المبشرون بالجنة 4 عبدُالرَّحمن بن عوف.. الغنىّ الزاهد المجاهد فى سبيل الله

هو الصحابى الجليل الذى اختاره الله ليكون من المؤمنين بالرسالة المحمدية، فجعله يتلقى الإشارة من شيخ يمنى،
فى إحدى رحلاته التجارية، حدثه "عسكلان بن عواكن الحميرى" بحديث البشرى عن النبى الهاشمى الذى يظهر فى مكة ويخالف ما تعبد "قريش" ويحق الحق وينشر النور والإيمان، فعاد إلى مكة وحكى خبر ـ الحميرى، لصديقه "أبوبكر" وأسلم على يديه ضمن خمسة هداهم الله على يدى الصدّيق، وجلس بين يدى النبى الأعظم فى دار"الأرقم" وحكى ما جرى له مع الحميرى فقال له الرسول الأكرم ما معناه إن ـ أخا حمير ـ من المؤمنين الذين اختارهم الله ليؤمنوا بدين الإسلام رغم أنه من اليمن البعيدة عن مكة، وكان ـ ابن عوف ـ من السابقين فى الإسلام والمجاهدين فى سبيل الله بالقتال وإنفاق المال، وكان به عَرَج فى قدمه لجروح أصابته فى "يوم أحد" وفيه أيضا فقد سنتيه الأماميتين وهو يدافع عن النبى الأعظم..
يعرف الناس أن النبى الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، بشر عشرة من الصحابة بالجنة، والسر فى البشارة، ضخامة التضحية التى قدموها لنصرة دين الله فى لحظة العسرة والقسوة التى فرضتها "قريش" على كل من استمع كلام ـ المعصوم ـ وصدق رسالته وآمن به، وكلهم من فروع "قريش" وهذا يعنى أنهم تحملوا الأذى المعنوى من جانب القبيلة التى كانت تهيمن على جزيرة العرب بما لها من نفوذ مادى وأدبى، فهى ترعى "البيت الحرام" الذى يحجُّ إليه العرب، وهى تتحكم فى طرق التجارة بين الشام واليمن وجزيرة العرب ومصر والعراق وكان "عبد الرحمن بن عوف "من بنى زهرة، وهم قوم من قريش لهم قرابة قريبة بالنبى الأعظم، وكان ـ رضى الله عنه ـ أحد الثمانية الأوائل الذين هداهم الله إلى الإسلام، وكان مولده فى مكة بعد عام الفيل بعشر سنوات وهاجر إلى "الحبشة" بعد أن أسلم وزادت قسوة قريش على المسلمين.
ونسبه كما ورد فى كتب السيرة النبوية واضح وراسخ، فهو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ويلتقى مع النبى الأعظم فى "كلاب بن مرة" وأمه هى "الشقّاء" بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة، وأسلمت وبايعت النبى صلوات الله عليه وهاجرت إلى المدينة المنورة.
جهادٌ وتقوىَ
فى قصة إسلام الصحابى عبد الرّحمن بن عوف حكمة، فهو يتاجر ويسافر إلى الشام واليمن، وفى رحلة له فى اليمن قابل الرجل المؤمن "عسكلان بن عواكن الحميرى"، وكان يبشر بقدوم النبى الأعظم، وحفظت كتب التاريخ ما رواه ـ عبد الرحمن بن عوف ـ عن لقائه بالحميرى:
"سافرتُ إلى اليمن قبل البعثة بسنة، فنزلت على عسكلان بن عواكن الحميرى، وكان شيخاً كبيراً، وكنت إذا نزلت عليه يسألنى عن مكة وأحوالها وهل ظهر فيها من خالف دين "قريش" أم لا؟ حتى قدمتُ القَدْمة التى بعث النبى صل الله عليه وسلم وأنا غائب فيها، فنزلت عليه فقعد وشد عصابة على عينيه وقال: انتسب يا أخا قريش، فقلت: أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة، قال: حسبك..ألا أبشرك ببشارة هى خير لك من التجارة، قلتُ: بلىَ ، قال: أتيتك بالمعجبة وأبشرك بالمرغبة، إن الله قد بعث فى الشهر الأول من قومك نبياً ارتضاه صفياً، وأنزل عليه كتاباً وفياً، ينهى عن الأصنام ويدعو إلى الإسلام، يأمر بالحق ويفعله وينهى عن الباطل ويبطله وهو من "بنى هاشم" وإن قومك لأخواله، فآزره وصدقه واحمل إليه هذه الأبيات:
أشهدُ بالله ذى المعالى وفالق الليل والصباح إنك فى السر من قريش.
وابن المفدَّى من الذباح
أرسلت تدعو إلى يقين
ترشد للحق والفلاح
أُشِهدُ الله ربّ موسى
أنك أرسلت بالبطاح
فكُن شفيعى إلى مليك
يدعو البرايا إلى الصلاح.
ويقول ـ الصحابى الجليل ـ إنه رجع إلى "مكة" ولقى الصديق أبا بكر، وأخبره الخبر، فقال له ما معناه إن النبى الأعظم قد بعثه الله بشيراً ونذيرًا وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، وكان لقاؤه بالنبى ونقل له خبر "الحميرى" فقال صل الله عليه وسلم "إن أخا حمير من خواص المؤمنين، ورب مؤمن بى لم يرنى ومصدّقٌ بى وما شهدنى، أولئك إخوانى حقاً".
وما هو معروف من السيرة النبوية ومصادر التاريخ وروايات المؤرخين أن المسلمين الأوائل كانوا يجتمعون مع النبى الأعظم فى دار "الأرقم بن أبى الأرقم"، ولما بلغ عددهم الأربعين نزل الوحى وأمر - النبى الأعظم- بإعلان الدعوة والجهر بها، ثم هاجر ـ عبدالرحمن بن عوف ـ إلى الحبشة فى شهر "رجب" من العام الخامس بعد البعثة المحمدية، وكان المهاجرون أحد عشر رجلاً وأربع نسوة، ثم كانت هجرته إلى المدينة المنورة "ونزل على "سعيد بن ربيع الأنصارى" وهو من أغنياء الأنصار، فعرض على ـ ابن عوف ـ المناصفة فى المال والأهل:
"إنى أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالى نصفين، ولى امرأتان، فانظر أعجبهما إليك، فسمِّها، فأطلِّقها، فإذا انتقضت عدّتها فتزوجها"، وكان جواب ابن عوف رضى الله عنه:
"بارك الله لك فى أهلك ومالك، دلنى على السوق"، ودلوه على سوق بنى قينقاع، فربح مالًا وتزوج امرأةً من الأنصار.
مع النبىّ الأعظم
شهد الصحابى الجليل عبد الرحمن بن عوف كل الغزوات مع النبى صل الله عليه وسلم، وأبلى بلاءً حسناً فى "غزوة بدر" و"غزوة أحد" و"الخندق"، وشهد "بيعة الرضوان" وفتح مكة ويقول ـ سعيد بن جبيرـ عن المبشرين بالجنة وابن عوف منهم:
"ـ كان مقام أبى بكر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ـ أمام رسول الله ـ فى القتال، ووراءه فى الصلاة، وكان ـ عبدالرحمن بن عوف ـ يفتى على عهد النبى، وكان كثير الصدقات والنفقات على الجهاد فى العهد النبوى حيث تصدَّق بشطر ماله، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، وقيل إنه أعتق فى يوم واحد ثلاثين عبداً.
وفى يوم أُحُد، كان عبدالرحمن بن عوف من الذين ثبتوا حول النبى، حين ولَّى الناس، وأصيب بعشرين جرحاً وانكسرت سنتاه الأماميتان، وأصابه عَرَج فى قدمه طوال حياته، والسنة الخامسة للهجرة بعثه النبى الأعظم على رأس سريَّة إلى "دومة الجندل" ليقاتل "بنى كلب" وقال له صل الله عليه وسلم:
"ـ جاهِدْ فى سبيل الله ،إذا لقيتَ شرفاً فكبِّر، وإذا ظهرت فهلّل، وإذا هبطتَ فاحمد واستغفر وأكثر من ذكر الله، عسى أن يفتح على يديك فإن فتح على يديك فتزوج بنت ملكهم..
فأخذ ـ عبد الرحمن بن عوف ـ اللواء وسار بجيشه وكانوا سبعمائة رجل، حتى قدم "دومة الجندل" فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم ملكهم "الأصبغ بن ثعلبة" فى اليوم الثالث وأسلم معه كثيرون، وتزوج عبدالرحمن ابنته "تماضر بنت الأصبغ" وأقبل بها إلى المدينة المنورة وولدت له "أبا سلمة" ابن عبد الرحمن بن عوف، وكان هذا أول زواج بين "قريش" و"بنى كلب".
زمن الخلفاء الراشدين
تولى الفاروق عمر بن الخطاب مهام أمير المؤمنين وأصبح من الخلفاء الراشدين، وكان معه عبد الرحمن بن عوف يمنحه الرأى والمشورة، ولما فتح ـ جيش المسلمين ـ بلاد فارس فى عهد الفاروق رضى الله عنه اختلف الصحابة فى أمر "الجزية" وجواز أخذها من "المجوس" فكان الصَّواب فى خبر أخبر به ابن عوف رضى الله عنه، فقال إن النبى الأعظم أخذ الجزية من "مجوس هجر" وعمل الفاروق بــرأيه وحصل الجزية من المجــــوس، واستخلفه ـ الفاروق ـ على "الحج" وحج معه وهى آخر حجَّة للفاروق رضى الله عنه، ولما أذن الفاروق لأزواج النبى بالحج، حملن فى الهوادج على ظهور الإبل وبعث معهن "عثمان بن عفان" وعبد الرحمن بن عوف، فكان "عثمان" يسير أمامهن وهو راكب راحلته فلا يدع أحدا يدنو منهن، وكان عبد الرحمن بن عوف يسير وراءهن راكباً راحلته يحميهن من عوارض السفر فى الصحراء، ولما طعن أبولؤلؤة المجوسيّ، الفاروق رضى الله عنه أوصى أن يكون الأمر شورى من بعده وجعل الشورى فى ستة من صحابة رسول الله الذين توفى وهو عنهم راضٍ، فجعل مع الستة ولده "عبد الله" ليكون الصوت المرجِّح، وأوصى الستة بأن يأخذوا برأى عبد الرحمن بن عوف إذا لم يرضوا برأى عبدالله بن عمر بن الخطاب، وجرت الشورى وبويع "عثمان بن عفان" بعد وفاة الفاروق عمر وكان أول مبايع له هو عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه.
الزَّاهد الورِع
ظل عبد الرحمن بن عوف قريباً من خليفة رسول الله "عثمان بن عفان" وبقيت مكانته محفوظة، واستخلفه "عثمان" على "الحج" ولما مرض ـ الخليفة ـ مرضا طال أمده، استدعى الكاتب وقال له: أكتب عهدا لعبد الرحمن بن عوف من بعدى، وكتب الكاتب العهد، وانطلق يبشر عبد الرحمن بن عوف بما قرره "عثمان" فقام إلى ما بين القبر والمنبر ودعا دعوة طلب فيها من الله أن يقبض روحه قبل أن يُولّى خليفة على المسلمين، واستجاب الله دعاءه، وانتقل إلى جوار ربه بعد ستة شهور، وتوفى عن عمر جاوز السبعين عاماً، وهو الذى رُوى عنه قوله:
"قتل "حمزة" فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوباً واحداً، وقتل: مصعب بن عمير" فلم يوجد ما يكفن فيه، ولقد خشيت أن يكون عجلت لنا طيباتنا فى حياتنا الدنيا".
ولما وضعت أمامه صحفة فيها خبز ولحم، بكى وقال:
"ـ مات رسول الله صل الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، فلا أرانا أخِّرنا لما هو خير لنا".
وكان رضى الله عنه ينفق على أزواج النبى، وروى خمسة وستين حديثاً عن الرسول الأكرم صل الله عليه وسلم، وهو الزاهد الورع الذى منح أربعمائة دينار للصحابة الذين بقوا على قيد الحياة من الذين شهدوا غزوة بدر وكان عددهم مائة صحابى، وأوصى بشراء ألف فَرسٍ لتكون ضمن خيول جيش المسلمين وتوفى فى العام الثانى والثلاثين للهجرة النبوية المباركة.
أخبار ذات صلة
المزيد من ثقافة
How Breakers Prevent Major Electrical Failures
How Breakers Prevent Major Electrical Failures
قصة مصورة - تحت الجردل
على سطح العربة، قرفص "الفواعلى"، منتظراً على نار قطع المسافة الشاسعة التي تفصله عن منطقة العمل.
حسن فؤاد.. الراعى الرسمى للمبدعين.. وجواهرجى الموهوبين
الفنان الذى حوَّل سجن الواحات إلى لوحات اكتشف واحتضن المئات من نجوم الرسم والصحافة وترك بصمته على الجميع رسوماته لشخصيات...
مى حمدى منصور تتحدث عن «عمها» شاعر النصر وصاحب «حدوتة مصرية»
عبد الرحيم منصور رفض طلب السادات بأن يكتب قصيدة هجاء فى الأبنودى والدته هى سر عبقريته.. وماتت بعد رحيله ب...