى الصغيرة التى جعلتنى أتوقف عن الدراسة وتعديل أولوياتى فى أن يكون استمتاعى الأول هو قضاء وقتى مع أولادى ورعايتهم، وعندما بلغت ابنتى ثلاثة أعوام عُدت مرة أخرى لشغفى وحلمى ودرست دبلوم "العلاج بالفن" فى كلية التربية الفنية، ثم حصلت على العديد من الدورات المتخصصة فى ذلك التخصص.
وما هو العلاج بالفن؟
العلاج بالفن هو وسيلة فعالة جدا لعلاج حالات اضطراب كرب ما بعد الصدمة؛ ولقد درست أساسيات الدعم النفسى والصحة النفسية من خلال مؤسسة الهلال الأحمر التى أُتاحت لى فرصة للمشاركة فى العمل التطوعى بورش العلاج بالفن، وذلك ساعدنى كثيرا فى اكتساب الخبرة الاحترافية كمعالجة بالفن.
ويعد العلاج بالفن نوعا من استخدام الفنون للتعبير عن الانفعالات والأفكار والمشاعر بطرق غير لفظية، فى الخطوط والرسوم والألوان والنحت والكولاج وغيرها من وسائل وخامات الفن التشكيلى، ومن الهام أن أوضح أنه من غير المطلوب المهارة الفنية، لأن المطلوب هو التعبير عن طريق الخامات وليس الكفاءة فى المنتج الفنى، وقد يحدث هذا بشكل فردى من خلال جلسات فردية، وقد يحدث بشكل جماعى فى جلسات مشتركة، وتشير العديد من الدراسات إلى أنّ الألوان لها تأثير كبير على حياة الأفراد، وهذا التأثير يتجاوز التجربة البصرية، حيث يؤثر الجهاز العصبى المركزى بشكل أساسى على الدماغ الذى يتأثر بالألوان، وللألوان أيضا تأثير على وظائف الجسم لتنمية إبداع الدماغ وإنتاجيته.
أما هدف العلاج بالفن، فهو المزيد من التعبير وتنشيط الوعى والاستبصار بالذات وبالآخرين وإحداث تغييرات إيجابية فى الشخصية ومساعدة الفرد فى التعامل مع الصدمات بطريقة إيجابية بدلا من مجرد التنفيس عنها وتحسين تواصل الفرد مع الآخرين وتنمية الثقة بالذات؛ ويمكن استخدام الفنون لعلاج مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية والضغوط النفسية، والحالات المتعلقة بتقدم العمر، مثل: القلق، السرطان، الاكتئاب، اضطرابات الأكل، الصدمات العاطفية، واضطراب ما بعد الصدمة.
والعلاج بالفن مصطلح جديد على مسامعنا، لكنه يمارس منذ وجود الإنسان الأول، حيث تشير رسومات الكهوف وتشهد بصحة ذلك، ولقد رسم الإنسان جدران الكهوف فى أغلب الأحيان ليس لمجرد المتعة والفخر بإتقان العمل الفنى، بل كانت الأهداف أعمق نفسيا، حيث كان يهدف إلى تكوين علاقات لا شعورية مع موضوعات رسوماته، فكل الفنون التعبيرية التى تمكّن الإنسان من التعبير عن نفسه تستخدم فى العلاج، وأول من أطلق مصطلح العلاج بالفن هو الفنان البريطانى أدريان هيل فى عام 1942، حيث اكتشف هيل الفوائد العلاجية للرسم والتلوين فى فترة نقاهته عندما كان يتعافى من مرض السل فى المصحة، ولقد كتب أن قيمة الفن تكمن فى العلاج لإطلاق الطاقة الإبداعية المكبوتة للمريض التى تمكنه من بناء دفاع قوى ضد المصائب، وهناك أنواع للعلاج بالفن، منها العلاج بالفن التشكيلى، والعلاج بالسيكودراما، والعلاج بالموسيقى، والعلاج باللعب، والعلاج بالحكى.
وماذا عن المشورة الأسرية؟
فى البداية يجب أن نعرف أن المشورة ليست مجرد دردشة أو إعطاء النصائح، فعلم المشورة أو الإرشاد النفسى جزء لا يتجزأ من العلوم النفسية، هو أيضا فن، ويسمى فن مساعدة المستشير على فهم نفسه وصراعاته لحل مشكلاته، وذلك يحدث بعد توسيع مدى رؤيته وتشجعيه على استخدام إمكانياته؛ ويعتمد فن المشورة على العلم والتدريب وأيضا على مهارات الذكاء الوجدانى للمشير أو مقدم الخدمة وليست مجرد وظيفة ، إذ يستمد هذا العلم معارفه الأساسية من علم النفس، ومن ثم يحاول توظيفها فى مجالات خدمة الأفراد ومساعدتهم على حل مشكلاتهم، والحفاظ على صحتهم النفسية وتغيير سلوكياتهم غير المقبولة، فضلا عن تطوير شخصياتهم وتقديم المشورة والنصح المناسب لهم.
ما أسباب اهتمامك بـ "العلاج بالفن"؟
عدة أسباب، وأولها أن التعبير بالفن ساعدنى أنا شخصيا فى تحسين صحتى النفسية، وكمعظم الفنانين ستجدين أن الفن هو المنطقة والوقت المريح بالنسبة لهم، والسبب الثانى هو اهتمامى الشخصى بعلم المشورة والصحة النفسية، فأنا أستمتع فى الحقيقة بمجال عملى، وفى كل جلسة فردية أو ورشة جماعية، خاصةً عندما يخبرنى المريض أنه بدأ فى فهم نفسه أكثر وتحولت وجهة نظره فى أمور معينة، وبعد هذه الجلسة أشعر بأنى أسعد إنسان فى هذه الدنيا وأوفرهم حظاً، لأنى أكون قد حققت رسالتى فى التغير وبناء ما تهدم فى حياة إنسان ما
حـدثينا عـــن مبـادرة "قلبى ومفتاحه"
الفكرة جاءت من السيدة "مارلين" المسئولة عن أقسام التربية المتحفية لذوى الاحتياجات الخاصة بمتاحف القاهرة والجيزة؛ وكانت قد دعتنى فى برنامج صيفى لعمل برنامج علاج بالفن للأطفال الهدف منه تطوير المهارات الحياتية، ومن هنا اقترحنا اسم "قلبى ومفتاحه"، وفى البرنامج يتعرف الطفل ويتفهم مشاعره وأفكاره، وكلمة مفتاحه تعنى كيفية إدارة هذه المشاعر وتنظيمها، والهدف من هذه المبادرة مساعدة الأطفال فى اكتساب المهارات الأساسية للتعامل مع تحديات الحياة، ومهارات التواصل وبناء علاقات صحية، ومهارات تهدئة النفس وإدارة مشاعرها، كما يقدم البرنامج الدعم النفسى للأم، وذلك لإيماننا الشديد بمدى احتياج الأم لهذا الدعم ومدى احتياجها أيضا لتعلم نفس المهارات لكى تنعم الأسرة بانسجام فيما بينهم، وهو ما يساعد بقوة فى أن يكون البيت ملىء بالتفهم والتناغم بين أفراده، لذلك اقترحت تكوين فريق من المتخصصين فى العلاج بالفن والدعم النفسى ليتسنى لنا استيعاب عدد أكبر، وبالفعل كونا فريقا مميزا جدا ومتعاونا لأقصى درجة، وبفضل الله تعالى بدأت فعاليات المبادرة وكان الإقبال عليها كبيرا جدا، ولذلك تطلب منا تكرار هذا البرنامج مرة شهريا ليتسنى لنا قبول أكبر عدد وزيادة دائرة الاستفادة لمجموعات جديدة من الأطفال وأمهاتهم.
وماذا عن طموحاتك المستقبلية وتطلعاتك للفترة المقبلة؟
لديّ حلم أن يطبق العلاج بالفن ويعتمد فى كل المؤسسات، فقد رأيت من خلال فترة عملى كمعالج بالفن مدى التأثير الإيجابى الذى يتركه العلاج بالفن على الأشخاص، حيث يعمل على تحسين صحتهم النفسية وإكسابهم مهارات حياتية؛ وعلى مستوى من لديهم اضطرابات فالعلاج بالفن له فعالية فى معظم أنواع الاضطرابات النفسية.
أخبار ذات صلة
المزيد من تحقيقات
«الأوقاف» تقود 20 مؤسسة لحسم معركة بناء الوعى تحت شعار «صحح مفاهيمك»
مبادرة رئاسية هى الأولى من نوعها
سوق العمل الحديث يحدد قائمة جديدة لكليات القمة
خبراء التعليم يحذرون طلاب الثانوية العامة.. د.عاصم الدسوقى: الطلاب أسرى وهم اجتماعى صنعته نظرتنا القديمة للمكانة والوظيفة والراتب د. تامر...
الخبراء يحذرون من توابع تصويت الكنيست لصالح المشروع القانون
تحقيق حلم إسرائيل الكبرى يبدأ بضم الضفة الغربية وغور الأردن السفير بركات الفرا: دولة الاحتلال اعتادت استغلال الفرص حين تشعر...
ملاجئ نهاية العالم.. بيزينس ما قبل الفناء
سعر الوحدة وصل إلى 400 مليون دولار توم كروز وأوبرا وينفرى وجوزيف بيزوس وزاكربرج وبيل جيتس وإيلون ماسك انتهوا من...